الملف الإيرانيترجمات

“عقيدة بيغن” فشلت في إيران..حان الوقت لاتجاه جديد، معقد لكنه ضروري

ترجمة الهدهد
هأرتس/ دكتور جيل مورسيانو
تمر أيام صعبة على صناع القرار في تل أبيب، وتخلق ساعة الصفر في واشنطن وبروكسل وطهران نحو وصول الجمهورية الإسلامية إلى القدرة النووية ضغوطًا دولية لقبول اتفاقية أضعف بكثير ومليئة بالعيوب عن تلك التي تم توقيعها في عام 2015. “إسرائيل” بين خياري قرارات أقل سوءًا وأكثر سوءًا. من ناحية هي تمسكت بالخط الثابت لمعارضة تحريك الاتفاق النووي، ومن ناحية أخرى يتزايد الاعتراف في “إسرائيل” بأنه لا توجد بدائل حقيقية لوقف تقدم إيران بغير الاتفاق.

في غضون ذلك أصبح يتضح أكثر وأكثر عدم جدوى الإجراءات العسكرية في إيقاف القطار الإيراني. الموقف التفاوضي “الإسرائيلي” يخلو من الأفكار الجديدة ويكرر باستمرار نفس الرسائل السياسية التي تمت صياغتها منذ حوالي عقد من الزمان، وتآكلت قدرتها على التأثير على الواقع.

نقطة الانحطاط الحالية تتحدى المبادئ الأساسية لسياسة الردع النووي “الإسرائيلية”. في الوسط توجد هناك عقيدة بيغن” الشهيرة التي ظهرت مع قراره بمهاجمة المفاعل العراقي “أوسيراك” عام 1981. ومنذ ذلك الحين يُنظر إلى هذه العقيدة على أنها المبدأ الأساسي لسياسة “إسرائيل” تجاه جهود أعدائها لتطوير أسلحة نووية. إنها تملي على القادة التصرف “بكل الوسائل” لمنع الدول “المعادية” من امتلاك السلاح النووي.

عملياً هي راهنت على طريقتين رئيسيتين:

1. عمل “إسرائيلي” يقوم على عملية “إسرائيلية” مستقلة في مواجهة التهديد.

2. المكانة المركزية أو الرئيسية للعمل العسكري – إحباط جهود التطوير بالوسائل الحركية الهجومية حتى لو كان ذلك على حساب تصعيد عسكري محتمل.

منذ الهجوم في العراق خضع المفهوم لتعديلات ليتلاءم مع الواقع المتغير (على سبيل المثال، من خلال زيادة التنسيق السياسي والعملياتي الأمريكي – الإسرائيلي)، لكن مبادئه لا تزال متشابهة. وتلقينا تأكيدا لذلك في عملية “خارج الصندوق ” (2007) ، حيث نجحت “إسرائيل” في إحباط جهد سوري – كوري شمالي. لبناء مفاعل نووي من خلال هجوم جوي.

السياسة “الإسرائيلية” تجاه النووي الإيراني تقوم على نفس العقيدة. صحيح أن العنصر أو المكون السياسي دعم أقصى ضغط دولي ومعارضة حلول الاتفاقيات مع إيران يشكل جزءًا أساسيًا من السياسة الإسرائيلية، لكنه مندمج مع نشاط “حركي” هجومي. أي في الاستخدام المكثف لمجموعة متنوعة من الوسائل العسكرية لاحتواء الجهد الإيراني ماديًا. يعد هذا جهدًا إبداعيًا واسع النطاق – وهو من أكثر الجهود شمولاً في تاريخ الأمن القومي “الإسرائيلي” – تحديد نقاط الضعف وتطوير القدرات العملياتية لإلحاق الضرر بالبنية التحتية للمشروع الإيراني.

أسفرت الجهود عن عشر سنوات من النجاحات العملياتية بوسائل مختلفة وفقًا للمنشورات الأجنبية – بداية من إدخال فيروس الحواسيب (Stuxnet ) عام 2011 إلى منشآت تخصيب اليورانيوم إلى سلسلة اغتيالات لعلماء نوويين إيرانيين ووصولا إلى تخريب منشأة التخصيب في نتنز العام الماضي وأكثر من ذلك.

نتج عن هذه النجاحات الشعور بأن القصة الإيرانية ستكون تكراراً للقصة العراقية أو السورية. هنا أيضًا العقل اليهودي (والأمريكي) وبضع مئات الكيلوجرامات من المواد شديدة الانفجار ستقضي على المشروع النووي. ومع ذلك على الرغم من أن “إسرائيل” فازت بالعديد من المعارك إلا أنها خسرت المعركة نفسها – فقد أدت الهجمات إلى تأخير التقدم الإيراني لكنها لم تغير توجه إيران. إيران تقترب الآن من وضع “دولة العتبة النووية” – قدرتها على تطوير أسلحة نووية تعتمد إلى حد كبير على قرارات قادتها وليس على الحاجة إلى تطوير قدرات جديدة. إذا أرادت إيران – ستنطلق الى القنبلة، إذا لم ترد – ستعمل على استغلال قربها منها قدر الإمكان من أجل تحسين وضعها الجيوسياسي.

وأكثر من ذلك، أوجدت التجربة الإيرانية في السنوات الأخيرة في ايران “نضجا” لا رجوع فيه لدخول المرحلة العسكرية النووية. جهود تخصيب اليورانيوم إلى مستويات عالية (60٪) التي تمت بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية نقلت الإيرانيين إلى نقطة اللاعودة العقلية والمهنية، وهذه نقطة مهمة لن تكون الاتفاقية الناشئة قادرة على إلغائها. أجهزة الطرد المركزي المتقدمة يمكن تفجيرها ويمكن شحن اليورانيوم المخصب لتخزينه في بلد ثالث – ولكن كيف تجعل الإيرانيين ينسون الخبرة و المعرفة التي اكتسبوها؟ كيف يمكن سلب الخبرة المكتسبة في بناء أجهزة الطرد المركزي المتطورة أو جعلها تتراجع؟.

كشف نجاح المشروع الإيراني عن ضعف أساسي في عقيدة بيغن: فهي عقيدة تعمل بشكل أساسي على تدمير القدرات وليس على تغيير الظروف أو الدوافع. عندما تلتقي العقيدة مع الجهد الإستراتيجي القومي لدولة قوية فإن أقصى ما يمكن أن تقدمه هو تأجيل النهاية. يمكن رؤية إشارة إلى ذلك بالفعل في الهجوم على المفاعل العراقي – حتى ذلك الحين لم يمنع تدمير المفاعل صدام حسين من الوصول بعد أقل من عقد من الزمان قريبا جدا من القدرة النووية قبل غزو الكويت. (1990).

يبدو أن نقطة الأزمة الحالية هي فرصة ذهبية لإعادة النظر في مفهوم الردع النووي “الإسرائيلي”. لكن القدرة على انتقاد النهج الموجود في المجال النووي الإيراني ومناقشة الواقع المتغير وتداعياته المستقبلية محدودة للغاية لدى المستوى السياسي. في كافة الطيف السياسي قلة هم الذين على استعداد للاعتراف بالخطأ الأساسي للمفهوم “الإسرائيلي” وفشله وتقديم البدائل له.

الشعب اليهودي كثير الانتقاد، والثمن في صندوق الانتخابات باهظ للغاية. من المريح الاستمرار في الحديث عن الخيارات العسكرية (مع العلم أنها غير موجودة) وتشديد العقوبات (التي لا تحقق الهدف). وهكذا، بعد ما يقرب من 50 عامًا من حرب يوم الغفران عاد النظام “الإسرائيلي” إلى التنافر المعرفي مرة أخرى – في عجز سياسي ومهني ونفسي لتحدي مفهوم كان متجذرًا بعمق على مدى أربعة عقود. كيف سيكون من الممكن أن نشرح للجمهور ولأنفسنا أننا استثمرنا الكثير من الأموال ورأس المال السياسي والمخاطرة بحياة البشر في الترويج لسياسة فاشلة؟ ومن السهل جداً التمسك بالمفهوم الحالي وإدخال تحسينات تكتيكية بدلاً من تغيير مفهوم فكري بالكامل.

ما تحتاجه “إسرائيل” الآن ليس أقل من مناقشة متجددة للافتراضات الأساسية للسياسة “الإسرائيلية” تجاه التهديد الإيراني. منتدى إستراتيجي جديد ومختلف يتضمن طرح أسئلة جديدة يجب أن نسألها حتى لو لم نرغب في طرحها . أولا وقبل كل شيء هناك السؤال الأكثر صعوبة في الفهم – وهو سؤال اليوم التالي بعد ان تصبح إيران دولة عتبة نووية. موازاة بمحاولات اللحظة الأخيرة لوقفه، نحن مطالبون بالتساؤل عن التغييرات التي يجب أن تجريها “إسرائيل” في سياستها الإستراتيجية في حالة امتلاك إيران للنووي. هناك ضرورة لإجراء نقاش سياسي إستراتيجي حول التخطيط لتحركات “إسرائيل” السياسية في هذا الواقع الكئيب ولكن ليس المستحيل .

ليس المقصود بالطبع أن توقف إسرائيل محاولاتها لمنع إيران من الوصول الى منشأة نووية صالحة للاستخدام ، ولكن التعامل مع سؤال “اليوم التالي” هو أيضًا أمر جوهري لأعمالنا في هذا اليوم ، ومن المهم التعامل معه بالرغم من الصعوبة الذهنية.

تتطلب الافتراضات الصعبة مناقشة الأسئلة التي نعتقد أننا نعرف الإجابة عليها بالفعل. أهمها هو السؤال عما إذا كانت إيران وحدة صلبة ومتجانسة أو ما إذا كان هناك داخلها فروق واختلافات في المصالح بين جهات مؤثرة مختلفة. يجب أن يستهدف جزء أساسي من هذه المناقشة المستوى السياسي العملي، ويجب أن يُدرس إمكانية الاستفادة من الأنظمة الدولية والإقليمية كشركاء في حملة سياسية منسقة ضد التهديدات الإيرانية المشتركة.

أولاً: يجب إعادة النظر في علاقات “إسرائيل” الاستراتيجية مع شركائها الاستراتيجيين – مع التركيز على إعادة التفكير في الاتفاقات الدفاعية بين “إسرائيل” والولايات المتحدة فضلاً عن تحسين العلاقات مع الناتو بشكل كبير.
ثانيًا: يجب أن نتعامل مع التطورات الأكثر أهمية بالنسبة “لإسرائيل” منذ انهيار الاتفاقية النووية السابقة – اتفاقيات التطبيع والاحتمال الجديد لبناء نظام شراكات أمنية إستراتيجية مع دول المنطقة سرية وغير سرية.

هذا مجال بدأ فيه الانشغال “الإسرائيلي” خاصة في مجال الدفاع الجوي، لكن يكمن فيه إمكانات كبيرة للتوسع. في هذا الإطار من الضروري بناء إستراتيجية مشتركة لسيناريوهات محتملة مثل زيادة النشاط العسكري الإقليمي من جانب إيران أو تطور سباق تسلح إقليمي.

يتطلب إنشاء منتدى إستراتيجي جديد التنويع في دائرة المتحاورين وضخ معرفة جديدة ومختلفة. لايضيع داخلها الخبرة الدبلوماسية الإقليمية والدولية، والخبرة الإيرانية المحلية في مجالات المجتمع والاقتصاد والثقافة. يجب أن يكون للمجتمع المدني أيضًا مكانة مركزية في المناقشة كمصدر للتفكير غير مقيد بالقيود السياسية أو المنظوماتية.

التحدي الذي تواجهه “إسرائيل” في تطوير تفكير متجدد ملائم للواقع في المجال الإيراني هو واحدة من أكثر التحديات تعقيدًا التي واجهتها في تاريخها. الأمة التي أظهرت إبداعًا في إيجاد طرق لاختراق عشرات الأمتار تحت الأرض إلى مرافق أجهزة الطرد المركزي في نتنز سيُطلب منها الآن أيضًا إظهار إبداع مماثل في المجال السياسي والمفاهيمي. نقطة البداية هي أن نعترف أمام أنفسنا أن مفهوم الفكر الحالي لم يعد ذا صلة.

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي