أخبارأخبار رئيسيةمقالات إستراتيجية

من "الضم الزاحف" إلى "الضم السريع"

مُصادرة الإدارة المدنية من وزير الجيش إلى وزير المستوطنات

ترجمة الهدهد
معهد أبحاث الأمن القومي/ يارون ديكل

إن نقل مسؤولية الإدارة المدنية وتنسيق الأعمال الحكومية في الضفة الغربية – المنوط بها إدارة الحياة المدنية للمستوطنين اليهود والفلسطينيين في الضفة الغربية – من وزير الجيش إلى وزير المستوطنات من حزب الصهيونية الدينية، سوف يؤدي إلى سلسلة من التبعات، مثل تسريع عمليات ضم الأراضي؛ وتعطيل عمليات صنع القرار والقيادة والسيطرة؛ وإمكانية تقويض الوضع الأمني وتحركه ضد “إسرائيل” على الساحة الدولية.

إن مصادرة الإدارة المدنية ومنسق عمليات الحكومة في الضفة الغربية من يد وزير الجيش وتسليمها لوزير من قبل حزب الصهيونية الدينية، يهدف في نظر الحكومة المقبلة إلى تصحيح الظلم الذي لحق بالمستوطنين، ولتهيئة الظروف لتطبيق “القانون الإسرائيلي” في مستوطنات الضفة الغربية.

لقد امتنعت “إسرائيل” عن إعلان سيادتها على أراضي الضفة الغربية منذ عام 1967، مدعيةً أن سيطرتها مؤقتة على المنطقة التي كانت تدار وفقاً لقوانين الاحتلال في القانون الدولي.

إن نقل الإدارة المدنية من التبعية للقائد العسكري – أي قائد المنطقة الوسطى – ووزير الجيش إلى التبعية لوزير الاستيطان، وكذلك تفويض الصلاحيات ذات الصلة إلى الوزارات الحكومية الأخرى لم يعد يعني “ضما زاحفا” بل “ضم سريع” للأراضي.

استعداداً لتشكيل الحكومة الجديدة، تمت صياغة اتفاق بين رئيس الوزراء المكلف بنيامين نتنياهو وحزب الصهيونية الدينية، يتم بموجبه تعيين وزير في وزارة الجيش (ليس وزير جيش) والذي سيتولى كامل قضية الاستيطان في الضفة الغربية، وسيتولى المسؤولية الكاملة عن مناطق عمليات منسق العمليات الحكومية في الأراضي الفلسطينية والإدارة المدنية، وتحت إشراف الوزير سيتم إنشاء مديرية الاستيطان كمقر هيئة تنفيذية.

يذكر أنه خلال الحملة الانتخابية للصهيونية الدينية دعا زعيمها “بتسلئيل سموتريتش” إلى إلغاء صلاحيات الإدارة المدنية، وقال حينها: “يجب تفكيك الإدارة المدنية وتعزيز السيادة”.

ينضم طلب سموتريتش هذا إلى مشاريع القوانين التي قدمها في الماضي فيما يتعلق بإلغاء الإدارة المدنية.

من وجهة نظر الصهيونية الدينية فإن الاتفاق الجديد يهدف إلى “تصحيح الظلم الذي لحق بالمستوطنين، وأوضح المتحدثون باسم الليكود أنه “بعد سنوات من التمييز ضد المستوطنين فإن الحكومة بقيادة نتنياهو ستصحح ظلماً تاريخياً وتقود إصلاحاً متساوياً في المواطنة لمستوطني الضفة الغربية دون تغيير الوضع السياسي أو القانوني للأرض.

ولهذا السبب تقرر أن تكون صلاحيات الوزير الجديد تحت مظلة وزارة الجيش، وستتم تعيينات وقرارات الوزير المسؤول بخصوص مديرية التنسيق والإدارة المدنية بالتنسيق الكامل وبموافقة رئيس الوزراء نتنياهو.

في الاتفاق بين نتنياهو والصهيونية الدينية هناك غموض بشأن مكانة وزير الجيش في عملية صنع القرار.

تأسست الإدارة المدنية عام 1981 وهي ذراع تنفيذية تابعة لقائد المنطقة الوسطى وهو الحاكم الفعلي على الأرض، يديره بشكل مهني منسق عمليات الحكومة في المناطق كجزء من وزارة الجيش، وهو مكلف بتنفيذ السياسة تجاه السكان في الضفة الغربية، الفلسطينيين والمستوطنين على حد سواء.

بعد اتفاقيات أوسلو تم نقل بعض مسؤوليات الإدارة إلى السلطة الفلسطينية، بما في ذلك جميع السلطات المدنية في المنطقتين (أ) و (ب)، بالإضافة إلى الصلاحيات المدنية الشخصية فيما يتعلق بالفلسطينيين في المناطق (ج) (الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية).

الإدارة المدنية هي مسؤولة عن إدارة حياة المواطنين في المناطق “ج”، فما يقارب 400 ألف “إسرائيلي” ونحو 280 ألف فلسطيني، وهي مسؤولة عن جميع الصلاحيات المتعلقة بالبنية التحتية في المناطق (ج) – بما في ذلك تنظيم شؤون الأراضي والتخطيط والبناء، وإمدادات الكهرباء والطاقة والمواصلات وحماية البيئة وأكثر من ذلك.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الإدارة المدنية مسؤولة عن التنسيق الأمني والمدني مع السلطة الفلسطينية وعن تصاريح العمل والموافقات لدخول الفلسطينيين إلى “إسرائيل”.

على المستوى العملي، يعمل المستوطنون في معظم مجالات الحياة ضمن إطار قانوني يوازي الوضع في “إسرائيل”.

إن عمليات التخطيط والبناء وتطوير البنية التحتية تتم بشكل مختلف عن داخل “أراضي إسرائيل”، وبحسب المستوطنين فإنهم يخضعون لإرباك بيروقراطي يتطلب أيضاً موافقة وزير الجيش.

إن اتفاق الائتلاف يلغي هذه الصلاحيات من وزير الجيش وينقلها إلى وزير شؤون الاستيطان الذي يمتلك معظم الصلاحيات الإدارية المتعلقة بمعالجة طلبات المستوطنين، وينص الاتفاق على أن إدارات التنسيق والارتباط مع السلطة الفلسطينية وآلياتها المنتشرة في أنحاء الضفة الغربية ستبقى تابعة لقائد المنطقة الوسطى ووزير الجيش.

إن التحركات لتطبيق “القانون الإسرائيلي” على المستوطنات، إلى جانب نقل الصلاحيات من وزارة الجيش وقيادة المنطقة الوسطى إلى الوزارات الحكومية ستعزز الادعاءات التي يتم سماعها الآن ضد “دولة إسرائيل” في الساحة الدولية فيما يتعلق بعدم شرعية المستوطنات والضم غير القانوني للأرض وفرض نظام فصل عنصري.

هذه الادعاءات ستزداد حدة لأن “إسرائيل” ستؤسس نظامين قانونيين مختلفين يديران حياة المستوطنين اليهود والفلسطينيين في “المناطق المتنازع عليها”، دون عملية سياسية تهدف إلى التوصل إلى اتفاق حول مستقبلهم، ومن المتوقع أن يتم استخدام هذه الادعاءات كذخيرة إضافية في الحملة الدولية ضد “إسرائيل”.

الأهمية والتداعيات

وفقاً للقانون الدولي، تخضع المنطقة لقوانين الاحتلال (الاستيلاء العسكري) وجميع الصلاحيات التي يحصل عليها رئيس الإدارة المدنية التي تمنحها قيادة المنطقة الوسطى (الحاكم العسكري في الضفة الغربية) وهي صاحبة السيادة في المنطقة عملياً.

إن تسليم الإدارة المدنية لوزير المستوطنات وإلحاق المجالات التي تتعامل فيها إلى الوزارات الحكومية الأخرى لم يعد معناه “الضم الزاحف” بل “الضم المُعجل السريع “.

في مواجهة الانتقادات الدولية المتزايدة والواسعة النطاق من المجتمع الدولي، ستجد “إسرائيل” صعوبة في تقديم التفسيرات والادعاء بأن مستقبل أراضي الضفة الغربية لم يتقرر بعد – وهي الحجة الرئيسية التي خدمت “إسرائيل” خلال 55 عاماً من السيطرة على الأرض.

التغيير الذي تبشر به اتفاقية الائتلاف ليس مجرد تصريحات فارغة، لكنه حقيقي يعكس تشكيل وضع جديد لمساواة آليات الحكم في مناطق الضفة الغربية بتلك الموجودة داخل “الأراضي الإسرائيلية”، وضمن ذلك عملية تعزيز “السيطرة الإسرائيلية” على جميع منطقة ج، وهذه خطوات أولية نحو الضم الكامل للأراضي، علاوة على ذلك، بعد خضوع وحدة الإشراف في الإدارة المدنية لوزير الصهيونية الدينية، يُتوقع حدوث تغيير جوهري في عملها.

هذا الإجراء يهدف إلى تعزيز -بشكل كبير وجوهري- تطبيق القانون ضد البناء الفلسطيني، من أجل تسهيل تنظيم البؤر الاستيطانية، فكلما زاد تقييد النشاط الفلسطيني في المنطقة وازداد هدم المباني الفلسطينية إلى جانب التوسع في المشروع الاستيطاني، من المتوقع نشوء مقاومة فلسطينية عنيفة تقود إلى تصعيد أمني قد يخرج عن نطاق السيطرة ويؤدي إلى سقوط العديد من الضحايا في كلا الجانبين.

وهذا التصعيد يمكن أن يخلق توتراً في العلاقات بين”إسرائيل” وحلفائها وكذلك في العلاقة الجديدة مع دول اتفاقية إبراهام.

لأسباب سياسية، خالية من الإشارة إلى العواقب السياسية والأمنية، سينشأ واقع من فقدان التنسيق لدرجة الفوضى في النظام والقدرة على تشغيل الأجهزة الأمنية والحكومية بطريقة متزامنة مع الفحص العقلاني والمتزن لعواقب مختلف القرارات.

سيؤدي تغيير التبعية إلى تقويض نظام التوازنات القائم بين جميع الجهات العاملة في الميدان، وعلى رأسهم قائد المنطقة الوسطى، ومن المتوقع تصاعد الاحتكاك بين المنظومة السياسية والجيش والمنظومة الأمنية.

أي موقف مهني لقادة الجيش ورؤساء المنظومة الأمنية يعارض القرارات التي سيتخذها وزير الاستيطان بخصوص البناء لاعتبارات واسعة ومعقدة ستحصل على تسليط ضوء سياسي ويتسبب في مناكفات سياسية.

على هذه الخلفية هناك خطر لعمليات نزع الشرعية عن قادة الجيش ورؤساء الشاباك وتفكيك آخر للهيكلية الإدارية، وإضعاف نظام القيادة المهنية، حتى ينصاعوا إلى خدمة المشروع الاستيطاني ويمنعوا فرض قيود وموانع.

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي