أخبارشؤون فلسطينيةمقالات إستراتيجية

شيء ثانوي أم خليفة عباس؟

حسين الشيخ.. رجلنا في رام الله والهامس في أذن الرئيس

ترجمة الهدهد

دخل السياسي الفلسطيني حسين الشيخ غرفة الاجتماعات المحصنة في المبنى الشاهق لوزارة “الجيش” في المجمع العسكري في تل أبيب (الكرياه) في فبراير 2022، عدد قليل من الفلسطينيين يدخلون هذا المكان، وهناك، وبحسب الشيخ، تم الترحيب به من قبل كبار ضباط “الجيش” و”الشاباك”.

يعمل حسين الشيخ، وهو رجل يتمتع بشخصية كاريزمية، كجهة الاتصال الرئيسية بين السلطة الفلسطينية و”إسرائيل” في الضفة الغربية، وهو يتحدث العبرية بطلاقة، ويرتدي بدلات مصممة خصيصاً له، ويدعو إلى التعاون – وليس التصادم – مع “إسرائيل”.

إن الرجل الذي كان ذات يوم ناشطاً في منظمة التحرير الفلسطينية وكان في أحد السجون “الإسرائيلية”، يسافر اليوم كثيراً حول العالم حاملاً ساعة رولكس في يده، ويعمل من وراء الكواليس على منع انهيار السلطة الفلسطينية، وينظر إليه كبار المسؤولين في “إسرائيل” باعتباره شريك عملي يتمتع بقدرة رائعة على إيجاد أرضية مشتركة: “إنه رجلنا في رام الله”، كما يقول مسؤول أمني سابق، طلب عدم الكشف عن هويته.

ومع ذلك، فإن العديد من الفلسطينيين يزعمون أن نهجه لا يؤدي إلا إلى تعزيز الوضع الراهن فيما يتعلق بالصراع، وهو الاحتلال العسكري الذي يتعمق مع مرور كل يوم، ومستمر للعقد السادس على التوالي، وفي لقاءاته مع الجنرالات الإسرائيليين، كون أن المفاوضات لإنهاء الحكم “الإسرائيلي” للفلسطينيين متوقفة منذ فترة طويلة، قال الشيخ للمسؤولين العسكريين إنه يجد نفسه ينظر في المرآة ويتساءل عما إذا كان يرتكب خطأ في مواصلة التعاون مع “إسرائيل”، إذا لم يكن هناك شريك في الجانب “الإسرائيلي” يؤمن بالسلام والدولتين لشعبين.

بعد ثلاثة عقود من محادثات السلام بين “إسرائيل” والفلسطينيين والتي أدت إلى إنشاء السلطة الفلسطينية، لم يعد العديد من الفلسطينيين يعتقدون بأنها سوف تتحول الى دولة مستقلة، “إسرائيل” التي أصبحت يمينية أكثر فأكثر لا تنوي إنهاء الاحتلال في المستقبل القريب، والمجتمع الدولي لم يعد يهتم، وما زال الفلسطينيون منقسمين بين حركة فتح العلمانية التي يتزعمها الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، والتي تسيطر على الضفة الغربية، وحركة حماس الإسلامية، التي تسيطر على قطاع غزة.

وينتظر الفلسطينيون في الضفة الغربية عند نقاط التفتيش خلال النهار ويرون جنود “الجيش الإسرائيلي” يداهمون أحيائهم ليلاً، ويقولون أكثر فأكثر إن السلطة الفلسطينية، التي تدير المدن الفلسطينية وتعتقل الناشطين الذين يخططون لهجمات، موجودة فقط للقيام بالأعمال القذرة للاحتلال الإسرائيلي، في نظر الكثيرين، حسين الشيخ هو الرجل الذي يقوم بهذا العمل القذر، فهو وجه نخبة السلطة الفلسطينية التي عاشت تجربة «احتلال VIP» كما سماه مسؤول فلسطيني سابق، ويتحرك كبار المسؤولين الفلسطينيين بحرية عبر نقاط التفتيش الإسرائيلية ويتقاضون رواتب باهظة، بها يصرفون على الفيلات المحاطة بأشجار النخيل في صحراء أريحا وعطلات فخمة في أوروبا، وعلى عكس الحظر المفروض على معظم الفلسطينيين، يقضي أولادهم بعض الوقت في حيفا ويافا.

يقول غاندي الربعي، وهو محامٍ معروف في رام الله، إن النخبة الفلسطينية هي المستفيد الحقيقي من عملية السلام”، يتنافس كثيرون على لقب خليفة عباس البالغ من العمر 87 عاما، لكن لا أحد منهم سيفوز، ومع ذلك، فإن لدى الشيخ فرصة ليصبح الزعيم القادم للسلطة الفلسطينية على الرغم من عدم شعبيته، وذلك بفضل علاقاته الوثيقة مع “إسرائيل” والولايات المتحدة.

على مدار تسعة أشهر، أجرينا مقابلات مع 75 فلسطينيًا و”إسرائيليا” وأميركيًا وأوروبيًا في هذا المقال، بما في ذلك مسؤولين ودبلوماسيين ورجال أعمال ونشطاء في مجال حقوق الإنسان – الذين رسموا صورة صعود حسين الشيخ إلى أعلى المراتب بين صناع القرار الفلسطينيين، وفي مقابلة نادرة استمرت ساعتين في مكتبه في رام الله، اعترف الشيخ بالفجوة الموجودة بين القيادة الفلسطينية والجمهور، وأضاف أن “السلطة لا تستطيع توفير أفق سياسي للشعب، ولا تستطيع السلطة حل المشاكل المالية والاقتصادية التي سببها الاحتلال، “ولكن ما هو البديل للسلطة الفلسطينية؟ الفوضى والعنف.

“يمثل كل ما هو سيء في السلطة الفلسطينية”

 يقارن مسؤولون أميركيون بين الشيخ الذي يتمتع بشعبية كبيرة لديهم، وبين زعماء فلسطينيين آخرين يصفونهم بالمتعبين والعنيدين، خلال لقائه الأخير مع الرئيس الأميركي جو بايدن، تحدث عباس وتحدث بشكل ممل لمدة 25 دقيقة، وعندها فقط سمح لبايدن بالنطق بكلمة”، كما يقول مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، ووفقاً لدبلوماسيين أميركيين وأوروبيين، فإن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية غالباً ما يجلس مع كبار الضيوف لإلقاء محاضرة مدتها 40 دقيقة حول التاريخ والقانون الدوليين، مقابل ذلك، عن حسين الشيخ “يمكنك القول إنه يريد حقا إيجاد حلول، كما يقول المسؤول الكبير في الإدارة، ووصفه دبلوماسي أوروبي في المنطقة بأنه “شخص يريد الإصلاح، يريد حل المشاكل، وليس تطوير نظريات بشأنها، ومع ذلك، “فإنه يحظى بشعبية بين الفلسطينيين مثل التي كان يحظى بها الشاه في إيران في يناير/كانون الثاني 1979″، كما يقول المسؤول في الإدارة الامريكية، في إشارة إلى حاكم إيران “الدكتاتوري” قبل الثورة التي أوصلت آية الله الخميني إلى السلطة.

تتشابك مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية الطويلة الأمد نحو الطريق المسدود الحالي مع قصة حياة الشيخ، كان عمره سبع سنوات عندما احتلت “إسرائيل” الضفة الغربية عام 1967، وتم أسره عندما كان عمره 17 عامًا، وتم الإفراج عنه عندما اجتاحت الانتفاضة الأولى الضفة الغربية في أواخر الثمانينات، وبعد إنشاء السلطة الفلسطينية في التسعينيات، شق الشيخ طريقه ببطء إلى أعلى المناصب، وخدم في قوات الأمن الفلسطينية الجديدة قبل أن يتولى منصبه الحالي، رئيسا لوزارة الشؤون المدنية عام 2007، وتتعامل الوزارة مع العلاقات مع “إسرائيل” بما في ذلك التصاريح التي تسمح للفلسطينيين بتجاوز القيود المفروضة على الحركة والتنقل.

إن الفجوة بين الناشط ذو السترة الجلدية في ماضيه وبين المسؤول الكبير كما أصبح الآن، تشبه الفجوة المتزايدة بين السلطة الفلسطينية وشعبها، الذي لم يعد يثق أو يؤمن بأن القادة سيحررونه من الاحتلال، ناهيك عن إقامة دولة ديمقراطية لهم، عمل حسين الشيخ بالتعاون الوثيق مع “إسرائيل” لمنع الهجمات الفدائية ضد الإسرائيليين، ويجري محادثات مع المسؤولين الإسرائيليين حول تحديث البنى التحتية الفلسطينية التي عفا عليها الزمن، ويقول القائد البالغ من العمر 62 عاماً إن كل هذا ضروري من أجل الحفاظ على الأمل، الذي يحتضر أكثر وأكثر لدى الفلسطينيين بأنهم سينالون حريتهم ذات يوم، يقول الشيخ، نحن بحاجة إلى تقليص الفجوة الواسعة بيننا، وشبه أسلوبه بتفضيل عصفور في اليد على عصفورين على الشجرة، أي مهما كان الإنجاز صغيرا، فهو مهم.

إن البنية الهشة للسلطة الفلسطينية تقع على عاتق عباس، الذي انتخب لأول مرة في عام 2005 لفترة ولاية مدتها أربع سنوات، والذي يحكم الآن بموجب قرارات رئاسية استبدادية، ولا يخفي الشيخ حقًا رغبته في خلافته، ويثير حفيظة معارضيه الذين يزعمون أنه يتصرف وكأنه أصبح رئيسا بالفعل، لقد زاد من تواجده على الانترنت وجعل من نفسه الوجه العام للسلطة الفلسطينية، بينما يقود سيارة مرسيدس بنز في أنحاء رام الله برفقة سيارات الأمن، وفي الوقت نفسه، القليل فقط من يعتقدون أنه يمكن اعتباره زعيماً شرعياً.

مثل آخرين في الدائرة الداخلية لعباس، بدأ الشيخ كجزء من الشعب، لكنه أصبح معزولاً تماماً، وفي نظر قطاعات كبيرة من الجمهور، فهو يمثل كل ما هو سيئ في السلطة الفلسطينية: الانفصال، والفساد، والتعاون مع “إسرائيل”، يقول “تامير هايمان”، الذي شغل منصب رئيس شعبة الاستخبارات حتى عام 2021.

ويقول الدبلوماسي الفلسطيني السابق محمد عودة: من المستحيل فرض كرازي على الفلسطينيين”، في إشارة إلى الرئيس الأفغاني حامد كرازي من 2002 إلى 2014، الذي تم انتخابه بدعم من الولايات المتحدة.

وفي لقائه في فبراير 2022 مع قيادة المنظومة الأمنية بالكيان، قال لهم الشيخ إن قرار المضي قدماً نحو مستقبل أفضل هو في أيديهم، و كان هذا اعترافًا صارخًا بالفجوة الهائلة في القوة بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية، وهي منظومة العلاقات التي ظل الشيخ يشق طريقه فيها منذ سنوات، ولكنه كان أيضاً رفضاً من جانبه للاعتراف بمسؤولية القادة الفلسطينيين عن إحداث تغيير حقيقي في الحاضر المؤلم لشعبهم، وفي نهاية المطاف، قدم هذا الاجتماع للفلسطينيين بعض التنازلات الصغيرة، لكنه لم يقربهم ولو قليلاً من الاستقلال.

شيء ثانوي أم خليفة عباس

إن طفولة مثل تلك التي عاشها حسين الشيخ، الذي نشأ في منزل من الطبقة المتوسطة في الضفة الغربية، غير معروفة للفلسطينيين اليوم، لم تكن هناك أي مستوطنات “إسرائيلية” تقريباً في السنوات الأولى بعد الاحتلال، ولم يكن هناك وزراء وسفراء فلسطينيون يرتدون بدلات تحمل الرمز المزخرف للسلطة الفلسطينية التي تنهار، ولم يكن هناك سياج فاصل رمادي يلتف فوق التلال.

لعدة عقود بعد عام 1967، سيطرت “إسرائيل” على الأراضي الفلسطينية بشكل مباشر وكان الحكام العسكريون يسيطرون على المدن الفلسطينية وكانوا مسؤولين عن تنظيف الشوارع وإدارة المستشفيات، وفتح الفلسطينيون حسابات في بنوك “إسرائيلية” في خان يونس ونابلس، وكان القلب النابض للنضال الفلسطيني في الخارج، في الأردن ولبنان وفي كل مكان ما عدا فلسطين، ينظر بعض الفلسطينيين إلى هذه الأيام بحنين، لقد كان من الممكن حينها ركوب السيارة والقيادة من غزة إلى الحدود اللبنانية دون التوقف عند نقاط التفتيش، كما يتذكر الكثيرون، أو السفر بسهولة من مطار “إسرائيل”، واليوم، أصبحت هذه الامتيازات بعيدة عن متناول معظم الفلسطينيين.

رام الله، التي نمت وتضخمت بفضل تدفق المساعدات الدولية إلى السلطة الفلسطينية، كانت لا تزال عبارة عن مجموعة متواضعة من المنازل والشركات خلال سنوات طفولة الشيخ، كان والده، شحادة، يدير محل بقالة يقع في التلال شديدة الانحدار بالقرب من الكنائس المبنية من الحجر الجيري في المدينة القديمة، لقد كان لعائلته الممتدة، عائلة الطريفي تاريخ من العلاقات الوثيقة مع “الإسرائيليين”، وقد استفاد ابن عائلته جميل الطريفي وهو رجل أعمال ثري يمتلك محاجر من علاقاته مع المسؤولين “الإسرائيليين” للحصول على تصاريح وامتيازات أخرى للفلسطينيين الذين يعرفهم.

بطريقة ما، ورث حسين الشيخ مهنة العائلة: التوسط بين “السلطات الإسرائيلية” والفلسطينيين، ومع ذلك، انضم حسين الشيخ لأول مرة إلى النضال ضد الحكم “الإسرائيلي” في شبابه، ففي عام 1978، حُكم عليه بالسجن لمدة 11 عامًا بعد أن كان عضوًا في خلية متورطة في هجمات ضد “الإسرائيليين”، على الرغم من أنه لم يرتكب أي أعمال عنف أبدًا ووفقًا لـ”الجيش الإسرائيلي”، سجلات محاكمته فُقِدت،  وفي وقت لاحق أخبر المسؤولين “الإسرائيليين” الذين جاءوا لزيارته كيف أن الحكم الصادر ضده حطم قلب والده، ولم يره قط، يروي هذه القصة دون أن يذرف الدموع، كما يتذكر مسؤول “إسرائيلي” كبير متقاعد آخر كان يقابله كثيرًا.

شجعت الحياة الرتيبة في السجن الشيخ على التعلم عن “إسرائيل”، كان يقضي ساعات كل يوم في تصفح الكتب والصحف باللغة العبرية وممارسة اللغة مع الحراس، وأصبح في نهاية المطاف يتحدث بها بطلاقة (خلال المقابلة تحدث الشيخ باللغة العربية في الغالب، لكنه كان معبرًا بشكل خاص عندما شاركنا القصص باللغة العبرية)، وفي وقت لاحق قام أيضًا بتعليم أسرى آخرين اللغة.

يقول: “لم أكن أعرف أي شيء عن “إسرائيل”، كنت أرى جنوداً “إسرائيليين” في مدينتي، بالقرب من الباب الرئيسي لمنزلي، ولكن ما هي “إسرائيل”؟ كل هذا تعلمته في السجن، ولم يكن الشيخ زعيما بارزا بين الأسرى الفلسطينيين، الذين بدأوا إضرابات عن الطعام واحتجاجات خلف القضبان، وفقا لزملائه الأسرى، لكن سعيه إلى صنع اسم لنفسه في السياسة الفلسطينية كان واضحا.

حسين الشيخ لديه تصور بأن الشخص الطموح هو شخص حي، يقول جهاد تواملة، ناشط فتح الذي جلس معه في السجن، الموتى فقط ليس لديهم أهداف، عندما أطلق سراحه من السجن، كانت الانتفاضة الأولى في ذروتها، وبعد بضع سنوات، تفاوضت “إسرائيل” وفتح على اتفاقيات أوسلو، التي انسحبت “إسرائيل” بموجبها من عدة مناطق في الضفة الغربية وغزة وسلمت الصلاحيات إلى السلطة الفلسطينية المشكلة حديثاً، وبدأت الهيئة شبه المستقلة في الإشراف على الخدمات الأساسية للفلسطينيين، مثل التعليم والصحة، ومع ذلك، فقد سيطرت بشكل رئيسي على المدن، وظلت معظم أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة تحت السيطرة “الإسرائيلية” المباشرة.

أمضى حسين الشيخ عدة سنوات في البحث عن مكان في النظام الذي نشأ حديثًا، شغل منصب ضابط كبير في جهاز الأمن الوقائي المعروف بالتخلص من المعارضين مثل حماس، وفي الشرطة، وفي النهاية أصبح ناشطاً ثانوياً في فتح، ومنحته لغته العبرية ميزة في بناء علاقات وثيقة مع المسؤولين “الإسرائيليين”، بصفته ضابطًا شابًا في قوات الأمن الفلسطينية بين عامي 1994 و1997، عمل الشيخ كمترجم فوري للمسؤولين “الإسرائيليين” والفلسطينيين في الاجتماعات المشتركة، وفي خطوة يصعب تصورها بعد 30 عاما، ذهب حتى إلى مدرسة ثانوية في “رمات هشارون” لإلقاء محاضرات على المراهقين “الإسرائيليين” حول التعاون “الإسرائيلي” الفلسطيني وإمكانية السلام.

يقول “يوني فيجل”، الحاكم العسكري السابق في رام الله، الذي قام بالتدريس في نفس المدرسة ودعا الشيخ لقد صاغها لهم ذلك باللغة العبرية الفصحى، ولكن أيام أوسلو السعيدة لم تدم، ففي عام 2000، انهارت محادثات السلام التي بدأت في “كامب ديفد” واندلعت الاحتجاجات في المسجد الأقصى، وسرعان ما اندلعت الاشتباكات في جميع أنحاء “إسرائيل” والضفة الغربية وقطاع غزة، مما مهد الطريق لعنف الانتفاضة الثانية، ولكن حتى مسؤولي الأمن “الإسرائيليين” يتفقون على أن الشيخ تجنب المشاركة فيها، ويقول شالوم بن حنان، وهو ضابط كبير سابق في “الشاباك”، لقد كان حسين في قيادة فتح وشعر بكل أنواع الندم، لكنه لم يكن مقاتلا أو قائدا ميدانياً.

لقد سحقت الانتفاضة الثانية عملية السلام “الإسرائيلية” الفلسطينية، التي لم تتعاف بشكل كامل قط، كما عززت من قوة اليمين المتشدد في “إسرائيل”، وقد أعطى المأزق الذي وصلت إليه الأمور القوة لأشخاص مثل حسين الشيخ، الذي يعمل بالتصاريح أكثر من محادثات السلام، وفي عام 2017، أصبح حسين الشيخ حارس عتبة عباس، إلى جانب رئيس المخابرات ماجد فرج، وقد خلق الاثنان ما يسميه المسؤولون الفلسطينيون دائرة مغلقة حول عباس، الذي أصبح غير متسامح مع الانتقادات.

وتقول مصادر في مكتب عباس إن حسين الشيخ يجلس إلى جوار الرئيس في الرحلات الجوية، ويدون كلماته في دفتر صغير، ثم يكررها لاحقاً في لقاءاته مع كبار الشخصيات الأجنبية، وأصبح مقربًا من أفراد عائلة عباس، ويظهر في صورة مع حفيد أبو مازن من أغسطس الماضي، الذي وصفه بـ”الزعيم الطبيعي”.

يقول ناصر القدوة، العضو السابق في قيادة فتح والذي أصبح منتقداً لعباس: “إنها قدرة خاصة على تقبيل المؤخرات، والكذب، والتملق، وفي الوقت نفسه، إقناع أبو مازن بأنه إله والقول له أن حججك مذهلة يا سيدي الرئيس، ويقول محللون فلسطينيون إن أبو مازن سمح بصعود الشيخ لأنه يفضل مستشارين غير قادرين على تحدي سلطته، ويقول القدوة إن عباس سيتمكن من التخلص منه بسهولة إذا رأى ذلك مناسبًا، ويقول إنه شيء تافه وصغير إلى جانبه، إذا غير أبو مازن موقفه غداً، فستكون نهاية الشيخ.

وفي ديسمبر/كانون الأول، سُمع حسين الشيخ وهو يهين عباس بكلمات مثل “ابن 66 عاهرة”، في تسجيل تم تسريبه إلى وسائل الإعلام الفلسطينية، ويشكل اختيار تسريب التسجيل إشارة إلى أن معارضي الشيخ يعتبرون عباس المصدر الرئيسي لقوته، ونفى الشيخ التسجيل وادعى أنه مزور يهدف إلى “المساس بالوحدة الوطنية”، وإلى جانب علاقتهما الشخصية، يتقاسم عباس والشيخ الالتزام بالتوصل إلى حل تفاوضي مع “إسرائيل” والشكوك في منافسيهما من حماس التي سيطرت على غزة في عام 2007، وفي لقاء مع مسؤولين أميركيين عام 2017، صاح الشيخ بأن الترويج لاتفاق مصالحة بين فتح وحماس سينتهي بتحليق صواريخ الحركة الإسلامية فوق رأسه، بحسب المسؤول الكبير في إدارة بايدن.

يقول لنا حسين الشيخ: “أنا أؤمن تماماً ببرنامج ونهج أبو مازن، إنه يثق بي وأشكره على ثقته، وحتى اليوم، يكرر الشيخ معارضته للهجمات ضد “الإسرائيليين”، والتي يقول إنها تصب في مصلحة “إسرائيل”، ويقول، أنا أؤيد مقاومة الاحتلال، وأنا تماما ضد إيذاء المدنيين، أنا أؤيد مقاومة “الاحتلال الإسرائيلي” وما زلت أؤمن بها، ولكن كيف؟، يعمل حسين الشيخ في “حالة انفصام”، فهو “يجلس على حافة السكين ويحاول العمل في كل المجالات في آن واحد، كما يقول نيكولاي مالدينوف، المبعوث الخاص السابق للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، عليك أن تقدم الخدمات لشعبك، وانت تعلم جيدًا أن الناس سيعارضون ذلك لأنك لا تقودهم إلى حل الدولتين، الذي وعدتهم به لفترة طويلة.

المبادئ المزدوجة

 في الأشهر الأخيرة، ركز الشيخ على استعادة الهدوء وسط حوادث العنف الأكثر دموية منذ الانتفاضة الثانية، قتلت “القوات الإسرائيلية” أكثر من 140 فلسطينياً هذا العام، مسلحين ومدنيين؛ وقتل مهاجمون فلسطينيون ما لا يقل عن 25 “إسرائيليًا”، معظمهم من المستوطنين، في هذه الأثناء، يكتسب المسلحون الذين يواجهون جنود “الجيش الإسرائيلي” في مدينة نابلس القديمة أو في مخيم جنين للاجئين شعبية لا يمكن لرؤساء السلطة الفلسطينية مثل الشيخ أن يحلموا بها.

في حين أن المسؤولين الفلسطينيين فخورون ببناء “دولة فلسطين”، فإن ما هو موجود في الواقع هو قناع رقيق لدولة مكاتب حكومية، تستخدم بشكل رئيسي كوسيلة لتوزيع المناصب المريحة، والعقود المرغوبة والتصاريح لتجاوز الحكم العسكري “الإسرائيلي”.

يقول المحلل السياسي جهاد حرب، ما لدينا اليوم هو بقايا المشروع الوطني، مأساة الاحتلال تتغلغل الى الحياة الفلسطينية، ولكن نفاق القيادة الفلسطينية التي تطالب بالعدالة لشعبها على المسرح العالمي بينما في الداخل يحتفل الفساد والاستبداد، يضيف طبقة أخرى من اليأس، والفلسطينيون الذين ينتقدون قادتهم على الإنترنت أو في الاحتجاجات، يتم اعتقالهم أو يحدث لهم ما هو أسوأ من ذلك.

في يونيو/حزيران 2021، ضربت قوات الأمن الفلسطينية حتى الموت الناقد للسلطة نزار بنات، وأثارت وفاته احتجاجات نادرة فرقها بلطجية يرتدون ملابس مدنية وهاجموا بوحشية المتظاهرين والصحفيين، ووصفت السلطة الفلسطينية وفاة بنات بأنها خطأ وحاكمت عددا من ضباط الأمن، لكن مراقبين يقولون إن المحاكمة ضدهم مستمرة دون إحراز تقدم حقيقي، يقول الناشط الحقوقي مهند كراجة، المحامي الذي مثل معارضي الحكومة المعتقلين بعد انتقادات للحكومة، الاحتلال يلعب الدور الأول في معاناتنا، لكن شيئاً فشيئاً أصبحت السلطة الفلسطينية ظلما موازياً في قمعها للناشطين السياسيين والمجتمع المدني، وفي تفشي الفساد والقرارات القضائية المناهضة للديمقراطية التي تصدرها.

وفي مارس/آذار، قامت السلطة الفلسطينية بتجميد الرخصة التجارية لكراجة، فيما وصفه عمر شاكر، مدير مكتب “إسرائيل” وفلسطين في “هيومن رايتس ووتش”، بأنه “أحدث جهودها الممنهجة لإسكات المعارضة”، ويكافح القادة الفلسطينيون للرد على الغضب الشعبي، يقول عضو اللجنة المركزية لحركة فتح صبري صيدم: نحن لسنا ملائكة”، مضيفاً أن محاولات مناقشة إخفاقات السلطة الفلسطينية هي عموماً إلهاء عن النضال ضد الاحتلال “الإسرائيلي”، بينما يمتنع آخرون عن مهاجمة السلطة لكنهم يقترحون درجة من محاسبة النفس.

يقول عزام الأحمد، أحد كبار أعضاء فتح والذي اعترف بأنه أعرب عن دعمه لأشياء “لا يؤمن بها”: “أحيانًا أدافع عن السلطة الفلسطينية وقادتها وأعلم أنني مخطئ”، ويقول الشيخ إن حالات القمع والرشوة هي استثناءات، “انظر، أنا لا أقول إن أداؤنا 100%”، لكن في نظر العديد من الفلسطينيين، فإن تلك الاستثناءات المزعومة مفهومة في النظام الذي الشيخ نفسه على رأسه.

فلسطين أصبحت ملعباً للخارجين عن القانون

تفرض “إسرائيل” قيودًا مشددة على حركة الفلسطينيين، إن كل من يريد السفر إلى القدس للصلاة في المسجد الأقصى أو تناول السمك الطازج من البحر في يافا يحتاج إلى تصريح من “الجيش الإسرائيلي”، إلا أن “إسرائيل” تسمح لشريحة متميزة من النخبة الفلسطينية بالتنقل بحرية داخل أراضيها، متجاوزة بذلك لقيود التي تسبب الاستياء لدى عامة الناس، تسمح تصاريح كبار الشخصيات VIP، كما يطلق عليها، لكبار الفلسطينيين بالمرور عبر نقاط التفتيش التي عادة ما تكون مفتوحة لـ”لإسرائيليين” فقط، يمكن لرجال الأعمال الأثرياء التقدم بطلب للحصول على تصريح BMC (“بطاقة رجل الأعمال”)، والتي تمنح وصولاً غير محدود تقريبًا إلى “إسرائيل” ومطار “بن غوريون”.

وعلى الجانب الفلسطيني، يتولى مكتب حسين الشيخ للشؤون المدنية مسؤولية توزيع التصاريح “الإسرائيلية” المرغوبة، ويتحدث العديد من الفلسطينيين في رام الله وبيت لحم وطولكرم عن صديق أو جار دفع ثمنها، عندما تتحدث مع الفلسطينيين، سيقولون لك: فاسد، فاسد، فاسد”، يقول بن حنان عن الشيخ (في هذا التحقيق لم يظهر أي دليل على تورط الشيخ المباشر في قضايا الفساد المزعومة)، عندما يتقدم التجار بطلب إلى المسؤولين في مكتب حسين الشيخ للحصول على تصريح BMC، قد يُطلب منهم تقديم خدمات أو أموال نقدية، وفقًا للعديد من رجال الأعمال البارزين، ويقول سمير حزبون، الأمين العام لاتحاد الغرف التجارية مع تزايد الطلب، يقدم بعض الناس أشياء لتجميل الصفقة.

ويضيف حزبون أن بعض المسؤولين الحكوميين قالوا للمرشحين للحصول على تصاريح : جددوا لنا مكاتبنا، أو قوموا بتركيب مكيفات هواء لنا وسوف تحصلون على بطاقة BMC الخاصة بكم، ويقول إن مسؤولين آخرين حصلوا على رشوة قدرها 10 آلاف دولار، وفي استطلاع أجراه “الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة” (أمان) في رام الله عام 2022، أفاد ما يقرب من ربع الفلسطينيين أنهم أو أحد أقاربهم دفعوا رشوة أو عرضوا هدية مقابل الحصول على خدمة عامة، يقول سمير أبو زنيد، مراقب الدولة السابق للسلطة الفلسطينية: “يستخدم الناس علاقاتهم للإفلات من الكثير من الأشياء”.

وزير التنمية الاجتماعية الفلسطيني أحمد مجدلاني يرفض مزاعم الفساد الحكومي و يقول: “هذه القصص التي تشاركونها معي تافهة، ويدعي حسين الشيخ أنه حاول معالجة المشكلة، ونفى وجود فساد واسع النطاق، وعندما واجهناه بادعاءات محددة بالرشوة في وزارته، انكر الشيخ ذلك تمامًا، وقال فيما يتعلق بمزاعم الفساد هل لديك أي فكرة عن عدد الأشخاص الذين أرسلتهم إلى مكتب المدعي العام؟” ولم يجب الشيخ على الأسئلة المتعلقة بعدد الأشخاص الذين أحالهم إلى الجهات القانونية، لكنه ادعى أنه تابع كل قضية عن كثب، بل وكان حاضرا في جلسات المحاكمة.

من جانبهم، يصف المسؤولون “الإسرائيليون” تلقيهم أكوامًا من الشكاوى حول الفساد في وزارة الشؤون المدنية من الفلسطينيين وموظفي الجمعيات والمنظمات الدولية، ولكن طالما أن السلطة الفلسطينية تقمع المسلحين الفلسطينيين، فإن الكثيرين في “إسرائيل” لا يرون أي سبب للتدخل، كما يقول “كوبي لابي”، المستشار السابق للشؤون الفلسطينية في الإدارة المدنية، الذراع البيروقراطية للاحتلال “الإسرائيلي”، يقول “لابي” إن الفلسطينيون يقولون لنا، لو كان الوضع غير مريح لـ”إسرائيل”، لكنتم وضعتم حدًا لذلك، مضيفًا أنه رفع تقارير عن الفساد إلى رؤسائه غير المهتمين، وفي نهاية المطاف، هم على حق، إذا لم يكن هناك إرهاب منهم فمن يهتم.

ويقول رجال الأعمال إن الممارسات المشوهة تُستخدم أيضًا في توزيع التصاريح المرغوبة من قبل الحكومة، والتي غالبًا ما تُمنح لأصدقاء وأقارب كبار المسؤولين في السلطة، إن التصاريح، التي تستخدم لتشغيل محطات الوقود واستيراد السجائر وإدارة أعمال أخرى، تثري أصحاب العلاقات الجيدة، ووصف رجل أعمال فلسطيني كيف ضم اثنين من أفراد عائلة الشيخ إلى شركته باعتبارهما “شركاء وهميين”، وهي طريقة يقول رجال الأعمال أنها شائعة للتغلب على الروتين البيروقراطي، وقال إن أحد الشركاء ساهم قليلا في الشركة، والآخر لم يساهم على الإطلاق، أثناء تصفح وثائق التسجيل التي تحمل أحد أسمائهم ومراسلاتهم عبر الواتساب.

وساعد أفراد العائلة هؤلاء، الذين استغلوا قرابتهم لحسين الشيخ، رجل الأعمال في الحصول على التصريح وتجنب العقبات التنظيمية، وفي المقابل، أخذوا حصة من إيرادات الشركة، ويقول: “لولاهم، لم تكن الأعمال لتتقدم”، أفراد عائلته هيئة حكومية بحد ذاتهم (طلب رجل الأعمال عدم الكشف عن تفاصيل عمله خوفًا من معاقبته من قبل السلطة الفلسطينية)، ولم يستجب الشيخ لطلب الرد، الذي أرسل إلى رئيس ديوانه، بخصوص الأنشطة التجارية لأفراد عائلته، ويقول المطلعون على عالم الأعمال إن هذه الحيل تعكس سيطرة النخبة الفلسطينية على كل جانب من جوانب الحياة تقريبًا، ويقول هشام مسعد، رئيس غرفة تجارة وصناعة جنين السابق: “مع الأسف أصبحت فلسطين ساحة للخارجين عن القانون، “في كل مكان آخر يوجد الفساد من تحت الطاولة، وهنا يحدث من فوق الطاولة.

ويثير مكتب الشيخ الاستياء خاصة بين الفلسطينيين في الضفة الغربية الذين يعيشون في خوف من الترحيل إلى غزة، لأنهم يعيشون بحسب بطاقاتهم الشخصية في قطاع غزة.

لسنوات، لم تسمح “إسرائيل” تقريبًا بتغيير العنوان في بطاقات هوياتهم، مما يعرضهم لخطر الترحيل.

 وأخبر الشيخ المسؤولين الأميركيين أن “إسرائيل” منحت تصاريح استثنائية لمسؤولين حكوميين “خدمة لقيادة السلطة الفلسطينية” وفقاً لبرقية دبلوماسية أميركية تعود لعام 2009. وفي عام 2021، أعلنت الحكومة “الإسرائيلية” السابقة أنها ستقوم بتحديث عناوين آلاف الفلسطينيين وإخراجهم من حالة ضياع الهوية التي عاشوا فيها لسنوات، وتجمعت حشود من الناس في مكاتب وزارة الشؤون المدنية لتحديث وثائقهم، لكن العملية شابتها مزاعم بالمحسوبية وتفضيل الأقارب، وغيّر مسؤول السلطة محمود الهباش عنوانه إلى الضفة الغربية مع 17 من أقاربه، بحسب سجلات الوزارة، كما تلقى مساعده وصهره، خالد بارود، وما لا يقل عن عشرة أفراد من عائلته تحديثًا للعناوين، ويقول الهباش إن أفراد عائلته قدموا طلبات لتغيير العنوان عن طريق وزارة الشؤون المدنية عام 2009، وأنهم لم يستغلوا علاقاته، ولم يستجب بارود لطلب الرد.

 تقول جيسيكا مونتال، المديرة التنفيذية لمركز حماية الفرد، منظمة إسرائيلية تدعم حقوق السكن للفلسطينيين إن “إسرائيل هي العنوان الرئيسي الذي يحرم الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية، لكن من المحبط والمثير للغضب أن الناس لا يستطيعون الثقة في السلطة لرعاية مصالحهم بشكل صحيح،، ويبدو واضحا أنهم يتخذون هذه القرارات بطريقة المحاباة، ومع ذلك، فإن موقف حسين الشيخ المزعج ظاهرياً تجاه النساء قد يشكل التحدي الأكبر لرغبته في خلافة عباس، حدثت معظم الأمور قبل بضع سنوات، لكنها رغم ذلك شوهت صورته، وبعضها شائعات لا أساس لها، لكن يبدو أن حالة واحدة على الأقل تعكس الحصانة التي يتمتع بها كبار المسؤولين”.

أدى تحرش حسين الشيخ بموظفة في مكتبه في عام 2012 إلى تقديم شكوى رسمية تدخل فيها عباس، وهي قضية انتهت بدفع مبلغ 100 ألف دولار مقابل السكوت، وفقًا لمصدر فلسطيني كان مقربًا من صاحبة الشكوى في ذلك الوقت وآخرون مطلعون على تفاصيل الحادثة، وبحسب مصادر مطلعة على القضية وتقارير إعلامية من ذلك الوقت، فإنه عندما استدعى الشيخ مهندسة كمبيوتر شابة إلى مكتبه لإصلاح خلل في جهاز الكمبيوتر الخاص به عام 2012، قام بمضايقتها لفظيًا من خلال مدحها على جمالها، أخبرت صديقاتها أنها صدته، ولم يتراجع وحاول لمسها، بحسب المصادر ذاتها، ووفقا لهم، قالت إنها دفعته بعيدا على الفور، وصرخت احتجاجا على ذلك وغادرت الغرفة، وفي خطوة نادرة قرر زوج المهندسة الناشط السابق في كتائب شهداء الأقصى المرتبطة بفتح، تحدي الشيخ بتقديم شكوى رسمية، وفجأة بدا مستقبل المسؤول الفلسطيني على المحك.

أثارت هذه الفضيحة قلق حلفاء الشيخ في “المنظومة الأمنية الإسرائيلية”، ويقول “آفي يسسخاروف”، مراسل الشؤون الفلسطينية، إنه تلقى طلبًا غير عادي من “مسؤول إسرائيلي”، طلب منه الامتناع عن نشر مقالاته حول الموضوع حفاظًا على اسم حسين الشيخ، ومع ذلك، نشر “يساخاروف” المقالات.

ورفض حسين الشيخ، في الحوار معنا، الرد على الاتهامات، وأعلن أنه لن يضيع الوقت في “كلام غير مهم، ويبدو أنه كان يتوقع أسئلة حول الاتهامات الموجهة إليه، وقال في بداية اللقاء إنه لن يجيب على الأسئلة التي “لن ترضيه”، وقبل أن نغادر مكتبه قال بالعبرية، انسوا هذا الأمر، هذه دعاية سلبية ضدي، ورفض الشيخ لاحقاً الإجابة عن الأسئلة التي أرسلت إليه عبر البريد الإلكتروني بخصوص الحادثة نفسها، وكتب رئيس مكتبه رداً على ذلك أن جميع هذه الأسئلة “لاغية” وأن الشيخ “ليس لديه الوقت للرد على مثل هذه الأسئلة الفارغة”.

الهامس في أذن عباس

 في العلن، تتصادم “الحكومة الإسرائيلية” والسلطة الفلسطينية بشكل منتظم حول المسائل السياسية، لكن المسؤولين في الجانبين يحافظون على “الزواج الكاثوليكي”، كما وصفه أحد الدبلوماسيين، لمنع انهيار الوضع الراهن، الذي يفضله الجانبان في الوقت الحالي، ومع ذلك، عندما تزايد إحباط الجمهور الفلسطيني في عام 2022 على خلفية الاشتباكات الدامية بين المسلحين الفلسطينيين و “الجيش الإسرائيلي”، هدد عباس في محادثات خاصة بتجميد “التنسيق الأمني”، وهي سياسة لا تحظى بشعبية تتقاسم بموجبها السلطات “الإسرائيلية” والفلسطينية معلومات استخباراتية لقمع المقاومين الفلسطينيين.

 من شأن تنفيذ مثل هذا التهديد أن يؤدي إلى كرة ثلج من العنف، وقد ناشدت الولايات المتحدة و”إسرائيل” الشيخ إقناع الرئيس بالتراجع، وكانت علاقة الشيخ الوثيقة بعباس، إلى جانب استعداده للتوصل إلى تسوية، سبباً في جعله منذ فترة طويلة العنوان المفضل للدبلوماسيين، عندما تتوتر الأمور بشدة، فهو نقطة الاتصال لتهدئة الوضع، كما يقول مسؤول أمريكي آخر، الذي يصفه بـ “الهامس في أذن عباس”، أجرى الشيخ محادثات هادئة مع باربرا ليف، المسؤولة الكبيرة في وزارة الخارجية الأمريكية، التي أبلغته أن “إسرائيل” وعدت بوقف هدم المنازل حتى زيارة بايدن في يوليو الماضي، وبحسب المسؤول الكبير في إدارة بايدن، استغل الشيخ العرض لإقناع عباس بالتراجع عن هذه الخطوة.

ولا يزال زملاؤه “الإسرائيليون” على اتصال دائم به أيضًا ويعتبرونه شريكًا موثوقًا به في برامج مثل تحسين شبكات الهاتف الخلوي الفلسطينية، ونقل الرسائل إلى عباس، والمزيد، ويقول سامر السنجلاوي، أحد نشطاء فتح، إن المسؤولين الإسرائيليين اتصلوا بالشيخ دون توقف خلال رحلة إلى الصحراء الأردنية قبل 15 عام، ويقول، لقد كان عدد المحادثات بينه وبين مسؤول الاتصال بـ”الجيش الإسرائيلي” غير طبيعي، “أفضل الأصدقاء لا يتحدثون بهذه الطريقة مع بعضهم البعض.

يقول “مخائيل ميلشتاين”، ضابط الاستخبارات المتقاعد الذي التقى بالشيخ، إنه يعطيك الانطباع: أنا من يتحكم في كل شيء وإذا عقدت صفقة معك بشأن محطة كهرباء فرعية في جنين أو أي شيء يتعلق بالتنسيق الأمني فكن على ثقة بأن ذلك سيحدث.

ولكن في نظر العديد من الفلسطينيين فإن حسين الشيخ يلعب وفقاً للشروط المفضلة لدى “إسرائيل”، التنازلات التراكمية التي تساعد على تحسين الحياة اليومية للفلسطينيين ولكنها لا تقربهم من الاستقلال، ويقول السنجلاوي “إنه شخص عملي، لكنه يفتقر إلى البراغماتية التي تحقق النتائج.

وفي النصف الثاني من عام 2022، وافق الشيخ على خطوة أصابت الكثير من الفلسطينيين بالصدمة، وهي دفع إيجار لـ”إسرائيل” مقابل أرض في الضفة الغربية، التي يعتبرها الفلسطينيون أرضًا محتلة، وكانت الفكرة هي إنشاء منشأة جمركية فلسطينية في بلدة ترقوميا والتي من شأنها أن تمنح الفلسطينيين المزيد من السيادة، ويقول مسؤول في مكتب الشيخ طلب عدم الكشف عن هويته خوفا من التعرض للأذى، “لقد صدمت – نحن نتحدث عن أرض محتلة بالكامل، اعتقدت أنه إذا تم التوصل إلى هذه الصفقة، فإنها ستشكل سابقة خطيرة للغاية.

ويوضح الشيخ أنه وافق على تأجر المنطقة ضمن اتفاق مدته 99 عامًا، ووصف هذا الجزء من الاقتراح بأنه “ليس إشكاليا”، ومع ذلك، على حد قوله، فقد فشلت الصفقة لأن “إسرائيل” رفضت السماح للسلطة الفلسطينية بجمع الضرائب هناك على التبغ والكحول، والتي يدر استيرادها إيرادات كبيرة لخزائن السلطة الفلسطينية.

الفلسطينيون الذين ينتقدون قرارات كبار المسؤولين مثل الشيخ يقابلون بالتهديد والترهيب، وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2020، أعلن الشيخ أن الحكومة تجدد التنسيق رسمياً مع “إسرائيل”، بما في ذلك العمل المشترك لقمع المقاومين المسلحين، وهي استراتيجية مقيتة في نظر الكثيرين.

 أسيل سليمان المذيعة في إذاعة راية برام الله، تحدثت ضد الشيخ، بعد ظهوره على الهواء، ووصفه قرار تجديد التنسيق مع “إسرائيل” بأنه “انتصار كبير لشعبنا الفلسطيني، وقالت سليمان وقد اختنق صوتها بالغضب: جعل الله هذا المساء جحيما لمن باع وغدر ونسق ثم أعلن النصر، “ما هذه السذاجة ؟، وردا على ذلك، اتصل الشيخ بمدير المحطة وطالبه بغضب بـ”إصلاح الوضع”، بحسب مصدر فلسطيني مطلع على الحادث، كما أصر على أن تنشر الشبكة الإخبارية مقالا يدعم استئناف التنسيق، بحسب المصدر نفسه، وردت الشبكة ونشرت مقال رأي دافعت فيه عن القرار، ونفى الشيخ أي علاقة له بالحادثة.

“أبواب الأمل مغلقة”

يدرك المعجبون بالشيخ في الولايات المتحدة أن صورته إشكالية في الداخل، وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، دعا مسؤولون أمريكيون الشيخ، وليس رئيس الوزراء الفلسطيني، لزيارة واشنطن والاجتماع بمسؤولين حكوميين، بما في ذلك مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، يقول المسؤول في الإدارة الامريكية: من الواضح انه أراد أن يأتي، لتعزيز مصداقيته داخل السلطة الفلسطينية، وكانت رغبتنا هي السماح له بالحضور ومنحه بعض الاحترام في الشارع، وطالما أن السياسة الأميركية تسعى جاهدة للحفاظ على الأمل في حل الدولتين، على الرغم من سنوات من الجمود، فإن واشنطن سوف تحتاج إلى أشخاص مثل حسين الشيخ.

يقول أحد كبار المسؤولين في الإدارة، إنه يحاول إبقاء هذا البرج المتهالك قائماً، إنه يفهم حدودنا وحدود “الإسرائيليين”، ومع ذلك، يجب التساؤل إلى أي مدى لا يزال يفهم حدود الجمهور الفلسطيني، وليرث من يرث مقاليد السلطة من عباس المسن، فإنه سيقود سلطة فلسطينية إشكالية للغاية.

تقول المسؤولة الفلسطينية السابقة حنان عشراوي إن رئيس السلطة الفلسطينية المقبل سيرث وضعا تستمر فيه “إسرائيل”، “بقتل الناس وتدمير المنازل وتوسيع المستوطنات وضم الأراضي” بينما يتعامل مع إرث الحكومة الفلسطينية التي استخدمت سلطتها المحدودة “لقمع وظلم أبناء شعبها.

يقول محظوظ شلالدة (39 عاما)، وهو مدرس من قرية على قمة تل بالقرب من الخليل، إن آمال طلابه في الصف العاشر بمستقبل أفضل تتلاشى عاما بعد عام، حيث يشعرون بأنهم محصورون بين “مطرقة الاحتلال وسندان السلطة الفلسطينية”.

ويقول: الاحتلال يخنقنا، والسلطة ترتكب كل أنواع الفساد الممكنة، “لقد أغلقت أبواب الأمل في وجهنا، ويعترف الشيخ بأن العديد من الفلسطينيين لم يعودوا يثقون بأن الحكومة ستحررهم من الاحتلال “الإسرائيلي”، ومن غير الواضح ما إذا كان يعتقد أن هذا يجب أن يدفعه إلى تغيير المسار، ويضيف: “الناس يفقدون الأمل بالطبع، لكنني، كقائد وكبير، لا أستطيع أن أفعل هذا.

موقع زمان يسرائيل/ آدم روزقون وأبراهام بوكسرمان

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي