جيش العدو كأساس للصمود!

ترجمة الهدهد
لقد تدفقت كلمات لا حصر لها في الأشهر الأخيرة في محاولة لتحليل الوضع السياسي والاجتماعي والمدني والأمني الذي نشأ في “إسرائيل” على خلفية تشكيل الحكومة الجديدة، والانقلاب القضائي الذي تقوده في العام الماضي.
لكن يبدو أن كل شيء يتضح في حدث رئيسي واحد يتصدر الخطاب في الأشهر الأخيرة، وهو ظاهرة وقف التطوع في خدمة الاحتياط ومدى تأثيرها على كفاءة “الجيش الإسرائيلي”، وجاهزيته للحرب، وقدرته على حماية “أمن إسرائيل”، هذا الحدث مهم للغاية لأن “الجيش الإسرائيلي” لديه لمسة ليس فقط على الجانب الأمني للدفاع عن الكيان، ولكن أيضًا على النسيج الاجتماعي والمدني الشامل بصفته “جيش الشعب”.
كان “الجيش الإسرائيلي” دائمًا بمثابة بوتقة تنصهر فيها غالبية الطبقات السكانية في “إسرائيل”، فهو يمثل المساهمة الشخصية لكل مستوطني الكيان، وكان الهيئة التي تقف فوق أي نقاش أو جدل سياسي، وحصل على أعلى مستوى من الثقة.
ولكن حدث شيء سيئ للغاية في الأشهر الأخيرة وهو واضح للجمهور بأكمله وتم التعبير عنه بكامل قوته من خلال عرض الخطة الرئيسية لأنشطة “الجيش الإسرائيلي” في السنوات القادمة من قبل رئيس الأركان “هرتسي هليفي”، الذي لا يشكك أحد في مهنيته وما يمثله من رسمية.
وفي خطة 2018 الجديدة، والتي سيتم إطلاقها عمليا في الأشهر المقبلة، البند الأول الذي يظهر هو “الشعب والجيش والمجتمع”، وبعده فقط، في المرتبة الثانية، “إيران وتعدد الساحات، في البندين الثالث والرابع يتم عرض الجوانب التالية التي سيتم تناولها- قدرات المناورة وحماية الحدود وتحسين الثقافة العملياتية التنظيمية.
من وجهة نظر “الجيش”، فإن الواقع الذي يحدث في الكيان خلال هذه الفترة هو تهديد داخلي متطور يواجه “الجيش الإسرائيلي”، وهو تهديد يؤدي إلى تآكله من الداخل وإضعافه وتدمير الثقة التي يقوم عليها كـ “جيش الشعب”، من كل اتجاه ممكن – بين أقسام من الشعب و”الجيش”، وبين من يخدمون في مناصب رئيسية كطيارين وضباط عملياتيين في الاحتياط وبين المستوى العسكري الكبير والكابينت، وبين المرشحين للخدمة وآبائهم، والنظام العسكري والنظام الجديد الذي يتشكل أمام أعينهم، وحتى بين “الخضر” و”الزرق” (الذراع البرية والجوية).
ومن المهم أن نذكر أن “الجيش الإسرائيلي” وجد نفسه في خضم عاصفة الانقلاب القضائي والنظامي وهو من البداية يعاني من وضع سيئ من حيث القوة البشرية في جزء كبير من الوحدات والأنظمة، فالعديد من أفراد الخدمة الدائمة تركوا الوحدات القتالية والتكنولوجية المنظومة الأمنية بسبب ظروف الرواتب في ظل تكلفة معيشة لا تطاق، وفي ألوية الاحتياط، هناك انخفاضاً بعشرات بالمئة في عدد الملتحقين بالخدمة في ظل الأحمال غير المعتادة في الاستدعاءات للنشاطات العملياتية في الضفة الغربية بسبب التصعيد الأمني واهمال خط التماس، إلى جانب شعور متزايد “الاستغلال” على خلفية نية سن قوانين تجنيد جديدة لليهود الحريديم، الدافع للخدمة القتالية آخذ في التراجع بين الشباب الذين يفضلون الخدمة التكنولوجية التي ستفيد مستقبله في وحدات مثل 8200 أو السايبر، وزيادة في نطاق منح الإعفاء من الخدمة في “الجيش الإسرائيلي”.
كل هذه المشاكل انضم إليها مؤخراً كما ذكرنا نتائج وتبعات الانقلاب القضائي والتي تشمل عدم امتثال مئات الطيارين والضباط في مناصب مهمة للخدمة في الاحتياط.
الضرر الكبير لا يظهر فقط في اختبار القوة العملياتية الفاعلة وصعوبة استخدامها في غياب المقاتلين والقادة والطيارين، بل يظهر أيضًا في الحرب التي يشنها “الجيش الإسرائيلي” على الحفاظ على صفته الرسمية التي يبدو أنه فقدها لدى قادة الكيان، وفي وحدة الشعب والإجماع حول معنى وقيمة الخدمة العسكرية وفي شفافية لمعلومات ومصداقيتها لدى “الجمهور الإسرائيلي”.
يتعامل قائد سلاح الجو ورئيس الأركان كل يوم مع تداعيات الانقلاب والإضرار بمكانة “الجيش الإسرائيلي” داخل “الجيش”، ويدرك قادة الجيش أنه يجب عليهم بناء طرق للوصول والمناشدة المباشرة للمستوطنين والشباب المرشحين للخدمة الأمنية من أجل إيصال أهمية الخدمة والوضع المناسب للموافقة عليها، وذلك من خلال اللقاءات المدرسية، وبرامج الإعداد لدى “الجيش الإسرائيلي”، وتوجيه الرسائل عبر وسائل الإعلام بطرق مختلفة.
ومن جهته، اختار المستوى السياسي أن يتجاهل تماماً تداعيات الأضرار التي لحقت بـ “الجيش الإسرائيلي”، ويرفض معظم وزراء الحكومة قبول رأي كبار المسؤولين العسكريين الذين يحذرون من الأزمة، وهاجم وزراء في الحكومة مباشرة رئيس الشاباك وقائد سلاح الجو وغيرهم من كبار المسؤولين في الأجهزة الأمنية، وعقد “رئيس الوزراء” مناقشة عاجلة، ولكن بدلا من تقديم الدعم لقادة “الجيش الإسرائيلي” وبدلاً من وقف التشريع والإضرار بقدرات “الجيش الإسرائيلي”، وبدلاً من دعم “الجيش” والشاباك ووقف عربدة الوزراء ضدهم، اختار توبيخ القادة والتهديد بإجراء اختبارات كشف الكذب لمنع التسريبات الممنهجة من الاجتماعات التي أجراها قادة “الجيش الإسرائيلي”.
إن قوة “الجيش الإسرائيلي” كما ذكرنا لا تنعكس فقط في قدراته العسكرية ودرجة استعداده العملياتي للحرب، بل تنعكس في موقعه كجيش الشعب في “الديمقراطية الإسرائيلية” وكبوتقة صهر اجتماعية ومدنية توحد مواطني البلاد، يتمتع “الجيش الإسرائيلي” بموقع حاسم وحساس واستراتيجي في الحفاظ على الحصانة المدنية الوطنية والأمن القومي السياسي وتطويرهما.
وعندما تقوم “الحكومة” بتحركات تضر بكل هذه الأمور، فإن “قدرة الجيش” على حماية أمن الكيان ومستوطنيه تتضرر بشكل كبير، ويتضرر بشدة النسيج الاجتماعي والقدرة على الصمود المدني الوطني لمستوطني “إسرائيل”.
إن خط العمل الذي اتخذته الحكومة تجاه “الجيش الإسرائيلي” ينعكس أيضًا في التصرف غير الجيد تجاه الشاباك و”الشرطة الإسرائيلية”، وإذا كان يبدو في الماضي البعيد أن الخطر الوجودي الذي يواجه “إسرائيل” يأتي من الدول المعادية المحيطة بنا، فإن الشعور اليوم هو أن الخطر الوجودي على استمرار بقائنا في الكيان يأتي من الداخل، من قادة الكيان، من الانقسام الداخلي الذي يحدث هنا وإضعاف الأجهزة الأمنية المختلفة والشرعية التي يحصلون عليها من جهات في الحكومة والجماعات التي تدعم هذه المواقف المتطرفة والخطيرة.
في مقال مؤطر، ولكن ليس على الهامش تمامًا، من المهم الإشارة إلى المساعدة الأمنية المتعددة السنوات التي تم نقلها على مدار سنوات عديدة من الولايات المتحدة إلى “إسرائيل” و”الجيش الإسرائيلي”، وحتى هذا الدعم الهائل أصبح في خطر بسبب تحركات الحكومة والعلاقة المهتزة مع الإدارة في الولايات المتحدة، وقد بدأت أصوات تسمع بين كبار المسؤولين في الإدارة في الولايات المتحدة تطالب بإعادة حسابات المسار فيما يتعلق بنطاق الدعم والمساعدات الأمنية لـ “إسرائيل”.
يجب على “الحكومة” ورئيسها أن يعودا سريعا إلى رشدهما، ويوقفا هجمة التشريعات ويعيدا التوازن الضروري بين المستوطنين وداخل “الجيش الإسرائيلي”، ووضع حد للظواهر التي تضعف الأجهزة الأمنية والموقع الاستراتيجي السياسي والأمني لـ “إسرائيل”.
المصدر: معهد السياسات والاستراتيجية/ “ليئور أكرمان”
Facebook Comments