الأزمة الداخلية تهدد القوة الاستراتيجية للكيان

ترجمة الهدهد
في الآونة الأخيرة ظهرت المزيد والمزيد من العلامات السلبية التي يمكن أن تؤدي إلى انحراف “التوازن الاستراتيجي الإسرائيلي” سلباً، والسبب الرئيسي لذلك هو أن “إسرائيل” تقف حالياً على مفترق طرق حيث سيتم اتخاذ قرارات مصيرية ستحدد مستقبل الكيان وطبيعته.
الحقيقة أن “إسرائيل” قد تجد نفسها في مواجهة مباشرة بين السلطة القضائية والحكومة والكنيست حول الطابع الديمقراطي للكيان
إن تحقيق هذا السيناريو قد يؤدي إلى الإضرار بنقاط القوة الاستراتيجية في ظل الضعف المتوقع في المجالات كافة كما سيكون له تأثير سلبي على الاتفاق الجاري تشكيله مع السعودية والولايات المتحدة الأمريكية.
مؤشرات ضعف القوة الاستراتيجية
إيران هي التي تشكل التهديد الرئيسي لـ “إسرائيل” وهي في طور تعاظم متعدد الأبعاد، حيث يتعلق الأمر أولاً وقبل كل شيء بتشكيل الشفهية الاتفاقيات مع الولايات المتحدة والتي تتمحور حول الحد من البرنامج النووي العسكري الإيراني، مع التزام إيران بعدم تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز مستوى 60%، وقد تم التوصل إلى هذه التفاهمات بشكل يتعارض مع سياسات “إسرائيل” المعلنة بما يعكس التأثير المحدود الحالي لـ “الحكومة الإسرائيلية” على الإدارة الأمريكية.
المغزى الرئيسي هو أن إيران تنجح في الحفاظ على قدراتها الشاملة في المجال النووي وترسيخ مكانتها كدولة عتبة.
وذلك على نحو قد يسمح لها باختراق التخصيب إلى مستوى 90% خلال مدة نحو أسبوعين في ظل قرار من المرشد، إضافة إلى ذلك تترك التفاهمات لإيران مجالاً للعمل على مواصلة عمليات مراكمة وتعزيز القوة العسكرية، ولا سيما في مجالات الصواريخ الباليستية والطائرات المسلحة بدون طيار، وتعميق التعاون المشترك مع عناصر محور المقاومة في المنطقة، وعلى رأسهم حزب الله حماس والجهاد الإسلامي.
وتتمتع إيران أيضاً من تحسن مكانتها على الساحة الدولية والإقليمية نتيجة المحور الاستراتيجي الذي تشكل مع روسيا والصين وعمليات المصالحة مع المملكة العربية السعودية.
يتزايد التصعيد الأمني في الضفة الغربية حيث انعكس في مقتل ثلاثة “مستوطنين إسرائيليين” في الأيام الأخيرة (35 منذ بداية العام مقارنة بـ 31 في عام 2022 بأكمله) والزيادة الكبيرة في العمليات الفدائية (تم إحباط أكثر من 400 عملية منذ بداية العام) هذا إلى جانب المنحى التراجعي للسلطة الفلسطينية وحكمها في أجزاء من الضفة الغربية، وتدفع هذه الاتجاهات “الجيش الإسرائيلي” إلى انخراط أكثر كثافة في الميدان، بطريقة تزيد من حدة الاحتكاك مع السكان المحليين وتثير انتقادات على الساحة الدولية والإقليمية، وقد يكون لذلك آثار على الإجراءات المحتملة ضد “إسرائيل” في المحاكم الدولية في لاهاي، خاصة إذا ضعفت محكمة العدل العليا وفقدت هيبتها الدولية.
كما أن إيران تحرض على تفجير الوضع في الضفة الغربية بل وتنقل المساعدات إلى التنظيمات وذلك نظراً لتصورها بأن الضفة الغربية وقطاع غزة ساحة مناسبة للنشاط في معركة واسعة ضد “إسرائيل”.
الأزمة الداخلية العميقة التي تعيشها “إسرائيل” بدأت تظهر نتائجها
ويتجلى ذلك في تقويض التماسك الاجتماعي وفي التآكل المحتمل بالفعل في الفترة المقبلة في الكفاءة الشاملة لـ “الجيش الإسرائيلي” وفي الأضرار الاقتصادية والتصدعات في العلاقات مع الحكومة الأمريكية، علاوة على ذلك فإن الانتقادات والشتائم المنفلتة من قبل الوزراء وأعضاء الكنيست ضد قادة الجيش والمنظومة الأمنية، دون إدانة فورية وحادة من “رئيس الوزراء”، تضر بقيمة ورسمية هذه المنظمات وقدرتها على العمل في ظل إجماع واسع النطاق والمكانة العامة للقادة الذين يترأسونها، ولهذه التطورات يوجد آثار مباشرة على تآكل صورة القوة والطريقة التي تظهر فيها “إسرائيل” في أعين أعدائها اليوم.
العراقيل أمام اتفاق التطبيع
في ظاهر الأمر يبدو أن الاحتمال كبير للتوصل إلى اتفاق سلام مع المملكة العربية السعودية في ظل التقاء غير مسبوق للمصالح بين الولايات المتحدة والسعودية و”إسرائيل”، إلا أن هناك العديد من العقبات الداخلية والإقليمية التي تحول دون التوصل إلى اتفاق وقد تعيق فرص التوصل إلى اتفاق.
ووفقاً للواقع المتطور على الساحة الفلسطينية يمكن تحديد مؤشرات على أن القضية ستحتل مكانة مركزية أكثر مما تم تصويره في صياغة الاتفاق الثلاثي، وأن المطالب المتوقعة من “إسرائيل” قد تشكل عائقاً كبيراً أمام المفاوضات في الطريق إلى الاتفاق التاريخي، وذلك لا سيما فيما يتعلق برسم الأفق السياسي وتحديد مبادئ واضحة لاتفاق مستقبلي وفي مقدمتها القبول بمبدأ “الدولتين” ووقف سياسات التوسع الاستيطاني.
ومن الأمثلة على ذلك تعيين السفير السعودي في الأردن سفيراً غير مقيم لدى السلطة الفلسطينية وقنصلاً في القدس الشرقية، فضلاً عن إظهار التزام العالم العربي بدعم التطلعات الفلسطينية، وهو ما انعكس في اللقاء الثلاثي في مصر بمشاركة الرئيس السيسي والملك عبد الله الثاني وأبو مازن.
هناك ما هو أبعد من ذلك، فمن المرجح أن تعمل إيران وحلفاؤها في المنطقة على تشكيل جبهة موحدة من أجل تأخير توقيع الاتفاق بسبب انعكاساته على وضعهم الاستراتيجي “لعبة المحصلة الصفرية في مواجهة إيران تجاه إسرائيل”، وذلك من خلال الترويج لعمليات فدائية قاسية خاصة في الضفة الغربية بهدف التصعيد الذي من شأنه تعطيل عملية التطبيع.
إن الطلب السعودي بتطوير برنامج نووي مدني كامل، يتمحور حول تخصيب اليورانيوم على أراضي المملكة يكمن فيه إمكانية اختراق الحواجز والتسبب في سباق تسلح نووي إقليمي (مصر وتركيا ودول أخرى)، هذا إلى جانب الخوف من تضرر النوعي لـ “إسرائيل” نتيجة مطالبة السعودية بشراء منظومات أسلحة متطورة (مثل طائرات F35 المقاتلة).
وأخيراً فإن المدة الزمنية للترويج للصفقة محدودة على ما يبدو حتى منتصف العام المقبل على الأكثر، بسبب دخول النظام السياسي الأميركي في المراحل الأخيرة من الإعداد للانتخابات الرئاسية والكونجرس.
المعاني والتوصيات
في الآونة الأخيرة تكثفت الخطوات التي تؤثر على مكونات القوة الشاملة لـ “إسرائيل”، والحقيقة أن العلاقة بدأت تظهر بين قوة “إسرائيل” المرتكزة على طابعها الديمقراطي وبين تقويض القاعدة الديمقراطية باعتبارها عاملاً رئيسياً في إضعاف القوة الاستراتيجية، وهذا يمكن أن يكون له آثار سلبية على فرص التوصل إلى اتفاق سلام مع السعودية ويؤدي إلى تفاقم وضع التوازن الاستراتيجي لـ “إسرائيل” ويعمق الضرر على “حرية العمل الإسرائيلية” في المنطقة بشكل عام وضد إيران بشكل خاص.
وفي ضوء ذلك فإن “حكومة إسرائيل” مطالبة أولا وقبل كل شيء بالعمل على لئم التصدعات والانقسامات في الشعب وترميم صورة الردع وتعزيز الاقتصاد، وإعادة العلاقات مع الإدارة الأمريكية إلى مسارها الطبيعي، كل هذه شروط ضرورية للحفاظ على نقاط القوة الاستراتيجية لـ “إسرائيل” والاستعداد لمواجهة متعددة الساحات مع عناصر المحور الراديكالي.
لتحقيق هذه الغاية يجب على الحكومة أن تتوقف فورًا عن الترويج للانقلاب القضائي بما في ذلك قانون الإعفاء من التجنيد في شكله الحالي، وفي الوقت نفسه يجب عليها أن تعلن بوضوح أنها ستقبل أي قرار من محكمة العدل العليا وتتعهد بعدم إجراء أي تغييرات تشريعية أخرى دون توافق واسع النطاق، هذا إلى جانب الوقف الفوري للانتقادات الموجهة إلى “قادة الجيش” والمنظومة الأمنية والتعبير عن الثقة الكاملة في أنشطتهم.
وفي مواجهة النظام الفلسطيني تحتاج الحكومة إلى تغيير سياستها وسلوكها، والعمل أولاً وقبل كل شيء على تحقيق الاستقرار في السلطة الفلسطينية مع الاستمرار في الاغتيالات ضد عناصر المقاومة، واتخاذ موقف صارم ضد اعتداءات المستوطنين، وذلك من خلال كبح عمليات ضم الأراضي وتوسيع المستوطنات ومنح المنافع الاقتصادية وتعميق التعاون المشترك مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وفي الوقت نفسه وخاصة في إطار الاستعدادات للأعياد اليهودية القادمة “مثل عيد السوكوت والعرش ورأس السنة العبرية”، يجب على “الحكومة” أن تظهر الحساسية تجاه المسيرات الاستفزازية في الأماكن المقدسة في القدس والتي يمكن تصويرها على أنها محاولات لتغيير الوضع الراهن واستخدامها كذريعة من قبل حركات المقاومة، للتحريض على العنف وكغطاء لحرب دينية، وفي هذا السياق ينبغي على الحكومة أن تولي أهمية خاصة للحفاظ على منظومة العلاقات الاستراتيجية مع الأردن والتي تعتبر ضرورية لأمن الحدود الشرقية ومحاربة عناصر الإرهاب والمحور الراديكالي.
أما بالنسبة للصفقة مع السعودية فيجب على “الحكومة” إجراء دراسة شاملة مع جميع الجهات ذات الصلة لجميع التداعيات على الأمن القومي الناشئة عن مطالب ولي العهد السعودي، خاصة فيما يتعلق بوضع خطة لدورة وقود نووية كاملة بما في ذلك تخصيب اليورانيوم في أراضي المملكة.
المصدر: معهد السياسات واستراتيجية/ اللواء احتياط “عاموس جلعاد”
Facebook Comments