أخبارمقالات إستراتيجية

تحليل:

للسيسي ونصر الله مصلحة مشتركة في عدم توسيع المواجهة “الإسرائيلية” الفلسطينية

ترجمة الهدهد

كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منشغلاً في الأسابيع الأخيرة بمهمة نسج معقدة، أكثر بكثير من السياسيين الصاخبين في “إسرائيل” الذين يدعون إلى التحرك “مرة واحدة وإلى الأبد” ضد “البنية التحتية للمقاومة” أو القضاء على السلطة الفلسطينية.

يدرك السيسي جيدًا معنى عملية عسكرية واسعة النطاق في الضفة الغربية، وهو مطلع أيضاً على الجدول الزمني للرئيس الفلسطيني محمود عباس، ويدرك بالطبع المنافسات والخصومات الشديدة داخل صفوف حركة فتح حول شخصية الوريث، والعواقب التي قد تترتب على مصر إذا اندلعت مواجهات جديدة في الضفة الغربية، التي ستمتد في غمضة عين إلى غزة وتتسبب في انهيار ما أصبح بمثابة الجهد الرئيسي لمصر على الساحة الفلسطينية، -وهو خلق وحدة سياسية فلسطينية بين الفصائل الفلسطينية من أجل إرساء الأساس لتهدئة طويلة الأمد بين “إسرائيل” والفلسطينيين.

وفي 29 يوليو، اجتمع الأمناء العامون لـ 14 تنظيماً فلسطينياً في مصر، من دون حركة الجهاد الإسلامي، التي طالبت بالإفراج عن أسراها المتواجدين في سجون السلطة الفلسطينية كشرط لمشاركتها، كما حدث في اجتماعات كثيرة سابقة، لم يسفر هذا الاجتماع بعد عن نتائج ملموسة، لكن الشعور بالإلحاح والحاجة إلى تعزيز هذه الخطوة جعل من المتوقع عقد اجتماع فلسطيني موسع آخر في مصر الأسبوع المقبل لمحاولة الترويج للخطة المصرية.

قبل ثلاثة أيام من اللقاء في مصر، التقى محمود عباس وإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، للنقاش مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي أصبح بعد تجديد العلاقات مع مصر و”إسرائيل”، شريك مقبول في إدارة المفاوضات الفلسطينية الداخلية، وهو ما لقي تشجيعاً أيضاً من “إسرائيل”.

الوقت يضغط وهناك العديد من الشركاء الآخرين الذين يعملون في هذه الساحة السياسية، وليسوا جميعاً متفقين مع الجهود التي تبذلها مصر.

على سبيل المثال، أثار قرار السعودية تعيين قنصلها العام في الأردن في منصب القنصل العام في الضفة الغربية والقدس ضجة ليس فقط في “إسرائيل”، التي ما زالت لم تفهم سبب الخطوة، ولكن أيضاً في الأردن والقاهرة ورام الله، فالأردن الذي يشعر بالقلق من استبعاده من منصب الوصي على الأماكن المقدسة في المسجد الأقصى، وهو الموقف المنصوص عليه في ملحق اتفاق السلام الموقع بينه وبين “إسرائيل”، يرى في الخطوة السعودية نية لفرض الحقائق على الأرض، مع الاستفادة من توق “إسرائيل” للتطبيع مع السعودية.

وهذه ليست المرة الأولى التي تعرب فيها السعودية عن رغبتها في أن تكون الوصية على جميع الأماكن المقدسة للإسلام، وفي المملكة الأردنية فإن التقارب بين المملكة العربية السعودية وحماس، والذي تجلى في إطلاق سراح العديد من نشطاء حماس من السجن ومنح الإذن لقيادة حماس لأداء فريضة الحج في مكة، يتم تفسيره على أنه جزء من نفس الجهد، الحصول على دعم منظمة فلسطينية للمكانة التي تسعى إليها الرياض.

في الأسبوع الماضي، اجتمع ملك الأردن ومحمود عباس بشكل عاجل مع السيسي لبحث “القضايا المتعلقة بالقضية الفلسطينية”، وفي يوم الثلاثاء الأسبوع الماضي، التقى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي مع السيسي لمناقشة تعزيز التعاون بين مصر والأردن، في حين أن هدفهم من وراء هذه البيانات الرسمية القصيرة واضح تمامًا: إظهار تضامن “أصحاب المصلحة” المباشرين في مواجهة نوايا المملكة العربية السعودية.

لدى السيسي، مثل الملك عبد الله ومحمود عباس، سبب وجيه للخوف من تحركات المملكة العربية السعودية – وخاصة على الساحة الفلسطينية-، وليس هناك فقط، فمصر التي بنت لنفسها مكانة مؤثرة بفضل قدرتها على التوسط بين “إسرائيل” وحماس في كل مرة، تسعى إلى منع تسرب هذه المكانة إلى يد محمد بن سلمان، الذي لم يكلف نفسه عناء الاهتمام بالقضية الفلسطينية حتى الآن، أو استثمار الجهود في الترويج لحلها.

يواجه الزعماء الثلاثة مشكلة مشتركة صعبة مع “الحكومة الإسرائيلية”، وهي مشكلة لم تكن لديهم من قبل، وبحسب مصادر مصرية، فإن السيسي ورئيس مخابراته عباس كامل لا يثقان بـ “رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو”، ويفضل رجال السيسي إجراء اتصالاتهم مع نظرائهم العسكريين ومع ممثلي الشاباك، ولكن هذه المناقشات تجري عادة حول قضايا تكتيكية تتعلق بالحد من المواجهات العنيفة بين غزة و”إسرائيل”، وعندما يتعلق الأمر بالتخطيط السياسي، فإن مصر ليس لديها “شريك إسرائيلي”، وأبعد من ذلك: “الحكومة الإسرائيلية” لديها وزراء يرون في مصر عاملاً يحد من حرية عمل “الجيش الإسرائيلي”.

على الصعيد الأردني، يجري التعاون الاستخباراتي والعسكري على مستوى جيد وحتى على مستوى عال، ولكن الأيام التي كان فيها “رئيس الوزراء” يتصل بالقصر في الأردن مباشرة لإجراء محادثات ودية قد ولت.

سبب آخر..

إن ظروف العمل للنشاط الدبلوماسي “الإسرائيلي” والأردني والمصري، ناهيك عن “الإسرائيلي” والفلسطيني، تزداد سوءاً في ظل سيطرة وزراء اليمين المتطرفين على تحديد جدول الأعمال في الضفة الغربية.

في مصر، تؤخذ مطالب “الوزراء الإسرائيليين” بالعودة إلى الاغتيالات التي تستهدف قادة حماس والجهاد الإسلامي هذه المرة ليس فقط في الضفة الغربية، بل أيضاً في لبنان وسوريا على محمل الجد، وتحذر الرسائل المصرية التي أرسلت إلى “إسرائيل” في الأيام الأخيرة من تكرار أخطاء الماضي التي أدت إلى عمليات عسكرية لا طائل من ورائها.

التقييم المعتاد هو أن النشاط العسكري ضد أهداف فلسطينية في لبنان قد لا يؤدي فقط إلى رد فعل عنيف من غزة، بل قد يؤدي أيضاً إلى تنشيط حزب الله

كما أن “التهديدات الإسرائيلية” يتردد صداها بشكل جيد في لبنان، حيث يعيش بعض قادة التنظيمات المستهدفة، التقييم المعتاد هو أن النشاط العسكري ضد أهداف فلسطينية في لبنان قد لا يؤدي فقط إلى رد فعل عنيف من غزة، بل قد يؤدي أيضاً إلى تنشيط حزب الله، وينبغي النظر إلى هذا التقييم بدرجة من الشك، لأنه بالرغم من التشجيع والمساعدة التي يقدمها حزب الله لبعض التنظيمات الفلسطينية، فإنه ينأى بنفسه عن التدخل العسكري المباشر ضد “إسرائيل” من أجل “القضية الفلسطينية” من أجل الحفاظ على مكانته كمدافع عن لبنان، وكمن يعمل فقط من أجل المصالح اللبنانية.

على سبيل المثال، بعد أن هاجمت “إسرائيل” أهدافاً تابعة لحماس في جنوب لبنان في شهر أبريل الماضي في أعقاب إطلاق عشرات الصواريخ من لبنان على “إسرائيل”، لم يكتف حزب الله بعدم تحمل المسؤولية عن إطلاق الصواريخ، بل سمح أيضاً لهذه المواجهة بالمرور دون تدخل.

كان لدى حزب الله سبب آخر هذا الأسبوع لتجنب فتح جبهة عنيفة ضد “إسرائيل”، انطلقت، الخميس، أولى عمليات الحفر في حقل الغاز اللبناني (البلوك 9)، والتي قد تحدد نتائجها ما إذا كان لبنان سيحظى بمصدر للطاقة والتمويل قادراً على إنقاذه من الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعيشها، حزب الله الذي بارك اتفاق ترسيم الحدود مع “إسرائيل” ووصفه بالإنجاز التاريخي، لن يريد الآن أن يكون الطرف الذي يسحق هذا الإنجاز لمجرد خدمة المقاومة الفلسطينية من داخل لبنان، أو حتى كضريبة لفكرة “وحدة الساحات” التي يروج لها سوياً مع حماس والجهاد الإسلامي، حيث الهدف هو مواجهة مشتركة في غزة والضفة الغربية إلى جانب تجنيد حزب الله.

هذه الفكرة التي تبدو تهديدية يصعب تنفيذها، لأن لحزب الله اعتبارات لا تتطابق مع اعتبارات التنظيمات الفلسطينية، على سبيل المثال، قبل نحو ثلاثة أسابيع، وقعت مواجهة عنيفة وقاتلة في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان بين عناصر من حركة فتح وأحد التنظيمات الإسلامية التي تسمى حركة الشباب المسلم، وقتل في بداية المواجهات أربعة من عناصر فتح، بينهم أحد كبار قادة المعسكر أبو أشرف العرموشي، وهو العدد الذي ارتفع إلى 11 خلال يومين، وناشد قادة حماس، ومن بينهم إسماعيل هنية ونائبه صالح العاروري، ورئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، وكبار الممثلين الفلسطينيين في لبنان، حسن نصر الله والحكومة اللبنانية المساعدة في كبح الاشتباكات وتهدئة الأجواء في المخيم.

هذه ليست اشتباكات جديدة، بل هناك مواجهات مماثلة وأكثر صعوبة تحدث منذ سنوات في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بين مختلف الفصائل حول السيطرة على المخيمات، ولا تعمل الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني في المخيمات، بل يتمركزان فقط على مداخلها، لكن يُسمح لعناصر التنظيمات بحمل السلاح داخل المخيمات لإتاحة الفرصة لسكان المخيمات للدفاع عن أنفسهم.

المشكلة هي أن كل مواجهة مسلحة داخل المخيمات تعيد إحياء مسألة السلاح الفلسطيني وتثير المطالبة بنزعه، وفي كل مرة يثار هذا المطلب يقف حزب الله، الذي يشن حملة مطولة ضد خصومه الذين يطالبون بنزع سلاحه كسد منيع أمام هذا المطلب، رغم أنه لا توجد قوة في لبنان اليوم قادرة على نزع السلاح.

والنتيجة هي أن حزب الله ليس بالضرورة راضياً عن الوضع الذي تستخدم فيه التنظيمات الفلسطينية أسلحتها داخل المخيمات وحتى ضد “إسرائيل”، عندما لا يكون هذا النشاط منسقاً معه أو قد يضر بمصالحه، ولذلك، بالرغم من تأييده لفكرة “وحدة الساحات”، فإنه يحرص على أن يكون هو من يرسم حدود هذه الوحدة.

على هذه الخلفية، فإن المواجهة بين “إسرائيل” وحماس أو الجهاد الإسلامي على الأراضي اللبنانية قد تنتهك استراتيجية حزب الله التي بموجبها يكون مستعداً لمساعدة وتدريب وتجهيز المقاومة الفلسطينية في حربها ضد “إسرائيل”، طالما أنها مستمرة في الأراضي الفلسطينية ولا تجره ولا تملي عليه قواعد المواجهة.

لقد فهمت “إسرائيل” حتى الآن قواعد اللعبة، وبشكل عام لم تنتهكها، لكن حتى “الحكومة الإسرائيلية” نفسها لا تعرف الآن كيف تتصرف، وهي تبحث عن حلول سريعة واستعراضية بشكل خاص وغير متوقعة، والتي قد لا توسع ساحة المواجهات فحسب – بدلاً من أن تقتصر على الضفة الغربية التي تسيطر عليها – بل تهز أيضاً علاقاتها الحيوية مع الدول التي من خلالها تحافظ أو تبقي على المواجهة على نار هادئة نسبياً.

المصدر: هآرتس/ “تسبي هارئيل”

 

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي