تحليل | اعتداءات المستوطنين إلى متى.. وكيف يتكاثر المنفذون؟
ترجمة الهدهد
لا يُسمح للفلسطينيين بالدفاع عن أنفسهم – أرواحهم وأراضيهم وممتلكاتهم – من المعتدين اليهود، يعتبر الدفاع عن النفس من المستوطنين اليهود في الضفة الغربية جريمة جنائية تشمل الاعتقال والمحاكمة والسجن وغرامات كبيرة أو الموت، هذا ليس تحليلاً بل هو جوهر الحقيقة المشوهة وراء مقتل قصي معطان من قرية برقة؛ وهذه هي مهزلة اعتقال عمار عسلية الذي أصيب بالرصاص وأبنائه الثلاثة الذين سارعوا لصد الاعتداء على قريتهم، لا يُسمح للفلسطيني بالدفاع عن نفسه بالسلاح، ولا يُسمح له بالدفاع عن نفسه بالحجارة والعصي، كما لا يُسمح له بالخروج لصد المعتدي، كل هذا سيعتبر “تخريبًا” أو في أحسن الأحوال اخلالا بالنظام، ليس فقط عندما يتعلق الأمر بمعتدين مرسلين من جهة رسمية، ولكن أيضًا بيهود مستوطنين.
هذا المنع الشامل مرسخ بتشريع عسكري، وفي تقاليد العمل التي تجذرت في “الجيش الإسرائيلي”، وفي مكتب المدعي العام وفي المحاكم؛ في جو “التفوق اليهودي”، وفي اتفاقيات أوسلو، هذه مصفوفة معقدة، حيث يتصل كل عنصر فيها بالآخر ويرسخه.
لا عجب أن “الشاباك” و”الجيش” قلقان، ليس هناك حاجة إلى معلومات من العملاء أو أجهزة تنصت متطورة لتعلم أن هذه الحقيقة الفظيعة عبارة عن صندوق من القنابل العنقودية، عقل متغطرس له جدائل، مسلح بقلنسوة وملابس متدينين وبندقية، يمكنه أن يفجر، لكن “الشاباك” و”الجيش”، بما في ذلك “النيابة العسكرية” و”المحكمة العسكرية”، مقيدون بواقع هم انفسهم أوجدوه وحافظوا عليه.
توضح المعلومات أعلاه كيف يمكن للاعتداءات أن تكون ممكنة ولماذا تتكاثر، وكيف يتكاثر منفذوها من المستوطنين.
لنبدأ بالحكم العسكري: وفقًا للقانون الدولي، يجب أن يحافظ على سلامة ورفاهية السكان المدنيين (المحتلين) المحميين، لا يقوم “الجيش الإسرائيلي” بهذا الدور، لأن مشروع نهب الأراضي، الذي أطلقته “إسرائيل” في حزيران / يونيو 1967 والذي يدافع عنه “الجيش”، بحكم تعريفه ووجوده يتعارض مع سلامة ورفاهية هؤلاء السكان، “الجيش” لا يحميهم من اعتداءات المستوطنين اليهود، لأن مهمته الأساسية في الضفة الغربية هي الدفاع عن المستوطنين اليهود، وخاصة أولئك الذين ينفذون مشروع استيطان السلب.
حتى لو لم يكن كل القادة والجنود متعاطفين مع مشروع الاستيطان منذ بدايته، ولم يوافقوا على إملاءاته، فقد تم على مر السنين الالتزام بحماية المستوطن اليهودي، حمايته وحده، لقد غرس في أجيال من الجنود عادة عدم حماية الفلسطينيين كمبدأ، وكأمر بديهي وكتعليمات.
ومن هنا تكررت الدراما لجنود يقفون متفرجين على الاعتداءات على الفلسطينيين، ويساعدون المعتدين اليهود على مهاجمة الفلسطينيين وطردهم من أرضهم، لذلك، عندما يرافق الفلسطينيون نشطاء يساريون يهود، فإن يهوديتهم لا تساعدهم، والجنود يهاجمونهم ويطردونهم أيضًا من خلال أمر “منطقة عسكرية مغلقة”.
لا يجوز القيام بمسيرة أو عقد اجتماع أو وقفة احتجاجية إلا بترخيص من قائد عسكري… يجوز للقائد العسكري أن يخول أي جندي أو شرطي من قوات الشرطة باستخدام سلطاته وفقًا لهذا الأمر [ تفريق التجمع]، “ينص القرار 101 الصادر في آب / أغسطس 1967 بشأن حظر التحريض والدعاية المعادية، لهذا السبب يعرف الفلسطينيون أنه إذا ذهب عشرين أو مائة منهم للدفاع عن راعي أو مزارع، فإن الجنود “سيفرقونهم كتجمع غير قانوني مع الوسائل التي بأيديهم، من الغاز المسيل للدموع والضرب إلى الذخيرة الحية.
ما يحدث هذه الأشهر في قرية قريوط شمال رام الله، في كل يوم جمعة، تأتي مجموعة من المستوطنين من المستوطنات المجاورة (عيلي وشيلو وبؤرها) للغطس في النبع في قلب القرية، كوسيلة للسيطرة عليه أيضًا (لقد استولوا بالفعل على ثلاثة ينابيع أخرى)، “الجيش” موجود بجانبهم (بل وحتى يصل المكان قبلهم) لمنع أهل القرية من صد المعتدين، من بينهم أطفال صغار، ثم يأتي دور المداهمات الليلية التي يقوم بها “الجيش” على منازل السكان الذين تجرأوا على التصدي للمعتدين اليهود، سلسلة اعتقالات ومحاكمة أمام قضاة عسكريين يهود، ثم سجن لعدة أشهر وغرامات مالية باهظة، لزرع اليأس بينهم وصدهم عن محاولة التصدي مرة أخرى لاعتداءات المستوطنين اليهود عليهم وعلى أراضيهم.
هذا ما حدث في النبي صالح والمزرعة القبلية وفي المغار، هذه مجرد أمثلة قليلة لنمط يتم العمل به منذ عقود.
يحظر التشريع العسكري على الفلسطينيين حيازة واستخدام السلاح، كما هو مكتوب في المرسوم المتعلق بالتعليمات الأمنية رقم 1651 لسنة 2009: “من يحمل أسلحة أو يحوزها أو يصنعها دون تصريح من قائد عسكري أو من ينوب عنه أو بغير تصريح، يحكم عليه بالسجن المؤبد، المستوطنون، الذين يخضعون (عندما يكون ذلك مناسبًا لهم) للقوانين “الإسرائيلية”، يحصلون على ترخيص لامتلاك أسلحة من قسم ترخيص الأسلحة في وزارة “الأمن القومي”، وفي عام 2011 تقرر بالفعل أن يتمتعوا بالأولوية في دور الذين يحصلون على التراخيص لامتلاك أسلحة.
أفراد قوات الأمن الفلسطينية لديهم تصريح من “إسرائيل” لحمل السلاح، ولكن فقط داخل المنطقة أ؛ اما في منطقة “ب” فقط لفترة محدودة وبعد تنسيق ممل، خارج هذه المناطق تمنعهم اتفاقية أوسلو من العمل، وفي كل مكان، حتى في المناطق (أ) و (ب)، لا يُسمح لهم بالعمل كسلطات قانون ونظام عندما يعتدي المستوطنون اليهود على الفلسطينيين، لا يُسمح للشرطة الفلسطينية حتى بتهديد المعتدين اليهود الذين يعتدون على شعبهم بالسلاح، ناهيك عن استخدامه (سيتم القبض عليهم كإرهابيين)، لا يسمح لهم باعتقال المعتدين اليهود داخل هذه المناطق، ناهيك عن خارجها.
يمنع أن تحاكم السلطة الفلسطينية المعتدين اليهود في محكمة فلسطينية بتهمة الاعتداء والتخريب، تنص المادة 13 من اتفاقية أوسلو المؤقتة التي أصبحت أبدية على أن “الشرطة الفلسطينية ستكون مسؤولة عن التعامل مع الحوادث المتعلقة بالنظام العام التي تشمل الفلسطينيين فقط، السلطة الفلسطينية بإلهام من محمود عباس وبإيعاز منه، تواصل احترام هذا البند بحذافيره، ولا تطور مبادرات وتكتيكات تتناسب مع الوضع الجديد.
وجاء في المادة 15 من اتفاقية أوسلو، المسماة “منع الأعمال العدائية” ما يلي: “سيتخذ الجانبان جميع الإجراءات اللازمة لمنع أعمال الإرهاب والجريمة والعداء الموجهة ضد بعضهما بعضا، ضد الأشخاص الخاضعين لسلطة الطرف الآخر وضد ممتلكاتهم، وسوف تتخذ الإجراءات القانونية بحق المجرمين”، هناك الكثير من التماثل الخاطئ في هذه الجملة، لأن السلطة الفلسطينية ليست دولة ذات سيادة، وهي، مثل الشعب الفلسطيني، تخضع لنظام الاحتلال العسكري “الإسرائيلي”، الذي يثبت مرارًا وتكرارًا أنه ليس لديه نية لإحباط اعتداءات المستوطنين، ما تبقى من هذه الجملة هو أن السلطة الفلسطينية، التي لا يُسمح لها بحماية شعبها من عنف اليهود، مُلزمة بالعمل ضد شعبها.
أجهزة الشرطة والأمن الوقائي والمخابراتية العامة والعسكرية، التي تعتقل الفلسطينيين بسبب تصريحات أدلوا بها ضد قيادتهم، والتي تطالبها “إسرائيل” بالعودة إلى العمل في نابلس وجنين، غير موجودة في عشرات القرى والتجمعات السكانية في المنطقة ب و ج، التي يتعرض سكانها للاعتداءات اليومية من قبل المستوطنين “الإسرائيليين”، هذا الأسبوع فقط، أُجبر مجموعة من تجمع الرعاة الفلسطينيين من القبون الذي يضم 12 عائلة (86 شخصًا)، على ترك منازلهم في غور الأردن بسبب المضايقات من البؤر الاستيطانية المحيطة.
هذا هو التجمع الرابع الذي أُجبر على المغادرة في الأشهر الأخيرة من المنطقة إلى المنطقة ب، بسبب الاعتداءات التي يتعرضون لها من المستوطنين اليهود، وحظر البناء والتنقل الذي تفرضه الإدارة المدنية عليهم وعدم وجود أي قوة لحمايتهم من الهجمات.
هذا التناقض الواضح والظلم الذي يعكسه يزعج بالتأكيد العديد من الفلسطينيين الذين يخدمون في الأجهزة الأمنية، وهذا يجب أن يقلق رؤساء الأجهزة الأمنية وكبار قادة حركة فتح والسلطة الفلسطينية، الذين من غير الواضح إلى متى وبأي تكلفة شخصية وسياسية سيتمكنون من احتواء الغضب المتراكم ضدهم.
المصدر: هآرتس/ عميرة هيس
Facebook Comments