شهيّة حزب الله لخوض حرب في الشمال تزداد.. ولكن!

#ترجمة_الهدهد
لم يكن لدى منظومة العدو “الإسرائيلي” الأمنية، الكثير من الوقت لتفرح بنجاح العملية الأخيرة في غزة، فبعد انتهائها بدأت تتراكم الأنباء المقلقة من الشمال، من لبنان وسوريا. لم تصل بعد إلى مستوى إنذارات طارئة، لكنها مقلقة لدرجة أنها دفعت القيادة الأمنية إلى جولة من التحذيرات العلنية لحزب الله.
حقيقة أن تنظيمًا مثل الجهاد الإسلامي، نجح في إزعاج نصف كيان العدو على مدار خمسة أيام، أثار الرغبة لدى حزب الله أن يعود ويشعر مرة أُخرى بأنه التنظيم الأبرز والقائد للمقاومة ضد “إسرائيل”.
حزب الله يدرس عدة أفكار بشأن عمليات ضد “إسرائيل” من لبنان، وأيضًا من سورية بعد شهرين على إدخاله، مسلح فلسطيني قام بتنفيذ عملية على مفرق مجدّو، يبدو أن الإيرانيين أيضًا الذين طالبوا نصر الله حتى الآن بتبنّي نهج حذر والامتناع عن الانجرار إلى حرب مع “إسرائيل”، مستعدون الآن لمنحه حبلاً أطول.
عندما نربط هذا بحقيقة أنه منذ عام ومقاتلو “قوة الرضوان” التابعة لحزب الله يقتربون من الحدود أكثر فأكثر، تغدو الصورة مقلقة أكثر.
قوة الرضوان، -التي تضم عدداً يتشكل من مجموعة من الوحدات، تدربت على اختراق السياج الحدودي والسيطرة على مستوطنة “إسرائيلية”-، أقامت في الآونة الأخيرة عدة مواقع متاخمة جدا للحدود.
بصورة عامة، تتكون هذه المواقع من حاويات، لكن يجري حولها الكثير من الأعمال اللوجستية: حركة مركبات وإمدادات، ودوريات مراقبة، والهدف من هذا كله تعويد الجيش “الإسرائيلي” وجودهم على بُعد خطوة عن الحدود.
معظمهم من خرّيجي الحرب في سورية، ولديهم تجربة عسكرية غنية، ومنذ ذلك الوقت مرت عليهم سنوات من الكسل لم تساعدهم كثيراً، فقبل 6 أعوام عادوا من سورية محصنين وأقوياء وفي ذروة الكفاءة والرشاقة، “لكن خلال زياراتي إلى الحدود في العامين الماضيين كان من الصعب عدم رؤية الكروش التي ظهرت على بعضهم”.
وعندما ننظر، عن قُرب، إلى العرض العسكري الهادف الذي نظّموه الأسبوع الماضي في ظل توسع وجود الصحافيين في جنوب لبنان، يمكن أن نلاحظ أيضا قِدم الوسائل القتالية لديهم أيضاً، الشاحنات، المركبات العسكرية وراجمات الصواريخ، كلها يبدو عليها القِدم، ولا يتم صيانتها على أفضل وجه، وهذه أدوات للاستعمال لمرة واحدة.
قدراتهم العملياتية الخاصة أيضًا لم تعد كما كانت عليه، فخلال الأعوام الأربعة الأخيرة فشل حزب الله المرة تلو الأُخرى: في إطلاق صاروخ مضاد للدبابات على سيارة إسعاف عسكرية في سنة 2019 أخطأ، والخلية التي حاولت التسلل إلى معسكر “غلديولا” في “مزارع شبعا” سنة 2020 انسحبت دون أن تنجح، والجيش قرر حينها تركها تنسحب، ومحاولة قنص قوة عسكرية سنة 2020 فشلت هي الأُخرى، حتى العملية في مجدّو التي كان من المفترض أن تقتل عدة “إسرائيليين”، نُفّذت بشكل غير مهني.
لم يجد حزب الله حتى اليوم بديلاً عن العقل العملياتي المبدع لعماد مغنية، بعد 15 عامًا على اغتياله في دمشق، يشرحون لنصر الله في التنظيم أن “إسرائيل” المنقسمة لن تتجرأ على خوض حرب ضدهم، حتى لو تعرضت لهجوم مؤلم، يمكن أن يكونوا على حق، لم يتجرأ “نتنياهو” يوماً على قيادة “إسرائيل” إلى حرب، لكن رئيس هيئة الأركان ورئيس شعبة الاستخبارات حاولا إقناع نصر الله بأنه إذا تجرأ على تنفيذ عملية فهو يخاطر بمواجهة واسعة.
الافتراض العملي المباغتة
بعد أن عدّدت نقاط ضُعف التنظيم، لا يجب الاستهتار به، لديه قوة برية مدربة يصل تعدادها إلى آلاف الأشخاص الذين يستطيعون عند صدور الأوامر، اختراق الحدود واحتلال مستوطنة “إسرائيلية”، وخلفه يوجد منظومة قوية من الصواريخ والقذائف الصاروخية توفر له تغطية بقوة النار، ويستطيع إلحاق ضرر كبير بالجبهة الداخلية، بما في ذلك إصابات دقيقة لأهداف إستراتيجية في “إسرائيل”.
يفترض الجيش أن تفعيل قوة الرضوان سيكون فقط في سيناريو تصعيد تدريجي، أو يحدث بعد تحذيرات استخباراتية واضحة لديها. في جميع الأحوال فإن الافتراض الأساسي يجب أن يكون بأننا سنُابغَت في التوقيت، أو المكان، أو بكليهما.
قدرات الجيش في حال حدوث اختراق بري من الشمال محدودة، لم يعد سراً أن القوات البرية على الحدود الشمالية تم تقليل عددها خلال الأعوام الماضية، وانتقلت إلى النشاط في الضفة الغربية على حساب ذلك.
النقص الأساسي في القيادة الشمالية هو في عدم وجود عدد كبير من المدفعية التي يجب أن تتواجد بشكل دائم هناك، ويمكنها استخدام قوة نار كثيفة لإحباط اختراق “قوة الرضوان” وتدفيع القرية التي تخرج منها القوة ثمنا باهظا.
الجروح لم تجف بعد..
يعلم حزب الله ومرسلوه الإيرانيون جيداً أن الحرب مع “إسرائيل” ستكون الحرب الأخيرة لـحزب الله، وسترك خلفها لبنان خراباً، يوضح الإيرانيون لنصر الله أنهم قاموا ببناء قوته الكبيرة كي يستطيع ردع “إسرائيل” عن مهاجمة إيران، أو معقابتها في حال هاجمت، وأنه من الممنوع عليه أن ينجرّ إلى حرب في أي سيناريو آخر.
بعد أن أخطأ في حساباته قبل17 عاماً وجرّ لبنان إلى حرب لم يكن يرغب فيها، عاد نصر الله ليؤمن بأنه يتقن قراءة المجتمع وصناع القرار في “إسرائيل” أكثر من الجميع، مؤخراً هو يتصرف وكأنه مستعدا للمخاطرة أكثر ويسير على عتبة الحرب، “فحزب الله لم تجف لديه جروح حرب لبنان الثانية ونحن أيضاً مثله”.
القوة التي ستُستخدم خلال حرب لبنان الثالثة، على أمل ألّا تأتي، ستُخرب جارتنا الشمالية كليًا، وتترك في الوعي “الإسرائيلي” جروحاً عميقة أشك في التعافي منها. هذا سبب كافٍ للطرفين كي يتصرفا بحذر وعدم الانجرار إلى هاوية حرب كهذه، وستكشف الأيام القريبة ما إذا كانت التحذيرات “الإسرائيلية” حققت أهدافها أم أن الحدود الشمالية ستعود لتكون ساحة حرب نشطة.
من الممكن أن يكون حزب الله صادقاً ويقرأ ضعفنا بصورة صحيحة، ففي الوقت الذي يقوم فيع بالاستعداد وتسخين الحدود، وتنطلق إيران بهدوء وثقة نحو النووي، فإن حكومتنا مشغولة بمسألة تدليل طلاب المدارس الدينية العاكفين على دراسة التوراة كي لا يخرجوا للعمل، وإلى أي حدّ يجب زيادة المساعدة لمؤسسات تعليمية لا تقوم بتدريس أي شيء.
بعد هدوء خمسة أيام، وقبل أن ننسى أصوات القذائف التي سقطت علينا من الجنوب، تجددت بقوة أكبر حملة النهب والانتقام التي تقوم بها الحكومة، والتي لا تسمح لأي واقع بمنعها من تحقيق أطماعها.
ينظر رئيس الحكومة إلى هذه العربدة كأنه لا علاقة له بها، لكنه على الأقل لم يفقد روح الدعابة: ففي اليوم الذي حذّر فيه رئيس هيئة الأركان من تقدُّم المشروع النووي الإيراني، أثبت “نتنياهو” أنه وجد النكتة المثالية لمنصب وزير الشؤون النووية وتعيين “دافيد أمسالم” وزيراً لها.
معاريف/ ألون بن دافيد
Facebook Comments