شرق أوسط جديد .. على “إسرائيل” تنظيم وضعها الداخلي

#ترجمة_الهدهد
شرق أوسط جديد يقوم أمام ناظرينا، ليس ذاك الوهمي الذي أمل “شمعون بيرس” الراحل عبثا أن يقوم في أعقاب اتفاقات أوسلو، بل شرق أوسط مختلف آخذ في التجسد كنتيجة لاتفاقات أبراهام التطبيعية، والصراع بين الغرب برئاسة الولايات المتحدة وبين الصين، وروسيا وإيران على النظام العالمي، ومن الترتيبات الجيوسياسية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط نفسها والتطورات الداخلية لدى دولها.
إلى جانب هذه الاتجاهات ينبغي أن نعد أيضًا أحداثا مثل التقلبات في أسعار النفط وآثار ذلك على العالم الغربي والتي تحفزها الحرب في أوكرانيا. من جهة أخرى يوجد هناك تعزيز لمكانة الصين بصفتها الزبون الأساس وأحيانا شبه الوحيد (عند الحديث عن إيران) للذهب الأسود.
في خلفية هذه التطورات، عند الحديث عن الشرق الأوسط عامة والدول العربية التي تقع على شاطئ الخليج خاصة، توجد المسيرة التي بدأت في إدارة الرئيس أوباما وتواصلت أيضًا تحت إدارتي الرئيسين ترامب وبايدن، وهو ما تفسره دول المنطقة ربما بمبالغة بالتغيب التدريجي للتواجد الأمريكي السياسي والعسكري.
لقد أدى هذا الفهم إلى موقف جديد من جهتها تجاه نفسها ليس فقط كزبائن ورعايا لواشنطن بل كمراكز قوة مستقلة قادرة على نيل نقاط استحقاق جغرافية سياسية واقتصادية بالذات كنتيجة للتنافس بين التكتلات. فهي لم تعد مجرد أدوات في أيدي الآخرين على لوحة الشطرنج العالمية بل دولًا لاعبة رئيسة.
صحيح أن الحديث لا يدور عن الاستبعاد التام لكل ما كان ساريا في الماضي، فلا السعودية ولا الإمارات، رغم تحسين العلاقات مع ايران والدعوة الإشكالية لسوريا العودة إلى النادي، لم تغيرا موقفهما الأساس الذي يرى في إيران التي تتحول إلى النووي والساعية إلى الهيمنة الإقليمية – تهديدا حقيقيا على امنهما وعلى نظاميهما. فكلتاهما لا تزالان تريا في ” إسرائيل” أيضًا جهة أساسية دبلوماسية وعسكرية على حد سواء لصد هذا التهديد.
كما أن الاثنتين لم تتنازلا عن درع الأمن الأمريكي، حتى وإن ظهرت فيه تصدعات أو عن التعاون مع الصناعات الأمنية الأمريكية، وهذا أيضًا مصلحة أمريكية واضحة رغم أن جهات اليسار في الحزب الديمقراطي تحاول التقليل منه.
نتيجة أخرى وقد تكون غير متوقعة من الواقع الجديد، وهي أن مفهوم “العالم العربي” لم يعد له المعنى الذي كان له في العقود الأخيرة. فقد بدأت تظهر فجوات بين دول النفط الغنية كالسعودية، الإمارات، البحرين وقطر والدول العربية الأخرى وبخاصة تلك التي كان يمكنها دوما قبل ذلك أن تعتمد على اليد السخية للسعودية والإمارات من المساعدات المالية للتخفيف من أزماتها الاقتصادية، وعليها الآن أن تتصدى لذلك بينما اليد المذكورة أعلاه أصبحت اكثر شحاً.
وكما تحدث مؤخرا خبير عربي في أحد معاهد البحوث الهامة في واشنطن فإن مركز الثقل في العالم العربي انتقل بالتأكيد من شمال أفريقيا والهلال الخصيب نحو دول الخليج“؛ “الهلال الخصيب” للتذكير، يضم الفلسطينيين أيضًا. هذا لا يعني أن دول الخليج تريد أويمكنها أن تتجاهل تماما المسألة الفلسطينية، لكن هذه لم تعد تحتل مكانا مركزيا في اعتباراتها السياسية.
فهي على ما يبدو كانت تفضل ألا تنشغل في ذلك على الإطلاق بقدر ما يسمح الرأي العام المحلي في بلدانها بذلك. وهذا توجد له آثار أيضًا على مستقبل علاقاتها مع “إسرائيل” وإن لم يكن هناك مواقف موحدة كاملة في هذا السياق، مثلا بين السعودية والإمارات التي وقعت على اتفاقات أبراهام التطبيعية“.
فبينما أعطت الإمارات أولوية واضحة للعلاقات مع “إسرائيل” ولما يمكن لهذه العلاقات أن تقدمه لها من ناحية تكنولوجية، اقتصادية واستراتيجية، فإن السعودية وإن كانت لا تستبعد التقارب التدريجي مع “إسرائيل” وأملت ولا تزال تتوقع صفقة ثلاثية من التطبيع مع “إسرائيل” ينتج عنها استجابة إيجابية لمطالبها في مجالات مختلفة من قبل واشنطن.
إضافة إلى ذلك، فإن السعودية بصفتها المبادرة إلى “خطة السلام العربية” ترى نفسها ذات مكانة خاصة بالنسبة للنزاع “الإسرائيلي“– الفلسطيني، تجاه الخارج على الأقل، وسيصعب عليها رغم مصالحها الذاتية، التقدم في القناة “الإسرائيلية” دون موقف ما من القضية الفلسطينية.
ومع ذلك، ليس فقط في السياق السعودي، ولكن أيضًا فيما يتعلق بجميع جوانب الترتيب الجيوسياسي الجديد في العالم وفي منطقتنا على وجه الخصوص، لا يمكن لـ“إسرائيل” أن تكون سلبية وغير مبادِرة، بما في ذلك في مسألة إزالة العقبات في هذا اموضوع مع الولايات المتحدة.
وهذا سبب آخر لضرورة الوصول بسرعة إلى تهدئة على الجبهة الداخلية من أجل السماح للقيادة بالتركيز على الدور الرئيسي الذي انتُخبت من أجله والذي من أجله أعطى الكثيرون أصواتهم لليكود: تشكيل وتعزيز المصلحة السياسية والأمنية “الإسرائيلية” في ظل تطور الواقع في العالم وفي الشرق الأوسط الجديد الذي نحن جزء منه.
أي احتجاج آخر وأي مبادرة تشريعية متسرعة أو رفض ليد رئيس الوزراء الممدودة لخطة التعديلات القضائية – هو هدية مجانية لأعدائنا، كما أكدت ذلك كلمات زعيم حزب الله حسن نصر الله البليغة مؤخرا.
معاريف/ زلمان شوفال
Facebook Comments