الأخضر يعزز من قوته
حماس هدفها الضفة وتخطط لواقع استراتيجي متعدد المخاطر لـ”إسرائيل”

#ترجمة_الهدهد
النجوم على خريطة حماس الإستراتيجية تنتظم بشكل شبه كامل في الآونة الأخيرة، المنظمة، التي من المتوقع أن تحتفل بمرور 36 عامًا على تأسيسها بعد حوالي ستة أشهر، في ازدياد قوة مستمر وتقترب تدريجياً من أهدافها طويلة المدى، وعلى رأسها تولي قيادة النظام الفلسطيني بأكمله.
آخر مظاهر التصعيد كانت انتصار الفرع الطلابي لحركة حماس (الكتلة الإسلامية) في الانتخابات التي جرت في جامعتي بير زيت والنجاح، أكبر مؤسستين أكاديميتين في الضفة الغربية، يتردد صدى هذه الحملات الانتخابية في الخطاب الفلسطيني ويُنظر إليها على أنها تقدير لقوة المنظمات السياسية، وخاصة بين جيل الشباب، الانتصارات تقدم من قبل حماس كتعبير عن الدعم الواسع للتنظيم، وأنه ما زالمتجذرا في قلوب الجمهور على الرغم من القيود المفروضة عليه من قبل “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية.
في الخلفية، تستمد حماس ارتياحًا كبيرًا من إضعاف السلطة الفلسطينية وانشغال “إسرائيل” بأزماتها الداخلية، وهي اتجاهات تستغلهاالمنظمة جيدًا. إنها تفرض معادلة مع “إسرائيل” تحافظ بموجبها على الهدوء في غزة، بينما تنتزع تسهيلات مدنية غير مسبوقة تساعدهاعلى تقوية حكمها في غزة واستبعاد أي احتمال لعودة السلطة الفلسطينية للمنطقة.
تروج بقوة للتحريض و“الإرهاب” في القدس، وفي الضفة الغربية وفي الداخل المحتل (كما تم إبرازه مؤخرًا من خلال الكشف عن أحد سكان أم الفحم الذي وجهته حماس في غزة بتنفيذ هجوم خلال إحدى مظاهرات احتجاجية ضد الإصلاح القانوني)؛ بل وفتحت جبهة جديدة ضد“إسرائيل” في جنوب لبنان قبل نحو شهرين.
إن التطورات في النظامين الإقليمي والدولي تعزز شعور حماس بالتفاؤل وتصور المنظمة بأنها على “الجانب الصحيح من التاريخ: لقد ضعفت مكانة الولايات المتحدة بشكل ينعكس سلبًا على الأمن الذاتي لحلفائها في المنطقة. وتكتسب إيران ثقة كبيرة وعلاقاتها بالتنظيمتتقوى خاصة على الصعيد العسكري، يتم الترويج للمصالحة بين حماس والأطراف التي توترت العلاقات معها منذ سنوات عديدة، وفي مقدمتها السعودية (التي أفرجت عن نشطاء حماس المسجونين قبل سنوات قليلة)، وكذلك سوريا.
المنظمة لا تعلمني أيديولوجيتها
عملت حماس منذ تأسيسها وفق عدة مبادئ أساسية ضمنت بقاءها وسمحت لها بتعزيز قوتها بثبات، وعلى رأسها: دراسة مستمرة ورصينة للواقع وإجراء تعديلات في ظل القيود، والصبر المستمد من تعاليم الإخوان المسلمين (إن“الله مع الصابرين). والتركيز المستمر على الأهداف الفائقة الإستراتيجية وطويلة المدى المطلوب التحرك إليها والتي تشكل مسارات عمل المنظمة.
في ظل هذه الخلفية، أبدت حماس في كثير من الأحيان البراغماتية والمرونة في سلوكها، لكنها لم تتخل أبدًا عن عقيدتها الأيديولوجية“المتطرفة“، أصبح هذا واضحًا عندما أصبحت المنظمة ذات سيادة في قطاع غزة عام 2007. قدّر العديد من المحللين – معظمهم من ذوي التفكير “الغربي” – أن الجلوس على عرش الحكم سيفرض قيودًا شديدة من شأنها أن تجعل حماس معتدلة، في الممارسة العملية، كما تم إثبات ذلك بالفعل في سوابق لعناصر ذات أيديولوجية “متطرفة”– بدءًا من الحزب النازي، إلى الخميني وانتهاءً بداعش – يوفر الجلوس على كرسي السلطة المزيد من الموارد لتعزيز الرؤية الأيديولوجية، ولا يجعل من التنظيم الراديكالي أكثر“اعتدالاً“.
حماس هي حلقة أخرى في السلسلة التاريخية المحبطة نفسها، وليست نموذجًا استثنائيا أو مختلفًا سيتحقق في ضوء “التطور” الذي تعيشه الحركة السرية، والتي أصبحت على مر السنين حزبًا حاكمًا.
التصريحات الأخيرة لكبار مسؤولي حماس تشير إلى أن الهدف الاستراتيجي الرئيسي للمنظمة اليوم هو تعزيز قوتها في الضفة الغربية. يُنظر إلى الساحة التي تتلاشى فيها قبضة السلطة الفلسطينية وتشتد فيها المقاومة المسلحة ضد “إسرائيل” على أنها فرصة إستراتيجية لحماس.
لهذا الغرض تعمل المنظمة بجهد مضاعف على إقامة بنى تحتية عسكرية وتعميق سيطرتها على الجمهور، بينما نصب عينيها «اليوم التالي» أبو مازن.
في هذا الإطار، يُتوقع من حماس أن تضغط من أجل إجراء انتخابات عامة أو تشكيل حكومة وحدة تسمح لها بإقامة موطئ قدم في المنطقة، أو من ناحية أخرى الاستفادة من الفوضى التي قد تنشأ في السلطة الفلسطينية وتشجيعها لغرض “الاستيلاء” على الضفة الغربية.
من الانتصار في الجامعات إلى السيطرة على الضفة الغربية
خلافا لحماس التي تفكر استراتيجيًا وتتصرف في ضوء أهداف بعيدة المدى، تقف “إسرائيل“، التي تفكر تكتيكيا وتتصرف في ضوء الأهداف قصيرة المدى أهمها تحقيق الهدوء، خاصة من خلال المال والتسهيلات المدنية.
في هذا الإطار، يبرز الاختيار “الإسرائيلي“- سواء بسبب الظروف الداخلية المضطربة أو الانشغال بتحديات خارجية ملحة أخرى – بالتركيز بشكل منفصل على فروع حماس وتجنب المواجهة الشاملة مع المنظمة.
تواصل “إسرائيل” تقديم نجاح اقتصادي لحماس في غزة، على الرغم من أنها تشجع “الإرهاب” في ساحات أخرى غير غزة، وتسمح للجهاد الإسلامي ببدء التصعيد (كما هو واضح في عمليتي “بزوغ الفجر” و “الدرع والسهم“) ، وتفضل أن ترى في إطلاق صواريخ من لبنان أنه نتيجة لتوترات داخل التنظيم.
يجب أن يكون انتصار حماس في جامعات الضفة الغربية بمثابة جرس إنذار لـ“إسرائيل“، والأهم أن تفهم أن التحدي يتطور وقد يؤدي إلى خلق واقع استراتيجي عالي الخطورة في الضفة الغربية.
أولاً، من الضروري الاعتراف بأن التحركات الحالية أمام غزة تساهم فعلا في تحقيق هدوء نسبي على المدى القصير، ولكن على المدى الطويل تعزز من قوة حماس، وفي هذا السياق، من الضروري تغيير المعادلة التي تمليها حماس، واشتراط التسهيلات المدنية بالتوقف عن توجيه الإرهاب في ساحات أخرى غير غزة، وفرض السيطرة على العناصر “الإرهابية” الأخرى في القطاع، وإحراز تقدم في موضوع الأسرى والمفقودين.
في الضفة الغربية، من الضروري أن نفهم أنه على الرغم من حدودها، فإن السلطة الفلسطينية هي “أهون الشرين” فيما يتعلق بـ“إسرائيل“، وأن إضعافها أو حلها سيعزز من قوة الجهات “الأسوأ“، بقيادة حماس.
يتطلب من الحكومة الحالية إدراك هذا التعقيد، والارتقاء فوق الاعتبارات الأيديولوجية التي غالبًا ما تكون منفصلة عن الواقع، وإدراك أنه من الضروري العمل على تعزيز وظائف السلطة الفلسطينية، لا سيما في البعد الاقتصادي (يد “إسرائيل” مقيدة أكثر عندما يتعلق الأمر بتحسين الصورة العامة للسلطة الفلسطينية المرتبطة بالفساد والقمع السياسي الذي يعمها).
بالنظر إلى المدى البعيد، من الضروري الاعتراف بأن “إسرائيل” قد تقف أمام انتخابات في السلطة الفلسطينية، ربما في المدى القريب، خاصة مع غياب أبو مازن، في ظل الظروف الحالية على الأقل، يبدو أن مثل هذا السيناريو من المرجح أن يمنح حماس إنجازًا مهمًا، لا سيما في ظل الصورة السيئة لفتح والانقسام الذي يسود صفوفها، الأمر الذي يتطلب تطبيق دروس انتخابات 2006 التي فازت فيها حماس: قد يشكل النهج الليبرالي خطرًا على وجود المعسكر السياسي الفلسطيني تحت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وعلى المصالح الوطنية لـ“إسرائيل“.
من أجل عدم الوقوع مرة أخرى في المفاجآت الدراماتيكية في النظام الفلسطيني، مثل اندلاع الانتفاضتين الأولى والثانية أو صعود حماس إلى السلطة، يوصى بأن تقوم “إسرائيل” بالفعل بتطوير استراتيجية منظمة بشأن القضية الفلسطينية واتخاذ مبادرات، وهذا بدلاً من الرد من منطلق استراتيجي متدني على تقلبات التاريخ.
اخبار ١٢/ ميخائيل ميلشطاين
Facebook Comments