دوامة التصعيد والتغيير الخطير الذي يمر به نصر الله

ترجمة الهدهد
يقول اللواء احتياط في جيش العدو “تامير هايمان”: على أبواب حرب يسعى فيها عدونا جاهدا لشن معركة شاملة ضدنا، أشار رئيس الأركان ورئيس شعبة الاستخبارات إلى خيار أكثر واقعية لحدث تكتيكي (على سبيل المثال، عملية من قبل حزب الله)، والتي من شأنها أن تؤدي إلى رد فعل “إسرائيلي” كبير من شأنه أن يؤدي إلى رد فعل مضاد، ومن هنا إلى تصعيد غير منضبط يؤدي إلى معركة قصيرة.
أما بخصوص ما كشفه وزير الجيش، عن نشاط إيراني في المجال البحري أيضاً فلا جديد فيه، وبالتأكيد لا تغيير في الميزان أمام إيران كما سيتم التوسع في ذلك لاحقاً، من ناحية أخرى فإن الكشف عن المنشأة تحت الأرض، يوضح حاجة “إسرائيل” إلى استراتيجية جديدة في التعامل مع البرنامج النووي الإيراني.
المطلوب من “إسرائيل” تغيير استراتيجيتها في مواجهة التوسع المستمر وتعزيز البرنامج النووي
كان رئيس الأركان محقاً عندما حذر (الثلاثاء) في السياق الإيراني من تطورات سلبية في الأفق قد تؤدي إلى عملية، لا، هذا ليس اختراقاً إيرانياً كبيراً تجاه القنبلة، وإنما استمرار لتقدمها الحازم في المشروع النووي.
في اختبار الواقع إيران أقرب من أي وقت مضى إلى أن تكون دولة عتبة نووية، هي تستمر في التقدم في البرنامج وتخصب اليورانيوم إلى المستويات التي تم تعريفها في السابق على أنها خط أحمر يتطلب العمل، والأثمان التي تدفعها مقابل ذلك هي الأثمان التي تعلمت العيش معها منذ فترة طويلة.
“إسرائيل” تتصرف في مواجهة التحدي باستراتيجية غير مُحدثة، وأمام واقع تغير بشكل كبير منذ انسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد من الاتفاق النووي، وهذا واقع تواصل فيه إيران برنامجها النووي ولا تدفع ثمناً باهظاً مقابل ذلك، تتطلب الاستراتيجية الجديدة للتعامل مع التحدي تنسيقاً وثيقاً مع الأمريكيين، حيث أن أي عملية لا تحقق إنجازاً استراتيجياً (القضاء على التهديد النووي لسنوات عديدة) يمكن أن تضر أكثر مما تنفع.
القاعدة الأساسية للاستراتيجية الجيدة هي أن تفتح خيارات للعمل ولا تقللها، والرسائل التي تصدر من “إسرائيل” والتي تقول بأن الوقت ينفد” قد تفعل العكس تماماً، على سبيل المثال، يمكن الافتراض أن الجهة التي بادرت إلى الكشف عن منشأة تخصيب اليورانيوم الجديدة تحت الأرض في الأيام الأخيرة، أرادت أن تبث بأن الوقت ينفذ كما ذكرنا للقيام بعمل عسكري ضد المنشآت النووية.
كما يجب أن يؤخذ في الاعتبار أنه في تصور الطرف الآخر، فإن مثل هذا الكشف قد يُفهم بالعكس، إن الشعور بالإلحاح في مثل هذا النشر يظهر بأن نطاق الخيارات يضيق، وأن تأثير الردع النووي الإيراني فعال ورادع (يمنع أي مبادرة غربية)، هذا الأمر يزيد من حدة الحاجة الملحة لتغيير “الاستراتيجية الإسرائيلية” في مواجهة البرنامج النووي الإيراني.
أما بالنسبة للمنشأة نفسها التي تم الكشف عنها، فإن منشآت التخصيب تحت الأرض في إيران ليست شيئاً جديداً، ففي كل مرة تتعرض فيها منشأة للهجوم، يتعلمون الدروس ويحاولون إنشاء منشآت أكثر حماية ضد الهجمات.
المطلعون على هذه القضايا يعلمون أن كل منشأة يوجد فيها نقاط ضعف والقدرة على مهاجمة مثل هذه المنشآت لا تعتمد فقط على ما ينشر في وسائل الإعلام، هذا جزء من مسابقة التعلم وجانب آخر لإيصال رسالة قوة وكأن المشروع النووي حصين، وأنه يجري توسيع المشروع وتعميقه وتقويته، ومن المعروف أن كل شيء يبنيه الإنسان بيديه يمكن أن يدمره أيضاً.
أما كلام “وزير الجيش” عن نشاط إيراني في المجال البحري فلا جديد فيه، إيران تعمل منذ فترة على إنشاء قواعد إطلاق لطائرات بدون طيار وصواريخ بعيداً عن حدودها، كما انها تنتج مثل هذه القواعد في لبنان وسوريا والعراق واليمن وفي البحر أيضاً، المنطق من وراء هذه الخطوة هو امتلاك القدرة على المهاجمة دون تحمل المسؤولية عن الفعل.
بمعنى آخر إطلاق طائرات بدون طيار على سبيل المثال باتجاه الكيان يضع “إسرائيل” في معضلة ضد من نرد وبماذا ترد، ومثلما يفعلون ذلك من قواعد برية هم يفعلون ذلك أيضاً من البحر بهدف توسيع الدائرة والقدرة على العمل بشكل هجومي، الكشف عن هذا النشاط الإيراني في البحر لا يضيف تهديداً جديداً لـ “إسرائيل”، هذا تهديد قائم تم استخدامه في الماضي، ولكنه حتى الآن لم يكن فعالاً للغاية، لذلك يجب وضع الأمور في النسب المطلوبة.
وفي الختام، يجب ذكر ما هو بديهي وهو أنه إلى جانب تطوير الفكرة العملياتية العسكرية، يجب خلق أفق لاتفاق نووي مُحسّن، حيث أنه من المعلوم من التجارب السابقة مع البلدان التي عقدت العزم على الحصول على أسلحة نووية أن مخطط اتفاق خاضع للإشراف والرقابة هو الأداة الأكثر كفاءة وملاءمة لتأخير مشروع نووي لدولة ما.
حزب الله ونصر الله مستعدين للمخاطرة بـ “يوم معركة” لكن ليس بحرب شاملة
منذ فترة طويلة ونحن نلاحظ التغيير الذي يحدث لنصر الله، في معهد دراسات الأمن القومي (INSS) نسمي ذلك: “شعور زائد ومبالغ فيه بالثقة بالنفس لدى حسن نصر الله”، هذا الشعور به خطر لأنه قد يؤدي به إلى سوء تقدير “رد فعل إسرائيل المتوقع”، إذا ما عاد وحاول مهاجمتها، في الماضي هو اعترف بالخطأ الذي ارتكبه عندما خاطر، وهو خطأ أدى إلى حرب لبنان الثانية، لكنه مثل كل شخص لديه القدرة على الإقناع وذو خبرة، يضع الحقائق جانباً.
يواصل نصر الله ترسيخ الرواية القائلة بأنه خبير في “الشؤون الإسرائيلية” ويعرف كيفية تقييم رد فعل “إسرائيل” على أفعاله، إن إحساسه بالأمن يستند على استكمال تنفيذ خطط حزب الله المتعددة السنوات، والتي أدت إلى تزود التنظيم وتجهيز نفسه بشكل مثير للإعجاب بأسلحة مختلفة بعضها بجودة عالية وبأعداد كبيرة، ويستند أيضاً إلى تحليله الخاطئ لامتناع “إسرائيل” من مهاجمة مراكز قوته في لبنان، من ناحيته هذا ردع متبادل.
كما أن قضية حقل الغاز “كاريش” التي انتهت حسب رأيي باتفاق يخدم مصلحة “إسرائيل”، تدفعه إلى الادعاء بأنه فرض الاتفاق بحكم الردع تجاه “إسرائيل”، هذا الشعور بالأمن خاطئ لأن نصر الله غير مدرك تماماً لقدرات “إسرائيل” والتحسن الكبير في قدرات “الجيش الإسرائيلي”، والتي تم تطورت بعشرات النسب منذ حرب لبنان الثانية، ومنذ أن فقد نصر الله رئيس أركانه (عماد مغنية) في شباط (فبراير) 2008، وهو ليس على دراية جيدة بقدراته (نصر الله رجل سياسي أكثر منه قائد عسكري)، هذا الوضع يمكن أن يخلق تقييماً خاطئاً يقوده إلى حساب مخاطر غير صحيح وإلى وضع تصعيدي ينتهي بسيناريو متطرف “الحرب”.
وتجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من العلاقة الوثيقة بين إيران وحزب الله، إلا أن نصر الله لا يتلقى تعليمات عمل مفصلة من طهران، إنه مهيمن للغاية في محور المقاومة وأحد آخر “الآباء المؤسسين” الذين ما زالوا على قيد الحياة، كأسطورة أخيرة التي لا تزال قائمة.
هناك حوار بين نصر الله وطهران وليست علاقة قائد ومرؤوس – فهو يهتم أولاً وقبل كل شيء بمصلحة حزب الله في لبنان كما يراها، وبعد ذلك فقط بالمصلحة الإيرانية، في جميع الأحوال لا إيران ولا حزب الله لديهما أي مصلحة في حرب شاملة مع “إسرائيل”.
إيران لا تريد “إهدار” وحرق قوة حزب الله في معركة تحدث نتيجة حادث تكتيكي، يريدون إبقاء حزب الله هناك إلى يوم الحساب “حرب شاملة”، من وجهة نظرهم، اليوم الذي يقرر فيه أحد مهاجمة إيران، كما أن نصر الله ليس مهتماً حقاً بحرب واسعة مع “إسرائيل”، إذا كانت هناك حرب، فستكون، نتيجة سوء تقدير فقط، نصر الله مهتم بيوم معركة أو جولة قصيرة على الأكثر، جولة تُذكر بأن حزب الله منظمة مقاومة لكن دون أن يؤدي ذلك إلى تدمير لبنان.
أما بالنسبة لـ “إسرائيل” فلا بد من الاعتراف بصدق بأنها في نيسان (أبريل) الماضي، بعد إطلاق أكثر من 30 صاروخاً من قبل حركة حماس من لبنان على الكيان ضيعت فرصة لتجاوز توقعات حزب الله والتلميح له بمسؤوليته، إذا عاد نصر الله للعمل مرة أخرى، يجب أن يوضح له من خلال الأفعال المفاجئة التي تفوق توقعاته الثمن الباهظ الذي سيدفعه إذا أخطأ مرة أخرى يجب أن يسير هذا الإجراء “الإسرائيلي” على خط رفيع للغاية بين تعزيز الردع وتجنب حرب شاملة.
المصدر: القناة الـ 12
Facebook Comments