عُنصرية اليهود الإعلامية في تغطية قضايا فلسطينيي 48
رأي الهدهد – هيئة التحرير
لا يخفى على المتابع لـ “شؤون العدو الإسرائيلي” حالة الازدواجية التي تتعامل بها وسائل إعلام العدو، خلال تغطية الأحداث بين أوساط فلسطينيي الداخل المحتل عام 48، لا سيما أحداث الجريمة (حوادث القتل تحديداً) حيث تقوم بتخصيص تقارير منفردة للحديث عن هذه الجرائم، وبالمقابل وعلى الرغم من وجود نسبة عالية من الجريمة في أوساط السكان اليهود، تقوم وسائل إعلام العدو (سواء القنوات التلفزيونية أو الصحف) بنشر أخبار الجرائم وحوادث القتل بالوسط اليهودي بشكل عادي، وبدون تضخيم، مع التشديد دوماً على ضرورة إيجاد الحلول للجريمة اليهودية، فما هي الأسباب السياسية والاجتماعية والنفسية لهذه السياسات الإعلامية؟
الخلفية التاريخية
في معرض تحليل المجتمع اليهودي بكيان العدو، في سياق الصراع المستمر يستعرض الباحث في الشؤون النفسية والاجتماعية “دنيال بار تال”، في كتابه “العيش مع الصراع”، القناعات الاجتماعية السائدة في عقلية اليهود، والتي تؤثر على سلكوهم وتصرفاتهم الجماعية، ورؤيتهم للخصم العربي.
ويذكر الكاتب عدة قناعات اجتماعية محفورة بالذاكرة الجماعية لليهود، من ضمنها “القناعات الاجتماعية المتعلقة بعدم شرعية العرب عموماً، والفلسطينيين خصوصاً”.
ويؤكد الكاتب أن هذه القناعات عموماً، والقناعات المتعلقة بتشويه صورة العربي خصوصاً، تم الحفاظ عليها بطريقة منهجية من خلال المؤسسات الرسمية، وأن حكومات العدو المتعاقبة عملت على ذلك بواسطة كتب المناهج التعلمية المخصصة للمراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، لتوريث هذه القناعات للأجيال المتعاقبة.
ويضيف الكاتب أن الدراسات التي جرت لتحليل كُتب المنهاج الدراسي منذ قيام كيان العدو، وحتى سنوات الثمانينيات من القرن الماضي، تحديداً كتب تعليم التاريخ والأدب والجغرافيا، توصلت إلى أن هذه الكتب كانت تركز على المواصفات السلبية للعربي، ووصف العرب عموماً أنهم بدائيون، ومتخلفون، ويميلون للعنف، ومتعطشون للدماء، غير أنهم يكرهون اليهود.
لقد عملت الكتب الدراسية على تخليد صورة سيئة للعربي في ذهن “التلاميذ الإسرائيليين”، وهذه الصورة انعكست على رؤيتهم للعرب والفلسطينيين وطريقتهم للتعامل معهم، في المقابل كانت هذه الكتب تعمل على إبراز المواصفات الإيجابية لليهودي، وتصفه بأفضل الأوصاف.
انعكاسات سياسية واجتماعية
هذه الصورة التي تخلدت في أذهان اليهود، وهم في مراحل مبكرة من أعمارهم، عن العربي عموماً والفلسطيني خصوصاً، بدأت تؤتي أكلها في مراحل متقدمة من أعمار هؤلاء الأطفال، الذين وصلوا إلى فترة الخدمة العسكرية، وتعاملوا بقسوة ووحشية مع هذا الإنسان العربي، الذي تعلموا أنه وحشي وبدائي وحاقد على اليهود، ويهدف فقط للقضاء عليهم.
حتى بعد انتهاء الخدمة العسكرية، عندما كان يتوجه هؤلاء الشبان اليهود إلى العمل، في مجالات الحياة المختلفة، تحديداً الصحافة، كانت تنعكس هذه القناعات الاجتماعية الموجودة في المخزون المعرفي والذهني لديهم، على طريقة عملهم وتعاملهم مع العرب والفلسطينيين.
المجتمع العربي في الداخل مثله مثل بقية المجتمعات في العالم، فيه الخير والشر، لكن وسائل الإعلام العبرية تقوم اليوم باستكمال الدور الذي كان منوطاً في السابق بكتب المناهج التعليمية، وهي تخاطب اليوم القطاعات المجتمعية كافة، لتؤكد لهم الصورة النمطية المحفورة في أذهانهم عن العربي السيئ، أو كما قالت “غولدا مئير”: “إن العربي الجيد هو ذلك الذي تحت الأرض”.
من هنا لن نستغرب بعد أن عرفنا كيف كان هذا الكيان يربي ويعلم أطفاله، إذا سمعنا عن مجازر نفذها وينفذها الجنود أو المستوطنون ضد العرب أو الفلسطينيين، هذا غير التعامل الاستعلائي مع العرب، والنظر إليهم بأنهم بمكانة أقل من مكانة اليهودي.
بالإضافة إلى أن هذه العنصرية تتجسد بشكل بارز في التركيز فقط على نشر أخبار الجرائم الحاصلة بالمجتمع العربي (فلسطينيي الــ 48) دون التطرق إلى قضاياهم الأخرى بشكل مكثف، وما يعانون منه بسبب القوانين العنصرية في الكيان.
هذه الازدواجية العنصرية في التعامل، لا ترى البلدات العربية غير الموصولة بالماء والكهرباء بالجليل، ولا البلدات والقرى غير المُعترف بها أصلاُ بالنقب، بل تركز وبشكل شبه يومي على حوادث القتل، وإبراز الحوادث السلبية في المجتمع العربي بالداخل، بشكل مجرد وكأنها جزء أصيل من ثقافة هؤلاء، ودون التركيز على أسبابها أو حتى الحديث عن طرق معالجتها، وبالوقت نفسه تعمل وسائل إعلام العدو على تجاهل العنف والقتل والجرائم التي يمارسها السكان اليهود ضد بعضهم بعضا، والتي قد تكون بنسبة تفوق ما يحدث بين فلسطينيي 48.
Facebook Comments