المعضلات التي ستواجه جيش العدو إذا كُلف بمهام الشرطة

ترجمة الهدهد
يخصص “جيش العدو الإسرائيلي” هذه الأيام جنود من وحداته القتالية لتنفيذ مهمات خاصة، تهدف لحماية سكان القدس وتل أبيب ومدن أخرى.
تأتي هذه الخطوة على شكل تعزيزات لـ “شرطة العدو الإسرائيلية”، ما يسبب عدة إشكاليات، لأن تحويل الجنود إلى مهام الشرطة وفرض النظام هو إجراء مخصص لحالات الطوارئ الحقيقية، وبالرغم من التوترات الأمنية التي سادت في الآونة الأخيرة، يبدو أن هذا الوضع لا يبرر القيام بذلك.
إن الاعتياد على استخدام الجنود المسلحين للتعامل مع التهديدات الأمنية على أراضي الكيان قد يتطور الاعتياد منحدر زلق، لأن “جنود الجيش الإسرائيلي” قد يجدوون أنفسهم في مواجهة مع أولئك الذين أرسلوا لحمايتهم أو الدفاع عنهم، وهم يفتقرون إلى الصلاحيات -كعناصر شرطة- وبدون تدريب مناسب.
علاوة على ذلك يمكن تفسير نشاط الجنود المسلحين في المدن الرئيسية على أنه عسكرة للساحة المدنية، ويمكن أن يصبح الجيش في هذه الحالة أداة في أيدي السلطات المدنية وكبديل للشرطة، وهذا الواقع يمكن أن يقوض مفهوم “الطوارئ الوطني” ويثير تساؤلات حول الغرض من الخدمة الإلزامية في “الجيش الإسرائيلي”.
على خلفية التوترات الأمنية في الأسابيع الأخيرة (والتي من المتوقع أن تستمر في الأسابيع القادمة أيضاً)، وبناءً على قرار وزير جيش العدو، يقوم الجيش حالياً بتخصيص جنود من الوحدات القتالية لمهام حماية السكان، وكتعزيزات للشرطة في القدس وتل أبيب وأماكن أخرى في الكيان، وهم يرتدون الزي العسكري ومسلحين، هذه ليست هي المرة الأولى التي تعزز فيها قوات جيش العدو قوات الشرطة في أوقات الطوارئ في بؤر الاحتكاك، ومع ذلك فمن الضروري فحص المعضلات والمعاني التي ينطوي عليها هذا النوع من العمل.
- على عكس الشرطة، لا يملك “جنود الجيش الإسرائيلي” الصلاحيات للتصرف ضد المدنيين والاشتباه بهم أو تحذيرهم عند تفتيشهم، بالإضافة إلى ذلك في كثير من الأحيان فإن الجنود الذين يتم إرسالهم لمهام شبه بوليسية يكونون مدربين فقط تدريبات أساسية، وفي حالة وقوع حدث معقد يجب فيه التمييز بين المتورطين وغير المتورطين في نشاط يتضمن تهديداً أمنياً، وقد يؤدي الافتقار إلى التدريب المناسب إلى تكلفة تفوق المنفعة.
- قد يكون لتحويل الوحدات النظامية من التدريب أو إيقاف التدريبات عواقب على كفاءة الجنود في مهامهم العملياتية الرئيسية، أي القتال ضد الأعداء في مختلف الساحات.
- إن نشر جنود “جيش العدو الإسرائيلي” في الأراضي الخاضعة لسيادة الكيان لمهمة ليست مهمة طوارئ وطنية يمثل إشكالية كبيرة، لا ينبغي المساواة بين المهمام الشرطية والمهام الأمنية التي يقوم بها الجيش، في الميدان الذي يديره الجيش بموجب القانون الدولي، وفي مواجهة سكان تعمل في محيطهم قوات معادية (الضفة الغربية)، وبين المهام الشرطية في الأراضي السيادية للدولة بين مواطنيها، وقد تكون النتيجة تآكل مفهوم الطوارئ الوطني، وإثارة تساؤلات حول الغرض من الخدمة الإلزامية في جيش العدو.
- إن جنودا مسلحين في شوارع المدن ينقلون صورة وشعور بالخوف وعجز قوى “الأمن الداخلي الإسرائيلية” عن توفير الأمن، وهذا من شأنه أن يُحدث صدعاً في صورة القوة التي تحاول “إسرائيل” إيصالها إلى الخارج.
- المهام الشرطية هي بُعد آخر في التوسع الوظيفي للجيش، باستثناء حالات نشر الجنود في أراضي المدن للمهام التعليمية أو الاستيطان أو المساعدة في التعامل مع الكوارث الطبيعية، في معظم الحالات التي ساعد فيها الجيش “الشرطة الإسرائيلية” في مهامها، على سبيل المثال أثناء أزمة كورونا، لم يكن الجنود الذين انضموا إلى قوات الشرطة أو عملوا في مهمات شرطية يحملون أسلحتهم الشخصية، وكان التوجيه حينها تقليص مهام فرض النظام قدر الإمكان من قبل الجنود.
- إن الاعتياد على استخدام الجنود المسلحين للتعامل مع التهديدات الأمنية على أراضي “الدولة” في وجود المدنيين وبينهم، قد يتطور إلى استخدام جنود مسلحين في حالات أخرى، وكذلك في مواجهة التهديدات الأخرى التي سوف تُعرّفها القيادة السياسية بأنها تهديدات خطيرة، لذلك فمن المحتمل أن يكون ذلك منحدراً زلقاً.
هذا هو السبب الذي يجعل الديمقراطيات في جميع أنحاء العالم الحر حريصة على عدم نشر جنود بالقرب من المدنيين في أراضي “الدولة”، ولكن فقط في مواجهة التهديدات الخارجية.
لتسليط الضوء على المعضلة، من الضروري مقارنة حدثين غير متشابهين تماماً وكان التدخل العسكري مطلوباً فيهما.
الأول: هو حدث كورونا
بالرغم من أنها لم تكن أزمة أمنية، إلا أنه طلب من مساعدة الأنظمة المدنية وتحمل المسؤولية واسعة للتعامل مع الأزمة، كانت معظم المهام من نوع المساعدة (عن طريق مقر قيادة ألون في قيادة الجبهة الداخلية وإدخال الجنود إلى المدن لغرض توزيع الطعام)، ولكن تم أيضاً دراسة وضع الجنود إلى جانب الشرطة لأغراض فرض الإغلاقات وتقييد الحركة.
لقد رفض الجيش هذه المقترحات وكان محقاً، ومع ذلك في حالات قليلة، تم تكليف الجنود أيضاً بمهام فرض النظام وحفظ الأمن بين المدنيين.
أما الحدث الثاني: فكان الاشتباكات بين فلسطينيي 48 واليهود في المدن المختلطة، أثناء عملية “حارس الأسوار
لم تستطع شرطة العدو الإيفاء بمهامها لأسباب مختلفة، وتوجهت إلى الجيش طلباً للمساعدة، وتجدر الإشارة إلى أن الدعوات لإدخال قوات عسكرية إلى المدن لم تأت من داخل الشرطة فحسب، بل جاءت أيضا من الأحزاب السياسية ومن الجمهور، ولم يسمح حينها وزير جيش العدو “بيني غانتس” بذلك، على أساس أنه ليس من مهام الجيش المواجهة مع مستوطني الكيان.
“الجيش الإسرائيلي” والمنظومة الأمنية منشغلون حالياً بالتحضير لحدث مستقبلي، يكون للجيش في إطاره دور في التعامل مع الاضطرابات داخل الكيان.
قد يحدث مثل هذا الوضع أثناء عملية عسكرية عندما يتطلب من قوات الجيش ضمان حرية الحركة على الطرق بين شمال وجنوب الكيان، وحتى في التجمعات السكانية، ولهذه الغاية يجب إنشاء الحرس الوطني (في النموذج السابق الذي تم اقتراحه، والذي يختلف عن النموذج الذي روج له اليوم وزير الأمن الوطني، إيتامار بن غفير) والذي من المفترض أن يتألف من جنود الاحتياط الذين سيكون مطلوباً منهم ضمان بقاء الطرق مفتوحة لمرور القوات.
في هذه الحالة من الممكن أن يجد الجنود أنفسهم في مواجهة مستوطني الكيان، بالرغم من أنها ستكون حالة حرب ولها قواعد خاصة، إلا أنه يجب تنظيمها بشكل جيد، على سبيل المثال قد يكون من الضروري تدريب الجنود على المهام ذات الصلة أو منحهم سلطات الشرطة، أو بدلاً من ذلك وجود عناصر من الشرطة في كل مجموعة من الجنود.
هناك عقد غير مكتوب بين جيش العدو بصفته جيش الشعب وبين مجتمع العدو، بموجبه يلتزم الجيش في أوقات الطوارئ بتقديم المساعدة -إذا تطلب منه ذلك – فهو يقوم بمهام وطنية.
ومع ذلك، حتى عندما يتم وضع “جنود الجيش الإسرائيلي” في مهام الدفاع عن المستوطنين في مدن الكيان فإن وظيفتهم هي حماية مستوطني الكيان، ومع ذلك قد يجد “جنود الجيش” أنفسهم في مواجهة مع أولئك الذين أرسلوا لحمايتهم، بينما يفتقرون إلى الصلاحيات المناسبة.
بالرغم من الشعور والثقة التي يكتسبها “الجيش الإسرائيلي” لدى الجمهور بشكل عام، فإن فكرة أن الجنود مؤهلين لأداء مهام الشرطة وسيكونون قادرين على القيام بها بشكل صحيح لا يعكس بالضرورة الواقع، فالأحداث بالضفة الغربية تظهر عكس ذلك، في كثير من الأحيان، حيث يفشل الجنود في فرض النظام يقوم عناصر شرطة حرس الحدود المدربون جيداً بذلك بنجاح كبير.
المصدر: معهد أبحاث الأمن القومي
Facebook Comments