جيش العدو يواجه خطر الانهيار ولا أمل لإنقاذه

#ترجمة_الهدهد
قام المقدم احتياط “ساسون حداد”، الباحث حاليًا في معهد أبحاث الأمن القومي، بفحص سبب اختفاء الخدمة الإلزامية نموذج “جيش الشعب” في معظم البلدان الديمقراطية، ووجد أن هناك علاقة وثيقة بين معدل التجنيد وقدرة النموذج على الاستمرار. عندما تنخفض نسبة المتجندين إلى أقل من 50٪ من السكان تبدأ الأسئلة تُطرح حول جدواه والمساواة في تحمل العبء، وعندما ينخفض معدل الخدمة إلى أقل من 25٪ إلى 30٪، ينهار النموذج، ولا يكون أمام الدول خيار سوى التحول إلى نموذج الجيش المهني.
اليوم تواجد كيان العدو داخل حدود منطقة الخطر التي يشير إليها “حداد”، ووفقًا لحساباته يتجند اليوم فقط 48٪ من دفعة أبناء الفئة العمرية 18 عامًا بما في ذلك الشباب العرب، أيضًا، وفقًا لحساباته، وبافتراضات مختلفة بخصوص حجم جيش العدو، بحلول عام 2060، سيصل كيان العدو إلى نسبة تجنيد 30٪ الى 39٪ فقط من السكان، وهذا يعني أن الوقت الذي قد ينهار فيه “جيش الشعب” أصبح قاب قوسين أو أدنى.
وفقًا لما ذكرته “عنبر غيتي” التي وضعت مخطط التجنيد لوزارة جيش العدو خلال فترة الوزير “بيني غانتس”، إذا تم إخراج العرب من المعادلة (وهناك جدل قوي حول ما إذا كان من الصواب القيام بذلك) فما يقارب 67٪ من الرجال وحوالي 55٪ من النساء يتجندون إلى جيش العدو.
وفقًا للبيانات التي قدمها جيش العدو للكنيست، من بين ثلث الرجال الذين لا يتجندون للخدمة، 16٪ “حريديم” (تضاعف المعدل في غضون عقدين)، و12٪ أخرين يحصلون على إعفاء من الخدمة لأسباب نفسية، الإعفاء على خلفية نفسية تضاعف ثلاث مرات منذ عام 2014، ويشبه جيش العدو وبصدق هذا الإعفاء للعلمانيين مثل الإعفاء الذي يحصل عليه “الحريديم” بحجة دراسة التوراة.
النموذج يتأرجح
يجب إضافة معطى مقلق أخر إلى معطيات عدم التجنيد وهو الجنود الذين يتسربون أثناء خدمتهم العسكرية، في تحليل نشره عضو الكنيست السابق “عوفر شيلح” لمعهد دراسات الأمن القومي في عام 2022، فقد وصلت نسبة التسرب إلى 11٪، إذا أضفنا هذا إلى بيانات عدم التجنيد الإلزامي فإن 45٪ من الرجال اليهود في دفعة أو فوج خدمة لا يخدمون إطلاقا أو لا يخدمون خدمة كاملة، وإذا أضفنا إلى ذلك العرب فإننا نصل إلى نسبة 65٪ من الرجال في كيان العدو لا يخدمون خدمة كاملة وهذا يعني أننا على وشك انهيار النموذج.
ليس لدى الباحثين في جيش العدو وكيانه، شك أن نموذج “جيش الخدمة الإلزامية” أو “جيش الشعب”، يتأرجح، فهو يتأرجح منذ سنوات عديدة، لكن مستوى خطر انهيار النموذج قفز بشكل كبير في الأشهر الثلاثة الماضية منذ تشكيل الحكومة اليمينية المتطرفة.
تضمنت حركة الكماشة المدمرة من قبل حكومة العدو اليمينية، التعديلات القضائية التي أضرت بشدة بالدافعية لخدمة “دولة” غير ديمقراطية، إلى جانب حملة التعديلات القضائية التي تقوم بها حكومة العدو بشأن موضوع التجنيد، يتحدثون في الحكومة عن اقتراح بإعفاء “الحريديم” من التجنيد في جيش العدو (قانون التجنيد)، إلى جانب اقتراح مجازاة أولئك الذين يخدمون في الخدمة من خلال تقصير الخدمة الإلزامية إلى عامين، وفي الوقت نفسه تمديد فترة الخدمة للمقاتلين بثمانية أشهر براتب يقارب 6000 شيكل شهريًا.
يتفق جميع الباحثين في جيش ومجتمع العدو على وجوب محاولة الحفاظ على نموذج “جيش الشعب”، الاقتراح الذي يكتسب شعبية بالتخلي عن التجنيد والتحول إلى جيش محترف أو مهني مرفوض بالإجماع من قبلهم، إن الجيش المهني هو بالضرورة جيش أقل جودة لأنه سيتم تجنيد جزء صغير فقط من الفئة العمرية المستهدفة للتجنيد، وبالتالي سيفقد جيش العدو الحق في اختيار الأفضل من كل فئة عمرية للخدمة لديه، وفقدان الجودة أمر بالغ الأهمية بشكل خاص في عصر أصبح فيه الجيش تقنيًا ويحتاج إلى أفضل العقول للخدمة فيه.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الجيش المهني هو جيش الناس هم من يختارون الخدمة فيه وليس هم يختارهم للخدمة، ويكاد يكون من المؤكد أن أبناء الفئات الأضعف هم الذين يريدون الخدمة فيه لأنه ليس لديهم بدائل مهنية أخرى، وكذلك أولئك الذين يتماهون مع أهداف الجيش، أي أولئك الذين لديهم مواقف يمينية متطرفة.
والنتيجة ستكون جيشًا أضعف، ولكن أيضًا عنيفًا ويسعى للحرب، حيث ستكون الأم في “تل أبيب” غير مبالية بحقيقة أن الحرب ستندلع لأن ابنها ليس في صفوف القتال، ولن يكون هناك أيضًا رأي عام لوقف العدوان المفرط للجيش، من السهل رؤية التأثير المقيد لرفض جنود الاحتياط اليوم للخدمة، لكي نفهم مدى أهمية أن يخدم الشعب بأكمله، وأنه في أعقاب ذلك لديه القدرة على اتخاذ تدابير احتجاجية فعالة ضد السياسات التي تروج لها حكومة العدو.
وأخيرًا، يجب التساؤل عما إذا كان من الأخلاقي أن يقوم أولئك الذين يدافعون عن أمن كيان العدو بذلك من أجل المال، يزعم البروفيسور “يغيل ليفي”، الباحث في الشؤون العسكرية والمجتمع في الجامعة المفتوحة، أن الجيش المحترف أو المهني يساوي الدعارة أو الاتجار بالأعضاء، أي في وضع يخاطر فيها الناس بحياتهم وأجسادهم مقابل المال.
وهذا أيضًا هو السبب وراء معارضة “ليفي” لاقتراح مخطط الخدمة الجديد – تقصير الخدمة العسكرية إلى عامين، وزيادة ثمانية أشهر على الأقل للمقاتلين والموظفين السيبرانيين مقابل أجر، ويقدر أن هذا الاقتراح سيؤدي إلى رفض الطبقات الجيدة الوضع أن تكون مقاتلة، ولن يكفي راتب 6000 شيكل شهريًا لإغرائهم بالبقاء ثمانية أشهر أخرى في الجيش، إن التقسيم الطبقي الاجتماعي الذي بدأ بالفعل في الجيش، سوف يزداد سوءًا، ولن يبقى سوى سكان الضواحي الاجتماعية في الوظائف القتالية.
الخدمة التفاضلية..
يختلف “حداد وشيلح” مع رأي “ليفي” في هذه النقطة، في تقديرهم لا تترك التصدعات المتزايدة في نموذج الجيش الإلزامي أي خيار سوى تقصير الخدمة الإلزامية، من أجل تقليل العبء على أولئك الذين يخدمون في الخدمة قدر الإمكان.
لكن بما أن الجيش يحتاج إلى جنود محترفين لفترة تزيد عن عامين في مهن تتطلب تخصصًا طويلًا خاصة المقاتلين والتقنيين، فلا بد من وجود خدمة تفاضلية، أي تقصير الخدمة لأكبر عدد ممكن من الجنود وتعويضات مالية لأولئك الذين يلتزمون بالخدمة الطويلة.
تُظهر التجربة العالمية أن الخدمة الإلزامية تقدم مساهمة حاسمة في التماسك والحصانة الاجتماعية، كيف تقوم بذلك؟ هذا هو السؤال الرئيسي الذي لا أحد لديه إجابة عليه.
ويقدر شيلح أن التعويضات المالية لن تؤدي إلى تخلي الطبقات العليا عن الخدمة القتالية، ويذكر حالتين تم فيهما تنفيذ تجربة قصيرة المدى: في عام 2006، خطط جيش العدو لتقصير مدة خدمة جنوده وفقًا لتوصيات لجنة “بن بست”، وبالتالي كان ينوي تسريح فوجيّ تجنيد في الوقت نفسه.
عُرض على الجنود في التاريخ السابق البقاء أربعة أشهر أخرى مقابل أجر، وكان هناك استجابة كبيرة لذلك (في النهاية لم يحدث هذا بسبب اندلاع حرب لبنان الثانية)، في عام 2015، تم تقصير الخدمة مرة أخرى، ومرة أخرى تم تقديم اقتراح لتمديد الخدمة مقابل الدفع، والذي تم الاستجابه به بشكل جيد، ويقدر “شيلح” أن “الجنود ما زالوا يريدون أن يكونوا في الخدمة القتالية أو في وظائف تكنولوجية، ويقول، إذا عرضت عليهم هذه الوظائف، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الشواقل التي سيحصلون عليها عند تسريحهم من الجيش، فسيكون ذلك مفيدًا فقط ولن يضر. يدعي ليفي أنه من الأفضل الالتزام بالمخطط الحالي لمنح الإعفاء السخية وليس الراتب الشهري.
الحلم الكبير لخبراء جيش العدو
لا يزال خطر تأثير “الدفع مقابل تمديد الخدمة” غير واضح، وعلى هذا النحو أيضا السؤال المتعلق بتأثير قانون التجنيد الإلزامي الذي هو الإعفاء النهائي الذي سيُمنح لــ”الحريديم” من الخدمة في جيش العدو، يرى “شيلح” في هذه الخطوة نهاية التجنيد الإلزامي والضربة الساحقة التي ستقضي على الدافعية للخدمة.
“حداد وليفي” أقل اقتناعا منه، يؤمن “ليفي” بالشفافية والصدق، بعد كل شيء، قي جميع الأحوال نحن لا نجند “الحريديم”، ومن الأفضل تبييض هذا الأمر رسميًا وإعفاء “الحريديم” والعرب من التجنيد الإلزامي. في تقديره، ستجعل الشفافية من الممكن تحسين الخدمة كقيمة وشعور بالمسؤولية وليس كعبء يتطلب المساواة.
أشار “حداد”، كما قلنا، إلى أن نموذج “جيش الشعب” سيصمد إلى أن يصل إلى تجنيد 30 في المئة من السكان، في العالم توجد عدة دول تحتفظ بالخدمة الإلزامية، حتى في ظل نسبة تجنيد صغيرة نسبياً لاعتبارات التماسك والحصانة الداخلية التي لا تقل عن اعتبارات “الدفاع”، مع ذلك، في معظم هذه الدول مدة الخدمة الإلزامية قصيرة وهي تستند بالأساس إلى خدمة احتياط أطول.
إضافة إلى ذلك، فإن أفواج التجنيد في ازدياد، وحتى العام 2030 ستزداد بنحو 50 في المئة (26 ألف متجند آخر)، من الواضح أن جيش العدو لا يحتاج إلى هذا العدد الكبير من الجنود في الخدمة الإلزامية، حيث إنه في جميع الأحوال وبصورة غير منطقية، في حين ينخفض عدد المتجندين في كل دورة ويمس بالدافعية للخدمة، فإن عدد المتجندين في الفوج يزداد ويقلل من الحاجة إليهم.
الحل المطلوب هو تقليص أعداد التجنيد في كل الحالات بواسطة تقصير مدة الخدمة، وربما أيضاً بوساطة تحويل العدد الزائد من المتجندين إلى خارج الخدمة في جيش العدو، مثل “الشرطة ومصلحة السجون والدفاع المدني ونجمة داود الحمراء وحالات الطوارئ في الجبهة الداخلية”.
هذا هو الحلم الأكبر لمعظم الخبراء في شؤون الجيش والمجتمع في كيان العدو. وهذا هو القاسم المشترك لمسار الخدمة الذي بنته “غيتي” لصالح الوزير “غانتس”: خلق مسارات خدمة مدنية أمنية، موازية للجيش مطلوب من الجميع الخدمة فيها، بما في ذلك “الحريديم” والعرب، التقدير هو أن هذا الحل هو الأفضل: يجند الجيش أفضل الشباب حتى الأرقام المطلوبة له. في حين أن الذين يتبقون يخدمون خدمة مدنية غير متعلقة بالجيش من أجل التقليل من معارضة العرب و”الحريديم”، على خلفية النقص الشديد في رجال الشرطة، على سبيل المثال، سيسد التجنيد للخدمة المدنية أيضاً حاجة وطنية ملحة.
لكن هناك مشاكل تكمن في هذا الاقتراح، الأولى، إذا توسع هذا الاقتراح إلى الخدمة المدنية الشاملة فهذا سيكون اقتحاماً لأماكن العمل المدنية، الأمر الذي يمكن أن ينزلق إلى التنافس على أماكن عمل العمال من الطبقة الضعيفة – “ليفي” يسمّي ذلك عمالاً بالإكراه.
المشكلة الثانية هي أن احتمالية أن يوافق العرب أو “الحريديون” على الخدمة المدنية أو الأمنية ضعيفة. هذا هو السبب بأنه خلافاً ل،”شيلح” فإن ليفي يعتقد أنه يمكن التنازل مسبقاً عن المحاولة او التجربة، التي يبدو أنها لن تنجح، لأنه في جميع الحالات لا توجد حاجة إلى هذا العدد الكبير من الجنود.
يعتقد “حداد” أنه يجب إبقاء الخدمة المدنية خدمة تطوعية، لكن يجب محاولة الدفع بها قدماً بكل الطرق، التجربة الدولية كما قلنا، تعلمنا أن الخدمة الإلزامية سواء كانت عسكرية أو مدنية، تساهم بشكل حاسم في التماسك والحصانة الاجتماعية، ولكن كيف يفعلون ذلك؟ هذا هو السؤال الرئيس الذي لا يوجد لأي أحد إجابة عنه.
ذي ماركر/ ميراف ارلوزوروف
Facebook Comments