مصالحات إيرانية مع الدول العربية وتهديدات متزايدة ضد “إسرائيل”
ترجمة الهدهد
في الأشهر الأخيرة ولا سيما في الأسابيع الأخيرة، عززت إيران العلاقات الثنائية بينها وبين الدول العربية السنية، وفي المقام الأول دول الخليج، وهنا يبرز بشكل خاص تجديد العلاقات مع المملكة العربية السعودية، والذي جرى برعاية الصين منذ حوالي شهر، بعد الإعلان عن الاتفاق بوقت قصير، عُقد اجتماع بين وزيري خارجية البلدين في بكين، دُعي على إثره الرئيس الإيراني لزيارة الرياض في موعد لم يتم تحديده بعد.
جرت مؤخرا زيارات متبادلة من قبل وفود فنية من إيران والمملكة العربية السعودية، بهدف التحضير لإعادة فتح البعثات الدبلوماسية، بعد الاتفاق الإيراني السعودي، تجددت المحادثات بوساطة عمانية بين وفدين من المملكة العربية السعودية ومن الحوثيين في اليمن، في محاولة للدفع بتسوية تسمح بإنهاء الحملة العسكرية السعودية -المستمرة منذ سنوات طويلة- ضد اليمن، في الوقت نفسه، تجري إيران محادثات مع البحرين، كما أن تجديد العلاقات معها مدرج أيضًا على جدول الأعمال، وبذلك تكتمل عملية تجديد العلاقات بين إيران وجميع دول الخليج.
لا يقتصر تحسين العلاقات بين إيران والعالم العربي على دول الخليج فقط، فقد وردت تقارير عن تحسن العلاقات الإيرانية مع مصر والأردن، والتي ظلت عند مستوى منخفض منذ سنوات طويلة، بعد الاتفاق على تجديد العلاقات بين إيران والسعودية، صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني أن الاتفاقية سيكون لها تأثيراً إيجابياً على علاقات إيران مع مصر والأردن والبحرين.
كما صرح وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، بأنه من المتوقع حدوث تطور كبير في العلاقات بين إيران والأردن ومصر قريبًا، في إطار جهود حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي، لتخفيف التوترات في المنطقة.
في ديسمبر الماضي، التقى عبد اللهيان بالعاهل الأردني الملك عبد الله والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على هامش مؤتمر دولي حول العراق، حيث عقد في العاصمة الأردنية عمان، كما أفادت مصادر عربية أن جهود الوساطة العراقية، جارية بين إيران ومصر والأردن.
بداية أبريل الجاري، أفادت وكالة “رويترز” للأنباء من مسؤولين في وزارة السياحة المصرية، أن مصر ستسمح قريبًا للإيرانيين المسافرين في مجموعات منظمة بالحصول على تأشيرة عند وصولهم إلى شبه جزيرة سيناء، وأن النية هي توسيع وصولهم إلى مناطق أخرى البلاد كذلك، ورحبت كلا من الأردن ومصر بالاتفاق الإيراني السعودي، وأعربا عن أملهما في أن يسهم في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
على خلفية توقف التوترات بين إيران والدول العربية، لوحظ تصعيد متزايد في الصراع المستمر بين إيران و”إسرائيل”، خاصة في ظل “الهجمات الإسرائيلية” المكثفة في سوريا، رداً على الهجوم الذي وقع عند مفترق مجدو في 13 مارس، في هجوم وقع في الليلة بين 30 و31 مارس في منطقة دمشق نُسب إلى “إسرائيل”، قُتل ضابطان من الحرس الثوري، ورداً على ذلك، هددت إيران بالانتقام، وفي رسالة بعثت بها إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أكد مندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة أن القوات الإيرانية في سوريا موجودة في أراضي البلاد، بناءً على طلب صريح من النظام السوري، وبالتالي لها الحق في أن تدافع عنها هي، ولا تنوي إخراجها من سوريا.
في 2 أبريل الجاري، أسقط “الجيش الإسرائيلي” طائرة إيرانية بدون طيار دخلت “الكيان” من سوريا، ويمكن الافتراض أن إطلاق الطائرة بدون طيار من سوريا ليس رد كافيٍ في نظر طهران، في هذا السياق، يجب أيضًا النظر إلى التحذيرات التي وجهتها واشنطن إلى السفن في بحر العرب وخليج عُمان، وقرار الإعلان عن إرسال الغواصة النووية “فلوريدا” إلى الخليج العربي.
على هذه الخلفية، لاقى التصعيد الأمني على “إسرائيل” بسبب اعتداء قوات جيش العدو على المسجد الأقصى والهجمات من لبنان وسوريا ارتياحاً كبيراً في إيران، وقدم “الرد الإسرائيلي” في قطاع غزة ولبنان من قبل الإعلام الرسمي في إيران على أنه دليل على عدم قدرة “إسرائيل”، على التعامل مع سيناريو إطلاق صواريخ متزامن من عدة جبهات في المستقبل، لا سيما في ظل الأزمة السياسية الداخلية في الكيان.
وهكذا أشادت صحيفة “وطن امروز” اليومية المحافظة على سبيل المثال، بنجاح المقاومة الفلسطينية في بدء معركة ضد “إسرائيل” من عدة جبهات في نفس الوقت، وأكدت أن التضامن العملياتي والإعلامي لعناصر جبهة المقاومة، في الوضع الحساس الذي تعيشه “إسرائيل” خلال عيد الفصح خلق معادلة جديدة تثير الذعر في “إسرائيل”، وزعمت وكالة أنباء “تسنيم” التابعة للحرس الثوري، أن سلوك “حكومة نتنياهو” و”الأجهزة الأمنية الإسرائيلية” في أحداث التصعيد يشير إلى تخوفهم حتى من اندلاع صراع متزامن في ساحتين، ومن الواضح أنهم قلقون من أن دخول بقية مجموعات المقاومة في حرب شاملة قد يؤدي إلى القضاء على “إسرائيل”.
كما تطرق المتحدث باسم الحرس الثوري رمضان شريف، في مؤتمر صحفي بمناسبة “يوم القدس العالمي” (14 أبريل)، وذكر أن إقامة جبهة موحدة مناهضة للصهيونية من جنوب لبنان والجولان السوري، إلى غزة والضفة الغربية، يضع “إسرائيل” أمام تحدٍ هائل في فترة وجيزة، خاصة على خلفية الأزمة السياسية الداخلية فيها.
كما أجرى الرئيس الإيراني محادثات هاتفية مع قادة سوريا وتركيا والجزائر وتركمانستان، أكد فيها على ضرورة تشكيل جبهة مشتركة ضد “إسرائيل” من أجل تحرير فلسطين، وفي محادثته مع رئيس تركيا رجب طيب أردوغان دعا رئيسي إلى اجتماع طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي لبحث سبل التعامل مع اعتداءات “إسرائيل” في المسجد الأقصى.
لقد حظيت المحادثة مع الرئيس السوري بشار الأسد بأهمية خاصة في ضوء الهجمات العديدة على الأراضي السورية مؤخرًا، وكذلك إطلاق ثلاثة صواريخ من جنوب هضبة الجولان باتجاه “إسرائيل” (في 8 إبريل)، -على ما يبدو من قبل المنظمات الفلسطينية-، وفي المحادثة قال رئيسي للأسد أن النظام العالمي يتغير لصالح محور المقاومة، وأن جرائم النظام الصهيوني تشهد على ضعفه ويأسه، وعلى المستقبل الواعد والمزاهر لتيار المقاومة، كما أن زيارة قائد فيلق القدس إسماعيل قاني، إلى سوريا في 8 أبريل الماضي، كانت تهدف أيضًا إلى دعم الرئيس السوري وتحسين التنسيق بين الدول، حيث هناك على الجدول تقارير متزايدة حول توريد أنظمة دفاع جوي إيرانية إلى سوريا.
كافة الأحداث في إطار التصعيد على حدود “إسرائيل”، والتي كانت في البداية المسجد الأقصى وقيام حماس بتنشيط جبهة غزة ولبنان ومرتفعات الجولان، عقب “الهجمات الإسرائيلية” في سوريا ضد أهداف إيرانية، تطرح سؤال وهو: إلى أي مدى يتم تنسيق التحركات في الساحات المختلفة بين كل عناصر جبهة المقاومة مع التركيز على حزب الله وإيران.
في السنوات الأخيرة، زادت إيران من جهودها لإنشاء قدرات استراتيجية في مواجهة “إسرائيل”، بما في ذلك من خلال حلفاءها في المنطقة، من أجل تقديم رد مُحسًن في ظل الاعتداءات الإسرائيلية المتزايدة ضد الأهداف الإيرانية في سوريا وإيران نفسها، بالرغم من “الهجمات الإسرائيلية”، تواصل إيران إيصال الأسلحة إلى سوريا وحزب الله بعدة طرق، ومؤخرًا من خلال استغلالها لقوافل الإمدادات الإنسانية التي يتم إرسالها إلى سوريا في أعقاب الزلزال الذي حدث في فبراير الماضي.
كما تواصل إيران تقوية وتسليح الجماعات الموالية لها العاملة في سوريا وعلى الحدود السورية العراقية، ومن الواضح أنها زادت أيضًا من تدخلها في الساحة الفلسطينية بشكل عام والضفة الغربية بشكل خاص، كل هذا في محاولة لزيادة التنسيق بين عناصر جبهة المقاومة، في هذه المعركة، لعب حزب الله والأمين العام للتنظيم حسن نصر الله دورًا محوريًا، وذلك بسبب سنوات خبرته الطويلة ومعرفته بـ “إسرائيل”، وبسبب موقعه المركزي ونفوذه في طهران، اللذان تعززا منذ اغتيال قاسم سليماني في يناير 2020.
تتيح طريقة العمل الإيرانية من خلال حلفاءها في المنطقة لطهران مساحة من الحصانة والإنكار، مع الحفاظ على نفوذها وزيادة قوة شركائها الإقليميين من خلال توفير الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية، بما في ذلك قدرات الإنتاج المستقلة.
علاوة على ذلك، حتى لو كان واضحًا أن المبادرة إلى جولة التصعيد الأخيرة لا تتعلق مباشرة بإيران، بل بالتطورات في الساحة الفلسطينية، وخاصة الأحداث في المسجد الأقصى، إلا أنها جاءت على أساس التنسيق السابق وطويل الأمد، والموجود بين عناصر جبهة المقاومة، والتي تستغلها إيران وحلفاءها بشكل جيد، كفرصة لخلق توازن ردع ضد “إسرائيل”.
في هذا السياق، يجب النظر إلى التواجد الأخير لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية زياد النخالة، في بيروت ولقاءاتهم مع نصر الله، وكذلك زيارة قائد فيلق القدس إلى دمشق، وربما بيروت أيضاً.
حتى لو لم تتم أحداث التصعيد بمبادرة إيرانية ولم تتم إدارتها من قبل طهران، فإن هذا من وجهة نظر إيران يعد تطوراً إيجابياً قد يسمح بتوسيع الصراع المستقبلي المحتمل مع “إسرائيل” إلى ساحات متعددة، مما سيجعل من الصعب على “إسرائيل” مواجهتها، هذا التقييم الإيراني يمكن أن يعزز الشعور بالأمن والثقة في طهران، فيما يتعلق بإمكانية التعامل بشكل أكثر نجاحًا مع “إسرائيل”، وبالتالي يزيد من استعداد طهران وحلفاءها لتبني خط أكثر تحديًا ضد “إسرائيل”، -التي حسب تقديرهم غير مهتمة في مواجهة شاملة في الوقت الحاضر-.
في الختام:
بينما تعمل إيران على تحسين علاقاتها مع الدول العربية، خاصة في الخليج، يمكن الإشارة إلى تصعيد مستمر بين “إسرائيل” وإيران وشركائها في محور المقاومة، مع تزايد التنسيق بين مكونات هذا المحور، وظهور هذا التنسيق بالفعل في أحداث “حارس الأسوار” في مايو 2021، التي عملت خلالها غرفة عمليات مشتركة في بيروت، بين إيران وحزب الله وحركة حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين.
على “إسرائيل” أن تأخذ بعين الاعتبار بالنسبة لطهران، أن “جبهة المقاومة” بالمعنى الواسع وفي سياق تصعيد إقليمي واسع، تشمل أيضًا الجماعات المتحالفة مع إيران في العراق والحوثيين في اليمن، الذين يمتلكون القدرات العسكرية المتطورة، ليس من المانع أن يكون تخفيف التوترات بالذات بين إيران وجيرانها العرب، بمثابة فرصة لها لزيادة جهودها لتحسين ردها على “إسرائيل”، وتعزيز الردع الاستراتيجي ضدها.
المصدر: معهد أبحاث الأمن القومي/ “سيما شين” و”راز تشيميت”
Facebook Comments