“العلاقات الإسرائيلية الأمريكية”: أزمة ثقة
ترجمة الهدهد
إن كلمات الرئيس الأمريكي “جو بايدن” القاطعة بأن رئيس وزراء العدو لن تتم دعوته قريباً لزيارة واشنطن يعبر عن تصادم القيم وتصعيد في رسائل التحذير من قبل الإدارة الأمريكية.
هذا فيما يتعلق بالعواقب المحتملة لتعزيز التغييرات المتطرفة في النظام القضائي والإجراءات ضد الفلسطينيين على العلاقات الثنائية، وسبب ذلك، القلق المتزايد في واشنطن من أن سياسة الحكومة يمكن أن تؤدي إلى تقويض القيم الديمقراطية المشتركة بين “البلدين”، وإلى تغيير في صورة الكيان والإضرار بالعلاقة مع الفلسطينيين إلى درجة تصعيد واسع.
في الواقع، بعث “بايدن” لـ “نتنياهو” برسالة واضحة غير قابلة للتأويل، مفادها أنه سئم من التلاعب في الكلمات الذي يقوم به رئيس الوزراء “نتنياهو”، وأنه يعتبره مسؤولاً شخصياً عن الوضع الذي تعيشه “إسرائيل”.
هناك أشياء أكثر قسوة يمكن رؤيتها أيضاً في سلسلة منشورات الصحفي “توماس فريدمان” في صحيفة نيويورك تايمز، والتي اتهم فيها “نتنياهو” بالمسؤولية عن الوضع.
في مقال نشره تحت عنوان “لا يمكن الوثوق بنتنياهو”، ادعى أن نتنياهو أصبح “لاعباً غير عقلاني”، يُعرض للخطر مصالح وقيم ليس فقط “إسرائيل” ولكن أيضاً الولايات المتحدة نفسها، حتى أن “فريدمان” ذهب إلى حد بعيد، وقال بأن على الولايات المتحدة ضمان عدم استخدام “نتنياهو” للأسلحة الأمريكية للبدء أي نوع من الحرب مع إيران أو حزب الله، دون الدعم الكامل والمستقل من القيادة العليا لـ “الجيش الإسرائيلي”.
مرت “العلاقات الإسرائيلية الأمريكية” بعدد من الأزمات العميقة في العقود الماضية، على سبيل المثال، أزمة الصفقة النووية مع إدارة أوباما، وأزمة الضمانات مع إدارة بوش، وأزمة الجاسوس بولارد، وأكثر من ذلك.
ومع ذلك، على عكس الأزمات السابقة التي اندلعت حول قضايا سياسة وأمنية، هذه المرة الأزمة هي حول قضايا القيم داخل “إسرائيل”، والتي تشكل أساس التحالف الاستراتيجي بين “الدولتين” على مدى العقود السبعة الماضية، ومن هنا تأتي خطورتها الكبيرة.
وهذا أكثر أهمية في ضوء التغيير في الرأي العام في الولايات المتحدة تجاه “إسرائيل” والاختلافات الحادة بين الأحزاب، وهكذا، في استطلاع جديد نشره معهد “غالوب”، يبدو أن نسبة الديموقراطيين الذين يشعرون بالتعاطف مع “إسرائيل” هو تقريباً نفس أولئك الذين يتعاطفون مع الفلسطينيين – 40% مقابل 38% (فجوة 2% مقارنة بـ 35% قبل حوالي عقد من الزمن).
77% من الجمهوريين يتعاطفون مع “إسرائيل”، مقارنة مع فقط 13% يتعاطفون مع الفلسطينيين.
وبالمثل، يظهر دعم أوسع للفلسطينيين بين الشباب أكثر من الكبار، في ضوء الانتقادات المتزايدة لإدارة بايدن حول سلوك “حكومة نتنياهو”، من المحتمل أن تتزايد الخلافات بين الحزبين فيما يتعلق بـ “إسرائيل”، كدليل على ذلك، يمكنك أن ترى الانتقادات التي أطلقها مسؤولون جمهوريون بخصوص كلام الرئيس بأن “نتنياهو” لن تتم دعوته لزيارته قريباً.
وهكذا انتقدت السفيرة السابقة لدى الأمم المتحدة “نيكي هايلي” التي أعلنت ترشحها لرئاسة الولايات المتحدة، الرئيس “بايدن” لتدخله في “الشؤون الإسرائيلية” الداخلية، في ضوء ذلك، يجب على “الحكومة الإسرائيلية” أن تحرص على ألا تُصبح نقطة خلاف بين الأحزاب قبل تحريك الحملة الانتخابية الرئاسية، مما قد يزيد من تشدد سياسة الديمقراطيين تجاهها.
الولايات المتحدة كركيزة استراتيجية
تُعتبر الولايات المتحدة ركيزة أساسية للأمن القومي “إسرائيل”، وقدرتها على الصمود، ولا يوجد بديل عن التحالف الاستراتيجي بين “الدولتين”، وينعكس هذا في المساعدات العسكرية التي تصل إلى 3.8 مليارات دولار سنوياً، وفي الالتزام بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لـ “إسرائيل” في الشرق الأوسط.
والمساعدة المكثفة لتطوير أنظمة الدفاع الأكثر تقدماً التي تمتلكها “إسرائيل” حالياً، والشراكة في تطوير أنظمة دفاع مستقبلية باستخدام أسلحة الليزر؛ وتوريد الطائرات المقاتلة وأنظمة الأسلحة الأكثر تقدماً في العالم؛ والتعاون الاستخباراتي، وتوريد منتظم لقطع الغيار، والتعاون مع القيادة المركزية للجيش الأمريكي (Centcom)، والذي تم في إطاره، إجراء المناورة المتعددة الأسلحة واسعة النطاق في بداية العام “الوني بازلت”، وأكثر من ذلك.
كل ذلك إلى جانب منح مظلة سياسية ودعم واسع لـ “إسرائيل” في المؤسسات الدولية في الروتين وفي أوقات الحرب، والتصويت ضد قرارات الإدانة ضدها في مجلس الأمن والتعاون الاقتصادي والتكنولوجي الواسع.
يشكل هذا التعاون وغيره دعامة مركزية لصورة القوة و”الردع الإسرائيلي”، علاوة على ذلك، فإن العلاقة الخاصة تشكل جانب أساسي لوقف التقدم الإيراني في المشروع النووي، كما انعكس ذلك مؤخراً في كلمات رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال “ميلي” بأن إيران ستكون قادرة على إنتاج مواد انشطارية لصنع سلاح نووي في أقل من أسبوعين، وسيستغرق إنتاج سلاح نووي لديها بضعة أشهر.
علاوة على ذلك، فإن التعاون العميق ضروري أيضاً لتعميق العلاقات الأمنية مع دول الخليج، وتعزيز التطبيع مع المملكة العربية السعودية ودول أخرى في المنطقة، هذا لا سيما في وقت تعمل فيه إيران بقوة لإعادة علاقاتها مع هذه الدول.
الطرد المشروط الذي تلقاه “نتنياهو” هو تحذير استراتيجي لـ “إسرائيل”، إن تقويض الأسس التي يقوم عليها التحالف بين “الدولتين” سيؤدي إلى إلحاق الضرر بالقوة الاستراتيجية والعسكرية والاقتصادية لـ “إسرائيل”، معنى كلام الرئيس “بايدن”، هو أنه في مرحلة ما ستتحول تحذيرات الإدارة أيضاً إلى إجراءات رد فعلية وحقيقية.
ويمكن أن يتجلى ذلك في إلحاق ضرر حقيقي بالعلاقة الحميمة على مستوى القيادة، وفي تراجع دعم الإدارة الواسع لمواقف “إسرائيل”، وفي إلحاق الضرر بصورة “القوة الإسرائيلية” والاستعداد للدفاع عنها في المحافل الدولية.
في الواقع، إذا فشل “نتنياهو” في “الإيفاء بما يتطلب منه في واشنطن من وقف التغييرات المتطرفة في النظام القضائي، فقد تتدهور العلاقات مع “إسرائيل”، وتصبح شبيهة بعلاقات الإدارة مع المملكة العربية السعودية، – علاقات شديدة البرودة على المستوى القيادي- إلى جانب علاقات عميقة جداً في المجالات الأمنية والعسكرية.
لم يفت الأوان لتغيير الاتجاه
وصلت العلاقة بين “إسرائيل” والولايات المتحدة وأزمة الثقة الحادة بين الرئيس “بايدن” و”نتنياهو”، إلى مفترق طرق اتخاذ القرارات، في الواقع، يجب على “نتنياهو” الاختيار بين بديلين استراتيجيين رئيسيين: وقف الانقلاب وإعادة العلاقات بما يسمح له بتعميق التعاون الاستراتيجي والدفع نحو الوقوف في وجه إيران، واستعادة صورة “القوة الإسرائيلية”، وذلك مقابل التعزيز المستمر للتغييرات المتطرفة في النظام القضائي، وتفاقم الخلاف مع الإدارة، بطريقة تؤدي إلى إلحاق ضرر بالغ الخطورة بالقوة الاستراتيجية لـ “إسرائيل” يلعب في أيدي أعدائنا وخصومنا في المنطقة.
أمام الفلسطينيين، فعلى “رئيس الوزراء نتنياهو” أن يتجنب اتخاذ خطوات يمكن تصويرها على أنها تمهيد للضم وتغيير الوضع الراهن في الأماكن المقدسة، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم عمليات انهيار السلطة الفلسطينية، وقد تؤدي هذه الخطوات إلى تصعيد أمني واسع يشمل حماس وربما الفلسطينيين في الداخل أيضاً.
وسيعني هذا تورطا أكثر لـ “إسرائيل”، الأمر الذي سيجر قوات كبيرة من “الجيش الإسرائيلي”؛ ويزيد من تفاقم العلاقات المتوترة بالفعل مع الولايات المتحدة وأوروبا، ويقوض نظام العلاقات الخاص مع الدول العربية، ويزيد من حدة التهديدات القانونية على الساحة الدولية.
المصدر: معهد السياسات واستراتيجية IPS/ د. شاي هار تسفي
Facebook Comments