رفض الخدمة هو المسمار الأخير في نعش “إسرائيل”
ترجمة الهدهد
ورث رئيس أركان الجيش “هيرتسي هليفي” من أسلافه إرثاً صعباً للغاية من جيش غير جاهز لحرب متعددة الساحات، ستأتي علينا عاجلاً أم آجلاً.
سأقدم عدداً من المواضيع المهمة والحاسمة في استعداد الجيش للحرب، ولماذا سيكون رفض الخدمة هو المسمار الأخير في النعش؟
بينما بنى قادة القوات الجوية -لأجيال- سلاحاً يفتخر به فيما يتعلق بالطيارين والطائرات، وقد حلقوا برؤوسهم في السماء وأقدامهم لم تلمس الأرض، وعلى مدى السنوات الـ 20 الماضية هم لم يدركوا بأن التهديد الرئيسي على “إسرائيل” قد تغير بالكامل.
التهديد الرئيسي الذي نواجهه هذه الأيام ليس طائرات العدو، بل الصواريخ والقذائف الصاروخية والطائرات المسيرة، لقد دفن قادة سلاح الجو في السنوات الأخيرة رؤوسهم في الرمال، ولم يدركوا أن قواعد الجنود ستصبح هدفاً استراتيجياً لصواريخ العدو والطائرات بدون طيار، في الحرب متعددة الساحات القادمة، وبالتالي لم يجهزوا القواعد للحرب التي تغيرت كلياً من أولها إلى آخرها.
في الحرب القادمة ستطلق صواريخ ثقيلة ودقيقة وغير دقيقة وطائرات بدون طيار على قواعد سلاح الجو، والمدارج والمطارات التي توجد بها الطائرات ومراكز التحكم، وسوف تُحدث دماراً كبيراً في القواعد، حرائق وجرحى وقتلى وشظايا وحفر كبيرة على مدرجات إقلاع الطائرات ما سيوقف قدرة الطائرات على الإقلاع.
كتائب الإمداد الوظيفي التي تم إنشاؤها في القواعد الجوية قبل 11 عاماً، والتي كان دورها المساعدة في ردم الحفر، وجمع الأنقاض من مدارج إقلاع الطائرات، وإطفاء الحرائق وإنقاذ الجرحى، تفككت تماماً بسبب عدم اهتمام قادة سلاح الجو بها في السنوات الـ 20 الماضية، هذا تهاون وإهمال لن ينسى أبداً وسيدرج في كتب التاريخ إلى الأبد.
الجيش البري أيضاً تم تقليص قواته من قبل رؤساء الأركان في السنوات الـ 20 الماضية، على افتراض أن الحروب الكبرى قد ولّت.
حتى عندما ازداد التهديد من حولنا إلى أبعاد مروعة، لم يرغبوا في مواجهة الحقيقة، واستمروا في تقليص الجيش وفقاً لفهمهم “جيش صغير تقني وفتاك”، والنتيجة هي أن الجيش البري مهترئ تماماً، وجيش الاحتياط غير مدرب ولم يستوعب أسلحة جديدة، وفقد ثقته في القيادة العليا لـ “الجيش الإسرائيلي” وبثلاث كلمات “غير صالح للحرب”.
حتى الوحدات النظامية لم تستوعب وتطبق التكنولوجيا التي تم شراؤها بمئات الملايين من الشواكل وأكثر، ضمن خطة “تنوفاه” متعددة السنوات بقيادة رئيس الأركان السابق “كوخافي”، وبرنامج “كوتشفي” “تنوفا” متعدد السنوات التي لم تنمو ولم تنجح.
الجبهة الداخلية، التي ستكون الساحة الرئيسية في الحرب المقبلة، فقد أهملت وضاعت بين المستوى السياسي والمستوى الأمني، لم يتم أعداد السلطات المحلية لتصمد أمام آلاف القذائف والصواريخ التي ستطلق كل يوم على المراكز السكانية والبنى التحتية للكهرباء والمياه والوقود والغاز، وقواعد الجيش والمواصلات والبنى التحتية الاقتصادية والمؤسسات الحكومية، وستتسبب بخسائر فادحة في مئات المواقع المدمرة كل يوم.
لقد قام “الجيش الإسرائيلي” بخصخصة أهم وحدات الدعم اللوجستي والصيانة إلى أكثر من ألف مصنع مدني أساسي، وهي المسؤولة عن توفير الذخيرة والوقود والغذاء وقطع الغيار وإصلاح الأسلحة وصيانتها أثناء الحرب.
أصبح الجيش يعتمد بشكل كامل على المصانع الأساسية، والتي بدونها لن يكون الجيش قادراً على العمل لأكثر من بضع ساعات في حرب متعددة الساحات.
في وثيقة صادمة صدرت من قبل وزارة الجيش قبل أشهر قليلة، ورد أن 60% من المصانع الأساسية غير مؤهلة للقيام بواجباتها في الحرب
والسبب أن الجيش لم يمدها بمخزون طوارئ من المواد وقطع الغيار، وفي 70% منها لا يوجد تخصيص مهام.
لذلك لا يعرف العمال من يحتاج إلى التجنيد في الجيش، ومن يجب أن يبقى في المصنع أثناء حالة الطوارئ، ما سيؤدي إلى فوضى تامة، وانعدام السيطرة واختلال وظيفي، عزل الجيش نفسه وتحول مدنياً عن علم وهروب من المسؤولية.
اليوم يواجه “الجيش الإسرائيلي” أخطر أزمة في تاريخه في مجال القوى البشرية: الهروب الجماعي للضباط من الخدمة الدائمة والمعارضين الجيدين وضباط الصف الذين يغادرون الجيش للحصول على وظائف مدنية.
والسبب الرئيسي ليس الرواتب المنخفضة، ولكن نموذج الخدمة الدائمة، فالشاب الذي دخل حيز التنفيذ زمن ولاية رئيس الأركان “غادي آيزنكوت”، الأمر الذي تسبب في انعدام الأمن الوظيفي وأوصل “الجيش الإسرائيلي” إلى مستوى ضعيف من المعايير لا يرغب الجيدون المشاركة فيه.
إن ما يؤدي إلى التدهور في الجيش هو انهيار الثقافة التنظيمية والإدارية والقيادية، وعدم الانضباط، وعدم التحقق من الأوامر، وغياب الرقابة والمتابعة، وعدم تعلم الدروس، وثقافة الكذب في التحقيقات، وبشكل عام هناك فجوة في القوى البشرية المهنية نتيجة التقليصات، والتي لا تسمح بتنفيذ خطط العمل والمهام بشكل صحيح، ويعاني الجيش من نقص إدارة الروتين والمعايير السيئة وغير ذلك.
الصراع بين الكتل اليمينية واليسارية، الدينية والعلمانية، حول التعديلات القانونية، الذي يترتب عليه هذه الأيام رفض التجنيد والخدمة في الاحتياط، مستمر في التوسع مع الخوف من امتداده إلى الجيش النظامي أيضاً.
إن عملية رفض الخدمة تلحق ضرراً خطيراً بنسيج العلاقات الدقيق الذي تم بناؤه لسنوات عديدة داخل الوحدات، بالتماسك، وزمالة السلاح، وأخوة المقاتلين، والإيمان بصواب الطريق، دون تمييز في الدين أو العرق أو الجنس، ودون تمييز بين اليمين واليسار والمتدينين والعلمانيين، ستكون هذه ضربة قاتلة لدوافع المقاتلين ولروحهم القتالية، في أعماق الوحدات نفسها، من هذا الانهيار، إذا ما اشتد، لن يكون هناك سبيلاً للعودة، وسيكون ذلك نهاية الجيش.
المصدر: صحيفة معاريف
Facebook Comments