رؤية “سموتريتس” للحسم وتداعياتها على الكيان

ترجمة الهدهد
خلال الأشهر القليلة التي تلت تشكيل “حكومة نتنياهو” في الكيان، أصبحت أجندات أعضاء الحكومة أكثر وضوحاً، ويمكن تحديد اتجاهات العمل الديني والتشريع اليهودي، وكذلك الاتجاهات القومية التي يقودها أعضاء الكنيست الأكثر تطرفاً، من خلالها.
يبقى الخطاب السياسي والاجتماعي داخل الكيان وكذلك التصريحات السياسية التي تمس العلاقات الخارجية بشكل رئيسي في أيدي وزراء معينين مثل “سموتريش” و”بن غفير” و”ليفين”، في ظل هذه الخلفية، يبدو أنه من المهم للغاية تحليل وفهم الرؤية الإستراتيجية التي يقودها وزير المالية “سموتريش” الذي بالرغم من أنه يحاول التحدث بحذر نسبي، إلا أنه يقف حازماً في تصريحاته المصاحبة لرؤيته الاستراتيجية في السنوات الأخيرة، ولا يحيد عن طريقه، -سبق أن تم الإعلان عن هذه الرؤية الاستراتيجية وكتابتها بأحرف واضحة-، إذاً ما الذي يمكن أن نجده في تلك الرؤية الدينية المتشددة بعيدة المدى؟
في عام 2017، نشر “سموتريتش” في مجلة “هشيلوح” “خطته الحسم” لحل الصراع مع الفلسطينيين وتحقيق السلام الكامل وفقاً لرؤيته.
نصّت “خطة الحسم” هذه على أن “إسرائيل” يجب ألا تستمر في “إدارة الصراع” مع الفلسطينيين، بل الوصول إلى حسم واضح بشأنهم، وتستند الخطة إلى ثلاث بدائل ستعرض للشعب الفلسطيني:
- الأول: ببساطة مغادرة الكيان.
- والثاني: العيش بالكيان بوضع “مقيم”، لأنه حسب قوله: “يجب أن يكونوا دائماً أقل شأناً بحسب الشريعة اليهودية.
- والثالث: إذا رفضوا أحد هذين الخيارين، فعندئذ “سيعرف الجيش الإسرائيلي ما يجب أن يفعله”.
وعندما سئل بعد ذلك عما إذا كان ينوي قتل العائلات والنساء والأطفال، أجاب: “في الحرب كما هو في الحرب”.. واللبيب بالإشارة يفهم.
في ذلك الوقت، أوضح “سموتريتش” أن الأساس المفاهيمي لخطته موجود في سفر “يهوشع” لأنه وفقاً له، حسب التفسير أرسل “يهوشوع بن نون” ثلاث رسائل إلى سكان البلاد تحتوي على ثلاث شروط المتوافقة مع الشروط التي يطرحها.
في الوضع الطبيعي، قد لا تكون هناك حاجة إلى تفصيل أو شرح المصادر التوراتية، التي تستند إليها هذه الرؤية المسيانية المتطرفة، ومع ذلك، من المهم جداً أن نفهم أن هذه الرؤية التي هي الأساس الأيديولوجي لنشاط “فتية التلال”، والتي تدعو إلى حل أو تفكيك “إسرائيل” في شكلها الحالي، وفي هذه العملية أيضاً حل السلطة الفلسطينية، وربما الأردن والعراق، وإنشاء “مملكة يهوذا التوراتية” الشرعية مكانهما، وفقاً للحدود والشروط المحددة في الكتاب المقدس.
الديمقراطية ليست في القاموس المفاهيمي لهذه الرؤية أو المفهوم، ولا الفصل بين السلطات ولا النظام القضائي المستقل.
والحرية والتعددية وحقوق الإنسان والحقوق المدنية ليست على مقياس القيم إطلاقاً، و”الشاباك” و”الجيش الإسرائيلي” و”شرطة إسرائيل”، هي منظمات معادية للدولة ولليهود، طالما أنها تنفذ الإجراءات ضد اليهود.
هذه الرؤية الاستراتيجية “خطة الحسم” لا تمثل بشكل كامل القيم اليهودية المعاصرة، ويدرك أصحابها أنه لن تسمح لهم أي محكمة على الإطلاق بتحقيق الخطة، ولهذا السبب بالتحديد يعملون على تحييد النظام القانوني.
تجدر الإشارة إلى أن “الشاباك” عثر في الماضي على ورقة ونشرها، تصف أيديولوجية الجماعات المتطرفة مثل “فتية التلال”، الذي انتمى إليها في الماضي في وزير المالية “سموتريتش”، ووصفت هذه الورقة مفهوم “دولة الشريعة اليهودية” التي ستُحكم على أساسها “مملكة يهوذا” في المستقبل، والتي ستُبنى على أنقاض “إسرائيل” الحديثة والديمقراطية.
كيف سيؤثر تحقيق رؤية “استراتيجية الحسم” على “إسرائيل” وسكانها؟
في المجال الفلسطيني:
هنا المتفجرات تشتعل بسرعة كبيرة، تقسيم صلاحيات وزارة جيش العدو، وبعض وحدات “الجيش الإسرائيلي” المسؤولة عن نشاطات “إسرائيل” في الأراضي الفلسطينية مثل: الإدارة المدنية بالضفة الغربية ومنسق العمليات الحكومية في الأراضي الفلسطينية، وضمها إلى وزير المالية، نابعة من الرغبة في إضفاء الطابع المدني على كافة الأنظمة العسكرية في الأراضي الفلسطينية، وإلغاء السلطة الفلسطينية بشكل كامل، والمصادقة على إقامة مستوطنات جديدة في المنطقة، مع منع كامل لمنح تصاريح البناء للفلسطينيين، ولجعل الفلسطينيين والعالم يفهمون أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية أبداً هنا، بل لن يكون هناك شعب فلسطيني.
عملياً الأوضاع الميدانية تتدهور والهجمات تتزايد، والمستوطنون يرتكبون مذابح ضد الفلسطينيين ويهاجمون رجال الشرطة والجنود، والعالم كله ينقلب علينا.
في مجال “الجيش الإسرائيلي” كمؤسسة رسمية وتبعيته لـ “الدولة”:
في ظل وجود وزيرين يُسيطران على جزء من أنشطة “الجيش الإسرائيلي”، وفي وضع يُطلب فيه من الحاخام العسكري لـ “الجيش الإسرائيلي” أن يكون تابعاً للحاخامات بدلاً من رئيس الأركان، ووضع يقوم فيه المستوطنون اليهود في المنطقة بمهاجمة جنود وقادة “الجيش الإسرائيلي” بشكل علني، سيفقد “الجيش” قيم القيادة الموحدة، والقيم الاجتماعية التي يقوم عليها، ويفقد ثقة الشعب بأكمله، ويفقد تعريفه بأنه “جيش الشعب”، وتصوره أو مفهومه بأنه جزء من التماسك الاجتماعي في “إسرائيل”، كل هذا يساهم بشكل كبير في تفكيك النسيج الاجتماعي الهش والضعيف في “إسرائيل”.
في مجال العلاقات الخارجية لـ “إسرائيل“:
على خلفية الإجراءات المذكورة أعلاه، وعلى خلفية تصريحات وزير المالية “سموتريتش”، وكذلك الإجراءات القانونية التي يقوم بها وزير القضاء “ليفين” وعضو الكنيست “روتمان”، والاستفزازات التي ارتكبها “بن غفير” في المسجد الأقصى، كل هذا سيقيم العالم علينا.
وستشن دول الاتحاد الأوروبي حملة إدانة، ووقف تمويل المشاريع والاستثمارات في “إسرائيل”، وتوقيع وثائق تطالب “إسرائيل” بالعودة إلى رشدها والعودة إلى الواقع، وأما الدول العربية التي وقعت معنا اتفاقيات سلام في الماضي، فستعيد النظر في طبيعة علاقاتها معنا.
في مجال التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة:
تدهور الوضع وصل إلى مستويات لم يسبق لها مثيل، وقد أوصل مؤخراً عدد من كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية برسائل واضحة لحكومة نتنياهو، وخرج الرئيس الأمريكي “جو بايدن” بإدانة شديدة وقاطعة ضد تصريحات وسلوك الحكومة بأكملها، ولأول مرة في تاريخها دعمت الولايات المتحدة إدانة “إسرائيل” في مؤسسات الأمم المتحدة، وتم تعريف وزير المالية “سموتريتش” على أنه شخصية غير مرغوب فيها في الولايات المتحدة.
في المجال الداخلي الاجتماعي في “إسرائيل”:
لم يعد ممكناً إنكار أننا على حافة حرب أهلية أو قتال بين الأخوة، الانقسام والتصدع والاستقطاب الذي تدعمه “حكومة نتنياهو” لدى بعض وزرائها، قد وصل بالفعل إلى الشوارع بكامل قوته، وفي “إسرائيل” يقف على مفترق طرق واختبار وجودي حقيقي.
في مجال بنية وطبيعة النظام في “إسرائيل“:
حالياً لم يعد هناك شك في أن “الانقلاب القانوني” يهدف إلى تغيير بنية النظام في “إسرائيل” وإلغاء الديمقراطية، هذه العملية مناسبة للغاية، وتتزامن بشكل جيد مع خطة الرؤية المستقبلية المقدمة هنا، لتطبيق نوع جديد من النظام الذي يجسد قيم “الكتاب المقدس” و”الشريعة اليهودية” وخاصة العنصرية التي يبني عليها بعض أعضاء الحكومة رؤيتهم.
يتضح هنا أن المستقبل الذي تتجه إليه “إسرائيل” في غياب رجل مسؤول يوقف العمليات التخريبية التي تقودها الشخصيات المتطرفة في حكومتها، وفي غياب سياسة التهدئة والتغيير من قبل رئيس الوزراء، مقلق ومخيف للغاية.
القليل من الديمقراطية الغربية المتقدمة والحديثة، والكثير من الديكتاتورية و”الشريعة اليهودية” والعنصرية، وعدم التسامح مع الأقليات والطبقات الضعيفة، وفقدان الاقتصاد وصناعة التكنولوجيا العالية، والفقر والتخلف أيضاً في المستقبل غير البعيد.
المصدر: معد السياسة والاستراتيجية/ ليئور أكرمان
Facebook Comments