الصدع الداخلي، تهديد لقوة “إسرائيل” الاستراتيجية

ترجمة الهدهد

تتزايد المؤشرات على أن الخطوات التي اتخذتها حكومة العدو على الساحة الداخلية وضد الفلسطينيين قد تؤدي في المدى القريب إلى الإضرار بأمن العدو واستقراره، وهذا من شأنه أن يضعف قوته الاستراتيجية ويصعب مهمته في التعامل مع التهديدات الاستراتيجية المتنوعة التي تواجهه، وخاصة من جانب إيران.

وبحسب معهد “السياسات والاستراتيجيات (IPS)”، فإن “الانقلاب القانوني يعمق الانقسام الداخلي في المجتمع الإسرائيلي وقد يحول إسرائيل من ديمقراطية مزدهرة إلى دولة ذات خصائص نظام ديكتاتوري واقتصاد متعثر، وبهذه الخطورة يجب الانتباه إلى توسع الاحتجاجات وانضمام العديد من القطاعات، والتصريحات عن عدم الرغبة في أداء خدمة الاحتياط، وزيادة نطاق إخراج الأموال خارج الدولة، وخفض الاستثمارات الأجنبية، واحتمال إلحاق الضرر بالتصنيف الائتماني لإسرائيل، في الوقت نفسه الذي تواجه فيه خطوات الحكومة معارضة وانتقادات حادة من قبل أصدقاء الولايات المتحدة وإسرائيل في أوروبا والعالم العربي”.

إشارات تحذير من واشنطن..

يرى المعهد، أن “المعارضة القوية من جانب الحكومة الأمريكية لتقويض القيم الديمقراطية والليبرالية التي يقوم عليها التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل تكتسب أهمية خاصة، هذا إلى جانب الخوف من الإجراءات التي يمكن أن تؤدي إلى تغيير الواقع أمام الفلسطينيين وإشعال فتيل صراع عنيف”.

الزيارات المتكررة وغير العادية والمتقاربة لكبار المسؤولين الأمريكيين إلى كيان العدو في الشهرين الماضيين (وزير الخارجية “بلينكن”، ووزير الدفاع “أوستن”، ومستشار الأمن القومي “سوليفان”، ورئيس وكالة المخابرات المركزية “بيرنز”، ورئيس هيئة الأركان المشتركة “ميلي”) يوضح القلق المتزايد في البيت الأبيض بشأن الوضع الحالي عند العدو، ويبدو أن هذه الزيارات هي نتيجة للحاجة الملحة من جانب إدارة بايدن للتحذير من المخاطر على العلاقات الخاصة بين الدول، والثمن الذي قد يدفعه العدو إذا لم يكن هناك تغيير فوري في سياسة حكومته.

في الواقع، هناك خط مباشر يربط البطاقة الحمراء التي أشهرتها الإدارة الامريكية في وجه الوزير “سموتريتش” بعد تصريحه بضرورة محو قرية حوارة، والبطاقة الصفراء لرئيس وزراء العدو الذي لم تتم دعوته بعد لزيارة واشنطن، وهذا أمر بالغ الأهمية، لأن الحوار المباشر بين رئيس وزراء العدو ورئيس الولايات المتحدة شرط ضروري لتشكيل تفاهمات استراتيجية وتعميق التعاون في المجالات الحساسة.

اشتداد التهديد الإيراني..

إن التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية والدعم السياسي الأوروبي والتعاون مع دول الخليج ضروريان للعدو من أجل التعامل مع التهديد المتزايد من قبل إيران، فالأخيرة مستمرة في التقدم في المشروع النووي العسكري بثبات وحذر، وهذا بطريقة تسمح لها، من ناحية، بتعويد الغرب على تقدم المشروع، ومن ناحية أخرى، فإن هذا السلوك يسمح لها بتقليص الفترة الزمنية اللازمة للاختراق للحصول على القدرات النووية حين صدور قرار القائد.

طريقة العمل هذه تم إثباتها مؤخرًا، عندما اكتشف مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية جزيئات يورانيوم مخصبة إلى مستوى حوالي 84٪ (وهو ما يماثل من جميع النواحي المستوى “العسكري” البالغ 90٪)، وفي الوقت نفسه، قال وكيل وزارة الدفاع الأمريكية للشؤون السياسية “كولين كاهل” أن إيران يمكن أن تنتج ما يكفي من المواد الانشطارية لقنبلة نووية واحدة في 12 يومًا فقط، وهذا هو أعلى قدر من التخصيب تم العثور عليه في إيران وأقصر فترة زمنية مقدرة حتى الآن.

كما أن تصريحات المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية “غروسي” خلال زيارته لإيران، بأنه تم التوصل إلى تفاهمات بشأن استمرار التعاون بين الطرفين وأن الهجوم على المنشآت النووية مخالف للقانون الدولي، تعكس رغبة المجتمع الدولي في تجنب التصعيد مع إيران، وهذا بطريقة يصب في مصلحة الأخيرة ويسمح لها بالاستمرار في المضي قدما في المشروع دون خوف من رد فعل غربي حاد.

يضاف إلى كل ذلك اتفاق تجديد العلاقات بين إيران والسعودية، والذي تم التوصل إليه بوساطة صينية، وهذا ما يُحسِّن من موقع إيران الاستراتيجي في المنطقة، وقد يؤدي إلى تحسين علاقاتها مع الدول الأخرى، قد تشكل هذه التطورات صعوبات كثيرة لجهود العدو في عزل إيران وبناء تحالف إقليمي ضدها، علاوة على ذلك، فهذا دليل آخر على ضعف مكانة واشنطن في نظر العائلة المالكة السعودية، والتي يبدو أنها تفضل التفاهمات مع إيران على الاعتماد حصريًا على التحالفات الدفاعية مع الولايات المتحدة، هذا إلى جانب تنويع الدعم الاستراتيجي على الساحة الدولية.

ومن المرجح أيضاً أن تستمد إيران التشجيع من المحور الاستراتيجي مع روسيا، بما يساعدها على تحسين قدراتها العسكرية والتكنولوجية، لا سيما في مجال الصواريخ والطائرات المسيرة، وعلى الأجندة إمكانية توريد طائرات SU-35 في المستقبل القريب، وطلب إيران استلام أنظمة دفاع جوي متطورة من طراز إس 400.

قابلية انفجار النظام الفلسطيني

في النظام الفلسطيني، يتفاقم التصعيد الذي تطور خلال الأشهر القليلة الماضية، وذلك عشية شهر رمضان المتوقع أن يبدأ في 22 آذار / مارس، وعلى خلفية خطوات تلاشي وتراخي حكم السلطة الفلسطينية، تزداد التوترات الحالية بعد العمليات التي وقعت في تل أبيب وقرية حوارة والاعتداءات التي قام بها المستوطنون اليهود ضد أهالي القرية بعد ذلك، وكذلك في أنشطة قوات جيش العدو في جنين، ويساهم في ذلك أيضا المواجهة المستمرة بين جيش العدو والمسلحين الفلسطينيين في الضفة الغربية، والانتقادات الشديدة التي يتلقاها العدو من حلفائه وأصدقائه في العالم وفي المنطقة.

وأوضح المعهد بأن ذلك “بسبب سياسة “إسرائيل” والمواقف المتطرفة التي يعبر عنها بين الفينة والأخرى كبار شخصياتها السياسية، بل إن ذلك دفع الإدارة الأمريكية إلى مطالبة إسرائيل بالتصرف بعزم ودون تمييز لمنع العنف من الجانبين، في الخلفية تتواصل الجهود لتهدئة النظام وتخفيف حدة التوترات المتصاعدة وفق تفاهمات قمة العقبة”.

وأردف المعهد، بأن “هذه الاتجاهات تشكل تحديًا للعلاقات الخاصة التي تمكنت إسرائيل من تطويرها في السنوات الأخيرة مع العالم العربي، وخاصة العلاقات الأمنية العسكرية مع هذه الدول، والتي لها أهمية كبيرة في صياغة رد استراتيجي شامل، وأنه يمكن رؤية تجسيد أولي لهذا في المنشورات حول نية الإمارات تجميد صفقات امنية مع إسرائيل بسبب سلوكها في حوارة والمسجد الاقصى، وذلك بعد تأجيل زيارة رئيس الوزراء التي كان مخططا لها أن تجري في يناير، علاوة على ذلك، وبالنظر إلى العلاقات المتفجرة مع الفلسطينيين والتطورات التي حدثت في العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران، فإن تحقيق التطبيع مع المملكة العربية السعودية – أحد الأهداف الرئيسية التي حددها رئيس الوزراء عند توليه منصبه – يبدو أنه بعيد المنال، على الأقل في المدى القريب.

توصيات: كبح الانقلاب على النظام

خلاصة القول، يبدو أن “إسرائيل” تقف على حافة الهاوية، إذ إن نقاط القوة الاستراتيجية في اتجاه تراجع، ينما نقاط الضعف الاستراتيجي في تصاعد مستمر، يجب أن تكون الاتجاهات السلبية التي تتطور في الداخل والخارج بمثابة عنوان لحكومة العدو لما هو قادم من أجل إجراء توقف طوارئ وإعادة حساب المسار من جديد وفي أسرع وقت ممكن، وكلما استمرت الحكومة في السير في المسار الأحمر كلما زادت التكلفة على الأمن القومي للكيان.

يوصي المعهد بما يلي:
“قبل كل شيء، يجب على الحكومة أن توقف فوراً الحملة التشريعية الخاطفة وأن تعزز حواراً حقيقياً حول التغييرات الممكنة والمتوازنة في النظام القضائي، في الوقت نفسه، بالنسبة للفلسطينيين فإن الحكومة مطالبة خاصة في الوقت الحاضر عشية شهر رمضان بإبداء حساسية كبيرة وتجنب الإجراءات غير الضرورية لمكافحة الإرهاب، هذا، في كل ما يتعلق باتخاذ إجراءات ضد سكان شرقي القدس (مثل مداهمات وهدم المنازل)، والترويج لشرعنة مستوطنات جديدة والتصريحات حول توسيع البناء والنشاطات في المسجد الاقصى وزيادة عمليات اقتحامه، التي سيتم تصويرها على أنها تلك التي تهدف إلى تغيير الوضع الراهن في المسجد، قد يُنظر إلى هذه التحركات على أنها استفزازية وتؤجج المشاعر الدينية والوطنية وتؤدي إلى موجة واسعة من العنف، والتي ستستغلها حماس وقد تشمل أيضًا الفلسطنيين في الداخل”.

ويؤكد المعهد بأن “أي مسار آخر تتخذه الحكومة بشأن القضايا الخلافية التي تواجهها يمكن أن يؤدي إلى تآكل القوة الاستراتيجية “لإسرائيل”، ويقوض العلاقة مع حلفائها وأصدقائها في العالم الغربي والعربي، وفي سيناريو متطرف، يمكن أيضًا أن يقوض العلاقة الحميمة على مستوى القيادة مع الإدارة الأمريكية، وهذا بشكل يضر أيضًا بصورة إسرائيل في القوة والردع، وقد يزيد من ثقة أعدائنا (إيران وحزب الله وحماس بشكل أساسي) ويشجعهم على تحدي إسرائيل والقيام بأعمال تحد لها، يمكن رؤية بوادر محتملة لهذا في كلام الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، عندما سخر من الانقسام الداخلي في “إسرائيل” وأعرب عن أمله في ألا تحتفل إسرائيل بمرور 80 عامًا على وجودها”.

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى