التحدي الإيراني – التهديد والرد

ترجمة الهدهد

إن التحدي الإيراني يواجه “حكومة نتنياهو” منذ اليوم الأول من ولايتها، بسبب اشتداد التهديد على “إسرائيل”، ويستند هذا التهديد إلى أيديولوجية متطرفة تدعو إلى تدمير “إسرائيل”، إلى جانب بناء قدراتها لتحقيق الرؤية، وعلى رأسها السعي لامتلاك سلاح نووي عسكري، وتطوير صواريخ بعيدة المدى، في ضوء ذلك من الضروري فحص ما يجب على حكومة نتنياهو فعله لكبح إيران؟

المشروع النووي – التقدم إلى جانب الردع من الوصول للنووي

تمتلك إيران أصولاً عديدة، تزيد من ثقتها بنفسها ويسمح لها بالمضي قدماً في المشروع النووي، بحيث تستفيد إيران من حقيقة أن قضية برنامجها النووي تراجع مكانته المركزية ضمن الأولويات الغربية، بسبب التركيز على القضايا الأكثر سخونة وإلحاحاً (أوكرانيا، الصين، الطاقة، إلخ)، وبطريقة تعكس أيضاً خوف الغرب من تدهور العلاقات إلى مواجهة مباشرة.

هذا، إلى جانب تعميق العلاقات الاستراتيجية مع الصين وروسيا، وربما الاتفاق على تجديد العلاقات مع السعودية، في الوقت نفسه، تستغل إيران عدم وجود آلية مراقبة منظمة وواسعة النطاق لأنشطتها بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية ووقف التزامها بالبروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

كما أن الاتفاقات الخاصة بقضايا التفتيش التي توصل إليها المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية “غروسي” خلال زيارته الأخيرة لطهران، لن تؤثر بشكل كبير على قدرات إيران في المجال النووي أو على الجداول الزمنية للمشروع.

في مجال التخصيب، تمتلك إيران حالياً كمية من اليورانيوم المخصب تكفي لإنتاج قنبلة واحدة في 12 يوماً، كما قال وكيل وزارة الدفاع الأمريكية “كولن كال”، علاوة على ذلك، وفقاً لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية تم العثور على جزيئات اليورانيوم في إيران بمستوى تخصيب يبلغ حوالي 84% (وهو ما يماثل المستوى العسكري البالغ 90%).

هذا هو أكبر قدر من التخصيب تم العثور عليه حتى الآن في إيران وفي أقصر فترة زمنية مقدرة حتى الآن.

حتى إن إيران أعلنت قبل بضعة أشهر عن بدء التخصيب بنسبة 60% في منشأة بوردو تحت الأرض، في الوقت نفسه استمرار التخصيب إلى هذا المستوى في منشأة نطنز، هذا إلى جانب تطوير أجهزة الطرد المركزي القديمة بأحدث الأجهزة القادرة على تخصيب اليورانيوم بسرعة أكبر وبكميات أكبر بكثير.

كما تواصل إيران تطوير مجموعة واسعة من وسائل الإطلاق وتحسين قدرات الصواريخ الباليستية، بما في ذلك الترويج لبرنامج فضائي.

يمكن أن يسمح هذا البرنامج لإيران باستخدام تقنيات منصات إطلاق الأقمار الصناعية لإنتاج الصواريخ الباليستية، والتي حسب المنشورات قد تكون في المستقبل قادرة على حمل رؤوس حربية نووية.

كما أن تعميق المحور الاستراتيجي مع روسيا يمكن أن يؤدي إلى رفع مستوى القدرات الإيرانية في مجال الدفاع الجوي والصواريخ من خلال نقل التقنيات.

في مقابل ذلك، فإيران مجبرة على التعامل مع عدد من القيود التي تعكس على الأقل في هذه المرحلة قدرتها على اتخاذ قرار بالانطلاق أو التقدم نحو السلاح النووي، وهي عبارة عن مزيج من الصعوبات الاقتصادية والمحلية والخوف من قوة رد الفعل الأمريكي.

هذا إلى جانب الشعور بالأزمة في ظل توطيد العلاقات بين “إسرائيل” والدول المحيطة بها (دول الخليج، وأذربيجان، وتركيا)، في الوقت الحالي، يبدو أنه من وجهة نظر النظام فإن الخسائر التي قد تنشأ من المواجهة المباشرة مع الغرب أكبر من المزايا أو الفوائد المحتملة من التقدم للحصول على قدرات نووية.

كدليل على ذلك، يمكن ملاحظة أن طهران تمتنع عن الإعلان عن بدء التخصيب إلى 90% (بالرغم من أن التخصيب إلى 84% يعتبر من وجهة النظر العسكرية بمثابة التخصيب إلى 90%)، بل وحتى المزاعم بأن هذا كان خطأ.

الفترة الزمنية اللازمة للوصول السلاح نووي – بعد عامين من اتخاذ قرار إيراني

تزعم مصادر في “إسرائيل” وحول العالم أن الفترة الزمنية التي تحتاجها إيران لتطوير قدرات نووية عسكرية تقدر بحوالي عامين، إلى جانب برنامج التخصيب، فإن السؤال الأساسي يتعلق بمعدل التقدم في المراحل الأخرى الضرورية لتطوير القدرات النووية العسكرية، وعلى رأسها تطوير آلية التفجير ووسائل الإطلاق، على عكس التخصيب، يجب تنفيذ هذه الأنشطة بحذر وسرية كبيرين، لأنه إذا تم الكشف عنها فإن القدرة على إنكار الهدف منها أمر مستحيل.

تنتهج إيران سياسة تهدف إلى تطوير إمكانات تسمح لها، وفقاً لقرار القائد العام، بالتقدم لتحقيق القدرة النووية في أقصر فترة زمنية وبغض النظر عن القيود التكنولوجية والمادية.

في ضوء ذلك ووفقاً لتقديرنا -في سيناريو خطير- سيتمكن الإيرانيون من إجراء تجربة نووية خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً من لحظة اتخاذ القرار، من خلال اختصار مسافات في سلسلة من الموضوعات -فيما لو تقرر ذلك- كما تعلمنا من مواد الأرشيف الإيراني المنشورة.

هذا، إضافة لإمكانية الاستعدادات لإجراء تجربة نووية، ربما تحت الأرض، والتي سيكون من الصعب تحديد موقعها؛ وتجميع آلية أو جهاز التفجير، وأكثر من ذلك.

حسب فهمنا، في الوقت الحاضر، هناك فرصة ضئيلة للتوصل إلى اتفاق نووي جديد يكون فعالاً ويحرم إيران من القدرات التي حققتها، ويعيد البرنامج النووي الإيراني سنوات عديدة إلى الوراء.

ويرجع هذا إلى حد كبير إلى عدم ثقة إيران في الحكومة الأمريكية وإمكانية الاستمرار في تقدم المشروع تدريجياً دون خوف من إجراءات عقابية كبيرة من الغرب، والدرس المحتمل من حرب أوكرانيا فيما يتعلق ببوليصة التأمين التي توفرها الأسلحة النووية.

أما فيما يتعلق بإمكانية العودة إلى الاتفاق الأصلي، فهناك اعتبارات متضاربة يجب فحصها وفقاً لخيارات العمل المختلفة التي تقف أمام إسرائيل، من جهة ستتيح الاتفاقية فترة زمنية تبلغ حوالي 8 سنوات لعمليات بناء القوة حتى نهايتها في عام 2031، كما أنه سيمكن من الكشف السريع عن أي انتهاك إيراني لقيود الاتفاقية.

من جهة أخرى، سيوقف الاتفاق العقوبات ويضخ عشرات المليارات من الدولارات على إيران، ما يسمح لها بإعادة تأهيل اقتصادها وتعميق تدخلها في الشرق الأوسط، مع تعزيز قدرات وكلائها وحلفائها.

من ناحية أخرى، فإن استمرار الوضع الحالي يخلق وضعاً تكون فيه إيران هي التي تتحكم إلى حد كبير في وتيرة تقدم المشروع، دون أي خوف حقيقي (على الأقل حتى الآن) من إجراءات عقابية كبيرة من قبل الغرب.

تداعيات وتوصيات

يجب أن تكون نقطة البداية لأي تخطيط مستقبلي من قبل “الحكومة الإسرائيلية” أن إيران مصممة على تحقيق قدرة نووية عسكرية، وأن الجدول الزمني للمشروع النووي قد يتم تقليصه إلى عامين، وأن تجربة نووية إيرانية ستغير الوضع من أوله إلى آخره، وستعتبر إيران دولة نووية بكل ما تعنيه الكلمة وما يترتب على ذلك.

مثل هذا التطور يمكن أن يؤدي إلى سباق تسلح نووي في كل من الشرق الأوسط (المملكة العربية السعودية ومصر وتركيا) وآسيا (كوريا الجنوبية واليابان) وإلى تآكل المعاهدات الدولية التي تتعامل مع الأسلحة النووية؛ وتقويض الاستقرار الإقليمي وزيادة الثقة الإيرانية بالنفس للعمل ضد “إسرائيل” ودول الخليج.

بالنظر إلى أن نافذة الفرصة لكبح المشروع النووي تغلق، تحتاج “حكومة نتنياهو “إلى تركيز عملها على التهديد المتصاعد من إيران وصياغة استراتيجية شاملة تستند إلى ركيزتين أساسيتين:

  • الأولى: على المستوى العسكري من خلال تسريع عمليات بناء القوة بمساعدة أمريكية، وهذا بطريقة توضح أن “إسرائيل” تنوي التصرف بأي ثمن وبكل الوسائل المتاحة لها لإفشال المشروع النووي.
  • الثانية: في المجال الدبلوماسي، من خلال التعاون مع المجتمع الدولي.

إن “إسرائيل” بحاجة إلى العمل بحزم للتأكد من أنها لا تواجه التهديد الإيراني وحدها، بل هو تحد مشترك يهدد المجتمع الدولي بأسره، وأن الطريقة الوحيدة للتعامل معه هي من خلال توحيد القدرات والجهود، وهذا مع الاستفادة من المواقف السلبية السائدة لدى الإدارة الأمريكية وأوروبا تجاه إيران بعد المساعدة التي قدمتها لروسيا، وقمع المظاهرات، والترويج المشترك لمجموعة متنوعة من الأنشطة ضد النظام الإيراني.

إن الشرط الضروري لكبح المشروع النووي هو الحفاظ على التحالف الاستراتيجي والعلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة وتحقيقاً لهذه الغاية، فإن “حكومة نتنياهو” مطالبة بضمان التنسيق الاستراتيجي والأمني ​​مع الإدارة الأمريكية مع التأكد من بناء علاقات ثقة، وتجنب التحركات الصدامية، لكن العلاقات المتوترة مع الإدارة الأمريكية حول الترويج للانقلاب القضائي، ومع ذلك، فإن العلاقات المتوترة مع الإدارة حول الترويج للانقلاب والسياسة تجاه الفلسطينيين، وحقيقة عدم دعوة “رئيس الوزراء” لزيارة الولايات المتحدة حتى الآن قد تلطخ الخطاب الحميم وتجعل من الصعب تعزيز رد أو استجابة استراتيجية مشتركة.

في الدائرة الإقليمية، لدى “إسرائيل” فرصة للاستفادة من الخوف المشترك من تعزيز إيران لقوتها، من أجل العمل على توسيع نطاق العلاقات الأمنية مع دول الخليج، من خلال التعاون متعدد الأطراف مع القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم).

وفي الوقت نفسه، على “إسرائيل” أن تتجنب الخطوات الصدامية مع روسيا، خاصة فيما يتعلق بتزويد أوكرانيا بأنظمة الدفاع الجوي، من أجل الحفاظ على أقصى قدر من حرية العمل ضد إيران في المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك، يجب على “إسرائيل” أن تبذل جهوداً إقناع خاصة مع الصين لممارسة نفوذها على إيران، على أساس أن النووي الإيراني سيكون له تأثير سلبي عالمي سيؤثر أيضاً على الصين نفسها.

على “إسرائيل” أن تعمل على تقوية القيود الداخلية على النظام في إيران

ولتحقيق هذه الغاية، تحتاج “إسرائيل” إلى إقناع الولايات المتحدة والدول الغربية بأن الخيار الأخير المتبقي على الطاولة قبل العمل العسكري، هو فرض عقوبات إضافية واسعة ومؤلمة للغاية على إيران، على غرار تلك التي فرضت العام الماضي على روسيا.

عقوبات تؤدي إلى منع إيران من القدرة على الحفاظ على أي علاقات مع الغرب (بما في ذلك في مجالات الطيران المدني والثقافة والرياضة)، وتجعلها معزولة على غرار روسيا وكوريا الشمالية.

وهذا بطريقة توضح للنظام ثمن الخسارة مما قد يجبره على تغيير سلوكه، بل وحتى الموافقة على اتفاقية جديدة، أسوأ بكثير من سابقتها.

أخيراً، على “إسرائيل” أن تأخذ في الاعتبار أن التحرك العسكري ضد إيران سيؤدي إلى مواجهة مباشرة معها ومع حلفائها في المنطقة، لذلك يجب أن تعمل على تعزيز القدرات الدفاعية على الجبهة الداخلية والمنشآت والمرافق الأساسية الحيوية.

أحد الشروط الضرورية لذلك هو ضمان استمرار المساعدة العسكرية والاقتصادية من الولايات المتحدة وتجنب قدر الإمكان جر “الجيش الإسرائيلي” إلى نشاط مكثف في الساحة الفلسطينية، وهذا بشكل عام سيؤثر على قدرته على الاستعداد المناسب لسيناريوهات التصعيد ضد إيران وحزب الله وعناصر أخرى في المنطقة.

المصدر:  جدعون فرانك، إفرايم أسكولاي، عاموس جلعاد، شاي هار تسفي

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى