القرار المُلح - العودة إلى "إدارة الصراع"
إلى أين يقود طريق مؤتمر العقبة؟

ترجمة الهدهد
إن قرار رئيس وزراء العدو بتفويض رئيس مجلس الأمن القومي وممثلين عن الوزارات الحكومية ذات الصلة بالمشاركة في “المؤتمر الطارئ” في العقبة ليس بديهياً، فظاهرياً يبدو وكأنه سيخلق منتدى يمكن لـ “إسرائيل” أن تجد نفسها فيه في عزلة سياسية، على ضوء مواقف الإدارة الأمريكية الحالية بشأن القضية الفلسطينية، لكن النقاش كان حول تحد فوري ومتفق عليه، هدوء في الساحة الفلسطينية.
والدليل على ذلك، الطريقة التي تم بها استبعاد قائمة المطالب المتطرفة من الجانب الفلسطيني من على طاولة النقاش.
علاوة على ذلك، فإن لدى مصر والأردن، -أكثر من الولايات المتحدة- مصلحة راسخة في منع التدهور إلى صراع شامل، (في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة)، والعودة إلى أنماط “إدارة الصراع” التي سيتم في إطارها استعادة التعاون الأمني، ولو جزئياً، والحفاظ على نمط ضبط النفس من جانب حماس، وقد برر هذا الهدف مشاركة “إسرائيل” في المؤتمر.
في منعطف صنع القرار الحالي، أمام تحدٍ إيراني يزداد تفاقماً، هذا هو المسار المفضل للعمل، حتى لو كان ثمنه الجانبي في جوانب البناء في المستوطنات (بعد التفاهمات التي تم التوصل إليها مع الولايات المتحدة قبل النقاش في مجلس الأمن، 20 شباط الماضي)، وعلى الرغم من الإغراء بالتوجه إلى طريق “الحسم” وسحق السلطة الفلسطينية، من الضروري السعي قدر الإمكان، من أجل قاعدة واسعة من التفاهم مع إدارة بايدن والآخرين – في الغرب وفي المنطقة – عندما تكون القضايا الوجودية على المحك.
مؤتمر العقبة وخلفيته
رسمياً، كانت المملكة الأردنية هي التي دعت إلى المؤتمر الطارئ (26 شباط) في العقبة، مع كبار المسؤولين من “إسرائيل” والأردن ومصر والسلطة الفلسطينية والولايات المتحدة الأمريكية، ويأتي ذلك استمراراً للرسائل التحذيرية من قبل الأردن حول الخشية من تدهور الأوضاع، والتي طرحت أيضاً خلال زيارة رئيس وزراء العدو “بنيامين نتنياهو” لعمان (24 كانون الثاني).
من الناحية العملية، هذه خطوة مُنسقة بقيادة أمريكية
وهي تستند إلى أفكار تم دراستها خلال زيارة وزير الخارجية “أنطوني بلينكن” للكيان (30 كانون الثاني)، وتستند إلى الاتفاقات الأولية التي تم التوصل إليها في المحادثات بين “إسرائيل” والولايات المتحدة (20 شباط).
والحديث هنا يدور عن توضيحات بخصوص مستقبل البناء في المستوطنات، تم تقديمها بهدف دفع الإمارات العربية المتحدة إلى سحب القرار المقترح الذي يدين “إسرائيل”، والذي تم تقديمه إلى مجلس الأمن، وتم تحويله في النهاية إلى بيان لا تأثير له.
شارك في المؤتمر من كيان العدو، رئيس هيئة أركان الأمن القومي “تساحي هنغبي”، ورئيس الشاباك “رونين بار”، ورئيس القسم السياسي الأمني في وزارة جيش العدو “درور شالوم”، ومنسق العمليات الحكومية في الأراضي الفلسطينية اللواء “غسان عليان” وممثلون آخرون.
فيما ضم الوفد الفلسطيني، الذي أثارت مشاركته في المؤتمر غضباً كبيراً من جانب حماس، وردود فعل شديدة من قبل كوادر فتح الميدانيين أيضاً، وأمين عام اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ – وهو محاور “للمسؤولين الإسرائيليين” منذ فترة طويلة-، ومدير الأجهزة الأمنية ماجد فرج، ومستشار أبو مازن للسياسة الخارجية مجدي الخالدي.
ومثّل دولة مصر، رئيس المخابرات العامة (المسؤول، عن إدارة الاتصالات مع غزة) عباس كامل، المضيفين – نظيره، رئيس دائرة المخابرات العامة الأردنية اللواء أحمد حسني، إلى جانب وزير الخارجية أيمن الصفدي.
وضم الوفد الأمريكي مستشار الرئيس لشؤون الشرق الأوسط “بريت ماكغورك”، ورئيسة قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية “باربرا ليف”، و”المبعوث الإسرائيلي للشؤون الإسرائيلية” والفلسطينية هادي عمار.
في بداية المباحثات، طرح الجانب الفلسطيني قائمة مطالب طويلة تتعلق بكل من التغييرات الدراماتيكية في الترتيبات الأمنية – بما في ذلك تعليق اقتحام المدن (في ضوء الأحداث الأخيرة في جنين ونابلس) – وقضايا تعود إلى الترتيبات الدائمة، بما في ذلك وضع القدس، ومع ذلك، أوضح المشاركون الآخرون أنه لا جدوى من مناقشة هذه القائمة في ظل الظروف الحالية، ومن الأفضل التركيز على الجوانب والإجراءات العملية للحد من التدهور المتسارع على الأرض.
وبحسب البيان الختامي الرسمي المشترك (بيان العقبة المشترك) الذي وزعته وزارة الخارجية الأمريكية، فقد تم الاتفاق على ثمانية بنود في مناقشات المؤتمر والتي سيتم بحث طريقة تنفيذها في اجتماع متابعة مخطط له خلال شهر مارس في شرم الشيخ:
- أكد الجانبان، “السلطة الفلسطينية وإسرائيل”، التزامهما بجميع الاتفاقات القائمة بينهما، والسعي لتحقيق سلام عادل ودائم، وعادوا وأكدوا ضرورة الالتزام بخفض التصعيد في المنطقة ومنع المزيد من العنف، وتجدر الإشارة إلى أن هذه هي أول إشارة رسمية لالتزام “الحكومة الإسرائيلية” الجديدة بنظام الاتفاق القائم.
- يقر المشاركون الخمسة جميعاً بأهمية الوضع الراهن في الأماكن المقدسة في القدس – قولاً وفعلاً – ويؤكدون على الدور الخاص للأردن (أدرج الجانب الأردني مصطلح “الوصاية” في النص، وهو ما يتجاوز صيغة اتفاقية السلام، لكن “إسرائيل” أصرت على صياغة أكثر غموضاً، “دور خاص”، وفي النهاية ظهرت الصيغتان جنباً إلى جنب).
- أعربت “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية عن استعدادهما لوقف الخطوات الأحادية الجانب لمدة ثلاثة إلى ستة أشهر، مقابل التزام “إسرائيلي” بوقف مناقشة إنشاء مستوطنات جديدة لمدة أربعة أشهر، والتوقف عن الموافقة على بؤر استيطانية قائمة لمدة ستة أشهر.
يبدو أنه بذلك اتضحت أكثر الرسائل المرسلة إلى الولايات المتحدة حتى قبل ذلك، فيما يتعلق بالنقاش في مجلس الأمن، لكن في ظل ردود الفعل الحادة في “النظام السياسي الإسرائيلي” أوضح رئيس وزراء العدو أن هذه ليست قرارات تم اتخاذها بالفعل، وبالتالي لا ينبغي اعتبار ذلك “تجميداً للبناء”.
- اتفق جميع المشاركين على اجتماع متابعة في شرم الشيخ في مارس 2023.
- كما اتفق المشاركون على أن هناك حاجة إلى إجراءات بناء الثقة والحوار المباشر، وأعرب الجانبان- “السلطة الفلسطينية وإسرائيل”- عن استعدادهما للعمل بدافع حسن النية للقيام بمسؤولياتهما.
- الأردن ومصر والولايات المتحدة -كمجموعة ستستمر في مواكبة التحركات- ترى في التفاهمات التي تم التوصل إليها، تقدماً مهماً نحو إعادة تأسيس وتعميق العلاقات بين الأطراف، والتزام بالاستمرار في المساعدة في تهيئة الظروف لذلك.
- أشار جميع المشاركين إلى أهمية الاجتماع، وهو الأول من نوعه منذ سنوات -في إشارة إلى حقيقة أنه منذ عام 2014 لم تكن هناك محادثات سياسية فعلية بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية- ووافقوا على الاستمرار في العمل بالشكل نفسه، للحفاظ على الزخم وتوسيع هذا الاتفاق في عملية سياسية واسعة من شأنها أن تؤدي إلى سلام عادل ومستدام.
- وشكر المشاركون الأردن على تنظيمه واستضافته للاجتماع وعلى جهوده لضمان أن يسفر عن نتائج إيجابية، ولمصر لمساهمتها الفعالة، ولأمريكا دورها في تحقيق التفاهمات التي أفضت إلى هذا الاتفاق -إشارة إلى المحادثات مع “إسرائيل” في موضوع البناء-، مع التأكيد على دورها الذي لا غنى عنه في منع التدهور وإيجاد آفاق للسلام.
نقاط ضعف مسار العقبة
البدائل: إما “الحسم” في مواجهة السلطة، أو مواجهة في غزة؟
بشكل غير مستغرب ظهرت اعتراضات في “إسرائيل” على الاتفاقية والخطوات اللاحقة التي ترسمها، والتي بعضها كان بلغة فظة مثل “ما حدث في الأردن سيبقى في الأردن”، وهذا، يتعلق بأسباب وإجراء سياسية، وخاصة أن -المواضيع التي تم الاتفاق عليها لم تتم الموافقة عليها من قبل مجلس الوزراء الكابينت – ولأسباب أهمها:
- هناك اعتراض على أن السلطة الفلسطينية شريكة في التحركات السياسية، في ضوء مواقفها الأساسية وموقفها المتضارب من الإرهاب، والتزاماتها في إطار النص المتفق عليه غامضة للغاية، فالهجمات التي وقعت خلال الاجتماع وفي أعقابه، والتي أودت بحياة ثلاثة “مستوطنين إسرائيليين”، أظهرت عجزها وعدم أهميتها في “مكافحة الإرهاب” -هناك أيضاً سبب لافتراض أن حماس بالفعل لديها مصلحة واضحة في إثبات ذلك، واستخدام الزيادة في الهجمات للتنديد بخيانة السلطة الفلسطينية-.
- استعداد “إسرائيل” للمشاركة في عملية تلعب فيها الولايات المتحدة الأمريكية ومصر والأردن دوراً تنظيمياً، بينما يتم التنسيق فيما بينها، يحتوي على احتمالية العزلة السياسية في القضايا الأساسية للتسوية الدائمة، والتي يعتبر موقف إدارة بايدن منها معروفة – دعم حل الدولتين على أساس خطوط 1967، وكذلك السبب الذي جعل “الحكومة الإسرائيلية السابقة” تتجنب الاستجابة لمبادرات أميركية مماثلة في السنوات الأخيرة.
من ناحية أخرى، لا مفر من التأكيد على أن الواقع الذي نشأ منذ بداية عام 2023 قد وضع “إسرائيل” في نقطة اتخاذ قرار حاسم بين الاندماج في العملية الأمريكية / الإقليمية، بالرغم من ضعفها وحتى مخاطرها، والتدهور السريع، -في خضم أزمة داخلية- نحو صراع واسع النطاق، وهناك سبب للاعتقاد بأنه سينتهي بالانهيار الكامل للسلطة الفلسطينية.
هناك من سيحدد هذه النتيجة على أنها “حسم” أو “انتصار إسرائيلي” في الصراع، وكبديل أفضل للوضع الحالي، إذ إن التعاون الأمني ضئيل، والسلطة الفلسطينية تدفع أموالاً لـ “نشطاء الإرهاب” وعائلاتهم.
ومع ذلك فإن عواقبه في الوقت الحالي، مثل تسخير “الجيش الإسرائيلي” لمهمة مستمرة ودموية لفرض “السلطة الإسرائيلية” في المناطق المكتظة بالسكان، إلى جانب الصعوبات السياسية من الدرجة الأولى واحتمال حدوث خلاف مع الولايات المتحدة خطيرة.
علاوة على ذلك، فإن الانسحاب من نظام التسوية الحالي سيعزز من موقف وقوة حماس ( وإيران وحلفائها، مثل الجهاد الإسلامي)، وفي ظروف تفاقم الاشتباكات في أراضي الضفة الغربية يمكن أن يؤدي ذلك إلى تجدد الاشتباكات في الجنوب، حيث إن الدعم الذي تمتعت به “إسرائيل” على الساحتين الإقليمية والدولية في الجولات السابقة موضع تساؤل.
العودة إلى “إدارة الصراع” أمام التحدي الإيراني
إن القرار على أعلى المستويات الوطنية بإدارة الظهر إلى حل (خيار إقامة دولتين) والعمل بدلاً من ذلك بنشاط لتدمير السلطة الفلسطينية أو التسليم السلبي بانهيارها، ليس خارج نطاق الاحتمالات، ولكن هذا ممكن فقط في ظل الظروف التي تتمتع فيها “إسرائيل” بدعم سياسي واسع، وتكون متفرغة – حسب ترتيب الأولويات الاستراتيجية – للتعامل مع عواقب هذا النوع من القرار التاريخي (هناك من يتبنى هذا المسار في الحكومة الإسرائيلية).
ليس هذا هو الواقع الذي تعيشه “إسرائيل” الآن، فالحاجة الدائمة – في ظل الزخم المستمر في مشروع التخصيب الإيراني – هو الاستعداد لاستخدام القوة لكبح البرنامج النووي الإيراني.
لقد أشار رئيس وزراء العدو، في بداية طريقه إلى أن التعهد بمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية هو الهدف الأول لحكومته.
عندما يكون هناك اعتراف متزايد في الولايات المتحدة والغرب بأن البرنامج النووي يكتسب زخماً (في ضوء مؤشرات التخصيب إلى مستوى 84%، وهو قريب جداً مما هو مطلوب للأسلحة)، فإن المصلحة العليا لـ “إسرائيل” هي توطيد الحوار والتعاون الأمني وحتى العملياتي، مثلما انعكس ذلك في مناورة “Juniper Oak 23” في نهاية شهر كانون الثاني (يناير) الماضي.
كل هذا يقود إلى تركيز متجدد على مفهوم “إدارة الصراع” – وبالتالي إلى استمرار الحوار في “مسار العقبة”، وبرغم الصعوبة فهناك مجال لملاحظة خطوات ممكنة لبناء الثقة، والرغبة في حدود ما هو ممكن، لدفع ثمن معين في كل ما يتعلق بجداول البناء في المستوطنات، دون التخلي عن المواقف المبدئية، وهذا الأمر سيؤدي بالتأكيد إلى إثارة خلافات داخلية، لكن البدائل أسوأ.
في غضون ذلك، فإن استعادة علاقات العمل الفعالة مع السلطة الفلسطينية التي شاركت في المؤتمر – مع التركيز على ماجد فرج والأجهزة الأمنية – يمكن أن يساعد (بدعم أمريكي) في خلق وسائل تأثير استعداداً للصراع المرتقب على الخلافة في السلطة الفلسطينية، ولـ “إسرائيل” – بالرغم من عدم قدرتها على تحديد من سيفوز بها – هناك مصلحة محددة في نتائجها.
في الوقت نفسه، على “إسرائيل” أن تصر – في إطار المفاوضات وفي حوار ثنائي موازٍ مع الولايات المتحدة على المستوى الاستراتيجي – على عدة مواقف أساسية:
- إن أي تحرك أمريكي لإعادة فتح قنصلية في القدس سيكون، من وجهة نظر “إسرائيل” هو النقيض الواضح لفكرة “خطوات بناء الثقة: فهو سيغذي توقعات فلسطينية فارغة أو وهمية، وسيندرج في قائمة التوقعات التي لا أساس لها والتي تم تقديمها (ورفضها) في بداية المناقشات في العقبة – والتي تضمنت عدة فقرات تتعلق بالسيطرة الفلسطينية على القدس – وستقضي على فرص التقدم في القضايا العملية.
- من المهم الإصرار على أن “إسرائيل” تحتفظ بحقها في مواصلة العمل ضد “العناصر الإرهابية” بناءً على معلومات استخبارية في المناطق “أ”، على الأقل طالما لا يوجد أي مؤشر على حدوث تغيير كبير في طريقة عمل أجهزة أمن السلطة الفلسطينية مع التركيز على شمال الضفة الغربية.
- دور الأردن الإيجابي مهم في حد ذاته، وكذلك المصلحة المشتركة في الحفاظ على الوضع الراهن في القدس، ولكن هناك أيضاً أساس لوضع مطلب مشروع، “بروح العقبة”، لتغيير الأسلوب العدائي في الخطاب العام الأردني ضد “إسرائيل”.
قبل كل شيء، يجب أن يظل هدف الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة مركزاً، بشكل لا لبس فيه، على توطيد التنسيق في مواجهة التحدي الإيراني المتزايد باستمرار، مع التأكد من الحفاظ أيضاً على حرية “إسرائيل” في العمل (والتي تفيد أيضاً الولايات المتحدة من خلال تركيز الانتباه في الغرب على الحاجة الملحة لكبح جماح الإيرانيين).
المصدر: معهد القدس للاستراتيجية والأمن/ اللواء (متقاعد) د. عيران ليرمان نائب رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن
Facebook Comments