عتبة النووي، عتبة الحرب، عتبة الهاوية
ترجمة الهدهد
في الآونة الأخيرة، هناك تكهنات متزايدة بأن إيران قد أثبتت نفسها كدولة على عتبة الطاقة النووية، وأن القرار فقط هو الذي يفصلها عن تحقيق حلمها وتسليح نفسها بالأسلحة النووية، تحتاج إلى 12 يوماً من القرار إلى تخصيب كمية كافية من المواد الانشطارية للقنبلة الأولى.
قد يستغرق تصميم السلاح وتركيبه على صاروخ أو قنبلة عاما أو عامين آخرين.
غير العتبة النووية، ينتظر إيران واقع جديد ستحاول اجتيازه والوصول إلى الغاية، وهي مظلة نووية تحمي النظام من التهديدات، وتسمح بتأمين نفسها من العمليات التخريبية والعدوانية في المنطقة وخارجها، وكذلك لتهديد وجود “إسرائيل”.
بالإضافة إلى التهديد النووي، تظهر من منطقة العتبة النووية العديد من ملامح المستقبل، لقد ذكرت المملكة العربية السعودية بالفعل أنه إذا حصلت إيران على سلاح نووي، فسوف تتسلح به بنفسها (تفاهمات الرياض الأخيرة مع طهران لن تغير ذلك).
لقد تعهدت الولايات المتحدة بمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية، وصرحت “إسرائيل” بأنها ستفعل كل ما هو ضروري لمنع ذلك، وأجرى كل من “الجيش الإسرائيلي” والجيش الأمريكي تدريبات وتنسيقاً لمنع هذا السيناريو.
يجب على إيران أن تقرر بين الفوائد المتوقعة من عبور العتبة إلى الأسلحة النووية، وبين شدة واحتمالية المخاطر في الطريق إلى الهدف وما بعده، “إسرائيل” من جهتها تستعد للمواجهة، ربما في المستقبل غير البعيد.
في العام الماضي، كان هناك تدهور أمني في الساحة الفلسطينية، ناجم عن تراجع السلطة الفلسطينية وتلاشي حكم محمود عباس، وصعود جيل شاب لم يعلم عن الانتفاضة، نشأ في جو من التحريض والاضطهاد واستمرار الصراع والقتال، وانعدام الأفق وطريق سياسي مسدود.
منذ العمليات النضالية مارس 2022، يدير “الجيش الإسرائيلي” عملية مستمرة تسمى “كاسر الأمواج” لإحباط الهجمات، حيث ينفذ شبان مسلحون بالضفة الغربية هجمات ضد “المستوطنات الإسرائيلية” و”قوات الجيش الإسرائيلي” وعلى الطرق الرئيسية، ويهاجمون “قوات الجيش الإسرائيلي” أثناء الاعتقالات.
وتستمر القدس بكونها مركزاً قابلاً للانفجار، وللهجمات والنضال من أجل السيطرة على المسجد الأقصى.
فاتورة الدماء تطول، وكجزء منه تتعرض “إسرائيل” لهجمات قاسية ومؤلمة، وقد دفع الفلسطينيون بدورهم مئات الشهداء والجرحى وآلاف المعتقلين.
مع اقتراب شهر رمضان وأعياد اليهود (عيد البيسىح وذكرى النكبة والنكسة، ويوم القدس)، هناك تقدير متزايد بأن الساحة على شفا اشتعال واسع النطاق، بما في ذلك احتمال امتداده إلى داخل الكيان، كما حدث خلال “حارس الأسوار”، “سيف القدس”.
حينها اجتمع مجلس الأمن مرتين، لبحث الوضع على الساحة، وفقط بتدخل الولايات المتحدة اكتفى ببيان إدانة وليس بقرار ضد “إسرائيل”.
تنخرط القيادة السياسية والأمنية في الولايات المتحدة، وكذلك في مصر والأردن، في جهود تهدئة قبل وقوع الكارثة، وتروج “الحكومة الإسرائيلية”، من جهة، لسياسة تسعى إلى تهدئة الصراع وإدارته، ومن جهة أخرى، سياسة تصعيدية تسعى إلى حسمه.
هناك خلف العتبة ينتظر المزيد من التصعيد الموسع، بما في ذلك في قطاع غزة ومنه، بالإضافة إلى الضم الموسع للأراضي بالضفة الغربية، المستقبل واضح بالفعل: زيادة في عدد قوات “الجيش الإسرائيلي” هناك، مذبحة إجرامية من مثيري الشغب اليهود بحوارة في ظل وجود قوات الشرطة وقوات “الجيش الإسرائيلي”، دعوات لمحو القرية مدعومة من قبل وزير رفيع (حتى لو تراجع عنها لاحقاً)، اعتداءات المستوطنين على “قوات الجيش الإسرائيلي”، وصعود وزير وأعضاء الكنيست إلى بؤرة أفيتار الاستيطانية، في انتهاك واضح لأمر الإغلاق العسكري للمنطقة.
تمر “إسرائيل” في الأشهر الأخيرة بزلزال سياسي غير مسبوق، في صلبه حملة تشريعية سريعة وعدوانية لتغيير ميزان القوى بين سلطات الكيان.
تقدم “حكومة نتنياهو” هذا كإصلاح قانوني لإعادة السلطة إلى الشعب والكنيست والحكومة، بينما يرى معارضو الخطوة أنها انقلاب نظامي لسيطرة “حكومة نتنياهو” على كل سلطات الحكم، الذي يبدأ بتسيس النظام القضائي ثم حكومة بلا قيود.
تهدف حملة “حكومة نتنياهو” المتسارعة إلى استكمال بداية التشريع في وقت مبكر من الدورة الشتوية للكنيست، وتتقدم بسرعة نحو هذه العتبة، والتي ينتظر بعدها أو خلفها واقع جديد، من منطقة العتبة الحالية يظهر ملامحها بالفعل: انشقاق اجتماعي يتسع، وزيادة العنف والتحريض، والتدهور الاقتصادي السريع، والإضرابات والعرائض وخطابات التحذير من كبار الاقتصاديين وقطاع التكنولوجيا الفائقة، وقوات الاحتياط من الوحدات الخاصة في “الجيش الإسرائيلي”، وتحذيرات من يهود الشتات وحتى من الإدارة الأمريكية في واشنطن، بالرغم أنه يترأسها أحد أكثر رؤساء الولايات المتحدة ودية لـ “إسرائيل” على الإطلاق.
حتى الآن، يبدو أن من يقودون الزخم التشريعي نحو تجاوز العتبة يتجاهلون كل هذا، ويلومون المعارضين لعدم قبول نتائج الانتخابات وكل النتائج السلبية، رافضين التوقف “ولو لدقيقة واحدة”، ويبررون ذلك فقط بالفشل في شرح أفعالهم.
أصوات منفردة من الائتلاف تدعو إلى إبطاء الإصلاح والدخول في مفاوضات وفقاً للخطوط العريضة التي اقترحها رئيس الكيان “يتسحاق هرتسوغ”، لكن المفهوم السائد هو الركض نحو العتبة التي خلفها ينتظر “إسرائيل” الهاوية.
وفي الخارج يجلس “أعداء إسرائيل” من طهران إلى بيروت فرحين، قامت الدولة الصهيونية على نفسها في عاصفة انتحارية، وظهرت تصدعات في جيشها القوي تهدد أداءه، وقواتها المستثمرة في الساحة الفلسطينية ليست متفرغة للاستعداد لحرب محتملة في لبنان، واقتصادها يضعف، والدعم الدولي لها آخذ في التراجع.
القنوات الدعائية لـ “محور المقاومة” بدأت من جديد في حملة “شبكة العنكبوت” التي تؤكد ضعف المشروع الصهيوني، ويتوقع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله أن “إسرائيل” لن تشهد عامها الثمانين.
إن غطرسة أعدائها هذه لا تبشر بتحدٍ على المدى الطويل فحسب، بل بخطر حقيقي، وهو زيادة شهية “أعداء إسرائيل” للمجازفة والسير حتى الحافة، الأمر الذي قد ينتهي بسوء التقدير والتصعيد، سواء حرب لبنان الثانية أو معركة “الجرف الصامد” كلاهما اندلع بهذه الطريقة، عن طريق الخطأ، دون أن تنوي الأطراف في البداية الوصول إلى تصعيد واسع النطاق.
كل واحد من التحديات الأمنية الخارجية، التسلح النووي لإيران، والتصعيد في الساحة الفلسطينية أو التصعيد من الشمال، معقد بما يكفي للفت الانتباه الكامل للقادة الحكام في “إسرائيل”، حيث إن كل قرار أو فعل أو إخفاق هو مصيري عندما يكون على المحك العديد من الأرواح ومستقبل الكيان.
لكن في مجلس الوزراء السياسي الأمني “الكابينت”، الذي لا يجتمع على أي حال، قِلة فقط من لديهم خبرة أمنية كبيرة، ومن المشكوك فيه أن يتمكن أي منهم من تخصيص الوقت المناسب لدراسة متعمقة للقضايا الأمنية المطروحة.
بعد شهرين وقليل من ولايتها تركز الحكومة بشكل أساسي على “الانقلاب القانوني”، بالضرورة على حساب التحديات الأمنية المقبلة.
الواقف على عتبة الباب يرى واقعا واحدا، معروفاً ومعلوماً، لكن أمامه فضاء مجهولا، جزء منه تراه عينيه وجزء آخر لا تراه، ومن الممكن أن يتجاوز العتبة من المألوف أو المعروف إلى ما بعده بقرار واع، أو عن طريق الانزلاق دون أن يدرك ذلك.
في هذا الوقت، يبدو أن “الحكومة الإسرائيلية” تندفع نحو الهاوية التشريعية وتسعى جاهدة للتوقف قبل تجاوز عتبة التصعيد الواسع مع الفلسطينيين.
في الوقت نفسه، إيران بالفعل على وشك أن تصبح نووية، واستعداداً لقرار في طهران يتطلب اتخاذ قرارات صعبة في تل أبيب أيضاً، يُبذل الكثير من الجهد لردع إيران من اتخاذ قرار بالتقدم نحو النووي، لكن هذا القرار لن يتم اتخاذه في نهاية المطاف إلا في طهران.
التصعيد في الساحة الفلسطينية مرهون بسلوك الطرفين، ولـ “إسرائيل” وزن كبير في هذا، في الجانب الإيجابي والجانب السلبي، إن عبور عتبة التشريع من “إسرائيل” الحالية إلى العتبة المجهولة يخضع لقرار “الحكومة الإسرائيلية” وحدها، في الفضاء متعدد العتبات، وبينما مصير “إسرائيل” على المحك لم يفت الأوان بعد للتوقف والتحدث والتفكير قبل العبور وقبل هاوية الكارثة.
المصدر: معهد أبحاث الأمن القومي/ “آساف أوريون”
Facebook Comments