الاتفاق الإيراني السعودي يكشف أن “إسرائيل” ليس لديها سياسة خارجية

ترجمة الهدهد
خلفت الفوضى التي عصفت بـ “إسرائيل” خلال الأربع سنوات الأخيرة، أضرار جسيمة تتمثل في فقدان القدرة على إجراء تشخيص دقيق للواقع، فكل تحدٍ استراتيجي ينشأ من الداخل أو الخارج لا يتم تحليله بشكل موضوعي، بل يتم وصفه على الفور بأنه إنجاز كبير لحزب سياسي واحد، أو كدليل على فشل ذريع للطرف الآخر.
وبدلاً من صياغة رد مناسب، يتم صياغة الأحداث “كسلاح” ضمن تبادل الضربات بين المعسكرين المتنافسين.
إعادة العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية، هي دليل على النقص والخطأ.
سارع “السياسيون الإسرائيليون” إلى استغلال الاتفاقية لمهاجمة بعضهم بعضا، وإلقاء اللوم على بعضهم بعضا، ووصف “لابيد” الاتفاق بأنه فشل كامل وخطير للسياسة الخارجية لـ “الحكومة الإسرائيلية” نتيجة الانشغال بـ “الجنون القانوني”؛ ورداً على ذلك ألقى “نتنياهو” بالمسؤولية على حكومة “بينيت – لابيد”، واتهمها بعدم اتخاذ موقف قوي بما فيه الكفاية، عندما بدأت المحادثات بين الطرفين قبل حوالي عام (كل هذا بالرغم من أن الجولة الأولى من المحادثات بين البلدين حدثت فعلياً قبل حوالي شهرين من تولي حكومة التغيير مهامها).
من الناحية العملية، لا ينبع الاتفاق من سلوك “إسرائيل” بل من تطورات إقليمية ودولية واسعة، حيث تسعى السعودية إلى تخليص نفسها من المستنقع الذي علِقت فيه باليمن، وتخفيف التوترات مع إيران، التي هاجمت منشآت الوقود في المملكة عام 2019.
ويسعى النظام الإيراني إلى تخفيف الضغط الدولي عليه، وإنهاء الدعم السعودي لقناة المعارضة “إيران إنترناشونال التلفزيونية”، التي كانت بمثابة أداة رئيسية ضده في موجة الاحتجاجات خلال الأشهر الأخيرة، وبغض النظر عن هوية “رئيس الوزراء الإسرائيلي”، فإن الخطوة السعودية الإيرانية كانت ستؤدي في نهاية المطاف إلى اتفاق.
في الخلفية، يعكس الاتفاق فشل “إدارة بايدن” تجاه السعودية بشكل خاص، وصورة واشنطن السيئة في الشرق الأوسط بشكل عام، ويوضح التأثير الإقليمي المتزايد للصين، التي لعبت دوراً رئيسياً في الوساطة بين البلدين.
حتى فيما يتعلق بالقضية النووية، يواصل السياسيون في “إسرائيل” إلقاء اللوم على بعضهم بعضا بسبب الفشل الاستراتيجي، وفي الآونة الأخيرة أعرب مسؤولون كبار في تل أبيب عن ارتياحهم للتقارب بين مواقف “إسرائيل” والولايات المتحدة، في ظل استمرار تقدم إيران نحو العتبة النووية العسكرية.
وفي المقابل يواصل “لابيد” تقديم فشل مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي على أنه “نجاح لحكومته”، وفي هذه الحالة، يُعزى “الفضل” في المأزق الذي وصلت إليه المحادثات النووية بشكل أساسي إلى طهران، التي حالت مواقفها المتعنتة دون توقيع الاتفاق المتجدد في اللحظة الأخيرة، وأن القرار ببيع وسائل قتالية إلى روسيا والقمع الوحشي لموجة الاحتجاجات أدى إلى إثارة الغضب في الدول الغربية وأدى إلى تفاقم الوضع السياسي والاقتصادي والضغط عليها.
إن التعبير عن الخطاب الضحل السائد في “إسرائيل” على المستوى الاستراتيجي موجود في قضايا أخرى منها: الاتهامات المتبادلة بشأن النجاحات والفشل في القضاء على الإرهاب (في كل من حكومتي نتنياهو وبنيت – لابيد، نبعت موجات التصعيد في الغالب من اتجاهات عميقة في النظام الفلسطيني وليس من سياسة حكومية أو أخرى)، والإشارة إلى تعزيز التطبيع مع دول المنطقة، والذي سببه الاتجاهات الجيوسياسية وليس هوية الحكومة في “إسرائيل”؛ والمعركة بين الحروب ضد إيران وحلفائها على الجبهة الشمالية، حيث يصر كل جانب على أنه أوصلها إلى مستويات عالية من خلال إظهار جرأة غير مسبوقة.
كل ذلك يقدم دليلاً محدثاً على تصريح السياسي الأمريكي “هنري كيسنجر” من الماضي بأنه لا توجد لدى “إسرائيل” سياسة خارجية، بل سياسة داخلية فقط.
لقد حرمت السنوات الأربع من الفوضى، “إسرائيل” وقتاً ثميناً كان يجب أن يخصص لمناقشة التحديات الاستراتيجية الوجودية، ولصياغة سياسة منظمة على المدى الطويل وقبل كل شيء لاتخاذ قرارات مصيرية، بدءاً من القضية النووية الإيرانية، ومستقبل العلاقات مع الفلسطينيين، وانتهاءً بتسوية العلاقة المتوترة بين الفلسطينيين في داخل الكيان.
في بعض القضايا تقترب “إسرائيل”، من نقاط اللاعودة، وفي حالات أخرى تتفاقم التحديات وستنتهي بالانفجار في وجه الكيان على حين غرة، وهي في وضع من الدونية السلبية.
كل يوم تضاف المزيد من الأسباب السلبية التي توضح أهمية وقف “الهجوم التشريعي الخاطف” وبدء حوار وطني حول الموضوع القانوني، بدءاً من التصدعات في الأنظمة الأمنية، ومروراً بالتهديدات التي تواجه الاقتصاد، وانتهاءً بالرضا الذي يشعر به أعداء “إسرائيل” في وجه ما يرون أنه ضرر غير مسبوق بالمكونات التي كانت ذات يوم مصدراً لقوة وحصانة “إسرائيل”.
إن الأضرار التي لحقت بالخطاب الاستراتيجي خطيرة بشكل خاص
لقد بدأت “إسرائيل” بالفعل في دفع ثمنها، ومن المتوقع أن يكون الثمن أثقل إذا استمر الانقسام الداخلي أو حتى تفاقم.
المصدر: يديعوت أحرونوت/ “مخائيل ملشطاين”، “راز زيمت”
Facebook Comments