التوترات في القدس واحتمال التصعيد متعدد الساحات عشية رمضان

ترجمة الهدهد
تقف القدس في قلب موجة التصعيد المتزايدة في الأسابيع الأخيرة، وعلى عكس الماضي عندما كان المسجد الأقصى في بؤرة التوترات بعد أن يقتحمه المستوطنون، فإن التصعيد اليوم يزداد توترا مع ازدياد العمليات التي ينفذها فلسطينيون من القدس الشرقية (معظمهم من جيل الشباب)، وكذلك مع تزايد الاحتكاك بين شرطة العدو والفلسطينيين في المدينة على خلفية تزايد جهود العدو فيما يسميه “فرض النظام”.
وبحسب معهد السياسات والاستراتيجية (ips)، فإن ” الهجمات الخطيرة التي شهدتها المدينة في الأسابيع الأخيرة، وعلى رأسها تلك التي وقعت في حي “نيفي يعقوب وراموت”، تكشف مرة أخرى عن “ضعف الأمن” في شرق مدينة القدس.
إن سكان مدينة القدس الفلسطينيين الذين يحملون بطاقات هوية “إسرائيلية” يتنقلون بحرية بين أراضي السلطة الفلسطينية والداخل الفلسطيني المحتل، ويتأثرون مثل جميع الفلسطينيين بالأحداث السياسية والأمنية المضطربة في الأشهر الأخيرة، وهم قادرون على تنفيذ العمليات بسهولة نسبية لا سيما داخل القدس.
أوضحت العمليات الأخيرة التحدي الذي يجسده شباب شرقي المدينة، الذين مثلهم مثل جميع الفلسطينيين من الجيل الجديد، يشعرون بالنفور المزدوج، تجاه العدو وتجاه السلطة الفلسطينية – على حد سواء -، ويتعرضون للتحريض عبر الشبكات الاجتماعية.
وذكر المعهد بأن “الانفصال بين شباب القدس حاد بشكل خاص لأسباب عديدة: التوتر الأساسي الذي يعيشونه بين الإقامة الإسرائيلية والهوية الفلسطينية، ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة (61% من سكان شرقي مدينة القدس يعيشون تحت خط الفقر)، الاحتكاك اليومي مع المجتمع اليهودي ومع أذرع الحكومة، الأمر الذي يعمق مشاعر الإحباط والعداء لدى العديد من الفلسطينيين في المدينة، كذلك الصورة السائدة لدى الشباب في القدس فيما يتعلق بدورهم كحماة للمقدسات الإسلامية”.
تصاعدت حدة الاضطرابات في مدينة القدس في الأسابيع الأخيرة على خلفية رغبة العدو بالقيام بعملية واسعة النطاق لتدمير ما يسميه “البناء بشكل غير قانوني” في الأحياء الشرقية للمدينة، وما يصاحبها من احتكاك بين الجمهور الفلسطيني لشرطة العدو.
ورافق ذلك اضطرابات لدى العدو من بينها حدوث احتكاكات داخل منظومته الأمنية في ضوء الفجوات بين مطالب وزير الأمن القومي وبين قيادة الشرطة لديه، بخصوص الترويج لعملية “السور الواقي 2” في شرقي مدينة القدس، بسبب عدم وجود أهداف واضحة وأعداء وإنجاز مطلوب، إلى جانب الخوف من أن الجهد الحالي قد يتسبب في إشعال الأوضاع عشية رمضان.
من المتوقع أن يؤدي استمرار الاحتكاكات والعمليات في القدس، ربما في المستقبل القريب، إلى تشكل نموذج مصغر لـ “انتفاضة” في جميع أنحاء المدينة، وقد ينعكس ذلك على باقي مراكز النظام الفلسطيني، وكذلك على المجتمع العربي الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 48.
كل هذا دون إضافة موضوع المسجد الأقصى الذي استُخدم كـ”صاعق تفجير” أدى مرات عديدة في الماضي إلى اشتعال الأوضاع على الساحات الأخرى، يمكن أن تؤدي الزيادة الحادة في التصعيد داخل القدس إلى زيادة العمليات في الضفة الغربية والأراضي المحتلة، وحتى إلى توتير أو تسخين جبهة قطاع غزة، على سبيل المثال إطلاق الصواريخ و”البالونات الحارقة” والتظاهرات بالقرب من السياج الحدودي، بينما حماس تغض الطرف.
ويرى المعهد بأن “الحفاظ على الهدوء في مدينة القدس مع اقتراب شهر رمضان وأثنائه يتطلب تعزيز تحركات على ثلاثة مستويات:
- على المستوى التكتيكي:
بزيادة الجهود الاستخباراتية والعملياتية بغرض تحديد مواقع “الذئاب المنفردة “التي تخطط لهجمات، جنبًا إلى جنب مع إحباط خلايا مستقلة أو منظمة (خاصة حماس) وزيادة نشاط مصادرة الأسلحة غير المشروعة في شرقي القدس، قد يكون ضروريًا دراسة وقف أو الحد من تدمير المباني في شرق المدينة في هذه المرحلة، وهو نشاط كما ذكرنا يسبب الكثير من الاضطرابات بين الجمهور الفلسطيني هناك. - على مستوى البنية التحتية:
من الضروري تسريع التحركات بشكل رئيسي من قبل البلدية، والتي تهدف إلى تحسين الخدمات المدنية لسكان القدس، وخاصة في مجالات الرفاهية والبنية التحتية المدنية والتعليم والشباب (حسب تقديرات مختلفة هناك ما يقرب من ثلث طلاب نظام التعليم العربي في القدس البالغ عددهم 120.000 طالب “في عداد المتغيبين”، أي لا توجد معلومات واضحة بشأن وجودهم في المدارس، وهناك نقص في حوالي 3500 صف دراسة في الجزء الشرقي من المدينة. - على المستوى الاستراتيجي:
من الضروري البدء بمناقشات متعمقة لم تجر منذ سنوات عديدة فيما يتعلق بالوضع أو المكانة الدقيقة لسكان شرقي مدينة القدس – حوالي 370 ألف شخص يشكلون 40% من سكان المدينة مقابل 26% في 1980- حوالي ثلثهم يعيشون في الجانب الفلسطيني من السياج الأمني - خاصة في مخيم شعفاط للاجئين – وهي منطقة أصبحت منطقة مهملة لا حكم فيها و لها آثار سلبية كثيرة ويتواجد فيها عدد محدود جدا من أجهزة الإنفاذ (البلدية أو الشرطة أو الجيش)”.
وأشار المعهد إلى أنه “من الضروري الاستمرار في اتباع سياسة مستنيرة ودقيقة في سياق المسجد الأقصى، والذي قد يكون خلال شهر رمضان وخاصة في وقت عيد الفصح، ساحة للاحتكاكات التي ستؤثر على النظام الفلسطيني بأكمله بل وما بعده، في هذا السياق، يوصى بعدم توسيع نطاق اقتحام اليهود للمسجد بشكل كبير خلال شهر رمضان أو اتخاذ خطوات رمزية يمكن تفسيرها على أنها تغيير للوضع الراهن”.
ويرى المعهد بأنه “على غرار السياسة المتبعة تجاه التحديات السياسية والأمنية الأخرى مؤخرًا، وطالما أن إسرائيل غارقة في أزمة داخلية حادة، فمن المستحسن أيضًا في موضوع القدس تفضيل استقرار الواقع على اتخاذ خطوات تؤدي إلى تغييرات جذرية، كل هذا جنبًا إلى جنب مع تقليل التحركات التي معظمها ذات بعد رمزي والتي تزيد من نطاق التهديدات، وتزيد من مستويات التوتر وتجعل من الصعب على صناع القرار إجراء حوار استراتيجي طويل الأمد، ناهيك عن اتخاذ قرارات بهذه الروح المطلوبة بشكل خاص بشأن القضية الفلسطينية”.
المصدر: معهد السياسات والاستراتيجية (ips)
Facebook Comments