المعركة بين الحروب.. اتجاهات العدو الرئيسية وصورة الوضع في سوريا

ترجمة الهدهد

في سوريا، يدير جيش العدو ومنظومته الأمنية المعركة بين الحروب منذ حوالي عقد من الزمن، بهدف خدمة المصالح الأمنية له، وينفذ مجموعة من النشاطات التي تتيح احتواء الطرف الآخر ولا تتجاوز عتبة الحرب، وتحولت هذه النشاطات في السنوات الأخيرة إلى معركة واسعة تستخدم فيها الأسلحة، وتهدف بشكل أساسي إلى تقليص التواجد أو التمركز الإيراني في الأراضي السورية.

وبحسب “معهد أبحاث الأمن القومي” لدى العدو، يُظهر تحليل الغارات الجوية التي وقعت في سوريا في السنوات الأخيرة أن هناك زيادة مستمرة في نطاقها، حيث اتسمت سنة 2018 و2019 بنطاق صغير نسبيًا بمعدل من 18 إلى 22 هجومًا سنويًا، مقارنة بـ 36-32 هجومًا سنويًا في السنوات الثلاث الماضية.

وتعكس هذه الزيادة تحول المعركة بين الحروب إلى عنصر مركزي في استراتيجية العدو في الساحة الشمالية، وإجمالاً، تم تنفيذ 145 غارة جوية بين الأعوام 2018-2022 نُسبت إلى العدو.

أهداف المعركة بين الحروب والاتجاهات الرئيسية..

في كانون الأول (ديسمبر) 2022، أكد رئيس أركان العدو “أفيف كوخافي” قيام جيشه بتنفيذ الضربة الجوية التي تمت ضد قافلة شاحنات على الحدود السورية العراقية، وذكر أنها قافلة إيرانية كان من المفترض أن تشمل مئات الصواريخ أرض جو، لذا فإن عشرات الآلاف من رجال الميليشيات وتنظيم حزب الله في جنوب الجولان تعطلت تماما، بفضل النشاط العسكري المستمر منذ سنوات عديدة في الساحة الشمالية.

على الرغم من أن الهدف الأساسي من المعركة بين الحروب هو تعطيل التمركز العسكري لإيران وحزب الله، إلا أن قرابة نصف هجمات العدو الجوية في العام الماضي كانت موجهة ضد أهداف للنظام السوري، ويمكن أن يُعزى ذلك إلى المحاولة الإسرائيلية لدق إسفين بين النظام السوري وإيران ووكلائها، الأمر الذي قد يؤدي في النهاية إلى الحد من الوجود الإيراني على أراضيها، فالهدف بشكل أساسي التلميح لنظام الأسد بالثمن الذي يكلفه تعاونه مع إيران.

أصابت 19% من الضربات الجوية في عام 2022 أهداف وزارة الدفاع السورية المسؤولة عن إنتاج الأسلحة للجيش السوري، كما تستخدم هذه البنى التحتية لإنتاج أسلحة مخصصة لحزب الله والميليشيات الإيرانية في سوريا، وبالتالي فإن مهاجمة هذه المواقع يحبط مساعي التزود المستقل لسوريا بالأسلحة وتسليح شركائها من المحور “الراديكالي”.

وبالمقارنة بين الضربات الجوية التي نُفِّذت عام 2022 والهجمات عام 2021، يمكن ملاحظة أنه تم الحفاظ على النسبة بين الأهداف المختلفة، إلى جانب زيادة معينة في الهجمات على أهداف النظام السوري وانخفاض في حجم الهجمات على عمليات نقل الأسلحة، ويمكن أن يُعزى هذا التغيير إلى تركيز المنظومة الأمنية للعدو في العام الماضي على ممارسة الضغط على نظام الأسد.

بالإضافة إلى الهجمات الأربع على المطارات الدولية في دمشق وحلب، تم تحديد أنماط إضافية في المعركة بين الحروب عام 2022 مما قد يشير إلى زيادة جرأة العدو في إدارة المعركة، حيث وقع هجومان هذا العام بشكل غير عادي في وضح النهار.

الإنجازات والثغرات..

عام 2022 طلب النظام السوري من إيران وممثليها عدم تنفيذ هجمات ضد العدو انطلاقاً من الأراضي السورية، من أجل الحد من الضربات الجوية التي تضر بجهود إعادة الإعمار التي يبذلها النظام، وبالفعل لم يكن هناك أي رد إيراني (منذ 2018 لم يتم تنفيذ أي هجوم من سوريا تجاه العدو)، ويبدو أن الأسد يقيد ويحد أحيانا من النشاط الإيراني بشكل لا يسمح لطهران بتحقيق خطة تحويل سوريا إلى ساحة احتكاك مع العدو وجبهة مواجهة أخرى.

في السنوات الأخيرة أدت المعركة -من جهة- إلى تقليص حجم الميليشيات الشيعية في سوريا، والتي تقدر بنحو 20 ألف مقاتل، بل إنها أحبطت خطة إنشاء فرع لحزب الله في مرتفعات الجولان، ومن جهة أخرى، أدى ردع العدو ضد إيران إلى تشكيل معادلة رد إيراني جديدة، اشتدت خلال عام 2022، فبينما يمتنع الإيرانيون عن مهاجمة العدو، إلا إنهم لا يرتدعون عن مهاجمة القوات الأمريكية في سوريا ردًا على النشاطات الإسرائيلية.

وبحسب التقارير، فإن عمليات نقل الأسلحة من إيران تتواصل مع عدم وجود قدرة عملية على إحباطها بالكامل، وفي كثير من الأحيان تتم عمليات نقل الأسلحة دون موافقة أو علم الرئيس الأسد، وبالتالي فإن جهود الضغط على النظام ليست فعالة في منع استمرار مشروع التمركز الإيراني، رغم أنها تزيد من حدة التوتر بين الطرفين.

أدت هجمات العدو ضد أهداف النظام السوري، على المطارات الدولية السورية في دمشق وحلب، إلى زيادة التوترات بين العدو وروسيا في عام 2022، وقد عززت الحرب في أوكرانيا أهمية الساحة السورية كساحة صراع بين الكتل – روسيا والمعسكر الشرقي، ضد الغرب بقيادة الولايات المتحدة.

وبالرغم من أن حرية العمل الجوي في سوريا محفوظة بالنسبة للعدو في الوقت الحاضر، والتنسيق العملياتي بين إسرائيل وروسيا لا يزال كما هو، لكن تشير بعض التطورات في العام الماضي إلى احتمال حدوث تغيير، أهمه إطلاق الصاروخ الروسي المضاد للطائرات S300 على طائرات العدو، وإدانة روسيا الشديدة في المجلس العام للأمم المتحدة لمهاجمة المطارات في سوريا، وكذلك التقارب بين إيران وروسيا.

الأمر الذي انعكس في بيع معدات عسكرية إيرانية لموسكو، وقد تتطلب المساعدة العسكرية الإيرانية لروسيا مقابلا من موسكو في الساحة السورية، ومن المحتمل أن يُطلب من الروس تقييد حرية الطيران الإسرائيلية، أو السماح لإيران بتعزيز قبضتها ونفوذها في سوريا.

خلال عام 2022، عملت إيران على إعادة تشكيل “محور مقاومة إسرائيل”، والذي يضم إيران وحزب الله وسوريا والجهاد الإسلامي وحماس، إن تجديد العلاقات بين نظام الأسد وحماس يعزز حيوية سوريا كركيزة مهمة في المحور الراديكالي.

ملخص وتوصيات “المعهد” لاتخاذ سياسة:

– المعركة بين الحروب هي أهم حرب يقوم بها جيش العدو في السنوات الأخيرة في سوريا، لكن استراتيجية العدو غير فعالة بما يكفي للتعامل مع الاتجاهات الجديدة والاستراتيجية الإيرانية الشاملة وطويلة المدى، حيث أن استمرار الهجمات على نفس النطاق الذي تم تسجيله في عام 2022، والتي استهدف نصفها النظام السوري، سيحافظ بالفعل على القيود التي يفرضها الأسد على الإيرانيين، لكنه قد يفرض ثمنًا أعلى من المنفعة.

– المعركة بين الحروب في شكلها الحالي يتحداها معادلة رد الفعل الإيراني ضد القوات الأمريكية في المنطقة، وعدم القدرة على تعطيل أو تأخير جهود مراكمة إيران لقوتها على الأراضي السورية، وتوثيق العلاقات بين روسيا وإيران وتعزيز محور المقاومة.

– يجب على “إسرائيل” فحص أهداف الهجوم على سوريا، مع تركيز الهجمات على التمركز العسكري الإيراني وعمليات نقل الأسلحة، وفي نفس الوقت تقليل الهجمات التي تستهدف الوعي وليس الإحباط، مثل أهداف النظام السوري المدنية.

– مقابل تقليص عدد الهجمات الجوية، يجب على “إسرائيل” تعزيز آليات النشاط السري والعملي في سوريا، مع تحويل الموارد إلى المعركة السرية، التي تنطوي على إمكانات كبيرة لتحقيق المصالح الأمنية لإسرائيل في سوريا، فمن الممكن تطوير النشاط في المجال السيبراني والحرب الاقتصادية.

– إلى جانب المعركة بين الحروب، يجب على “إسرائيل” توسيع نطاق الأدوات المتاحة لها ضد الوجود الإيراني وتأثيره، بما في ذلك الجهود الدبلوماسية والاقتصادية والوعي، ومن الممكن أن يكون بالتعاون مع دول ذات صلة، وعلى رأسها الولايات المتحدة والأردن وتركيا والخليج، ومع المجتمعات المحلية في سوريا مثل الدروز والأكراد، سيعمل هذا النشاط على تعزيز الجهد العسكري الذي يهدف إلى تعطيل النشاط الإيراني وسيعزز من مكانة إسرائيل كلاعب مؤثر ومبادر.
– يجب تعزيز وسائل النفوذ المدنية في سوريا، والتي ستكون بمثابة ثقل موازن ضد النشاطات الإيرانية، مثل التعاون مع المجتمعات المحلية ومشاركة “إسرائيل” في تقديم المساعدات الإنسانية في جنوب سوريا وشمالها، هذا في الوقت نفسه الذي يتم فيه رفع مستوى الوعي بين دول المنطقة، وكذلك في الساحة العالمية حول التخريب الإيراني وتعزيز إيران لحضورها المدني في سوريا وعواقبه على المدى الطويل.

– انطلاقا من الفهم بأن الوجود الأمريكي في المنطقة مصلحة حيوية “لإسرائيل”، يجب فحص طرق مختلفة لمساعدة الأمريكيين على حماية قواتهم من هجمات المليشيات الشيعية، وكذلك دراسة رد إسرائيلي على مهاجمة القواعد الأمريكية، لتعزيز الردع.

– مطلوب صياغة خطة عمل ضد أي تغيير محتمل في المصالح الروسية في المنطقة، مع التأكيد على المصالح المشتركة لإسرائيل وروسيا، وكذلك بالتنسيق الوثيق مع الولايات المتحدة.

المصدر: معهد أبحاث الأمن القومي لدى العدو

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى