الاتحاد أم الانفصال:

“إسرائيل” لا تسير في الطريق الصحيح.. ربما حان الوقت للنظر في البدائل

ترجمة الهدهد

هل الانقسام في “إسرائيل أكبر من أن نتغلب عليه؟ هل بدلاً من تجربة المزيد من الوحدة يجب أن نجرب الانقسام؟ هذا السؤال يكمن وراء فكرة إنشاء اتحاد، أو التقسيم إلى كانتونات، والتي يتم الترويج لها هذه الأيام من قبل مجموعات فكر، بقيادة مسؤولين حكوميين كبار جداً سابقين – يعرفون ويفهمون كيف تعمل الحكومة، ويتعاملون مع مسألة كيفية إنشاء هيكل حكومي جديد وفعال لـ “إسرائيل”.

هم يتعاملون مع بعض البدائل التي لا تزال في مراحل التكوين الأولية، وبالتالي لم ينشروها بعد، لكنهم ينوون إطلاق حوار عام قريباً حول بدائل للدولة كما تعمل اليوم، بسبب الفهم بأن “إسرائيل” أمام طريق مسدود.

وهكذا، نشر المؤرخ “يوفال نوح هراري” الذي أصبح نجماً عالمياً، في الأسبوع الماضي مقالاً كئيباً اعترف فيه بأنه يفكر في مغادرة الكيان بسبب الانقلاب، وكتب: “لا يساورني الكثير من الشكوك حول ما يريده الطرف الآخر، إنهم يريدون القضاء على الديمقراطية -في إشارة إلى حقيقة أن الجانب غير الديمقراطي أصبح الأغلبية في إسرائيل-، بينما تتخذ الحكومة خطوات حازمة للقضاء على الديمقراطية، لم تظهر حتى الآن سوى أقلية من المواطنين الإسرائيليين مقاومة حقيقية، وحتى إذا لم تنجح محاولة القضاء عليها هذه المرة، فمن المرجح أنهم سيحاولون مرة أخرى في غضون سنتين، خمس سنوات، 10 سنوات، الكفاح سيكون طويلاً وصعباً، ولا أحد يمكنه ضمان ما ستكون عليه النتيجة”.

خيبة أمل هراري مؤلمة، إنه يفهم التركيبة المدمرة لـ “الظروف الإسرائيلية”: كيان تأسس على أساس توازن اليهودية والديمقراطية، لكنه يفقد ذلك التوازن بسرعة.

إن الانقسام إلى أربع قبائل أو أسباط، وحقيقة أن القبيلتين الأسرع نمواً – الحريدية المتشددة، تليها الصهيونية الدينية – لا تُعلم على الإطلاق أو تُعلماً جزئياً فقط حول مبادئ الديمقراطية، ما يهدد الأساس لوجود “إسرائيل” باعتبارها دولة ديمقراطية ليبرالية.

ليس ذلك فحسب، بل إن النمو الديموغرافي السريع للحريديم المتزمتين – 6-5 أطفال لكل امرأة، وهو على الأرجح أعلى معدل تكاثر طبيعي في العالم – وحقيقة أنهم لا يدرسون ولا يعملون ويستخدمون قوتهم السياسية للحصول على الميزانيات من -الدولة- التي تسمح لهم بالوجود خارج سوق العمل، يؤدي حتماً إلى التدهور الاقتصادي المتوقع لـ “إسرائيل”.

بحلول عام 2060، من المتوقع أن يشكل المتدينون الحريديم المتشددون ثلث السكان، ولا يمكن لأي دولة أن تستمر في الازدهار عندما يعتاش ثلثها على الإعانات بدلاً من العمل.

كبار الاقتصاديين – البروفيسور “دان بن دافيد” كان أول من حذر من ذلك في أواخر التسعينيات – حذروا من الاتجاهات المدمرة التي كانت “إسرائيل” تسير فيها لمدة عقدين من الزمن، إلا أن التحذيرات لم تلق آذاناً صاغية.

وبدلاً من اتخاذ خطوات لتغيير الاتجاه، أدى السياسيون فقط إلى تفاقم هذه الاتجاهات المدمرة، أول المدمرين هو “بنيامين نتنياهو”، الذي قام حتى الآن -كرئيس للوزراء- بزيادة ميزانيات المدارس الدينية وميزانية نظام التعليم الانفصالي بنسبة 50%.

“نتنياهو” يدفن عن قصد مستقبل “إسرائيل”، والآن انضم إليه في الاحتفال بالتدمير الذاتي، سياسيون يمينيون مسيانيون متطرفون، ما توقع حدوثه كان واضحاً بشكل كبير، “إسرائيل” لا تسير تجاه أي مكان جيد.

خيبة أمل “هراري” هي جزء من استيعاب الجمهور العام لاتجاه التدمير الذاتي لـ “إسرائيل”، حتى لو توقف الانقلاب غداً، وحتى لو تم انتخاب حكومة غير متطرفة، يمكن تقدير أن المخاوف بشأن استقرار “إسرائيل” ومستقبلها الليبرالي لن تختفي بعد الآن.

في تناقض صارخ مع محاولة الحكومة الحالية لتقديم سحب الأموال من “إسرائيل” في الخارج كحملة تخويف، هناك خوف حقيقي من أن العكس هو الصحيح، لقد تم تجاوز كل شيء، والضرر الذي لحق بـ “إسرائيل” لا يمكن إصلاحه ستصبح الأعمال التجارية وكذلك هجرة العقول إلى الخارج دائمة ومستمرة.

يجب تصحيح خطأ “بن غوريون”

مثلما كان الاقتصاديون أول من حدد، منذ عقدين بالفعل، الاتجاهات المدمرة لتزايد عدد الحريديم المتطرفين (ومع ذلك، فقد فشلوا في تحديد الاتجاهات المدمرة للمفاهيم التعليمية غير الديمقراطية)، فإن الاقتصاديين هم أول من عادوا إلى رشدهم اليوم، اليأس ليس خطة عمل، وقبل هروب “هراري” وأفضل العقول في “إسرائيل” من الكيان، هناك محاولة لفحص البدائل.

البدائل التي يعمل عليها كبار المسؤولين السابقين تنقسم إلى قسمين: مجموعة من البدائل التي تفترض أن الهيكل القائم في “إسرائيل” لا يزال بإمكانه البقاء، إذا خضع لسلسلة من التحسينات، هذا، لأنه ربما لا تزال هناك أغلبية كبيرة بين “مستوطني إسرائيل” الذين يؤيدون فكرة دولة “يهودية وديمقراطية”.

حوالي 13% من المواطنين الحريديم لا يدعمون دولة ديمقراطية، “الصهيونية الدينية” وهم حوالي 15% من السكان غير المتجانسين للغاية، لديهم مواقف مختلفة فيما يتعلق بتقديس “الديمقراطية الإسرائيلية”، وبافتراض مبالغ فيه بأن القطب الحريدي المتطرف الأقل ديمقراطية يشكل حوالي نصف السكان، فهو يمثل حوالي 7% أخرى، من كل هؤلاء يبدو أن هناك أغلبية 60% أو أكثر تستمر في الإيمان بقيم الدولة “اليهودية والديمقراطية.

على أساس هذه الأغلبية هناك رغبة في محاولة تقوية مكانة “إسرائيل” كدولة يهودية وديمقراطية.

سيتطلب هذا بالطبع الاتفاق على دستور، وكذلك تصحيح بعض الأخطاء الاستراتيجية التي ارتُكبت هنا في أيام قيام الكيان من قبل “ديفيد بن غوريون”، الذي اعتقد خطأً أن “إسرائيل” ستنتصر على اليهودية، ولذلك سمح بوجود تيارات تعليم مختلفة.

مع مرور الأيام هذه التعددية أدت إلى انقسام “إسرائيل” إلى أربع قبائل، ما يفرقها أكثر مما يجمعها.

بفضل مواردها الديمقراطية، سمحت -الدولة- لنظام التعليم الحريدي المتشدد بالتعليم مدى الحياة خارج سوق العمل وبدون قيم ديمقراطية على الإطلاق؛ وقد مكّنت نظام التعليم الديني الحكومي بالتثقيف من أجل “ديمقراطية ضعيفة” (حكم الأغلبية) – وأن تصبح أداة سياسية لتقوية الأحزاب اليمينية.

أدى الانقسام إلى أربعة مسارات تعليم منفصلة، والاستقلالية الممنوحة لتياري التعليم الديني، إلى تفكك “المجتمع الإسرائيلي” وديمقراطيته، بالمناسبة تخسر “إسرائيل” أيضاً القبيلة العربية -فلسطينيي 48- من خلال فشل نظام التعليم العربي.

المشكلة هي أن الغالبية التي لا تزال تؤمن بدولة يهودية وديمقراطية منقسمة وممزقة، وتتكون من اليمين واليسار، متدينين وعلمانيين، وقادتها – كما رأينا في السنوات الـ 75 الماضية – سياسيون صغار يفتقرون إلى الرؤية والروح.

ما هي احتمالات أن نتمكن من تجاوز الانقسام الداخلي العميق، والتوصل إلى اتفاق على دستور، سيرفضه المتدينون الحريديم المتطرفون وفلسطينيو 48 وربما أيضاً جزء كبير من الصهيونية الدينية؟

سيؤدي هذا إلى المجموعة الثانية من البدائل، تلك التي تفترض أننا تجاوزنا نقطة اللاعودة وأن التقسيم أمر لا مفر منه، وفقاً لهذا البديل، ستتحول “إسرائيل” من دولة واحدة إلى عدة دول: بديل دولتي (إسرائيل ويهودا)، وثلاث دول (إسرائيل ويهودا ودولة فلسطينية إسرائيلية)، وربما أربع دول (إسرائيل ويهودا، وعربية إسرائيلية وفلسطينية).

ستتم إدارة كل دولة أو بالأحرى “الكانتون”، بشكل منفصل اقتصادياً وسياسياً، وسيضع كل كانتون قوانينه الخاصة ويختار مدى تدينه أو علمانيته.

وفقاً للاقتراح، ستكون الكانتونات بدون تواصل جغرافي، وبالتالي يمكن الافتراض أن “غوش دان” ستكون عاصمة كانتون “دولة إسرائيل”، لكن “بني براك” ومن داخلها ستختار بالفعل أن تكون جزءاً من كانتون “دولة يهودا”.

هذا يعني أن “بني براك” ستتلقى خدمات من كانتون “يهودا”، حتى لو كانت محاطة بكانتون “إسرائيل”، في هذا البديل، ستقرر المدن الكانتون الذي ستنضم إليه، لكن ليس من الواضح ما الذي سيحدث في حالة المدن الكبيرة ذات الأحياء المختلفة في المحتوى.

ستتم إدارة كل كانتون بشكل منفصل اقتصادياً، وستبقى الغالبية العظمى من أموال الضرائب داخل الكانتون.

سيضمن ذلك إلغاء التبعية الاقتصادية بين الكانتونات، وهذا في الواقع حل للتهديد، لأن النمو الديموغرافي للمتدينين للحريديم سيؤدي إلى انهيار “الاقتصاد الإسرائيلي”، من الآن فصاعداً، يجب أن يكون الحريديم المتطرفون هم الذين يمولون لأنفسهم الحياة خارج سوق العمل، ولن تكون هناك أغلبية علمانية منتجة تمولها لهم.

وفقاً للاقتراح، سيتم التبرع بالقليل فقط من أموال الضرائب في الكانتونات للحكومة الفيدرالية، والتي ستكون مسؤولة عن قضايا السياسة الخارجية والأمن ومراقبة وتشغيل البنية التحتية الوطنية (الكهرباء وتحلية المياه والطرق، السكك الحديدية).

سيستمر الالتزام بالتجنيد في “الجيش الإسرائيلي”، لكن من المحتمل أن تحصل بعض الكانتونات – “كانتون يهودا” وربما “الكانتون العربي” أيضاً – على إعفاء منه، وسيتعين على “الكانتون الإسرائيلي” أن يظل هو الهيئة التي تتحمل معظم العبء العسكري، لأن حماية وجود جميع الكانتونات هي مصلحة حيوية.

عدد قليل من الكانتونات، الكثير من الأسئلة

يثير تقسيم السلطة أو الصلاحيات في الحكومة الفيدرالية العديد من التساؤلات، إذا تم انتخاب الحكومة الفيدرالية بأغلبية الأصوات، فسيتم ضمان سيطرة الأغلبية الدينية الحريدية مرة أخرى، وستكون السياسة الخارجية والأمنية بحيث لا يوافق الكانتون الليبرالي العلماني على فرضها عليه.

لذلك، من المحتمل جداً أن يتم تحديد توزيع السلطة في الحكومة الفيدرالية مسبقاً، وأن يكون متساوياً بين اثنين من الكونتنات (في حالة كانتون عربي، سيتم ضمان الأغلبية مسبقاً للكانتونين اليهوديين)، وهذا بالطبع يثير تساؤلات في الصعوبة مثل الشلل وعدم القدرة على اتخاذ قرار بشأن السياسة الخارجية والأمنية، هذه ليست سوى غيض من فيض من الأسئلة حول كيفية إدارة مثل هذا الهيكل.

على سبيل المثال، ماذا سنفعل بالفلسطينيين عندما يريدون كانتون ما، هل نستمرار في احتلالهم – وكانتون آخر يريد الانسحاب من الأراضي الفلسطينية؟ هل يمكن أن يكون مثل هذا الهيكل الفيدرالي حلاً فعلياً لـ “الصراع الإسرائيلي الفلسطيني” من خلال العرض الفلسطينيين بأن يكون لهم كانتون خاص بهم؟ ما الذي سيتم القيام به فيما يتعلق بالبنية التحتية الوطنية – كيف سيتم تقسيم عبء تمويلها، وهل سيسمح على سبيل المثال، لقطار يسافر بين مدينتين في “كانتون إسرائيل”، ويمر عبر أراضي “كانتون يهودا” السفر يوم السبت؟ وماذا سيحدث إذا رفض “كانتون يهودا” الأفقر المشاركة في تمويل الجيش أو البنى التحتية الوطنية وهل يمكن تحصيل الديون منه؟ بشكل عام، كيف يمكن الحفاظ على دولة فيدرالية، في ظل وجود فجوات كبيرة، اجتماعية وسياسية، بين أجزائها المختلفة؟

وأخيراً، السؤال الرئيسي: هل من الممكن التوصل إلى اتفاق تقسيم كهذا إلى كانتونات، دون خوض حرب أهلية في الطريق إلى ذلك؟

في الولايات المتحدة، تم إنشاء اتحاد بالاتفاق وبدستور مشترك، فقط لكي يسقط الاتحاد في حرب أهلية حادة بعد 100 عام؛ انقسمت يوغوسلافيا إلى دول مختلفة بعد حرب دموية؛ في لبنان كانت هناك حرب أهلية، نهاية الأمر بقيت البلاد موحدة – لكنها فشلت؛ وطلب إقليم كتالونيا الانفصال عن إسبانيا وتم مواجهته من قبل الحكومة الإسبانية – بما اعتقال أولئك الذين قادوا الاستفتاء على انفصال كاتالونيا، ومن ناحية أخرى، عندما كانت إسكتلندا تطمح للانفصال عن بريطانيا العظمى ترك البريطانيون حق التصويت – في استفتاء – للإسكتلنديين.

ليس من قبيل الصدفة أن المبادرين بهذه الأفكار ليسوا في عجلة من أمرهم للكشف عنها علناً، هذه أفكار تسبب صعوبات جمة، معظمها حالياً بلا حلول، لكن الخطاب نفسه ثوري ومتقدم، ويمكن أن يحدث التغيير من تلقاء نفسه.

يخلق هذا الخطاب الأمل لأولئك الذين يؤمنون بدولة يهودية وديمقراطية، وقد يدفع أيضاً باتجاه اتفاقيات واسعة حول تعزيز أو تحصين القيم “اليهودية والديمقراطية” لمنع أي احتمال للانقسام مقدماً.

المصدر: موقع داماركر

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى