خُطوة أخرى على طريق محو الخط الأخضر

ترجمة الهدهد
الاتفاق الذي تم التوصل إليه بخصوص نشاطات وحدة منسق العمليات الحكومية في الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك الإدارة المدنية في الضفة الغربية، ليس تغييراً تنظيمياً بيروقراطياً سهلاً.
هذه خطوة تمكن من التحقيق العملي لرؤية حزب “الصهيونية الدينية” في السياق الفلسطيني، وفي صلبها البداية التدريجية لفرض “السيادة الإسرائيلية” في الضفة الغربية (المرحلة الأولى في المناطق ج) مع مقارنة أوضاع “المستوطنات الإسرائيلية” في المنطقة بأوضاع المستوطنات الأخرى في “إسرائيل” على طول خطوط 1967، وفي الخلفية يكون السعي لتكثيف الاستيطان في المناطق، وترك الغموض حول وجود السلطة الفلسطينية في المستقبل.
يجب التأكيد على أن (سموتريتش) دعا في السنوات الأخيرة إلى إلغاء الإدارة المدنية بشكل عام (بل وطرح قوانين حول هذا الموضوع)، وهذا أيضاً تحت منطق القضاء على الخط الأخضر وتعزيز الاندماج الإداري والقانوني والبنية التحتية بين المستوطنات وبقية “إسرائيل”.
هذا هو أحد التغييرات الدراماتيكية في سياق منسق الأعمال الحكومية، هيئة ذات ضبابية مفهومة تعتمد على من يرتدون الزي الرسمي، ولكن يخضعون لوزير الجيش ويتعاملون مع القضايا المدنية.
وهذا وضع يعكس تردد “إسرائيل” المزمن للحسم في القضية الفلسطينية منذ عام 1967 حتى اليوم، بالرغم من عدم تكليف (سموتريتش) بتعيين المنسق ورئيس الإدارة المدنية (وهو أمر لا يزال من صلاحية وزير الجيش)، إلا أنه تمكن من تعيين نائب جديد لرئيس الإدارة المدنية نيابة عنه، والذي سيكلف بإدارة ضباط هيئة المقر الذين يعملون لحساب الوزارات الحكومية في المناطق، وعن عمليات البناء والتطوير الاستيطاني وفرض القانون في الضفة الغربية.
يتم الترويج للاتفاق في وقت حساس بشكل خاص من الفوران الأمني في النظام الفلسطيني وبينما تتعرض “إسرائيل” لانتقادات شديدة بسبب أفعالها في الأراضي الفلسطينية، وعلى رأسها تسويغ 9 بؤر استيطانية في الضفة الغربية.
يجب على أي شخص يسعى إلى الهدوء قبل شهر رمضان، “22 مارس”، يجب الفهم بأن التحرك السياسي الذي يجسد السعي لتغيير الواقع في الضفة الغربية، من المرجح أن يكون له تأثير معاكس في زيادة التوتر الأمني وتعميقه، وزيادة العزلة بين “إسرائيل” والفلسطينيين وإضعاف السلطة الفلسطينية وتفاقم العلاقة مع المجتمع الدولي.
كما يوضح الاتفاق أن “الحكومة الإسرائيلية” لديها حالياً أجندتان متنافستان بل متضاربتان بشأن القضية الفلسطينية، من جهة – تلك التي تقودها الأقلية (سموتريش وبن غفير)- والتي تهدف إلى خلق واقع جديد حتى بدون إعلانات أو تصريحات، ومن جهة أخرى السياسة المترددة والغامضة لمجموعة الأغلبية (الليكود) والتي تسعى جاهدة للحفاظ على الوضع الراهن- بما في ذلك وجود السلطة الفلسطينية – ولكنها تخشى أيضاً من زعزعة استقرار الحكومة.
من المتوقع أن يؤدي تسارع كبير في عمليات البناء والاستيطان في الضفة الغربية إلى ردود فعل خارجية حادة، وفرض قيود شديدة على “إسرائيل”، ونتيجة لذلك من المحتمل أن تنشأ توترات داخل الحكومة بين الجهات الأمنية وقادة الخط الانقلابي، فيما يتعلق بالأراضي الفلسطينية.
الاتفاق الجديد يُديم المُعضلات الصعبة التي ظهرت بعد تشكيل الاتفاقات الائتلافية والتي أصبحت حافز خلاف بين “الليكود” و”الصهيونية الدينية”، وفي مقدمتها مسألة لمن تخضع منسق عمليات الحكومة والإدارة المدنية بالفعل.
في الاحتكاكات التي نشأت حتى يومنا هذا – وعلى رأسها إخلاء بؤرة “أور حاييم” الاستيطانية وكروم العنب في “بنيامين”- أملى وزير جيش العدو هذه السياسة، مما تسبب في استياء شديد من جانب (سموتريش وبن غفير)، ومن المرجح أن الغموض نفسه في مسألة السلطات والقيادة سيعود في المستقبل القريب، وربما من خلال أصداء أقوى من ذي قبل داخل الحكومة وخاصة في الخطاب بين المستويين السياسي والأمني.
والأهم من ذلك- من المتوقع أن يكون للاتفاق الذي تم التوصل إليه تأثيراً عميقاً على مجموعة من البدائل الاستراتيجية التي تواجه “إسرائيل” في القضية الفلسطينية.
التوسع المتسارع للاستيطان وتطوير البنية التحتية المدنية في الضفة الغربية يعني ترسيخ واقع دولة واحدة في الممارسة العملية وتقليل إمكانية الفصل المادي بين المجتمعين، هذان هما البديلان الوحيدان المتبقيان لـ “إسرائيل” اليوم بشأن القضية الفلسطينية، عندما لم تعد رؤية الدولتين بروح “أوسلو” والأفكار المرحلية أو المؤقتة مثل تقليص الصراع أو إقامة كونفدرالية بلا حدود ممكنة.
وبذلك، عملياً تواجه “إسرائيل” حالياً الاختيار بين البديل المعقد والمليء بالتحديات للانفصال (حتى لو كان من جانب واحد) والبديل الخطير وكثرة التهديدات للدولة الواحدة، وهو سيناريو أصبح تحقيقه أقوى في ضوء الاتفاق الأخير.
المصدر: أخبار 12/ ميخائيل ملشتاين
Facebook Comments