عقب الحرب في أوكرانيا
ما هي استعدادات “إسرائيل” للتعامل مع التهديد الجوي المُتغير؟

ترجمة الهدهد
عام مرَ على الغزو الروسي لأوكرانيا وبدء الحرب بين البلدين، هذا صراع بين دول يحارب فيه جانبان متقدمان نسبياً من الناحية التكنولوجية، ولهذا السبب يشير بعضهم إلى الصراع على أنه تجربة لمفهوم “ساحة المعركة المستقبلية”، حيث ينبع هذا التقييم بشكل أساسي من الاستخدام المكثف من كلا الجانبين للطائرات بدون طيار والطائرات والحوامات من أنواع مختلفة، بالإضافة إلى أن هذا الصراع يوضح التغيير الكبير في التهديد الجوي الشائع في العالم اليوم.
تُعد الحرب في أوكرانيا فرصة للتعلم والاستعداد بشكل مناسب لدى العديد من البلدان التي قد تواجه سيناريوهات مماثلة في المستقبل، أما بالنسبة لـ “إسرائيل” فهذه تُعتبر فرصة خاصة، لأن التدخل الإيراني في الصراع في أوروبا يتيح لها أن تدرس بعمق قدرات ونقاط ضعف التهديد الإيراني الذي يعتبر الأعظم ضدها.

يتجلى تدخل إيران في الصراع في العلاقات الخاصة التي أقيمت بينها وبين روسيا، والتي في إطارها تزود إيران القوات الروسية بمختلف التقنيات العسكرية، وخاصة الطائرات بدون طيار المحملة بالمتفجرات، إلى جانب المعرفة العملياتية ومساعدة الخبراء، الذين يعمل بعضهم من الأراضي الروسية، فقد استخدمت روسيا في الأشهر الأخيرة “طائرات بدون طيار انتحارية” إيرانية الصنع من طراز “شاهد 136” على نطاق واسع، والتي تعمل بشكل مستقل نسبياً، وقادرة على الانفجار فوق الهدف، وهي تحمل حوالي 40 كجم من المتفجرات حيث يتم توجيهها عبر أجهزة GPS.
هذه وسائل بدائية نسبياً، بتكلفة منخفضة وعملية تشغيل سهلة، وقد مرت في عملية تطوير، للسماح بتصديرها من إيران على شكل أجزاء وتجميعها في الميدان.
وعلى الرغم من انخفاض مستوى دقة هذه المُسيرات، مقارنة بالمثيلات الغربية، فهي بالنسبة للروس حل كافٍ لغرض النيل من حصانة أوكرانيا، وجعلها تتراجع مع خلال مهاجمة البنية التحتية للكهرباء والمياه، إلى جانب التسبب في أضرار جانبية وقتل المدنيين.
لم يؤد الاستخدام الواسع لهذه الأنظمة حتى الآن أي إنجاز استراتيجي -طال انتظاره للروس- ومع ذلك، فإن المعركة في أوكرانيا توضح طرق قتال قد يُطلب من “إسرائيل” التعامل معها، وهذا الأمر يتطلب الاستعداد.
تعتبر ساحة الحرب في أوكرانيا تجربة للعديد من الطائرات بدون طيار، وهي بديل (أدنى) لسلاح الجو في البلدان التي لا توجد لديها موارد أو ترزح تحت العقوبات.
بقدر ما يتعلق الأمر بـ “إسرائيل”، فهذا عرض هادف للمستوى التكنولوجي المحدود للوسيلة القتالية الإيرانية المصدرة، ومن ناحية أخرى لتأثيرها في ساحة المعركة، وإلحاق الضرر بالبنية التحتية المدنية، والقوات في الميدان.
يجب أن تنزعج “إسرائيل” من كثافة ومعدل الإنتاج الذي أظهره الإيرانيون -على الرغم من العقوبات الدولية المفروضة عليها-، بالإضافة إلى المعلومات عن قدرات إيران التصديرية، فضلاً عن الأهمية المستقبلية للمعرفة التي تكتسبها والتعاون المشترك الذي تعززه، حيث إن الاستخدام الروسي للأسلحة الإيرانية يكسب الإيرانيين المعرفة العملياتية، ذات الصلة بقيود ومزايا تقنياتهم.
المقلق بشكل خاص، هو حقيقة أن هذه أدوات قد تضر ب ـ”إسرائيل”، وبعضها يستخدم بالفعل ضدها بطرق مختلفة، إما مباشرة من إيران أو من قبل حلفائها في أماكن مختلفة في الشرق الأوسط، بما في ذلك حماس وحزب الله.
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو الافتراض القائل بأن الطائرات بدون طيار هي خطوة على طريق صواريخ “كروز” التي ستكون دقتها وتأثيرها أكبر بكثير.
يشير القتال في “أوكرانيا” أيضاً، إلى الطريقة التي تستخدم فيها الجهات غير الغربية التقنيات غير المأهولة، والتي تعد نوعاً معاكساً لكيفية استخدام البلدان الغربية تقنيات مماثلة، التي عادة ما تهدف إلى تقليل الأضرار والإصابات بين المدنيين من خلال زيادة دقة الأنظمة.
يستخدم الروس هذه التقنيات بطريقة لا تحترم القانون الدولي على وجه الخصوص والحياة البشرية بشكل عام، وهذا ما تثبت الهجمات المميتة والعشوائية على الجبهة الداخلية الأوكرانية.
كما ذكرنا، حتى كتابة هذه السطور، الحديث هنا ليس عن سلاح يؤدي إلى إنجاز استراتيجي، ومع ذلك، من “وجهة النظر الإسرائيلية”، أن الاستخدام المستقبلي لأعداء “إسرائيل” لمئات من الطائرات بدون طيار، بالتوازي مع رشقات الصواريخ الثقيلة في الأيام الأولى من القتال، قد يؤدي إلى وقوع مشكلة صعبة لـ “أنظمة الدفاع الإسرائيلية”.
من خلال مراقبة ما يحدث في أوكرانيا، تظهر العديد من القضايا التي تتطلب اهتماماً عاجلاً من قبل “إسرائيل”، لا سيما الحاجة إلى تحسين القدرة على الاكتشاف والاعتراض والاحتماء، إلى جانب عدد من الفرص التي يمكنها الاستفادة منها.
“الجيش الإسرائيلي”، مُطالب بمواصلة إحباط نقل التقنيات الإيرانية إلى محيط “إسرائيل” في إطار معركة “ما بين الحروب”، وفي الوقت نفسه، فإن المعرفة بأنه لا يمكن منع تسليح الطرف الآخر بشكل كامل يُلزم “إسرائيل” بتطوير قدراتها على الاعتراض بقدر وبشكل كبير – مع الاهتمام بالطائرات بدون طيار والحوامات كطبقة جديدة تتطلب تعامل أو معالجة خاصة داخل نظام “الدفاع الجوي الإسرائيلي” الشامل.
ومن هنا، تأتي أهمية إنشاء “صورة سماء” موثوقة، مع الاستفادة من جميع موارد الكشف المتاحة.
في الوقت نفسه، يجب تغيير المفهوم السائد حتى الآن للتعامل مع كل هدف لوحده، لأن المنظومة الأمنية يجب أن تستعد للتعامل مع تهديد الحشود الكبيرة (ربما حتى أسراب) من الطائرات بدون طيار أو الحوامات، والتي ستطلق تجاهها بالتزامن مع الصواريخ وغيرها من الوسائل، خاصة في الأيام الأولى من القتال.
نظراً لصعوبة توفير الموارد لتطوير الأنظمة لكل تهديد فردي أو على حدة، هناك حاجة لأنظمة اعتراض قادرة على التعامل مع العديد من التهديدات معاً، فضلاً عن القدرة على التغيير والتكيف بسرعة وفقاً للمتغير طبيعة الأهداف.
وتحقيقاً لهذه الغاية، يجب على “وزارة الجيش” زيادة ميزانية المشتريات بوتيرة إضافة للأنظمة القائمة، كما أن التأكيد مطلوب أيضاً على التكامل بين الأنظمة وتكامل قدرات “الذكاء الاصطناعي”، ما سيساعد في التحديد الأولي واتخاذ القرار فيما يتعلق بالاعتراض، ما قد يؤدي إلى توليد قيمة مضافة مبتكرة.
المطلوب من “إسرائيل” أيضاً، مواصلة دراسة معدلات الإنتاج الإيرانية وأن تُكَيف معها قدر الإمكان قدرتها على الاعتراض، من خلال أنظمة الليزر المستقبلية، فضلاً عن القدرة على تجديد مخزون صواريخ الاعتراض، لأن هذا الجانب مُلح بشكل خاص في ضوء المعلومات الاستخباراتية التي تم الكشف عنها مؤخراً، والتي تشير إلى نية روسية وإيرانية لإنشاء مصنع مشترك في روسيا، والذي سيسمح بإنتاج ما يقرب من 6000 طائرة بدون طيار سنوياً.
وفي مواجهة الحاجة إلى استجابة سريعة، في الروتين والطوارئ، على “إسرائيل” أن تلائم مستوى اتخاذ القرارات الذي يوافق على البدء، بإطلاق النار أو الاعتراض.
فيما يتعلق بالجبهة الداخلية، فإن “إسرائيل” مُطالبة بتكييف أنظمة الإنذار مع طبيعة التهديد، والذي يُتوقع أن يكون مختلفاً وأكثر صعوبة، مقارنة بجولات القتال ضد “حماس” التي اعتادت عليها “إسرائيل”، لذلك يجب على “إسرائيل” أن توضح للأطراف المعنية وخاصة للمواطنين أنفسهم، التداعيات المستقبلية لسياسة الاعتراض التفاضلي (في إطارها لن يتم اعتراض كل هدف بسبب التوفير أو النقص في صواريخ الاعتراض).
إلى جانب تداعيات عدم القدرة على الاعتراض التام للرشقات الثقيلة التي ستطلق في الوقت نفسه في حالة نشوب صراع واسع النطاق (كسيناريو قتال على الجبهة الشمالية)، المطلوب من المنظومة الأمنية والأنظمة المدنية تحسين عاجل في قدرات الدفاع والتعافي في الجبهة الداخلية، مثل البُنى التحتية الأساسية، وتوسيع البحث الذي سيمكن من تحديد التهديدات المستقبلية، من أجل تقصير مدة استجابة المنظومة الأمنية لها.
إلى جانب هذه المتطلبات الكثيرة واللازمة، تنشأ فرص لـ “إسرائيل”، مثل تحسين استعداد “إسرائيل” ليس على أساس “التحقيق في الحادث” أو “لجنة التحقيق”، ولكن على أساس الدروس المستفادة من حروب الآخرين ضد تقنيات أعداء “إسرائيل” أنفسهم، كما أن “إسرائيل” لديها فرصة، لغرس الفهم في الساحة الدولية بأن إيران ليست فقط مشكلة نووية محتملة ومصدراً لعدم الاستقرار الإقليمي من الناحية العملية، بل أنها مصدر أسلحة خطير يؤثر على الانتشار العالمي للتكنولوجيات المتقدمة الخطيرة، والتي قد تصل بشكل كبير إلى العديد من الدول وكذلك “المنظمات الإرهابية”.
إن التركيز على هذا الجانب من التهديد الإيراني قد يؤدي إلى المطالبة بتشديد العقوبات على إيران، والتي سَيَصعُب فرضها ولو بشكل طفيف، على أنشطتها، وهذا مهم في الوقت الحالي مع قرب انتهاء الحظر المفروض عليها من قبل الأمم المتحدة.
في ضوء الاعتراف الدولي الناشئ بتهديد الطائرات بدون طيار الإيرانية بشكل خاص والطائرات بدون طيار بشكل عام كتهديد لا يقتصر على منطقة الشرق الأوسط فقط، فقد يكون لـ “إسرائيل” فرص للتعاون مع الدول الأخرى، و”الصناعات الإسرائيلية” سيكون لديها فرص جديدة لتصدير تطويراتها، على سبيل المثال (أحد التحديات التي لم يتم حلها بعد بالنسبة لـ “إسرائيل” والدول الغربية الأخرى هو الحاجة إلى إنشاء أنظمة وعقائد قتالية لحماية القوات البرية المناورة من الطائرات بدون طيار والطائرات والحوامات)، وهذه فرصة للتعاون مع الحلفاء، إلى جانب تسخير خطوات بناء القوة بشكل عام لدرجة التعاون.
إن إظهار أو عرض التهديد الإيراني في أوكرانيا يؤكد أيضاً على أهمية تعزيز التعاون الإقليمي، وهو أمر ضروري ليس فقط لـ “إسرائيل”، نظراً للحاجة إلى التعاون الاستخباراتي، ويرجع ذلك إلى التحدي الكامن في الكشف الأولي عن الطائرات بدون طيار والحوامات، لتقييمات التعامل مع التهديد في الأوقات العادية وليس فقط في أوقات القتال.
ختاماً، إن القتال في أوكرانيا، الذي تُستخدم فيه الطائرات الإيرانية بدون طيار على نطاق واسع، يدُلُ على زيادة التهديد الحالي الذي يشهد العالم تغييراً في نطاقه وشدته، وكذلك في الطرق الممكنة لاستخدام هذه التقنيات من قبل أطراف لا تحترم القانون الدولي، وتستخدم هذه الطائرات بشكل عشوائي وقاتل، وهذا ما يُمثل تحديا حقيقيا لـ “إسرائيل” ودول أخرى، لكنه يحتوي أيضاً على فرص؛ على أي حال، هذا يتطلب فهماً عميقاً للتغيير وتكييف الاستعدادات ضده بسرعة وبشكل فعال، من أجل التحسين الضروري لاستعداد “إسرائيل” لأي صراع مستقبلي.
المصدر: معهد أبحاث الأمن القومي ليران عنتابي _ عميكام نوركين
Facebook Comments