أخبارأخبار رئيسيةأصداء الشارع "الإسرائيلي"

الانقلاب القانوني والمعارضة الشعبية له: إلى أي مدى ستتضرر الحصانة الاجتماعية والأمن القومي؟

ترجمة الهدهد

المقال يعبر عن رأي كاتبيه

تعيش “إسرائيل” الآن في خضم أزمة سياسية اجتماعية حادة ومتعددة الأبعاد، سببها صدام بين مجموعات وتصورات أو مفاهيم متعارضة حول قضايا مختلفة، والتي تختصر في السؤال الأساسي المتعلق بهوية وطبيعة الدولة باعتبارها “يهودية وديمقراطية” والعلاقة بين عنصري الهوية.
على مدى سنوات، نجح المجتمع والسياسة في “إسرائيل” – إلى حد ما – في المناورة بين التفسيرات المستقطبة لهذا المفهوم الغامض والإشكالي، والتصرف بصعوبة في واقع مليء بالتحديات من الانقسامات الاجتماعية والتناقضات السياسية الحادة.

انتهت الجولة الأخيرة من الانتخابات من بين الخمس جولات في السنوات الثلاث الماضية بفوز كتلة اليمين وتشكيل ائتلاف يميني واضح تدعمه أحزاب المتدينين الحريديم من جهة واليمين الصهيوني المتطرف من جهة أخرى، هذه النتيجة لها معان وتداعيات في قائمة من المواضيع المتفجرة، وهذا أيضًا في ضوء تركيبة الحكومة، التي تضم وزراء في مناصب رئيسية بأجندة متطرفة وقدرة مساومة كبيرة وملحوظة على استقرارها وبقائها، أدى هذا الوضع في حد ذاته إلى زيادة حدة الانقسامات السياسية المألوفة، وضمن ذلك خلق أيضا شعور بالخوف والتهديد لدى مجموعات كبيرة في “الجمهور الإسرائيلي”.

في هذا السياق المعقد، يجب فهم قوة وصدى مبادرة الحكومة لتغييرات بعيدة المدى في النظام القانوني ومكانته، وهذا ما يقدمه أو يعرضه المبادرون إليها، كما ينظر إليها من قبل معارضيها على أنها خطوة حاسمة سيكون لها ما بعدها وقد تُحدث ثورة في نظام التوازن المعروف والمؤسسي بين السلطات الحكومية الثلاث، وذلك من خلال منح السلطة الحكومية غير المنضبطة للسلطات التنفيذية والتشريعية على حساب تقليص استقلاليتها وصلاحيات سلطة القضاء والنظام القانوني ككل.

سيؤدي تنفيذ المبادرة برمتها إلى تغيير عميق في نظام الحكم في “إسرائيل”، وسيغير بشكل جذري طبيعة المؤسسات الديمقراطية فيها، كما أن الإضرار بالجوهر الديمقراطي في “إسرائيل” قد يقوض الأمن القومي، داخليًا وخارجيًا، إضافة إلى ذلك فإن العجلة والضغط الذي يتسم به تقديم المبادرة الحكومية والدوافع التي ينسبها إليها معارضوها بأنها يفترض أن تخدم رئيس الوزراء في معركته القانونية، تثير علامات استفهام واحتجاجات كبيرة ومستمرة ومعارضة عاطفية قوية لدى أجزاء كبيرة من “الجمهور الإسرائيلي”.

وهكذا، وفقًا لاستطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرًا على القناة 12 في 10 و 17 فبراير، قال 62 في المائة و66 في المائة على التوالي من المستطلعين إنهم يؤيدون وقف الخطوة، أو يجب تأجيل تنفيذها للسماح بمناقشة عامة لمحتواها، فقط 24 في المئة و21 في المئة على التوالي من المستطلعين يعتقدون أن العملية أو الخطوة يجب أن تستمر كما هو مخطط لها، حتى بين أولئك الذين صوتوا في الانتخابات الأخيرة لصالح أحزاب الائتلاف يؤيد الكثيرون وقف هذه الخطوة.

ليس من الواضح ماذا ستكون نهاية هذه الخطوة، يمكن الافتراض أنه سيتم توجيهها في النهاية إلى أي نوع من التسوية، ربما على أساس مبادرة الرئيس هرتسوغ (في 12 فبراير)، ومع ذلك، يوجد بالفعل في هذه المرحلة مجال لمناقشة خصائص الأزمة الحالية التي حددها الرئيس بأنها تضع “إسرائيل” على شفا الانهيار الدستوري والاجتماعي، في هذا السياق، من المهم فهم العواقب المحتملة لتحرك الحكومة وطريقة تنفيذ الخطوة على حصانة الدولة وأمنها القومي.

تقوم “الحصانة الوطنية” لـ”إسرائيل” على ثلاثة أسس رئيسة: وهي التضامن الاجتماعي، وثقة الجمهور في مؤسسات الدولة، والحكم الفعال، بافتراض أن قوة “إسرائيل” الصلبة – العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية – و الناعمة الدبلوماسية (بما في ذلك علاقاتها مع الجاليات اليهودية في العالم) والتعليمية والعلمية – صالحة في مواجهة الوضع الحالي والظروف والتهديدات الجيوسياسية المتوقعة.

لذلك، من الضروري دراسة كل من طبيعة التغييرات التي اقترحتها الحكومة بدقة، وكذلك عمق الأزمة الاجتماعية السياسية الحالية وعواقبها على مكونات “القوة الإسرائيلية”، يتعلق الأمر بالقوة نفسها وكيف يُنظر إليها في الخارج، بما في ذلك في أعين أعداء “إسرائيل”، كل هذا، مع الأخذ في الاعتبار أنه في السنوات الأخيرة كان هناك بالفعل اتجاه ينذر بالخطر من التراجع في المكونات الثلاثة للصمود:

• التضامن الاجتماعي: في السنوات الأخيرة، حدث تقلص في العلاقة التي توحد بين المجموعات المختلفة في “الطيف الإسرائيلي” المتنوع، إلى جانب زيادة مستوى العداء بينه وكذلك زيادة مستوى العنف بشكل عام في الساحة العامة، بعد أن تراجعت روح “الجماعة الإسرائيلية” على مر السنين وأفسحت المجال أمام القبلية القطاعية لفردانية متميزة، ينعكس هذا الاتجاه بوضوح في “مؤشر الديمقراطية الإسرائيلي” الصادر عن “المعهد الإسرائيلي” للديمقراطية (2022). حيث تشير نتائجه إلى تقييم معتدل إلى حد ما (5 من 10) فيما يتعلق بإدراك الجمهور لمستوى “التضامن الإسرائيلي” في العقد الماضي، وانخفاض في الإحساس بالتضامن في السنوات الثلاث الماضية من 5.5 إلى 4.7 (من 10) بين اليهود ومن 4.8 إلى 3.8 بين العرب، وفي استطلاع مؤشر الأمن القومي الذي أجراه معهد دراسات الأمن القومي – INSS – في نهاية أكتوبر 2022، وجد أن 61٪ من “الجمهور الإسرائيلي” يوافق على الادعاء بأنه كان هناك ضعف في الشعور بالتضامن، مقابل 20 في المائة يعتقدون عكس ذلك، ويجب اعتبار هذه المعطيات نتيجة للأزمة الحالية، التي تنعكس بشكل سلبي خطير على الخطاب في “المجتمع الإسرائيلي” وتزيد من حدة الانقسامات داخله.

• ثقة الجمهور بين مختلف قطاعاته وبين الأحزاب السياسية وتجاه المؤسسات الحكومية آخذة في التراجع، وهذا الاتجاه صحيح بشكل خاص فيما يتعلق بالنظام القضائي، حيث تراجعت الثقة فيه بشكل كبير وفقًا لاستطلاعات INSS في السنوات الأخيرة (من 64 في المائة من الجمهور الذي أعرب عن ثقة عالية في 2018 إلى 41 في المائة في عام 2022)، وينطبق الشيء نفسه على “الشرطة الإسرائيلية” (53 في المائة أعربوا عن ثقتهم العالية في 2018 مقابل 30 في المائة في 2022).
وتحصل الحكومات منذ سنوات على مستوى منخفض للغاية من الثقة (حوالي 30 في متوسط ثلاث سنوات)، أما عن مستوى ثقة الجمهور في “الجيش الإسرائيلي” والموساد والشاباك فهي أعلى بكثير، مع اتجاه هبوطي طفيف سُجل في العام الماضي.
يبدو أن أزمة الثقة أصبحت الآن حادة للغاية، حيث تتميز الأزمة الحالية بانعدام الثقة التام في دوافع الطرفين.

الحوكمة أو فرض النظام التي يتم التعبير عنها في فهم الجمهور لمستوى الفعالية أو التأثير الذي يشير إلى قدرات الحكومة في المجالات ذات الأهمية للجمهور، هي أيضًا في تراجع، على سبيل المثال “مفهوم الأمن الشخصي” لدى قطاعات كبيرة من الجمهور آخذ في التقلص، والانتقادات لأجهزة إنفاذ القانون آخذ في الازدياد، ففي استطلاع INSS لعام 2022، تم تسجيل انخفاض حاد في الشعور بالأمن الشخصي، حيث قال 57 في المائة من المشاركين أن شعورهم بالأمن قد انخفض، مقارنة بستة في المائة فقط قالوا إن شعورهم بالأمان قد زاد، ومع ذلك، فإن مسألة الحوكمة وثيقة الصلة بمجالات أخرى، هذه هي الطريقة التي يتم بها تحدي الحوكمة مؤخرًا من قبل النظام السياسي نفسه، بطريقة تثير مخاوف بشأن الأداء الإشكالي للوزارات الحكومية الأساسية، مثل وزارة الجيش، ووزارة الأمن القومي.

ينص الإطار العلمي المتعلق بالحياة الوطنية على أن المؤشرات العالية للتضامن والثقة والحكم تتنبأ بحصانة عالية، فالحصانة الوطنية على مستوى عالٍ تعني إضافة للقدرات على المستوى الوطني للتعامل بنجاح مع الاضطرابات الشديدة، من الطبيعة (مثل الزلازل) أو من الأيدي البشرية (مثل الحروب والهجمات المعادية)، في المجالات الرئيسية التالية: أ- احتواء التراجع الوظيفي الحتمي بسبب هذه الاضطرابات عند حدوثها ، ب- الحفاظ على درجة من الاستمرارية الوظيفية، حتى أثناء الانقطاع، ج- التعافي السريع من الاضطراب أو الانقطاع والعودة إلى مستوى الأداء الذي كان قبل ذلك، د- الوصول إلى مستوى أعلى من الأداء النظامي، بعد الاضطراب، إلى حد النمو الوطني متعدد الأبعاد.

في السياق “الإسرائيلي”، يمكن أن يتجلى الضرر الذي يلحق بالحصانة الوطنية في أعقاب توقف أو اضطراب واسع النطاق، بدءًا من أزمة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، أو زلزال شديد، أو سيناريوهات مختلفة للصراعات الأمنية، الخارجية والداخلية.

إن الحصانة الوطنية المهتزة بسبب الأضرار التي لحقت بمكوناتها الأساسية ستقلل من قدرة “إسرائيل” على التعامل بنجاح مع هذه التحديات، واحتوائها، والتعافي منها بسرعة (مقارنة بشدة الحدث) وحتى بالنمو.

الزلزال العام الذي يحدث الآن هو في حد ذاته يشكل ضررا بالحصانة الوطنية، لذلك، يجب على “الحكومة الإسرائيلية” أن تفهم وتستوعب أن التحركات التي تهدف إلى تقويض التضامن الداخلي، وخلق انقسامات عميقة وعداء بين قطاعات من الجمهور، والإضرار بثقة الجمهور بها، والإضرار بالحوكمة، قد تكون مكلفة للغاية.

حتى إذا كانت الحكومة مصممة، لأسبابها الخاصة، على المضي قدمًا في التغييرات في النظام القانوني، فيجب عليها أن تفعل ذلك بحذر وبطريقة تسمح بالحوار مع المعسكر المعارض والاستعداد لتقديم تنازلات من كلا الجانبين، هذا من أجل منع التدهور الواضح في الحضانة الاجتماعية وما يترتب على ذلك من مخاطر على الأمن القومي لـ”دولة إسرائيل”.

المصدر: معهد أبحاث الأمن القومي

 

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي