هل يتقدم نتنياهو خطوة في العلاقات مع السعودية أم أن العجلة من الشيطان؟

ترجمة الهدهد

معهد القدس للاستراتيجية والأمن

اللواء متقاعد عيران ليرمان

المقال يعبر عن رأي كاتبه

النهج الذي اتسمت به مداولات اللجنة التوجيهية وفرق العمل لـ “منتدى النقب” في أبو ظبي (9-10 يناير 2023) استعدادًا لاجتماع وزراء الخارجية في المغرب في مارس، يشير إلى أن الاتجاه نحو تعميق “اتفاقيات إبراهام” بقي كما هو حتى بعد تغيير الحكومة في “إسرائيل”.

ولا تزال الآمال في تحقيق انفراجة مع المملكة العربية السعودية على جدول الأعمال، والتي تنعكس في التغييرات على المستوى الميداني (بشكل رئيسي في العلاقات التجارية) والتي تمت مناقشتها في محادثات مستشار الأمن القومي الأمريكي في “إسرائيل”، ولكن كما يقول المثل العربي: “العجلة من الشيطان”، والإعلان المبكر فقط يضر.

الخطوة لن تؤتي ثمارها بسهولة، فالقضية الفلسطينية لا تزال تشكل عقبة والصورة السياسية في السعودية معقدة.

يتطلب تحقيق العلاقات العلنية مع المملكة العربية السعودية تحولًا في الموقف الأمريكي تجاه المملكة: مثل الالتزام الأمني ضد إيران والذي يجب على “إسرائيل” أن تواصل تعزيزه في المحادثات مع كبار المسؤولين في إدارة بايدن، كما أن هناك حاجة إلى التهدئة في القضية الفلسطينية، والسعوديون رغم أنهم لا يعتبرون أنفسهم ملزمين تجاه الفلسطينيين إلا أنهم ليسوا في عجلة من أمرهم لإزالة شرط التقدم في المفاوضات مع الفلسطينيين، على أي حال سيجد الأمير محمد بن سلمان صعوبة في الترويج لقرار دراماتيكي بالكشف عن العلاقات مع “إسرائيل” في خضم نزاع أو أزمة عنيفة حول مسألة المسجد الأقصى.

ما بعد “منتدى النقب”
عُقد اجتماع واسع النطاق في أبو ظبي (9-10 يناير 2023) على مستوى مهني رفيع من اللجنة التوجيهية ومجموعات العمل الست (الأمن الإقليمي، الطاقة، الأمن والغذاء والمياه، السياحة، الصحة، التعليم والتسامح) في إطار ما لا يزال يطلق عليه “منتدى النقب” ، الذي أنشأه وزراء خارجية الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب في مارس 2022، وذلك بعد اعتماد اتفاقية النقب اتفاق الإطار لمنتدى النقب للتعاون الإقليمي في نوفمبر 2022، بهدف رفع التعاون في جميع المجالات إلى مستويات عملية، والتحضير للاجتماع على مستوى وزراء الخارجية في المغرب المقرر عقده في مارس من هذا العام.

أشار مسؤولون “إسرائيليون” من مختلف الوزارات وكذلك من مجلس الأمن القومي الذين شاركوا في المناقشات بشكل إيجابي إلى الروح الإيجابية (على الرغم من المحاولة الفاشلة من قبل أحد الوفود لوضع القضية السياسية الفلسطينية على جدول أعمال مجلس الأمن) وإلى الاتفاقات الهادفة في مجموعة متنوعة من المجالات، كما أن الدعم الأمريكي المرافق من خلال رسائل مفادها أن هذا ليس بديلاً عن حل الدولتين، يسهم أيضًا في تأسيس المنتدى كإطار رسمي يجسد روح “اتفاقات إبراهام”، على الرغم من أن السودان لم تضفِ الطابع الرسمي على علاقاتها مع إسرائيل ولم تشارك فيه بعد.

ومن الأهمية بمكان دور مصر، التي اتخذت في العقود السابقة موقفًا باردًا جدا تجاه تحركات التطبيع مع “إسرائيل”، وهي الآن شريك في كل من منتدى النقب وإطار إقليمي آخر – منتدى غاز شرق البحر الأبيض المتوسط – الذي تشارك “إسرائيل” فيه كأحد الركائز، لكن رفض الأردن المستمر للانضمام يستحق نقاشا منفصلا.

بطبيعة الحال، حقيقة أن اللقاء جرى في جو إيجابي، على الرغم من التوترات التي صاحبت تشكيل الحكومة الجديدة في “إسرائيل” له مغزًى رمزي وعملي، ومن المسلم به أن هذه التوترات زادت بعد اقتحام بن غفير المسجد؛ ما أدى إلى عدد من الإدانات من قبل المشاركين في المنتدى، والتصويت في مجلس الأمم المتحدة (الذي أيده جميع شركاء السلام لإسرائيل في المنطقة) بخصوص طلب الرأي حول استمرار الاحتلال “الإسرائيلي ” من محكمة العدل الدولية في لاهاي، إلا أنه اتضح مرة أخرى أنه من الممكن تعميق وإرساء “اتفاقيات إبراهام” في جوانبها العملية حتى في حالة عدم وجود “أفق سياسي” في القضية الفلسطينية.

المسألة السعودية

جنبا إلى جنب مع تعميق الاتفاقات، فإن توسيعها هو أيضا على جدول الأعمال، وعلى وجه التحديد، بما أن الأمور قيلت صراحة في الخطاب السياسي “الإسرائيلي”، هل هناك إمكانية حدوث انفراجة قريبة في العلاقات بين “دولة إسرائيل” والمملكة العربية السعودية، خلال أداء الحكومة الجديدة لليمين (29 ديسمبر) في خطابه الختامي في الكنيست أشار رئيس الوزراء السابق يائير لابيد على وجه التحديد إلى حقيقة أنه تم إحراز تقدم كبير في طريق التطبيع مع المملكة العربية السعودية، وأن المحادثات تقريباً كادت تثمر. وكان من الواضح أنه يريد التأكد من أنه عندما يحين الوقت سيتم الاعتراف بأنه وحكومته لعبوا دورًا في عملية تاريخية.

من جانبه، لم يشر نتنياهو إلى المملكة العربية السعودية على وجه التحديد، لكنه ذكر توسيع “اتفاقات إبراهام” أملا في إنهاء “الصراع العربي الإسرائيلي” كأحد الأهداف الأساسية الثلاثة الأولى لحكومته، إلى جانب التعامل مع المشروع النووي الإيراني ومشاريع البنية التحتية التي من شأنها ربط جميع أنحاء “إسرائيل”، فقط انفراجة مع المملكة العربية السعودية، باعتبارها الدولة الرئيسية في العالم العربي إلى جانب مصر، يمكن بالفعل اعتبارها تحقيقًا لهذا الهدف، وأشار آخرون في حزبه على وجه التحديد إلى إمكانية تحقيق إنجاز مع السعودية في المدى القريب.

وغير المعرفة المباشرة لمسؤولين رسميين – على اتصال سري مع السعوديين منذ فترة طويلة – هناك أيضًا مسؤولون آخرون تشكل لديهم مؤخرًا انطباعات تشير إلى استعداد سعودي، على مستوى مبدئي، للتحرك نحو التطبيع مع “إسرائيل”.

وفي محادثة مع رؤساء معهد واشنطن، عدّد ولي العهد السعودي شروطه – كما هو مفصل أدناه – لكنه لم يضع ضمنها أي إشارة إلى القضية الفلسطينية، وفُسرت كلماته على أنها موافقة من حيث المبدأ – وإن كانت مشروطة – بفكرة إقامة علاقات دبلوماسية مع “إسرائيل”.

قام وفد من العسكريين الأمريكيين المتقاعدين نيابة عن منظمة JINSA، والتي تعمل على تعميق الالتزام بإسرائيل في المؤسسة الأمنية الأمريكية، بزيارة المملكة العربية السعودية مؤخرًا، وأعرب الوفد عن انطباعه بأن التحركات التمهيدية لحدوث الانفراجة “تنضج”.

مؤشرات مهمة تراكمت:
١- من المشكوك فيه جدا أن البحرين، التي تعتمد على السعودية بشكل عميق، كانت ستنضم إلى “اتفاقيات إبراهام” وتدعو إلى تعميقها إذا لم تكن قد أدركت أن السعوديين مرتاحون لذلك، ومن الواضح أن شركاء “منتدى النقب” ككل يتصرفون بناء على تقييم مماثل فيما يتعلق بموقف محمد بن سلمان.
٢- سمحت المملكة العربية السعودية بالمرور عبر مجالها الجوي للرحلات الجوية من وإلى “إسرائيل” (عُمان هي الآن من ترفض).
٣- السعوديون عادوا كما فعلوا في عام 2015، عندما تم طرح القضية على الجدول والتزموا بتنفيذ شروط “اتفاقية السلام الإسرائيلية المصرية” فيما يتعلق بحرية الملاحة في مضيق تيران حتى بعد عودة جزيرتي تيران وصنافير إلى سيادتهم، وذكر أيضا إمكانية السماح بزيارات “إسرائيلية” إلى الجزر.
٤- مشاركة رجال أعمال “إسرائيليين”، بما في ذلك كلمة عامة لرئيس مجلس إدارة بنك لئومي سامر الحاج يحيى، في المؤتمر السادس لمبادرة الاستثمار المستقبلية (FII) (Future Investment Initaitive) ضمن منتدى الاستثمار الدولي الرئيسي في المملكة العربية السعودية، وهذا يعكس استعدادا متزايدا لفتح الاقتصاد السعودي أمام الاستثمارات الإسرائيلية مباشرة.

كل هذه تعتبر إشارات ومعالم، وكذلك اختبار لقدرة النظام، ولا سيما ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والمؤسسة السعودية الحالية على التحرك خطوة تلو الأخرى نحو التطبيع دون إثارة رد فعل شعبي غاضب.

وبالنسبة له كما أوضح لأفراد معهد واشنطن، فإن استعداده لتجاوز العتبة والانخراط بشكل علني في إقامة علاقات سياسية مشروط بتغيير موقف إدارة بايدن تجاه المملكة العربية السعودية وتجاهه شخصيا.

ماذا يريد السعوديون من الولايات المتحدة؟
ظهر التوتر في العلاقات بين واشنطن والرياض جيدًا، وعن قصد، خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المملكة العربية السعودية (8-9 ديسمبر 2022) والذي استقبل بحفاوة كبيرة عند مقارنته بالاستقبال الأكثر برودة للرئيس الأمريكي جو بايدن، خلال زيارته إلى جدة (15 يوليو 2022)، والتي فشل خلالها الضيف أيضًا في جهوده لإقناع السعوديين بالمساهمة في خفض أسعار النفط في ظل الأزمة الأوكرانية. ومنذ ذلك الحين، بُذلت جهود لخفض مستوى الاحتكاك، بما في ذلك قرار قانوني بدعم من الإدارة في نوفمبر 2022، بعدم اتخاذ أي إجراءات ضد محمد بن سلمان بسبب مقتل الصحفي جمال خاشقجي، ومع ذلك، فإن المشكلة الأساسية – نتيجة الشكوك المتبادلة ورواسب الماضي – لم تحل بعد.

في محادثة مع معهد واشنطن، أثارت المملكة العربية السعودية ثلاثة توقعات من الولايات المتحدة، لا علاقة لأي منها بالموضوع الفلسطيني حتى ولو بشكل غير مباشر:
1- التزام أمني أمريكي بمستقبل المملكة العربية السعودية، على شكل حلف الناتو، حيث في الخلفية بطبيعة الحال التهديد من جانب إيران والقلق السعودي العميق من أن الولايات المتحدة لن تمنع إيران فعليًا من تحقيق قدرة نووية عسكرية، وفي غياب مثل هذا الالتزام يستمر السعوديون في تنمية العلاقة مع المنافس القوي الصين، وحتى إنشاء قناة اتصال مع إيران نفسها للنقاش حول مستقبل العراق.
2- توريد أسلحة من الدرجة الأولى، هذه قضية حساسة من ناحية “إسرائيل”، ولكن يمكن التوفيق بينها وبين الالتزام الأمريكي – وفقًا للقانون، بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لـ”إسرائيل” (QME).
3- الحصول على الموافقة الأمريكية على إنشاء برنامج نووي مدني في السعودية، يمكن إيجاد حلول له على شكل آليات تفتيش وإمداد خارجي لدائرة الوقود.
على المستوى المبدئي على الأقل، وعلى أساس عمل طاقم مفصل بالتعاون مع جميع الأطراف ذات الصلة، يبدو أن المستوى السياسي الإسرائيلي قد قدم بالفعل خيارات بهذه الروح لكبار أعضاء إدارة بايدن، بما في ذلك مستشار الأمن القومي جيك سوليفان خلال زيارته لإسرائيل، وسيواصل وضع هذه القضية على رأس جدول أعمال الحوار مع وزير الخارجية توني بلينكين ورؤساء الحكومات.

تأثير الموضوع الفلسطيني والحاجة إلى تقدم محسوب
على أي حال، يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن الواقع من الناحية الدبلوماسية والسياسية (داخل الأسرة الحاكمة) والاجتماعية ومن ناحية الوعي في الساحة السعودية معقد، ولا يمكن رؤيته إلا جزئيًا جدًا للمراقب من الخارج، وحتى من الداخل، كما يعترف السعوديون أنفسهم، لن يكون من السهل إزالة رواسب العقود التي عاش فيها الشعب السعودي تحريضا مناهضا لـ”إسرائيل”.

لذلك أي ضغط “إسرائيلي” صارخ – قد يجر القضية إلى الساحة السياسية “الإسرائيلية” العاصفة – سوف يضر أكثر مما ينفع، وقد يحفز الملك، وربما حفز على كبح خطوات ابنه، ويتناسب المثل العربي القائل “العجلة من الشيطان” مع الرؤى المطلوبة فيما يتعلق بطريقة التعامل مع السعوديين في الظروف الحالية.

في غضون ذلك، من الصواب القول إنه على الرغم من أن ارتباط السعوديين بالموقف الفلسطيني ضعيف، لكن على المستوى العلني والتصريحات على الأقل، لا يزال الشرط التقليدي مسموعًا وهو أننا لن نتحرك نحو التطبيع مع “إسرائيل” حتى يتم إحراز تقدم بين “إسرائيل” و الفلسطينيين ويتم رسم أفق سياسي محدد.

وبشكل ملموس، أهمية “المبادرة العربية” بقيادة السعودية منذ عام 2002 تتلاشى في الواقع الإقليمي المتغير، ومن الواضح للسعوديين، وكذلك لدول “اتفاقيات إبراهام “، وحتى لإدارة بايدن – أن الحكومة “الإسرائيلية” الحالية (مثل سابقتها) من غير المتوقع أن تجد نقطة التقاء بين مواقفها والمواقف والمطالبات الفلسطينية في المستقبل المنظور.

لذلك من المناسب أن لا نبالغ في التوقعات، وحتى التقدم الدقيق والمحسوب مع السعوديين قد يواجه صعوبات كبيرة إذا تم تصوير سياسة “إسرائيل” على أنها تخلي عن صيغة “إدارة الصراع” وأنها تسعى جاهدة لاتخاذ قرار وتغيير جوهري للوضع، حتى لو كلف انهيار السلطة الفلسطينية وتفاقما كبيرا للمواجهات في الميدان، وهذا ينطبق طبعا على موضوع المسجد الأقصى.

إذا كانت الانفراجة مع الرياض هي أحد الأهداف الأساسية لـ”إسرائيل” في هذا الوقت، وهذا له أسباب استراتيجية ودبلوماسية واقتصادية، لذلك فهذا اعتبار يجب أن يؤخذ في الحسبان في المناقشات المستوى المهني والمستوى السياسي، وهو أن هناك مجالا للمضي قدما بحذر في القضايا التي يمكن أن يكون لها تأثير على فرص التقدم (الحذرة) ولا يقل أهمية عن القدرة لتسخير واشنطن للمساعدة في هذا الجهد.

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى