العلاقات “الإسرائيلية” الأمريكية إلى أين؟

ترجمة الهدهد

معهد السياسات والاستراتيجية IPS

المقال يعبر عن رأي كاتبيه

منذ تشكيل الحكومة الجديدة، دأبت الحكومة الأمريكية على إرسال رسائل علنية لـ”إسرائيل”؛ تتوقع بموجبها أن تعرف الأخيرة كيفية الحفاظ على القيم الديمقراطية المشتركة (بما في ذلك الحفاظ على حقوق مجموعات النوع الاجتماعي)، والتي شكلت الأساس من التحالف الاستراتيجي في السبعين سنة الماضية. هذا، مع تجنب الإجراءات الأحادية الجانب ضد الفلسطينيين، وفي مقدمتها توسيع المستوطنات، وتنفيذ إجراءات الضم وتغيير الوضع الراهن في الأماكن المقدسة، إلى جانب الحفاظ على مبدأ الدولتين (رغم الفهم بأنه في الوقت الحاضر إن احتمال تقديم حل ليس عمليًا).

علاوة على ذلك، خلال زيارة مستشار الأمن القومي سوليفان -وفقًا لمنشورات مختلفة – حذر الأخير رئيس الوزراء نتنياهو من أنه إذا تم المساس باستقلال النظام القضائي “الإسرائيلي” فستجد الإدارة صعوبة في تقديم دعم ثابت لـ”إسرائيل”.

يضاف إلى ذلك سلسلة من التصريحات التي أدلى بها أعضاء في الكونجرس وشخصيات من الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، إلى جانب مقالات منشورة في وسائل الإعلام، تم التعبير فيها عن قلق عميق بشأن الإجراءات التي تعمل الحكومة على الترويج لها، والتي قد تضر بالطابع الديمقراطي لـ”دولة إسرائيل”، وتعكس هذه الأشياء الأهمية الكبيرة التي توليها إدارة بايدن وقطاعات واسعة من الجمهور الأمريكي للحفاظ على القيم الديمقراطية والليبرالية، وقد اكتسب هذا المفهوم صلاحية متجددة في أعقاب العمليات والاحتجاجات الأمريكية الداخلية في المجتمع الأمريكي التي تكثفت في السنوات الأخيرة خاصة بعد تشكيك الرئيس السابق ترامب وأنصاره في شرعية نتائج الانتخابات الرئاسية، ومن وجهة نظر بايدن أظهرت نتائج الانتخابات النصفية أن الجمهور الأمريكي يعطي الثقة في طريقته  نظرته  الليبرالية الذي يسعى جاهداً لتعزيزها.

لقد أثبت الرئيس بايدن منذ توليه منصبه وفي الواقع خلال مناصبه طوال عشرات السنوات في الإدارة أنه ملتزم بأمن “إسرائيل”، بل إنه مُلزم في استثمار الكثير من الموارد لهذا الغرض. علاوة على ذلك، تُظهر الإدارة تحت قيادته تفهمًا للسياسة التي تنتهجها “إسرائيل” في عدد من القضايا حتى لو لم تتماشَ مع توقعاتها، على سبيل المثال فيما يتعلق بدعم أوكرانيا، نظرًا لمعرفتها القيود الأمنية التي تواجهها.

في ضوء ذلك، يجب على الحكومة الجديدة أن تولي أهمية كبيرة للرسائل التي تبثها الإدارة وأن تتجنب وضع الرئيس تحت الاختبار وأخذ دعمه على أنه أمر مفروغ منه، يرجح أن الرئيس نفسه يريد تجنب الوقوع في موقف إشكالي بالنسبة له، يضطر فيه إلى التوفيق بين التحالف مع “إسرائيل” الذي يسعى للحفاظ عليه وبين القيم الليبرالية التي يؤمن بها.

وعليه، على الحكومة أن تكون حذرة من سيناريو يصاب فيه الرئيس بخيبة أمل من الخطوات التي تتخذها، والتي في رأيه يمكن أن تغير طابع  “إسرائيل” والعلاقة مع الفلسطينيين، قد يؤدي مثل هذا الموقف إلى رد فعل مضاد حاد من جانبه، والذي سيتجلى في التراجع التدريجي وتآكل الدعم الواسع من الإدارة الأمريكية للمواقف “الإسرائيلية” من قبيل النقد العلني، ورفض مقابلة كبار المسؤولين في النظام السياسي، وعدم الاستعداد لاستخدام نفوذه لكبح التحركات ضد “إسرائيل” في المؤسسات الدولية والتباطؤ في الاستجابة لطلبات “إسرائيل” (أيضًا في المجالات الأمنية)، وفي هذا السياق، يُذكر أن إدارة أوباما امتنعت في  نهاية ولايتها  استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضد القرار رقم 2334، والذي اعترف بأن المستوطنات في الأراضي المحتلة عام 1967 غير شرعية.

توصيات: لا بديل عن التحالف الاستراتيجي

 وضع رئيس الوزراء نتنياهو التعامل مع التهديد المتزايد من إيران وكبح مشروعها النووي، إلى جانب توسيع اتفاقيات إبراهام وإدراج السعودية في دول التطبيع على رأس أولويات السياسة الخارجية لحكومته الجديدة؛ والشرط الضروري لتحقيق هذه الأهداف هو التعاون العميق من جانب الولايات المتحدة.

يجب أن تقوم سياسة “إسرائيل” تجاه الإدارة الأمريكية أولاً وقبل كل شيء على فهم أنه لا بديل عن التحالف الاستراتيجي والقيمي مع الولايات المتحدة؛ فالعلاقات الخاصة مع الإدارة ضرورية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية لـ”دولة إسرائيل”، بما في ذلك الحفاظ على مكانتها وحصانتها وقوتها الاقتصادية، وعمليات بناء قوة “الجيش الإسرائيلي” والتعامل مع التهديد المتزايد من إيران، ولا سيما في ظل التقدير القائل بعدم توقع اتفاق نووي جديد في أي وقت قريب، وتواصل إيران من جانبها التقدم في المشروع النووي.

لذلك من الضروري صياغة مفهوم استراتيجي جديد مشترك مع الحكومة الأمريكية؛ للتعامل مع التهديد الإيراني وإثبات لطهران أن الطرفين يعتزمان العمل بحزم لمنعها من تطوير قدرة نووية عسكرية.

وعلى “إسرائيل” أن تستغل الوقت الحالي حيث تسعى الإدارة الأمريكية إلى تنسيق التوقعات وتعزيز التعاون مع الحكومة الجديدة في سلسلة من القضايا الإقليمية والدولية لتشكيل العلاقة التي ستبنى على الثقة المتبادلة والمصالح المشتركة، في ضوء ذلك، وعلى خلفية الرواسب السابقة بين رئيس الوزراء والمؤسسة الديمقراطية، يُقترح أن ينقل لمحاوريه رسالة مفادها أنه من الصحيح – مع الحفاظ على المصالح “الإسرائيلية”، مراعاة طلبات الرئيس، وعدم مفاجئته سواء في القضايا الخلافية داخل الحكومة أو في القضايا “الإسرائيلية” الداخلية.

يجب على “إسرائيل” أيضًا أن تظهر نهجًا شديد الحذر في العلاقات مع الصين، لا سيما فيما يتعلق بالتعاون في المجالات الحساسة (الإنترنت، والتقنيات، وما إلى ذلك) وأن تتصرف بشفافية كبيرة مع الحكومة، في ضوء حقيقة أن الإدارة تعتبر الصين التهديد المرجعي الرئيس والدولة الوحيدة التي تشكل بديلاً حقيقياً للمكانة الأمريكية في الساحة العالمية وحتى في الشرق الأوسط، بسبب طموحاتها الجيوسياسية وقدراتها المتنامية كما تجلى مؤخرًا في زيارة الرئيس الصيني تشي إلى المملكة العربية السعودية.

بالنظر إلى حقيقة أنه من المتوقع أن يزيد العامان المقبلان من حدة الانقسامات في المجتمع الأمريكي استعدادًا للانتخابات الرئاسية، ومن أجل الحفاظ على دعم الحزبين، يُقترح أن تحذر الحكومة من الانجرار إلى المرجل الداخلي، وتجنب التعبير عن التأييد لهذا الموقف أو ذاك أو لهذا المرشح أو ذاك، بطريقة يمكن أن يستغلها أحد الأحزاب كجزء من الحملة الانتخابية.

إلى جانب ذلك، تحتاج الحكومة إلى إيجاد طرق لإجراء حوار بناء مع مختلف التيارات في الحزب الديمقراطي، وخاصة مع جيل الشباب، في ضوء التغييرات التي حدثت في السنوات الأخيرة في موقفهم من “إسرائيل”، في الوقت نفسه، يُقترح أن تعمل الحكومة على تعميق التعاون مع يهود أمريكا، وهو مصدر مهم للدعم والتأثير على الحكومة مع الحذر من اتخاذ قرارات قد تؤدي إلى عزل أجزاء منهم.

Facebook Comments

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى