“الحكومة الإسرائيلية الجديدة” على مُفترق طُرق

ترجمة الهدهد
بعد حوالي شهر من تشكيل الحكومة، تواجه “إسرائيل” تهديدات متكاملة متعددة الأبعاد، تنشأ عن الصلات المتبادلة بين عمليات داخلية سلبية، والقدرة على التعامل مع التحديات الخارجية المتزايدة، وهذا أولاً وقبل كل شيء خطر يؤدي إلى تآكل “التماسك الداخلي الإسرائيلي” والقوة الاقتصادية “لإسرائيل”، واحتمال حدوث تدهور حاد وسريع مع السلطة الفلسطينية وأمام التهديد المتزايد من إيران.
علاوة على ذلك، فإن الخطوات التي تسعى الحكومة إلى تعزيزها تقف في تناقض جوهري مع المواقف الأساسية للإدارة الأمريكية، بشأن القضايا المتعلقة بالقيم الليبرالية والعلاقات مع الفلسطينيين، في ضوء ذلك، ينبغي النظر إلى التوضيحات المتكررة من قبل الإدارة الأمريكية بشأن السياسة المتوقعة على أنها تحذير استراتيجي فيما يتعلق بمستقبل العلاقات بين الدول.
على الرغم من أن الاتجاهات الناشئة سلبية، لكنها عمليات ذات وجهين وتستطيع الحكومة تغيير مسارها الذي تتقدم فيه، ولهذه الغاية يجب على الحكومة التحلي بالحذر والحصافة السياسية، كما حدث على سبيل المثال في إخلاء بؤرة “أور حاييم” وزيارة رئيس الوزراء للأردن، وذلك بهدف منع التصعيد والحفاظ على الأصول الاستراتيجية التي تحت تصرفها، وعلى رأسها العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة والتعاون المشترك مع دول السلام والتطبيع، وتوضح المناورة العسكرية التي تم إجراؤها مع الجيش الأمريكي على حيوية التنسيق الاستراتيجي والعملياتي مع الولايات المتحدة.
من الناحية العملية، يجب على الحكومة أن تضع حداً فورياً للترويج للإصلاح القانوني وتجنب اتخاذ خطوات يمكن اعتبارها تحضيراً للضم وتغييراً للوضع الراهن في المسجد الأقصى.
من ناحية أخرى، فإن الاستمرار في تعزيز السياسة الحالية سيؤدي إلى تفاقم التهديدات التي تواجه “إسرائيل” وسيضر بقدرة الحكومة على صياغة رد إستراتيجي شامل للتعامل معها.
النظام الفلسطيني المُتفجر..
أمام النظام الفلسطيني، يتصاعد التوتر الناشئ عن مزيج من العنف على الأرض، والأزمة الحادة بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية بشأن اقتطاع الأموال، في الخلفية، هناك استياء دولي متزايد من تداعيات تحركات الحكومة الجديدة، خاصة فيما يتعلق بمكانة السلطة والأضرار التي لحقت بقدراتها الاقتصادية.
في ضوء ذلك، تزداد احتمالية أن “إسرائيل” والسلطة في مسار تصادمي يمكن أن يؤدي إلى تقويض لمكانة السلطة التي تعاني أيضاً من صورة عامة سيئة وضعف وظيفي على الأرض، إلى جانب التحدي المتمثل في ملء الفراغ الحكومي الذي قد ينشأ، هناك احتمال لتفاقم الاحتكاك مع اقتراب شهر رمضان والذي سيحل في شهر مارس.
التصعيد في الضفة الغربية، خاصة إذا كان مرتبطاً بقضية المسجد الأقصى قد يؤثر على ميادين أخرى، بما في ذلك النظام الداخلي في “إسرائيل”، هذا التصعيد قد يتم استغلاله من قبل حماس التي تعمل في الوقت نفسه على الترويج للمقاومة في الضفة الغربية.
إشارة تحذير أردنية..
تهدف الزيارة العلنية لرئيس الوزراء إلى الأردن لأول مرة منذ عام 2018، إلى نقل رسالة بخصوص الأهمية التي تراها “إسرائيل” في الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع المملكة.
وتأتي الزيارة على خلفية التوترات التي نشأت في العلاقات بين الدولتين عقب اقتحام الوزير “بن غفير” إلى المسجد الأقصى، وإشكالية زيارة السفير الأردني للمسجد الأقصى، وأظهر الإعلان الذي نشره الأردن في نهاية الزيارة الحساسية الكبيرة تجاه “السلوك الإسرائيلي” في المسجد الأقصى الشريف.
وذلك في ظل التخوف من أن تقود الحكومة الجديدة إلى تغيير الوضع الراهن في الأماكن المقدسة، بشكل يضر بالمكانة الأردنية الخاصة على النحو المنصوص عليه في اتفاقية السلام.
تعد الشراكة الاستراتيجية بين “إسرائيل” والأردن ركيزة أساسية لمفهوم “الأمن القومي الإسرائيلي” والمعركة الشاملة ضد إيران وتهديدات الإرهاب
في ضوء ذلك، على “إسرائيل” أن تواصل العمل على تقوية المملكة وتجنب أي تحرك أحادي الجانب خاصة في المسجد الأقصى الذي يمكن أن يشعل مواجهة عنيفة مع الفلسطينيين، وينعكس أيضاً على مكانة الملك عبد الله، في هذا السياق يُقترح أن تعمل الحكومة أيضاً على تعزيز مكانة موظفي وحراس الوقف في المسجد الأقصى وتعزيز التعاون معهم.
الحرب في أوكرانيا – التصعيد الوشيك..
تستعد روسيا وأوكرانيا لتصعيد الحرب في الأسابيع المقبلة عندما تسمح الظروف الجوية والأرضية بذلك، في هذا السياق تبرز الرغبة الغربية في تزويد أوكرانيا بأنظمة أسلحة رئيسية وعلى رأسها بطاريات “باتريوت” ودبابات متطورة.
على أساس أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي قد تسمح لأوكرانيا بوقف الهجوم المضاد الروسي، وفي الوقت نفسه تعزيز هجومها المضاد.
إلى جانب ذلك، من الواضح أن المحور الاستراتيجي بين روسيا وإيران مستمر في التوسع، وعلى جدول الأعمال هناك إمكانية بدء توريد طائرات SU-35 إلى إيران في أشهر الربيع، في الواقع وكلما استمرت الحرب وتفاقم النقص الروسي في المعدات العسكرية، سيزداد اعتماد موسكو المتزايد على تلقي المساعدة العسكرية من إيران، نتيجة لذلك ستتوسع المكافآت التي ستكون موسكو على استعداد لتقديمها لإيران ما سيعزز من قدرات إيران العسكرية والتكنولوجية.
في ضوء ذلك، فإن الخيارات المتاحة “لإسرائيل” للحد من العلاقات الوثيقة بين روسيا وإيران محدودة للغاية، لذلك يُقترح أن تركز الحكومة جهودها على أهداف محدودة تتداخل مع المصالح الروسية، لضمان عدم مساعدة روسيا لإيران في المجال النووي العسكري وعدم تغيير سياستها في سوريا.
وتحقيقا لهذه الغاية، ينبغي “لإسرائيل” أن تستمر في اتباع نهج حذر يسمح لها بالوقوف معنوياً وأخلاقياً إلى جانب أوكرانيا، وفي الوقت نفسه تجنب المواجهة مع روسيا، هذا من أجل الحفاظ على حرية العمل لديها ضد الأهداف الإيرانية في المنطقة، من الناحية العملية.
يُقترح أن تواصل الحكومة على المستوى العام الإعراب عن دعمها المطلق لأوكرانيا وتزويدها بمساعدة مكثفة ضمن القيود الحالية، مع تجنب الإمداد بأنظمة الدفاع الجوي وأنظمة النيران الأخرى.
الحصانة الوطنية – التدهور والانقسام..
بدون قياس إحصائي يمكن التأكيد على وجه اليقين أنه في مؤشر التماسك الاجتماعي، حدث تدهور كبير في “المجتمع الإسرائيلي” في الأسابيع الأخيرة، وذلك في ضوء تحركات الحكومة في المجال القانوني، وهو ما تم تعريفه من قبلها على أنه إصلاح قانوني لتعزيز الديمقراطية، ينظر إليه من قبل قطاعات كبيرة من السكان على أنه انقلاب حكومي، ما يضعف الديمقراطية ويشجع في الواقع على تطوير نظام أكثر مركزية وقوة.
يُظهر التحليل العملي لمكونات الإصلاح المقترح أنه في شكله الحالي، لديه القدرة على إلحاق الضرر بالمكونات الأساسية لنظام الحكم في “إسرائيل”، وبالتالي، فإن تغيير تشكيل لجنة اختيار القضاة قد يضر بشكل كبير بمستوى الكفاءة المهنية للقضاة ومصداقيتهم، وسيُخضع النظام القضائي للحكومة والكنيست، لسن بند التغلب على قرارات المحكمة بأغلبية 61 عضواً فقط من أعضاء الكنيست، سيسمح للحكومة بإلغاء وتجاوز أي حكم صادر عن المحكمة العليا مع تجاهل العديد من المبادئ الديمقراطية.
إن إلغاء مبدأ المعقولية المستخدم في معظم دول العالم الغربي سيضر بشكل كبير باستقلال المحاكم وقدرة الفرد على الدفاع عن نفسه أمام السلطات، وآخر خطوة هي تحول المستشارين القانونيين في الوزارات الحكومية إلى مناصب ثقة، بما قد يضر برأيهم المهني ويفتح الباب أمام اتخاذ القرارات دون أي قيود قانونية جوهرية.
من تحليل التحركات التي تعتزم الحكومة تنفيذها في المجال القانوني، هناك خوف خطير من إضعاف الديمقراطية، الغرض من هذه التحركات هو خلق قدرة مطلقة على الحوكمة للحكومة ومن يترأسها دون أي تدخل أو رقابة قضائية، على غرار الحكومات الديكتاتورية الأخرى في العالم، قد يكون لذلك عواقب سلبية على مكانة “إسرائيل” وصورتها وقوتها الاقتصادية على الساحة الدولية، فضلاً عن قدرتها على العمل ضد التحديات الأمنية التي تواجهها.
ومن المتوقع أن تؤدي هذه العملية إلى تعميق الانقسام والتصدعات في “المجتمع الإسرائيلي” أكثر، ففي الخلفية تجري هناك تحركات أخرى تتحقق بسرعة، ومن المتوقع أن تستمر في جعل من الصعب على الحكومة التعامل مع الأطراف الدولية وتعميق الانقسام في “المجتمع الإسرائيلي”، هكذا في مجال التعليم والتعليم الأساسي والتدين، وهكذا في مجال الخدمة العسكرية، وصلاحيات الحاخامية العسكرية وصلاحيات منسق العمليات الحكومية في الأراضي الفلسطينية، وهكذا في مجالات إغلاق المواصلات العامة في أيام السبت.
من الواضح إذاً أنه حتى في مجالات الحصانة الوطنية هناك ضعف مستمر قد يؤثر بشكل مباشر على جوانب الأمن القومي و”الاقتصادي الإسرائيلي”.
المصدر: طاقم معهد السياسات والاستراتيجيات (IPS)
بقيادة اللواء (احتياط) عاموس جلعاد
Facebook Comments