تحليل التحديات وتوصيات لاتخاذ سياسة
التوترات المتصاعدة في النظام الفلسطيني

ترجمة الهدهد
شهدت الأسابيع الأخيرة زيادة مستمرة في التوترات في النظام الفلسطيني نتيجة الدمج بين ثلاثة مراكز أزمات متشابكة وتؤثر على بعضها بعضا:
- الاشتباكات المتزايدة على الأرض المصحوبة بسقوط عدد كبير من الضحايا في الجانب الفلسطيني:
(معظمهم مقاومون مشاركون في المواجهات مع قوات الجيش الإسرائيلي)، وجهود حماس والجهاد الإسلامي للتشجيع على العمليات بالضفة الغربية، في مناطق تظهر فيها السلطة تهاوناً وضعفاً وخاصة شمال الضفة الغربية. - تعميق الانفصال بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية:
على خلفية الترويج للتحرك الفلسطيني أمام المحكمة الدولية فيما يتعلق بوضع “الاحتلال الإسرائيلي” للأراضي الفلسطينية، الأمر الذي أدى إلى عقوبات مالية (اقتطاع أموال الضرائب ودفعها لعوائل قتلى العمليات النضالية) ورافقها تلميحات من “كبار الإسرائيليين” – خاصة الوزير سموتريتش – بخصوص “غياب” و”ضرورة” استمرار وجود السلطة الفلسطينية.
وفي الخلفية قرار الحكومة بشأن نقل بعض صلاحيات وحدة تنسيق عمليات الحكومة في الأراضي الفلسطينية لــ”سموتريتش”، الأمر الذي يثير قلقاً فلسطينياً ودولياً بشأن التطبيق التدريجي للسيادة اليهودية في الضفة الغربية تحت غطاء تغيير تنظيمي. - تنامي بوادر القلق من جانب النظام الدولي:
وخاصة الإدارة الأمريكية، تجاه “إسرائيل” فيما يتعلق بتغيير محتمل للواقع في الضفة الغربية بطريقة “الضم البطيء”، والإعراب عن قلق الدول الأوروبية الغربية من تداعيات اقتطاع الأموال على استقرار السلطة الفلسطينية.
يمكن “لإسرائيل” أن تواسي نفسها بحقيقة عدم ظهور تهديدات أكثر حدة حتى الآن، حيث لا توجد انتفاضة واسعة النطاق في الضفة الغربية، وغالبية الجمهور الفلسطيني ليس مشاركاً في المواجهات.
ويتم تنفيذ معظم العمليات النضالية من قبل أفراد أو مجموعات محلية، وليس كجزء من بنية تحتية منظمة، والهدوء يسود قطاع غزة في أعقاب التسهيلات المدنية غير المسبوقة، التي منحتها “إسرائيل”،ـ والضغط الدولي في السياق الفلسطيني لم يتجسد حتى الآن في إجراءات عقابية قانونية أو اقتصادية أو سياسية.
من المتوقع أن يؤدي استمرار الاتجاه الحالي إلى تقويض الواقع الحالي بطريقة تؤدي إلى تفاقم التحديات التي تواجهها “إسرائيل”.
قد يؤدي تقييد الدعم المالي للسلطة إلى زعزعتها بطريقة تلزم “إسرائيل” بشغل السلطات المدنية التي سيكون من الصعب عليها شغلها، وهذا الأمر يقربها من واقع دولة واحدة.
هذا التقييد، إلى جانب التأثير المحتمل لتقوض الواقع الاقتصادي في “إسرائيل” (كنتيجة للأزمة الحادة المتعلقة بالمسألة القانونية)، يمكن أن يضر بالمواطن الفلسطيني، وبالتالي يعزز إمكانية تطور احتجاج شعبي واسع، فالأزمة المتصاعدة بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية قد تصل إلى انقطاع في التنسيق، يصحبه “انحراف أو انزلاق” عناصر الأجهزة الأمنية للمقاومة.
بالإضافة إلى ذلك، قد يصل الأمر إلى عقوبات من دول، أو شركات اقتصادية ضد “إسرائيل”، خاصة إذا تم الادعاء بأن هذا يعزز تغييراً تدريجياً في الواقع في الضفة الغربية.
من المتوقع أن يتطور التحدي الرئيس في منتصف شهر مارس، عندما يحل شهر رمضان
(على الرغم من أنه من الممكن أن يتحقق هذا حتى قبل ذلك الوقت)، تزامن شهر رمضان في السنوات الأخيرة مع عيد الفصح اليهودي وذكرى قيام “دولة إسرائيل”، وهو الأمر الذي يعد سبباً لتصاعد التوترات الأمنية.
في هذا السياق تبرز الاحتكاكات التي تنشأ في المسجد الأقصى، والذي يُستخدم “كعامل كمفجر” يؤثر على ساحات أخرى، كما انعكس ذلك في عملية “حارس الأسوار” عام 2021، في هذا الإطار، من المتوقع أن يزداد التحدي الأمني سوءاً في كل من القدس والضفة الغربية، وفي المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل، بل وفي قطاع غزة.
في الخلفية سيتم التركيز على العاصفة الداخلية التي تتصاعد في “إسرائيل” بعد تحركات الحكومة في مجالات القانون والثقافة والتعليم والاقتصاد، ما قد يجعل من الصعب تكوين إجماع وشرعية داخلية في سيناريو نشوء معركة خارجية.
على خلفية الخطر المتزايد للانفجار في النظام الفلسطيني، واحتمال أن يؤثر ذلك أيضاً على الساحات الأخرى، بما في ذلك المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل، ونظراً لخطر الإضرار بالعلاقات الاستراتيجية بين “إسرائيل” والولايات المتحدة والعلاقات مع العالم العربي، إلى جانب التداعيات السلبية على النظام الداخلي، يوصى بأن تحافظ الحكومة الحالية في الوقت الحالي على الوضع القائم بدلاً من تعزيز التحركات “الانقلابية، وخاصة السعي للإنكار العميق للواقع وخلق آخر في مكانه.
في هذا السياق، يوصى باتخاذ عدة خطوات روجت الحكومة لبعضها في الأسابيع الأخيرة:
- العمل على استقرار الواقع المدني في الضفة الغربية، مع توخي الحذر في خلق علاقة مباشرة بين “إسرائيل” والشعب الفلسطيني، والتخلي عن السلطة الفلسطينية.
وهذا يُلزم “إسرائيل” في الوقت الحالي بتجنب العقاب المالي القاسي، الذي يمكن أن يقوض مكانة السلطة الفلسطينية، أو يلحق الضرر بنسيج الحياة المدنية في الضفة الغربية. - تجنب التحركات التي يُنظر إليها على الساحة الدولية على أنها تغيير للواقع في الضفة الغربية، كما حدث في قرار الحكومة بتفكيك بؤرة “أور حاييم” قبل نحو أسبوع.
- الاستعانة بجهات خارجية بهدف الحفاظ على الهدوء النسبي في النظام الفلسطيني، في هذا السياق، يبرز دور الأردن بشكل خاص في سياق المسجد الأقصى (في خلفية زيارة نتنياهو الوزراء إلى الأردن، والتي تعهد خلالها الأخير بالحفاظ على الوضع الراهن في المسجد الأقصى)، والاستعانة بمصر تجاه السلطة الفلسطينية، وقطر تجاه حماس في قطاع غزة.
- كبح محاولات حماس المتزايدة لإشعال الضفة الغربية، يجب التفريق بين قطاع غزة والضفة الغربية، ففي الضفة هناك تصعيد لم يشهد له مثيل منذ حوالي عقد من الزمان، وجزء كبير منه نابع من تحركات وأفعال حماس.
مطلوب من “إسرائيل” أن تدرس فرض شرط صارم يربط استمرار التسهيلات المدنية بإنهاء جهودها حماس “الإرهابية” في الضفة الغربية، وعمليات الخطف التي يواصل التنظيم المثابرة عليها، فضلاً عن المطالبة المتجددة بإبداء المرونة بشأن قضية الأسرى والمفقودين “الإسرائيليين” مقابل تلك التسهيلات.
إذا اتخذت “إسرائيل” هذه الخطوات، فقد تحقق هدوء نسبي خلال شهر رمضان المقبل
ومع ذلك، فإن الهدوء كما ثبت في السنوات الأخيرة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة ليس إنجازا استراتيجيا يضمن الاستقرار على المدى الطويل، ولكنه هدف تكتيكي ومؤقت في جوهره، يجب على “إسرائيل” أن تقلل الانشغال بالنضال من أجل الجوانب الرمزية، وتوجيه الجهد الرئيسي والاهتمام بنقاش معمق حول الاستراتيجية طويلة المدى الضرورية في النظام الفلسطيني، وهو الأمر الذي لم يكن موجوداً منذ سنوات عديدة.
سيسمح مثل هذا النقاش المنهجي “لإسرائيل” بملاحظة أنه لم يتبق لها سوى بديلين استراتيجيين يتطلبان حسماً بالفعل في المدى القريب: السير نحو واقع دولة واحدة (حتى بدون تخطيط أو رغبة) أو اتخاذ قرار بشأن الانفصال من جانب واحد، بحيث تكون رؤية الدولتين بروح أوسلو والأفكار العديدة لإدارة الصراع ذات تأثير منخفض نسبياً.
وسيوضح مثل هذا النقاش أيضاً “لإسرائيل” أنها تواجه الاختيار بين البدائل السيئة والأسوأ، وأنه في بعض الأحيان يكون من الأفضل لها قبول الشر الموجود، بدل إنكاره بطريقة تضعه في مقدمة بدائل أسوأ بكثير.
المصدر: معهد السياسات والاستراتيجية/ ميخائيل ميلشتاين
Facebook Comments