إشارات مقلقة من الشرق: الإحباط في الأردن يتزايد
ترجمة الهدهد
N12/ ميخائيل ملشتاين
نجح كأس العالم العاصف في صرف الأنظار عن الاحتجاجات المقلقة التي يعيشها الأردن منذ حوالي أسبوعين، المملكة ليست على وشك الانهيار، لكن تراكم الأحداث الأخيرة أمر غير معتاد نسبياً في خطورتها، وهو دليل على المصاعب الأساسية وعدم الاستقرار المزمن الذي تعاني منه البلاد، كما يشير الوضع إلى المجتمع الدولي والعالم العربي وكذلك “لإسرائيل” بالعواقب المحتملة لتقويض التاج الهاشمي، ناهيك عن انهياره.
بدأت العاصفة الحالية في أعقاب ارتفاع أسعار الوقود، وهي خطوة أشعلت موجة من الاحتجاجات العامة التي تحولت في بعض المناطق إلى اضطرابات خطيرة، لا سيما في المناطق التي يقطنها سكان بدو أردنيين، وهي معقل تقليدي لمؤيدي العائلة المالكة.
بلغ التوتر ذروته الخميس الماضي، عندما اغتيل نائب قائد شرطة منطقة معان (ضابط برتبة مقدم)، وداهمت القوات الأمنية مبنى يسكن فيه المتهم بالقتل -الذي قيل إنه عضو في خلية إسلامية متطرفة-، وخلال الحادث قُتل 3 عناصر أمن واعتقل 8 أشخاص آخرين.
شهد الأردن عدة موجات احتجاجية عنيفة في السنوات الأخيرة، كان أبرزها إضراب المعلمين قبل نحو ثلاث سنوات، وعطلت الحياة في البلاد لعدة أشهر، ورافقها مظاهرات عاصفة.
عرف الملك عبد الله كيفية الخروج من أزمات الماضي من خلال مزيج ذكي من التحركات الرمزية (بشكل أساسي إقالة الحكومات وتعيين حكومات جديدة) للحصول على مساعدات خارجية توفر حلاً مؤقتاً ومحدوداً للمشاكل الأساسية التي يعاني منها الاقتصاد الأردني؛ من أهمها ارتفاع معدلات البطالة والبيروقراطية المتضخمة، إلى جانب الإحباط المتزايد لجيل الشباب، الذي تتزايد نسبة المتعلمين بينهم، لكنهم يواجهون صعوبة في خلق أفق شخصي أو جماعي، في الخلفية توجد علامة استفهام حادة فيما يتعلق بالتعاطف العام مع العائلة المالكة التي ارتبط اسمها بعدد غير قليل من حالات الفساد.
وصلت أصداء الصدامات الأخيرة أيضاً إلى الضفة الغربية، التي تربطها علاقات اجتماعية واقتصادية وثيقة بالمملكة، وخرج كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن للتعبير علناً عن دعمهم للملك.
هذا يعكس مفارقة معينة: لسنوات عديدة كان هناك خوف في الأردن من الصدامات في الضفة الغربية التي قد تؤثر على الضفة الشرقية، ومع ذلك فإن الوضع هذه المرة هو عكس ما حدث في السابق، في رام الله قلقون بشأن الأحداث في الأردن (والتي تضاف إلى العديد من المشاكل الأخرى من الداخل والخارج)، في ضوء حقيقة أن عمان هي واحدة من أهم الحلفاء الاستراتيجيين للفلسطينيين على المستوى السياسي، ولا سيما فيما يتعلق بالتعامل مع “إسرائيل”.
تجري الاحتجاجات الاقتصادية العامة على خلفية السياسية المتوترة مع “إسرائيل”، حيث أعرب الكثير في المملكة عن خوفهم من الحكومة المتوقعة في القدس، في هذا السياق هناك خوف مزدوج:
- أولاً: خوف من حدوث تغيير محتمل للوضع الراهن في المسجد الأقصى، والذي من شأنه أن يؤثر فوراً على الأجواء في الشارع الأردني (بسبب الوضع الخاص للمملكة في المسجد الأقصى) وقد يساهم في تفاقم التحريض ضد الحكومة.
- ثانياً: الخوف من أن تحاول الحكومة الجديدة في “إسرائيل” إحياء الأفكار السابقة لتحويل المملكة إلى حل للمشكلة الفلسطينية؛ وهي الأفكار التي يبدو أنها اختفت بعد اتفاق السلام بين الطرفين عام 1994.
تعتبر الاحتجاجات في الأردن إشارة إلى التداعيات الاستراتيجية الخطيرة التي أعقبت تقويض مكانة الحكومة في البلاد – على دول المنطقة بشكل عام وعلى “إسرائيل” بشكل خاص.
يتجسد التهديد المباشر في ظهور العناصر التي قد “تزدهر” إذا نشأ فراغ حكومي في أراضي المملكة، في مثل هذا السيناريو، يمكن أن تصبح الحدود الهادئة نسبياً بين الأردن و”إسرائيل” جبهة ساخنة ومنطقة مخترقة، يتم من خلالها تنفيذ عمل واسع ضد “إسرائيل”، وهذا يوضح أهمية استقرار الأردن “للأمن القومي لإسرائيل”، وذلك بالرغم من الأنباء عن التوترات التي يتحدثون عنها بين الطرفين.
يشكل الواقع في الأردن “مرجل آخر يغلي” ويجب على الحكومة القادمة أن تدركه وتفهم عواقب اندلاعه وتكون قادرة على صياغة سياسة حذرة وحكيمة بخصوصه.
الواقع في الأردن محفوف بالمخاطر ومتفجر ومشابه للواقع في “إسرائيل”، وفي كلتا الحالتين يوصى بأن تواصل الحكومة القادمة – على الأقل في المستقبل المنظور – الاستمرار في السياسة القائمة والتركيز على العلاقات السياسية السليمة والتنسيق الأمني الوثيق.
هذا على النقيض من النهج الانقلابي الذي يمكن أن يتسبب في تغيير دراماتيكي وسريع في خريطة التهديد الاستراتيجي “لإسرائيل”، وفوق كل شيء يجعل من الصعب عليها التركيز على التحدي الأكثر أهمية على الإطلاق وهو إيران.
Facebook Comments