على خلفية تصاعد العمليات في الضفة الغربية
“الجيش الإسرائيلي” يوجه رسالة إلى الحكومة المقبلة: “احذروا”
ترجمة الهدهد
هآرتس/ عاموس هارئيل
في ظل الاضطرابات السياسية التي أحاطت بتشكيل الائتلاف، اختار “الجيش الإسرائيلي” أمس الإثنين نقل رسالة إلى الحكومة المقبلة، حيث تدعي وجهة النظر التي ينتشر على نطاق واسع في وسائل الإعلام هذه الساعات أن الوضع في الضفة الغربية يزداد سوءاً وعلى الأرض تضعف سيطرة السلطة الفلسطينية، وهناك اتجاه متزايد لزيادة نطاق العمليات، منذ بدأت الموجة الحالية في مارس من هذا العام.
القيادة العليا غير متفائلة وتخشى المزيد من التصعيد، والرسالة هي: احذروا “فأن الوضع هش، وما تم التلميح إليه من خلال وسائل الإعلام، سيُقال بالتأكيد بشكل أوضح في غرف المناقشة بعد أن تؤدي الحكومة اليمين.
هذه هي الصورة التي يعرفها جيداً رئيس الأركان أفيف كوخافي وخلفه هرتسي هاليفي، الذي سيتولى منصبه خلال شهر ونصف القادم، إن نطاق الهجمات هو الأعلى منذ موجة هجمات الطعن والدهس في شتاء 2015-2016، والذي حطم عدد القتلى هذا العام، خاصة من الجانب الفلسطيني، فالأرقام القياسية زادت أكثر منذ عقد الزمان.
ومن ناحية أخرى هناك زيادة ملحوظة في أعمال العنف من قبل اليهود في الضفة الغربية، الأمر لا يتعلق فقط بهجمات “دفع الثمن”، حيث يتم حرق وتخريب الممتلكات الفلسطينية، بعد كل هجوم مميت، داخل حدود الخط الأخضر أيضاً يخرج سكان المستوطنات القديمة لإلقاء الحجارة على سائقي السيارات الفلسطينيين على طرق الضفة الغربية.
كل هذه العوامل سوياً تخلق واقعاً حساساً، يندمج في التحركات السياسية، التي تجلب إلى السلطة في “إسرائيل” حكومة يتم فيها لأول مرة منح مكانة قوية لأحزاب اليمين المتطرف.
فالخطر يكمن في أن ما تم فعله في الماضي بالحجارة، أو في موجة عام 2015 بالسكاكين، يتحول الآن إلى استخدام المكثف للأسلحة النارية، فقد بقيت سلطات الدولة بما في ذلك “الجيش الإسرائيلي” في حالة من الغفلة طوال سنوات في مواجهة موجة تهريب الأسلحة، التي جاء جزء كبير منها من الأردن، فالآن التوافر الكبير للبنادق والمسدسات يفرض نتائج مُميتة، في كل من الضفة الغربية والبلدات العربية في “إسرائيل”.
شبه الانتفاضة الحالية، التي لم يسمها أحد بعد باسمها، تبدو وكأنها موجودة لتبقى؛ لا تحتاج إلى أن تتضخم إلى أبعاد موجة العمليات الاستشهادية، يكفي للعمليات أن تستمر بالمعدل الحالي لتحتجز جزء كبير من قوات الجيش النظامية في الضفة ومنطقة التماس، وإلحاق أضرار جسيمة في التدريب والجهوزية للحرب.
إن صراعا طويل الأمد منهك ويحرف انتباه الجيش وموارده، كما حدث في الانتفاضة الأولى، سوف يظهر الخلافات السياسية والأيديولوجية علناً، فكل هذه الأمور إلى جانب خطر تفكك السلطة الفلسطينية وتطور الفوضى في الضفة الغربية، تتطلب إدارة لطيفة وحذرة لاستخدام القوة، هذا ما كان يريده الجيش، ومن المشكوك فيه أن يكون هذا هو ما سيحصل عليه من إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
إن أول إشارة لما هو متوقع لاحقاً جاءت في أحداث نهاية الأسبوع الماضي في الخليل، حيث تم تصوير جندي من لواء جفعاتي وهو يضرب ناشط يساري بقوة كبيرة، وأوضح زميله أمام الكاميرا أن هذا سيكون الواقع الجديد، بعد أن أصبح بن غفير في السلطة، قال: “أنا أحدد ما هو القانون هنا”، ورد الجيش بتوقيف الجنديين عن العمل، وهي عقوبة غامضة إلى حد ما، لمن لا يشغلون مناصب قيادية.
ونشر رئيس الأركان “أفيف كوخافي” رسالة مفصلة إلى “جنود الجيش الإسرائيلي”، قال فيها: “كل الأشياء الصحيحة التي ينبغي أن تُقال في ظل هذه الظروف، إن لأمر مخزٍ”.
وتلقى كوخافي على الفور، موجة من ردود الفعل الصارخة والعنيفة من اليمين، بما في ذلك من الوزير المكلف بن غفير، الذي أعلن بالفعل على التلفزيون أنه سيطلب توضيحات من رئيس الأركان (بموجب أي صلاحية؟).
ثم شوهد بن غفير في جنازة المواطن الذي قُتل أثناء عبوره طريقاً في حولون، وهو يندب العنف الذي تفشى في الشوارع وكأنه لا يوجد نظام تأثير متفرع بين ما يجري منذ سنوات على جانبي الخط الأخضر.
أما بالنسبة لرئيس الأركان، فأنا أتساءل عما إذا كان نادماً بالفعل على وضع رأسه في المرجل المشتعل، فبنيامين نتنياهو، الذي سيعود قريباً إلى إدارته لهذا العمل المُخزي، تجنب بشكل غير مفاجئ أي إشارة إلى مقاطع الفيديو من الخليل.
من ناحية أخرى، عاد ابنه الحبيب وهاجم كوخافي للمرة الثانية في غضون أيام قليلة، وبالطريقة المعروفة، التي كلفته بالفعل عدداً من دعاوى التشهير، أعاد يائير نتنياهو تغريدة دعا فيها كوخافي إلى دس الرسالة المخزية وقيم الدولة المحطمة عميقاً في مؤخرته.
وزير الجيش المتوقع “يوآف غالانت” الذي أصبح فجأة في ظروف عجيبة هو الأمل الكبير للباحثين عن الاستقرار في “الجيش الإسرائيلي”، يلتزم الصمت، ليس هذا هو الوقت المناسب للانتقادات الغير الضرورية وتعريض التعيين المرغوب فيه للخطر.
هيئة الأركان العامة، كما ذكرنا، تدعو إلى الحذر، فالجنود الذين صوت ما يقرب من ثلثهم في الانتخابات الأخيرة لأحزاب اليمين المتطرف ولحزب شاس الحريدي، يفسرون بالفعل الواقع الجديد على الأرض بأنفسهم.
فشعورهم وربما شعور جزء كبير من الجمهور هو مع جنود جفعاتي الذين تورطوا، تماماً كما كان مع “إيلؤور عزاريا” في عام 2016، ومع الشخص الذي أصبح يُعرف باسم “ديفيد النحلاوي قبل عامين من ذلك (كل هذه الحوادث وقعت في دائرة نصف قطرها بضع كيلومترات في قلب الخليل).
ماذا يفهم القادة في الرتب الوسطى في الضفة الغربية، وفي الرتب التي بين قائد سرية وقائد كتيبة؟
حاول كوخافي بطريقة جديرة أن يغلق أبواب الإسطبل في نهاية الأسبوع، والآن سيضطر إلى العد مرة أخرى للتأكد من عدد الخيول المتبقية، على أي حال يبدو أن إدارة التوتر اليومي في الضفة الغربية ستصاحب نهاية ولايته، وأكثر من ذلك مع بداية ولاية خليفته هليفي.
من المحتمل أن يكون للواقع السياسي الناشئ أيضاً عواقب على طبيعة التجنيد في “الجيش الإسرائيلي”، وبالتأكيد إذا نجحت نية الحريديم المتطرفين في القضاء نهائياً على خطط التجنيد الجزئي لطلاب المدرسة الدينية، وحتى لو كان هناك في الكابين الجديد مجموعة كبيرة من الوزراء الذين لم يخدموا في الجيش على الإطلاق أو اكتفوا بخدمة قصيرة ومريحة ومختصرة لهم ولعائلاتهم.
مباشرة بعد نتائج الانتخابات ظهرت ردود فعل في المعسكر معارضة لنتنياهو لصالح الهجرة من البلاد، هذا رد فعل متطرف يتطلب تغييراً كاملاً في الحياة وبالنسبة للغالبية العظمى من الناس يكاد يكون غير قابل للتحقيق.
هذه ليست ظواهر جديدة بالطبع، حيث بدأ اليسار في الاعتراض، وتقليص خدمته في الوحدات القتالية بالفعل من الثمانينيات، بسبب الخلافات حول حرب لبنان الأولى والانتفاضة الأولى.
تكثفت هذه الاتجاهات مع اقتراب نهاية الانتفاضة الثانية، في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان جزء كبير منها مرتبطاً بالاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية (مثل الفوائد التي ستجلبها الخدمة في الوحدة 8200 في الحياة المدنية)، وليس السياسية.
في الوقت نفسه من المتوقع القيام بعمل أخر لزيادة الاحتكاك بين أحزاب الائتلاف الجديد والقيادة الأمنية في “الجيش الإسرائيلي” والشرطة والشاباك، بطريقة ستذكر بما سيحدث على الأرجح في وقت مبكر من الحرب في المحاكم ومكاتب النيابة.
Facebook Comments