الاغتيال في نابلس والنمط الجديد لعمليات “الأجهزة الأمنية الإسرائيلية” في الضفة

ترجمة الهدهد
يديعوت أحرونوت / رون بن يشاي
إذا كانت “إسرائيل” تقف بالفعل وراء اغتيال تامر الكيلاني الليلة الماضية في نابلس، فهذا يوضح الطريقة المختلفة والمعقدة التي اختارت “إسرائيل” من خلالها التعامل مع بؤر الاضطراب في شمال الضفة الغربية.
في “إسرائيل” هناك خوف بدأ بالفعل كما رأينا أمس، من أن الاضطرابات والعمليات القادمة من جماعة “عرين الأسود” في نابلس وأزقة مخيم جنين للاجئين ستكون بمثابة إلهام ومصدر تقليد في مناطق أخرى من الضفة الغربية والقدس.
من الواضح تمامًا أن التصعيد في المواجهات (إلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف) الذي بدأ قبل ثمانية أشهر لن ينحسر – بل يزيد – طالما أن بؤر الاضطراب هذه نشطة.
ربما كان هذا هو سبب اتخاذ مجلس الوزراء قرارا مطلع الأسبوع الماضي بالتعامل بشكل عاجل مع “عرين الأسود” في نابلس، والمقاتلين الذين ينطلقون لتنفيذ عمليات من مخيم اللاجئين في جنين.
بدأ الشاباك و”الجيش الإسرائيلي” والشرطة قريبا من نهاية الأسبوع الماضي في ترجمة توجيهات رئيس الوزراء يائير لبيد ووزير الجيش بيني غانتس، إلى تخطيط عملياتي بناءً على الخبرة المكتسبة في موجات العمليات السابقة، وخاصة خلال موجة تصعيد تيك توك الحالية.
يمكن الافتراض أن اغتيال الكيلاني هو بالفعل جزء من التكتيكات العملياتية الجديدة المستخدمة في أعقاب التوجيهات التي وافق عليها مجلس الوزراء.
الهدف هو قمع موجة العمليات بحزم، ولكن بطريقة تمنع انتفاضة عامة في الضفة الغربية.
صدرت تعليمات لقوات الأمن بالتصرف بشكل مبتكر ولكن في ظل ثلاثة قيود:
الأول: التقليل قدر الإمكان من عدد القتلى بين الفلسطينيين الذين لا يشكلون خطراً مباشراً على جنود “الجيش الإسرائيلي” و”حرس الحدود” والتي تعمل في قلب التجمعات السكانية.
الثاني: السماح للسلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية بتقوية واستعادة حكمها الذي ضعف بشكل كبير في العامين الماضيين.
الثالث: عدم الدخول في عملية واسعة النطاق في جميع مناطق الضفة الغربية، حتى لا يتم ربط السكان غير المتورطين بالمقاتلين، وحتى لا تجرى الانتخابات في “إسرائيل” في خضم صراع عسكري مع العديد من الضحايا والمشاعر الملتهبة.
الجهد المبذول لتقليل عدد الضحايا واضح: كل فلسطيني يُقتل – سواء كان مقاتلا أو وقع ضحية تبادل لإطلاق النار عرضيًا – يخلق أسطورة شهيد بطولي، تشعله مواقع التواصل الاجتماعي وتوزعه على مئات الأشخاص ويشاركه الآلاف من الشباب الغاضب، تصبح جنازته حدثًا جماهيريًا، يصبح جنبًا إلى جنب مع الهتاف على شبكات التواصل دافعًا قويًا يقود إلى تنفيذ عمليات، التقليد والإلهام الذي يمنح المنفذين الاعتراف والشهرة، كما أن التحريض والحوافز المالية التي تقدمها حماس والجهاد الإسلامي في غزة تغذي النار.
تزداد الحاجة إلى تقوية السلطة وأجهزتها لأنهم في “إسرائيل” قلقون ليس فقط من موجة العمليات التي ينتجها “العصيان” في نابلس وجنين، بل من خطر استمرار العملية على الحكومة في رام الله والتي يمكن أن تضعف ثم تنهار فيما بعد.
في مثل هذه الحالة، قد تسيطر حماس أيضًا على الضفة الغربية، وسيُجبر “الجيش الإسرائيلي” على العودة إلى كونه صاحب السيادة الوحيد في الضفة الغربية، وسيتعين على “إسرائيل” تحمل العبء الأمني والاقتصادي والإداري الكامل المرتبط بالحكم المباشر ل 2.6 مليون فلسطيني.
في الآونة الأخيرة، تعمق ضعف السلطة وأجهزتها على خلفية صراعات الخلافة التي كان من المفترض أن تبدأ فقط بعد خروج أبو مازن من المشهد، لكنها بدأت بالفعل.
وعلى الرغم من تراجعه منذ ذلك الحين، إلا أن المساحة الفارغة التي بقيت في هذه الأثناء جذبت، بشكل رئيسي في نابلس ومخيم جنين، عناصر مسلحة لا تقبل أوامر السلطة وتواجه “قوات الأمن الإسرائيلية”.
رفض فلسطيني مؤدب
الشاباك، شعبة المخابرات في الجيش الإسرائيلي (أمان)، ومنسق العمليات الحكومية في الضفة الغربية الرائد غسان عليان، يعتقدون أن السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية ما زالت قادرة على السيطرة على نابلس وكبح جماح عرين الأسود، لهذا السبب تعمد “الجيش الإسرائيلي” الامتناع عن اقتحام كبير إلى شوارع القصبة بنابلس.
يمكن للجيش، كجزء من عملية كبيرة لمرة واحدة، تحييد مجموعة من بضع عشرات من المقاتلين لفترة طويلة من الزمن أو حتى القضاء عليها.
لكن “إسرائيل” تفضل أن تفعل السلطة ذلك بأساليبها التي تجمع بين الإقناع والإغراء (إلى جانب الانضمام إلى الأجهزة الأمنية والرواتب) وأحيانًا القوة الجسدية الوحشية أيضًا.
هذا التفضيل لا ينبع فقط من الرغبة في تجنب الخسائر لقواتنا ولكن أيضًا لإعطاء السلطة الفلسطينية فرصة لاستعادة السيطرة على نابلس، وهذا هو السبب في أن الجيش يتجنب هذه الأيام دخول المدينة بقوات كبيرة ويكتفي بإغلاق المدينة من الخارج.
تتم العملية داخل المدينة من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، وقد أدى هذا الأسلوب إلى انخفاض في عدد العمليات التي انطلقت من نابلس.
لكن مجموعة عرين الأسود لا تزال خطرة، وبعض أعضائها أكثر خطورة من البقية. وكان أحدهم تامر الكيلاني والذي قُتل الليلة، وبادر بإرسال منفذ عملية تم ضبطه في يافا في بداية أيلول (سبتمبر)، واكتسب خبرة في تنفيذ عمليات أخرى، يرجح أن تكون “إسرائيل” قد اتصلت بالسلطة بخصوص هذا الأمر وطالبت بتحييده على أساس أنه قنبلة موقوتة، ومن المحتمل أيضًا أن “الطلب الإسرائيلي” قوبل بالرفض.
ومن الممكن أيضًا أن نفهم السبب: لم ترغب السلطة في التورط في رد فعل مضاد عنيف مثل المظاهرات وأعمال الشغب التي اندلعت في نابلس قبل نحو شهر، بعد أن ألقت الأجهزة الأمنية القبض على مصعب اشتيه العضو البارز في عرين الأسود، من المحتمل أن رجال الأمن الفلسطينيين تعلموا الدرس ورفضوا “الطلب الإسرائيلي” بخصوص الكيلاني.
أَتركُ ما حدث بجانب منطق القارئ وخياله، وأوصي باستخدام الفيديو الذي وزعه مسؤولون فلسطينيون مجهولون على مواقع التواصل الاجتماعي: إنه يوثق التحضير للاغتيال وتفجير القنبلة التي قتلت الكيلاني.
لست مضطرًا لأن تكون اختصاصيًا في علم النفس حتى تفهم أن هذا التوثيق قد يكون له تأثير رادع يخدم “قوات الأمن الإسرائيلية” والفلسطينية.
أما بالنسبة لجنين، فقد فقدت السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية السيطرة تمامًا، وبالتالي يواصل “الجيش الإسرائيلي” و”حرس الحدود” العمل على النمط السابق مع تجنب القتل قدر الإمكان.
اتضح أنه من الممكن إزالة الرغبة في المواجهة من المقاتلين بوسائل أقل خطورة من رصاصة في الرأس، فإصابة الساق كافية في الغالبية العظمى من الحالات.
Facebook Comments