الفلسطينيون أيضا لديهم مقاتلون
ترجمة الهدهد
هآرتس/ عكيبا إلدار ودنيال بار تال
15 ألف جندي مصري قتلوا قبل 49 عاما في طريقهم لإنهاء “الاحتلال الإسرائيلي” لشبه جزيرة سيناء، أكثر من 2500 “إسرائيلي” دفعوا حياتهم ثمنا لغطرسة قادتنا، لدى الفلسطينيين مقاتلون أيضا، طالما استمر الاحتلال فلن يلقوا سلاحهم، وكلما قتلنا أبناءهم قتلوا أبناءنا.
منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية سبتمبر قُتل في الضفة الغربية بنيران قوات الجيش والمستوطنين أكثر من 98 فلسطينيًا، من بينهم خمس سيدات و21 طفلا وما زال الحبل على الجرار، ما زال أمامنا ثلاثة أشهر لنكوي وعي الفلسطينيين وجعلهم يفهمون إما عليهم العيش مع الاحتلال أو الموت في النضال ضده، هذا هو أكبر عدد من القتلى الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ عام 2015 (حينها قُتل 99 فلسطينيًا خلال العام بأكمله). للتوضيح بالتناسب مع حجم السكان فإن هذا الرقم يعادل 40 قتيلا في الشهر، هذا بالإضافة إلى مئات المعوقين وآلاف المعتقلين، لدينا كلب “وحدة اليمام” الذي قتل في الخدمة حظي بتغطية أكثر من طفل فلسطيني يبلغ من العمر 12 عامًا قُتل (اغتيل) على يد “قواتنا”.
دعونا نترك الموضوع الأخلاقي جانبًا للحظة، كم عدد “الإسرائيليين” الذين كانوا سيبقون في معسكر السلام، لو كانت الأخبار تنقل لنا كل يوم صورًا من جنازات النساء والأطفال اليهود الذين أطلق عليهم المقاتلون الفلسطينيون النار، تحقق وستجد من الصعب العثور على بيت فلسطيني لا يحمل أبناؤه ندوب الاحتلال في أجسادهم أو أرواحهم، وستجد أن الكراهية ل “إسرائيل” والرغبة في الانتقام لديهم أقوى من الخوف واليأس.
“الإسرائيليون” لا ينسبون “العنف الفلسطيني” إلى الاحتلال والنهب، وفقًا للتصور الشائع في “إسرائيل” فإن الفلسطينيين هم مجرد متسللون للعمل بائسون هدفهم الوحيد هو العودة إلى بيوتهم ببعض القروش، امنحوهم المزيد من تصاريح العمل وحاصروهم واحبسوهم في “الأعياد الإسرائيلية”، وأخيفوهم بعمليات التفتيش المفاجئة وكل شيء سيكون على ما يرام. كما قال إسحاق شامير: سوف يعتادون على ذلك، في “معاريف”، استشهد المعلق العسكري ران إداليست بدراسة مشتركة قديمة أجريت من قبل ثلاث جامعات حول ملامح الضابط في الجيوش العربية، وحددت الدراسة التي قدمت عام 1972 إلى الرتب الكبيرة من بين أمور أخرى أن تفكير الضابط العربي بدائي وشخصيته سطحية ويفتقر إلى النضج العاطفي ويفتقر إلى الاستقلالية.
بعد عام عبر الضابط البدائي نفسه القناة ودمر خط بارليف، ومرة أخرى يتباهى أبطالنا ومحللونا في الشؤون العسكرية بـ “مقاتلينا” الشجعان، الذين تمكنوا من القضاء على “وغد آخر” متعطش للدماء، ضحية محرض متعصب ورافض للسلام، ومرة أخرى يدفنون رؤوسهم في الرمال كما كانوا يفعلون في رمال سيناء، يتجاهلون مشاهد دائرة الدم التي من خلالها تتولد المقاومة ضد الاحتلال الأمر الذي يدفع قوات الاحتلال إلى تعزيز سيطرتها على المحتل، وهذا يشدد من المقاومة ويعمق الاحتلال.
الواقع أصبح أكثر قسوة ودموية، التمسك بالاحتلال يجبر المحتل على تطوير أساليب السيطرة والرقابة على المجتمع المحتل من تجنيد الآلاف من المتعاونين والمخبرين باستخدام أساليب الخداع والتضليل والابتزاز، وخلق شعور بالاضطهاد والملاحقة وعمليات الإعدام بدون محاكمة (المعروفة باسم “اغتيالات”)، والاعتقالات والتعذيب، والعقاب الجماعي، وتدمير المنازل وحواجز الطرق والحصار ونظام التصاريح وغير ذلك الكثير، المعارضون لاتفاقيات أوسلو استخدموها بدون خجل لتقسيم الضفة الغربية إلى “كانتونات”.
إن تجاهل العالم الغربي والعربي للفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية يؤسس لدينا الوهم بأن الزمن يعمل لصالحنا، كان هذا هو الحال في الأيام ما بين كارثة الاحتلال عام 1967 وكارثة الفشل أو الإخفاق في عام 1973، في الحالة التي تصبح فيها الحدود أكثر ضبابية، بكل ما تعنيه الكلمة تتسرب العمليات والظواهر السامة من الأراضي المحتلة إلى حدود الخط الأخضر، لتحل مكان مصطلحات مثل “احتلال” و”تسوية إقليمية” و”نظام سياسي وتتحول إلى أمثلة وروايات لتبرير الاحتلال.
خلال سنوات الركود السياسي، تعمق مفهوم الوضع الراهن (“لا شريك”) أكثر وأكثر، ويتم إنشاء لغة جديدة ويسيطر أصحاب المصلحة الجدد على موارد المحتل، وتتطور دبلوماسية جديدة لتبرير محاربة مقاومة الاحتلال أمام المجتمع الدولي، ومن أجل الحفاظ على الاحتلال تتبلور ثقافة سياسية جديدة يتسع فيها الخلاف بين أنصار الاحتلال وخصومه ويتحول إلى جرائم كراهية وتراجع في مكانة حراس العتبة (مؤسسي الدولة).
القادة المتمسكون بسياسة إدارة الاحتلال يتجاهلون عن قصد أو عن جهل حقيقة أنه في القرن الحادي والعشرين لا يوجد شعب مستعد لقَبول حكم العيش تحت الاحتلال العسكري، وتعتبر مقاومة الاحتلالات في العصر الحديث أمرًا شرعيًا، وبالتالي كلها انتهت تقريبًا.
إلى متى ستبقى “إسرائيل” قادرة على الاختباء وراء الحُجة المتعفنة البالية القائلة بأن الضفة الغربية ليست أرضًا محتلة ولكنها أرض متنازع عليها؟ إلى أي مدى سنطرد السكان الأصليين 60٪ من هذه الأرض، ونطالبهم باحترام قانون “الناخب الإسرائيلي”؟ أتساءل أين كان سيصل اليوم في قائمة أحزاب يمين الوسط مرشح يتجرأ على نطق كلمة “احتلال” كما فعل رئيس الوزراء أرييل شارون في عام 2003.
15 ألف جندي مصري قتلوا قبل 49 عاما في طريقهم لإنهاء “الاحتلال الإسرائيلي” لشبه جزيرة سيناء، أكثر من 2500 “إسرائيلي” دفعوا حياتهم ثمنا لغطرسة قادتنا، لدى الفلسطينيين مقاتلين أيضا، طالما استمر الاحتلال فلن يلقوا سلاحهم، وكلما قتلنا أبناءهم قتلوا أبناءنا.
Facebook Comments