“الحرب الاقتصادية الإسرائيلية”: من أين بدأنا وإلى أين نحن ذاهبون؟

ترجمة الهدهد
مجلة معرخوت/ أودي ليفي – خبير في الحرب المالية – خدم لمدة ثلاثين عامًا في مجموعة واسعة من المناصب في شعبة الاستخبارات في “الجيش الإسرائيلي” وفي “الإدارة المدنية” في الضفة الغربية في مجلس الأمن القومي وفي مكتب رئيس الوزراء.
الدراسة تعبر عن رأي الكاتب
ملخص
تجسد الحرب الاقتصادية إمكانات غير مستغلة لإضعاف إيران وحلفائها. يفحص كاتب المقال تطور هذا المجال في “إسرائيل” ويحلل بشكل نقدي أسباب بقائها هامشية في “سلة الأدوات الأمنية الإسرائيلية”. ويؤكد المقال على أن تطوير مجال الحرب الاقتصادية تحت قيادة جناح جديد في “الجيش الإسرائيلي” يتم إنشاؤه لهذا الغرض قد يساعد “إسرائيل” على كسر الجمود العسكري والسياسي أمام أعدائها في العقود الأخيرة. يمكن للحرب الاقتصادية أن تضعف إيران ووكلائها من خلال حرمانهم من القاعدة الاقتصادية لنشاطهم العسكري ضد “إسرائيل” وإلحاق الضرر بالأصول الاقتصادية لمن يقودون هذا النشاط. يقدم المقال منظورًا فريدًا في مجال الحرب الاقتصادية في “إسرائيل” من وجهة نظر من قاد هذا الموضوع في المنظومة الأمنية على مدى عدة عقود.
المقدمة
أثارت الحرب في أوكرانيا تساؤلات وحيرة بشأن السياسة الأمريكية والغربية في مواجهة العملية العسكرية الروسية. ولأول مرة في التاريخ الحديث نشهد حربًا النزاع فيها بين دولتين عظمَيَيْن حيث تستخدم إحداها القدرات التقليدية المدمرة بينما يستخدم خصومها ضدها سلسلة من الوسائل خاصة السلاح الاقتصادي. أدى استخدام الأسلحة الاقتصادية ضد روسيا إلى إثارة الجدل بين المؤيدين والمعارضين وحول ما إذا كان هذا ردًا مناسبًا على التهديد الروسي، وهل للعقوبات تأثير “ضئيل فقط” (ميلر 2022) أم لا؟ وهل هي تشل الاقتصاد الروسي؟ (Zorthian 2022).
إن مسألة فائدة مجال الحرب الاقتصادية – التي تشكل العقوبات جزءًا مهمًا من “سلة أدواتها” – هي مسألة ذات صلة ليس فقط بالقوى العظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية ولكن أيضًا ب “إسرائيل”. في الظروف الحالية التي فيها “إسرائيل” غير قادرة على ترجمة قوتها العسكرية المفضلة لهزيمة حزب الله وحماس ووقف برنامج طموحات إيران النووية والإقليمية، يجب على الأقل دراسة احتمال وجود أدوات عملياتية إضافية ليست هجومية قد يكون لها مساهمة في الجهود ضدهم. صحيح أن “إسرائيل” تستخدم أدوات الحرب الاقتصادية منذ أكثر من ثلاثة عقود ولكن كما سيُظهر هذا المقال فهي بعيدة جدًا عن الاستفادة من الإمكانات الموجودة في هذا المجال بالكامل. [1]
في هذه المقالة سيتم تعريف مفهوم الحرب الاقتصادية على أنه كل جهد يُبذل عن عمد من قبل جهة فاعلة معينة، من أجل الإضرار باقتصاد خصومه. كما ذكرنا سابقًا تعد العقوبات إحدى الأدوات الرئيسية المتاحة لبعض اللاعبين لهذا الغرض لكنها بالتأكيد ليست الأداة الوحيدة أو حتى البديل الافضل المتاح للاعبين المهتمين بالحرب الاقتصادية. [2] يمكن أن يخدم استخدام الحرب الاقتصادية أغراضًا متنوعة، لدرجة التغلب على الخصم إلى جانب استخدام أدوات الحرب السيبرانية والحرب على الوعي والحرب القانونية والعمليات العسكرية السرية التي تلحق أضرارًا مادية بأهداف العدو.
الجزء الأول من المقال سيتناول تطور ميدان الحرب الاقتصادية في “إسرائيل” منذ بداية التسعينيات وحتى يومنا هذا.
وسيوفر هذا الجزء للقارئ وجهة نظر حول الموضوع لأنه كتب بناءً على التجربة الشخصية لمؤلف هذا المقال، كشخص أسس مجال الحرب الاقتصادية في “إسرائيل” وقاده في العقود الأخيرة في “الجيش الإسرائيلي” والموساد.
الجزء الثاني من المقال سيتناول مسألة كيف يمكن استخدام ميدان الحرب الاقتصادية في “إسرائيل” بطريقة أفضل؟ كما ذكرنا يقترح كاتب المقال إنشاء قسم أو جناح جديد في “الجيش الإسرائيلي” يستفيد من جميع الصلاحيات والموارد اللازمة لتطوير المجال واستغلاله ضد إيران وحلفائها.
الجزء الأول – تطور ميدان الحرب الاقتصادية في “المنظومة الأمنية الإسرائيلية”.
تطورت الفكرة أو “المفهوم الإسرائيلي” فيما يتعلق بأهمية الحرب الاقتصادية في المعركة ضد التنظيمات الإسلامية في أوائل التسعينيات. وكان ضباط الإدارة المدنية هم من أثاروا موضوع التمويل الكبير الذي يتدفق إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، في إطار بناء البنية التحتية المدنية والعسكرية “للتنظيمات الإرهابية” الإسلامية. كان المفهوم الرئيسي لدى “الجيش الإسرائيلي” وجهاز الأمن العام “الشاباك” في التسعينيات هو أن التركيز يجب أن يكون على الأنشطة العسكرية “للمنظمات الإرهابية”، وأنه ليس من وظيفة الجيش أو الشاباك التعامل مع الأنشطة المدنية أو المالية. من ناحية أخرى ادعى منسق العمليات في المناطق في ذلك الوقت اللواء داني روتشيلد ورئيس الإدارة المدنية العميد غادي زوهر أنه من الضروري القيام بحملة ضد النشاط المدني، إذ إن الحملة ضد الذراع العسكري فقط غير مجدية دون التعامل مع البنية التحتية الاقتصادية الداعمة له. في نهاية المناقشات التي جرت في قيادة هيئة الأركان العامة تقرر أن يكون منسق العمليات في المناطق الفلسطينية مسؤولاً عن التعامل المدني مع البنية التحتية لحركة حماس بما في ذلك الأنظمة المالية، في حين أن الشاباك و”الجيش الإسرائيلي” سيستمران في إحباط “العمليات الإرهابية” وإلحاق الضرر بالذراع العسكري لحركة حماس والجهاد الإسلامي.
لقد كان هذا نوعًا من التسوية، على الرغم من تلقي “الضوء الأخضر” لبدء الحرب الاقتصادية ولكن بدون امتلاك الإدارة المدنية ومنسق الأعمال الحكومية في الأراضي الفلسطينية قدرات استباقية إحباطية، وبالتأكيد ليست تلك المطلوبة للعمليات الضرورية خارج حدود “إسرائيل”.
بدأت جهود الحرب الاقتصادية للإدارة المدنية في عام 1993 تحت الاسم العملياتي “إتلاف الخميرة”. استخدم ضباط الإدارة المدنية جميع الأدوات المتاحة لهم للإضرار بالبنية التحتية المدنية للتنظيمات الإسلامية. واستند النشاط الرئيسي إلى عمليات تفتيش يقوم بها “الجيش الإسرائيلي” في المساجد ورياض الأطفال والمدارس والمصانع ومحاولة العثور على مواد تجريم أو إدانة، وصدرت أوامر بإغلاق المباني أو مصادرة الأصول (ليفي 2022 ص 22).
كانت عملية “إتلاف الخميرة ” نقطة تحول في العلاقة بين أجهزة الاستخبارات في “الجيش الإسرائيلي” والشاباك فيما يتعلق بميدان الحرب الاقتصادية.
وكجزء من العملية تم الكشف عن مئات الآلاف من الوثائق التي تشير إلى وجود شبكة عالمية لتحويل الأموال بالإضافة إلى وثائق مدروسة تشير إلى الأهمية الكبيرة التي توليها حماس لبناء بنية تحتية اقتصادية لأنشطتها. في الوقت نفسه أثارت شعبة الاستخبارات في “الجيش الإسرائيلي” والقسم العربي في الشاباك علامات استفهام بشأن استنتاجات الإدارة المدنية، لأنه لم يكن لديهما معلومات استخباراتية تسمح لهما بتأكيد أو دحض إنجازات العملية. ومن المحتمل أن ذلك يعود إلى حقيقة أن قضية البنية التحتية الاقتصادية لحماس لم تكن أبداً هدفاً لجمع المعلومات الاستخباراتية حتى ذلك الوقت.
ومع ذلك أدى الانشغال في هذه الأسئلة إلى خلق جذور أولية من الاحتراف والمهنية داخل النظام فيما يتعلق بالعمل في مجال “تمويل الإرهاب”. من ناحية “الجيش الإسرائيلي” كان الدخول إلى عالم أموال “الإرهاب” معقدًا حيث عمل فرعًا اقتصاديًا في قسم الأبحاث في الاستخبارات بشكل أساسي في البحوث الاقتصادية عن دول، والآن ولأول مرة كان عليه التعامل مع النظام الاقتصادي “للمنظمات الإرهابية” (حول البنية التحتية المالية لحماس انظر ليفي 1999 ص 41-55). علاوة على ذلك أدى النشاط في عملية “إتلاف الخميرة” تدريجياً إلى مناقشة أكثر تعمقاً لدى القيادة الأمنية فيما يتعلق بالحاجة إلى اجراء تقييمات أوسع في الحملة أو المعركة ضد البنية التحتية المالية “للمنظمات الإرهابية”.
نتج عن إنشاء هيئة “مكافحة الإرهاب” في ديوان رئيس الوزراء نقل قضية “مكافحة تمويل الإرهاب” لأول مرة إلى هيئة أمنية في “إسرائيل”.
تأسس مقر “مكافحة الإرهاب” في أبريل 1996 بمبادرة من حكومة بيرس بعد موجة الهجمات التي اجتاحت البلاد. وعين بنيامين نتنياهو الذي حل محل شيمون بيريز كرئيس للوزراء، الجنرال (المتقاعد) مئير داغان رئيسًا لهيئة المقر الذي طلب استخدام طاقم محاربة “الإرهاب” لغرض تغطية “المناطق الرمادية” بين أجهزة الأمن والاستخبارات والشرطة المكلفين بمكافحة “الإرهاب” بما في ذلك المعالجة المنهجية لتمويل “الإرهاب” (بن 2021). نشاط المقر الرئيسي كان داخل “إسرائيل” وخارج حدودها – وهو نشاط كان يهدف إلى توجيه الموارد من قبل مجتمع المخابرات إلى مجال القتال ضد “تمويل الإرهاب” وبناء إجراء منظم لإخراج الكيانات والمؤسسات التي ساعدت أو تعمل تحت رعاية “المنظمات الإرهابية” في “إسرائيل” وحول العالم خارج القانون.
كان الهدف هو تنفيذ إجراء قانوني تقتنع من خلاله دول العالم بتبني القرارات القانونية ل “إسرائيل” وإخراج الهيئات التي تساعد “الإرهاب” في دول العالم خارج القانون. لقد واجه تسخير دول العالم لصالح العقوبات واتخاذ الإجراءات القانونية بعض الصعوبات. وفضلت بعض الدول الأوروبية الاعتقاد بأن حل القضية الفلسطينية سيؤدي حتما إلى حل “الإرهاب”، وبالتالي على “إسرائيل” التركيز على الحل السياسي. على الجانب الأمريكي في التسعينيات كانت هناك صعوبة حقيقية في العثور على شريك كان من الممكن معه دفع التحركات ضد اقتصاد “المنظمات الإرهابية”. [3]
حدثت نقطة تحول في عام 2001 عندما غيرت أحداث محلية وعالمية “قواعد اللعبة” سواء على الساحة الدولية أو على “الساحة الإسرائيلية”.
في “إسرائيل” فاز أرييل شارون برئاسة الوزراء وعين مئير داغان لرئاسة وحدة جديدة باسم الحربة “تسلتسل” التي ستنخرط في حرب “إسرائيل” الاقتصادية ضد “المنظمات الإرهابية”. بعد قرار حكومي حصلت الوحدة على صلاحيات بعيدة المدى من حيث الوصول إلى قواعد البيانات وحرية العمل للقيام بنشاطات في جميع أنحاء العالم. في الولايات المتحدة حدث التغيير في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001. وللمرة الأولى تمكنت الإدارة الأمريكية من فهم أن حرب الاستنزاف على “الإرهاب” تتطلب معركة تلحق ضررًا كبيرًا بنظامه المالي. ومعركة عالمية تجتاز الحدود يجب أن تُسخر إليها معظم دول العالم (Nederveen 2002 ص 75).
من أجل تحقيق المفهوم الإستراتيجي الجديد وكجزء من إدارة المعركة أجرت إدارة بوش العديد من التغييرات الرئيسية:
في المجال التشريعي – في 26 أكتوبر / تشرين الأول 2001 وقع الرئيس بوش على “قانون باتريوت الأمريكي”، وزاد القانون من نطاق عمل سلطات إنفاذ القانون في نشاط جمع المعلومات الاستخبارية داخل الولايات المتحدة؛ ووسع من صلاحيات وزير المالية الأمريكي لتنفيذ سلسلة من الإجراءات التنظيمية المالية حول العالم كجزء من الحملة ضد “الإرهاب”.
في المجال التنظيمي – في 9 مارس 2002 قررت الإدارة الامريكية بموجب تشريع تغييرات بعيدة المدى في وزارة المالية وتحويلها عمليًا إلى الجهة المسؤولة عن إدارة المعركة الاقتصادية للولايات المتحدة حول العالم. [4] وخضعت كل من وكالة المخابرات المركزية CIA والشرطة الفيدرالية أيضًا لتغيير تنظيمي في إطاره تم إنشاء فرق مهام مشتركة لمكافحة “تمويل الإرهاب”. [5] على الصعيد الدولي – عملت الولايات المتحدة على خلق تعاون قانوني لمكافحة غسل الأموال و”تمويل الإرهاب”. ضمن هذا الإطار تم إنشاء مؤسسات دولية جديدة مثل مجموعة FATF ومجموعة EGMONT ووحدات استخبارات مالية مماثلة في العالم. وتعاونت هذه المجموعات على المستوى الدولي وصاغت بشكل مشترك سلسلة واسعة جدًا من اللوائح الدولية خاصة فيما يتعلق بالمؤسسات المالية الدولية والتي تهدف إلى الحد من قدرة الكيانات على استخدام البنوك لصالح تمويل “الإرهاب” وغسيل الأموال. وبناءً عليه في “إسرائيل” في يناير 2002 تم إنشاء سلطة حظر غسل الأموال و”تمويل الإرهاب” في وزارة القضاء من أجل المساعدة في المنع والتحقيق في غسل الأموال و”تمويل الإرهاب” والأنشطة المتعلقة بالإضرار بالأمن. (قانون حظر غسيل الأموال 2000).
خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مع تعيين مئير داغان رئيسًا للموساد قرر جعل ميدان الحرب الاقتصادية أحد الركائز الأساسية لأنشطة المنظمة (منفصلة عن وحدة “الحربة “) ولهذا الغرض أنشأ وحدة كانت تابعة له مباشرة. كما سعى الشاباك أيضا إلى رفع مستوى قدراته الاستخباراتية والوقائية المالية كما سعى أيضا “الجيش الإسرائيلي” والقيادات المناطقية. ضمن قيادة المنطقة الوسطى والقيادة الجنوبية تم لأول مرة تعيين ضباط مسؤولين عن التعامل مع قضايا أموال الإرهاب. في وقت لاحق كجزء من المعركة ضد إيران أنشأ “الجيش الإسرائيلي” وحدة “شيلكت” “تساقط أوراق الخريف”، وهي وحدة نسقت الحملة أو المعركة الاقتصادية ضد إيران وعملت مع “وحدة الحربة” “تسلتسل”. كما بدأت وحدات جمع المعلومات التابعة ل “الجيش الإسرائيلي” في التركيز بشكل أكبر على جمع المعلومات الاقتصادية عن “المنظمات الإرهابية” وكجزء من المعركة ضد إيران. وفي “الجيش الإسرائيلي” على وجه الخصوص كانت التغييرات التنظيمية والمفاهيمية واضحة وقد انعكست في تجنيد قوى بشرية مخصصة وتطوير القدرات التكنولوجية المخصصة وتطوير مصادر الاستخبارات الجديدة ودمج الأهداف الاقتصادية في بنك الأهداف. وقد تم مهاجمة هذه الأهداف كجزء من النشاط المستمر ضد “المنظمات الإرهابية” وكجزء من أحداث قتالية مكثفة وكبيرة مثل حرب لبنان الثانية (هوجمت مستودعات أموال حزب الله وفروع البنوك التي تخدم التنظيم والإدارة المالية لحزب الله).
كما اكتسب التعاون الدولي في مجال الحرب الاقتصادية صقلًا معينًا. انعكس النجاح الرئيسي خلال هذه الفترة في قدرة دولة “إسرائيل” على مساعدة الأمريكيين في بناء صورة استخباراتية فيما يتعلق بالبنية التحتية المالية “للمنظمات الإرهابية” في جميع أنحاء العالم. واستناداً إلى الصورة الاستخباراتية تحركت وزارة المالية الأمريكية لإصدار إعلانات بشأن الكيانات التي تساعد في “تمويل الإرهاب” وتجميد أصولها والضغط على الدول لوقف “تمويل الإرهاب”. أجرت وحدات الاستخبارات في “إسرائيل” وبالتعاون مع وحدة “الحربة ” حوارًا عمليًا مع TIFOS في جوانب أكثر تكتيكية. في الوقت نفسه نشأ تعاون أيضًا مع جهات الإنفاذ الأخرى في الولايات المتحدة بقيادة هيئة مكافحة المخدرات ومكتب المدعي العام في نيويورك والتي على الرغم من أنها ليست جزءًا من المجتمع الاستخباري الأمريكي إلا أنها تتمتع بقدرات كبيرة جدًا في مجال مكافحة “تمويل الإرهاب” وإنفاذ العقوبات.
تطلبت المعركة الاقتصادية التي أديرت ضد “المنظمات الإرهابية” وضد إيران منهم أن يطوروا باستمرار أساليب جديدة لإدارة أنظمتهم الاقتصادية. على سبيل المثال إذا كانت حماس في البداية قد استفادت من مئات الملايين من الدولارات التي أتت من دول الخليج فإن المعركة الاقتصادية قللت بشكل كبير من تحويل الأموال وأجبرت المنظمة على إيجاد مصادر مستقلة. وإذا كان حزب الله استفاد بشكل كبير من المساعدات الإيرانية فإن العقوبات والمعركة الاقتصادية ضد إيران أجبرت المنظمة على التحول أكثر إلى جمع الأموال من الأنشطة الإجرامية مثل تهريب المخدرات. وبالمثل إذا كانت البنوك خلال التسعينيات هي الطريقة المفضلة لتحويل الأموال فقد أحدثت الحملة الدولية تغييرًا جوهريًا وأصبح تحويل الأموال يتم عبر رسل ومكاتب الصرافة. في ذلك الوقت أدت المعركة الاقتصادية إلى نوع من لعبة القط والفأر بين “المنظمات الإرهابية” وإيران والدول الغربية و”إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية، وضد إيران على وجه الخصوص قُدر أن العقوبات المطلقة قد توقف إيران، إذا ما تحركت الدول التي لها نفس الآراء على الفور ووجهت ضربة اقتصادية قاصمة للنظام (رافيد 2012).
ومع ذلك في حين تم صقل أدوات الحرب الاقتصادية في سياق المعركة ضد إيران كانت المعركة الاقتصادية ضد إيران هي التي بشرت بتراجع استخدام هذه الأدوات. طالما كان هناك تداخل بين المصالح الأمريكية و”الإسرائيلية” كان التعاون بين المؤشرات ناجحًا للغاية لكن الخلافات في العلاقة بدأت عندما ظهرت خلافات في الرأي حول مصالح “إسرائيل” والولايات المتحدة والتي بدأت مع بداية المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران بشأن الاتفاقية النووية. يبدو أنه على عكس الولايات المتحدة التي رأت في الحرب الاقتصادية ضد إيران كأداة دبلوماسية لتحقيق أهدافها رأت “القيادة الإسرائيلية” الحرب الاقتصادية كأداة عسكرية كان هدفها وقف البرنامج النووي.
قدرت “وجهة النظر الإسرائيلية” أن استمرار العقوبات الاقتصادية سيؤدي في النهاية إلى قرار إيراني بوقف المشروع النووي فيما رأى الأمريكيون أن التوقيت الحالي هو الأنسب للتوصل إلى اتفاق مع الإيرانيين من خلال وقف العقوبات. كان المعنى الرئيسي للاختلافات في الرأي بين الطرفين هو أنه بينما استمر مسؤولو “الاستخبارات الإسرائيلية” بكامل قوتهم في محاولة إقناع المسؤولين في النظام الدولي بمواصلة الحرب الاقتصادية، أراد الأمريكيون بالذات تهدئة المعركة حتى لا تخرب جهود التوصل إلى اتفاق. “النشاط الإسرائيلي” أغضب وضايق الإدارة الأمريكية. الأمريكيون الذين خففوا من الضغط الاقتصادي عن إيران طالبوا أيضا كبح الأنشطة ضد حزب الله بما في ذلك وقف “مشروع كاساندرا” الذي كان على وشك أن يؤدي إلى اعتقال كبار المسؤولين الإيرانيين وكبار مسؤولي حزب الله بتهمة تجارة المخدرات الدولية على نطاق واسع. (ماير 2017).
لقد أنهى الاتفاق النووي الذي تم توقيعه في تموز (يوليو) 2015 حقبة في التصور أو “المفهوم الإسرائيلي” للمعركة الاقتصادية.
يبدو أنه تحت حد السكين حدث تراجع كامل في استعداد “إسرائيل” لمواصلة معركتها الاقتصادية. خيبة الأمل الكبيرة في “إسرائيل” من التحركات الأمريكية ألقت بظلالها على الفور على المعركة الاقتصادية. في الواقع نشأ نوع من المعادلة عبرت عن مدى ارتباط الفشل في إحباط المشروع النووي ارتباطًا وثيقًا بفشل سياسة العقوبات الأمريكية وعدم جدوى الحرب الاقتصادية بشكل عام. أدى هذا التصور إلى جانب التغييرات في قيادة أجهزة الاستخبارات إلى تراجع جذري في استعداد المنظومة الأمنية لمواصلة تطوير مجال الحرب الاقتصادية. وعليه في عام 2016 تم حل وحدة “الحربة” وتم إنشاء هيئة جديدة في وزارة الجيش ركزت على الإجراءات الدولية والقانونية ضد حماس وتراجع أو تقلص تعامل “الجيش الإسرائيلي” والموساد مع الموضوع.
في المعركة الاقتصادية ضد إيران، تعلم الأمريكيون ومن ثَم في “إسرائيل” بدمهم ولحمهم محدودية استخدام العقوبات كأداة لتحقيق أهدافهم.
وعلى الرغم من السيطرة شبه الحصرية للأمريكيين على النظام الاقتصادي العالمي إلا أن سياسة العقوبات الأمريكية اعتمدت على رغبة وموافقة دول العالم على المشاركة في المعركة.
إن الاعتماد على البلدان الأخرى في إنجاح سياسة العقوبات جعل استخدامها كأداة شبه مستحيل لتحقيق أقصى قدر من التطبيق أو التنفيذ في ظل الظروف التي يعارض فيها الصينيون والهنود والروس سياسة الأمريكيين ويضرون بقوة إطار العقوبات وعدم استعداد الدول الأوروبية لقبول الإملاء الأمريكي.
أظهرت دراسة شاملة بعد سنوات أجريت في الولايات المتحدة بوضوح أن هناك اختلافًا جوهريًا في التأثير بين العقوبات أحادية الجانب كما في عهد ترامب والعقوبات متعددة الأطراف إذا كان من الممكن ضمانها. كان الاستنتاج الرئيسي هو أنه لو كانت العقوبات خلال عهد ترامب متعددة الأطراف لكانت لديها القدرة على تغيير السلوك السياسي للحكومة الإيرانية.
وبحسب الدراسة كان هناك احتمال كبير لو انضم العالم إلى المعركة الاقتصادية ضد إيران، حينها لم تكن إيران لتنجو من المعركة الاقتصادية ضدها.
إذا فشلت سياسة العقوبات فهذا لا يعني أن الحرب الاقتصادية قد فشلت. الاعتماد الكامل إلى حد ما على مفهوم العقوبات الأمريكية الذي طورته “إسرائيل” هو الذي فشل وأضر فعليًا بمفهوم “الحرب الاقتصادية الإسرائيلية” بالكامل. هنا “إسرائيل” هي التي تعلمت أنه عندما يكون هناك تضارب في المصالح بينها وبين الولايات المتحدة في إدارة المعركة فإن هذا يؤدي حتماً إلى تحييد شبه كامل لقدرة “الحرب الاقتصادية الإسرائيلية”.
أدى الاعتماد على المدى الطويل على الولايات المتحدة إلى حقيقة أن “إسرائيل” لم تكن قادرة على تطوير قدرة حربية اقتصادية حقيقية. على الرغم من إنشاء وحدة “الحربة” لم يكن ل “إسرائيل” نهج منظم للحرب الاقتصادية، ولا يزال “صناع القرار الإسرائيليون” لا يرون في الحرب الاقتصادية كأداة مركزية في ترسانة “إسرائيل” من الأدوات الأمنية.
الجزء الثاني – إمكانات الحرب الاقتصادية في الحرب ضد إيران و “جيوش الإرهاب”
إمكانية مساهمة الحرب الاقتصادية في النضال ضد إيران و “جيوش الإرهاب” تنبع أولاً وقبل كل شيء من القيود المفروضة هذه الأيام على استخدام القوة العسكرية التقليدية والتكاليف الملازمة لذلك على إسرائيل. في هذا السياق من الممكن أن نشير على سبيل المثال إلى صعوبة هزيمة جيش عدو حتى عندما يكون ميزان القوى يميل في مصلحتنا كما هو واضح على سبيل المثال في الحرب الحالية في أوكرانيا أو في جهود “إسرائيل” الفاشلة ضد حزب الله وحماس في العقود الأخيرة. كما أن الحروب “الكلاسيكية” تنطوي على تكاليف اقتصادية وسياسية وقانونية ونفسية باهظة للغاية. علاوة على ذلك فإن اختيار الحرب الاقتصادية يعكس الاعتراف بالمكانة المركزية للاقتصاد في أنظمة أعدائنا وقدرتها على العمل ضدنا. تؤثر المتغيرات الاقتصادية على عملية صنع القرار لدى أعدائنا وعلى بناء قوتهم وعلى قدرتهم على حشد الدعم والتأثير وتنفيذ خططهم. أي أن استخدام أدوات الحرب الاقتصادية يمكن أن يخدم مجموعة متنوعة من الأغراض العملياتية حتى لو كان هذا يعني أن مجال الحرب الاقتصادية سيصبح أكثر أهمية من القوة العسكرية التقليدية ل “إسرائيل”.
سيتطلب استخدام أدوات الحرب الاقتصادية من صناع القرار في “الجيش الإسرائيلي” (وخارجه) تحسين فهمهم لاقتصاد خصومهم والاقتصاد بشكل عام وتقييم تأثير استخدام هذه الأدوات على السياقات الاقتصادية الأوسع بالإضافة إلى تقييم مخاطر التمدد أو الانزلاق من المجال الاقتصادي إلى مجالات أخرى العسكرية وغيرها. على سبيل المثال قد تؤدي محاولة تقليص مساحة العمل الاقتصادي لحزب الله وبالتالي إضعاف الدعم الشعبي له في لبنان إلى تفكيره بالقيام بخطوات عسكرية قوية ضد “إسرائيل” ردًا على ذلك أو كبديل لحشد التعاطف الشعبي.
من أجل النهوض بمجال الحرب الاقتصادية حتى في “الجيش الإسرائيلي” باعتباره من يقود المنظومة الامنية في الحرب ضد إيران ووكلائها يجب الترويج لعدد من الخطوات:
أولاً: يجب تطوير مفهوم أو نظرية فيما يتعلق باستخدام “إسرائيل” العسكري للحرب الاقتصادية ضد أعدائها. أولاً وقبل كل شيء يجب على “الجيش الإسرائيلي” أن يقرر ما إذا كانت الحرب الاقتصادية هي مجرد أداة حرب فقط لا غير أو ما إذا كانت أيضًا أداة قد تدعم عمليات التسوية والدبلوماسية العسكرية وما إذا كان يمكن الجمع بين هذه الأساليب بطريقة أفضل من ذي قبل. يجب أن تركز الحرب الاقتصادية أولاً وقبل كل شيء على التأثير على الدوافع لدى صناع القرار. تواجه “إسرائيل” مجموعة من الدول والمنظمات تديرها مجموعة صغيرة جدًا من صناع القرار. وهذه مجموعة بمجرد أن يكون هناك تهديد حقيقي على بقائها فهذا يؤثر في المقام الأول على عمليات صنع القرار لديها. يمكن أن يكون التأثير على البقاء من خلال القوة ولكن يمكن أيضًا أن يكون من خلال إلحاق ضرر خطير للغاية بقوتهم الاقتصادية والتي تقوم من بين أمور أخرى على السيطرة على مصادر مالية واسعة النطاق.
في بعض الأحيان يكون من الممكن التأثير على صنع القرار لدى أعدائنا أيضًا من خلال ممارسة ضغط شديد جدًا على المقربين منهم وتحريضهم على التمرد. من الممكن على سبيل المثال القيام بحرب اقتصادية ضد “اقتصاد الظل” الذي نشأ بين المنظمات الإرهابية وإيران على حساب الحرب الاقتصادية الواسعة ضد السكان في إيران أو غزة والتي لم تنجح بعد في الحصول النتائج المرجوة. في إيران “اقتصاد الظل” هو عملياً الذي يجعل القيادة تصمد ويعزلها عن المشاكل اليومية للسكان الذين يعانون. والمس بقدرة القيادة على التحكم في الموارد وادمانها على امتيازات الحكم يشكل عنصرًا مركزيًا في عملية صنع القرار.
ثانيًا: مطلوب ترتيب تنظيمي جديد يحدد بوضوح الجهة أو الشخص المسؤول عن القضية على المستوى الوطني وبالتالي يؤدي أيضًا إلى إنشاء إطار تنظيمي جديد يكون لديه جميع الصلاحيات والموارد اللازمة لذلك حتى على حساب الاستثمار في مجالات القتال الحركية الهجومية الأخرى. إذا قررت دولة “إسرائيل” الدخول في عالم الحرب الاقتصادية فيجب عليها تحديد جهة مسؤولة على المستوى الوطني لإدارة المعركة. تتطلب الحرب الاقتصادية موارد قليلة وتغييرًا في الأولويات في برامج جمع المعلومات الاستخبارية وهو الشي الذي فرصة تنفيذه دون المشاركة الكاملة من قبل الجيش ووكالات الاستخبارات الأخرى منخفضة. في “الجيش الإسرائيلي” يمكن إنشاء ذراع جديد يركز على جميع الأدوات اللازمة للحرب الاقتصادية تشمل إلى جانب أولئك الذين يرتدون الزي العسكري ممثلين عن مكتب رئيس الوزراء وممثلين دائمين آخرين من الوزارات الحكومية ذات الصلة مثل وزارات المالية والخارجية.
الذراع الجديدة تكون من بين أمور أخرى مسؤولة عن صياغة أهداف الحرب الاقتصادية ودمج الجهود في الميدان في إطار جهود “إسرائيل” الأخرى ضد إيران ووكلائها (في المعركة بين الحروب وفي الحرب) وعن التعلم المنهجي (لماذا على سبيل المثال لم تكن العقوبات الأمريكية ضد إيران ناجحة؟) [7] وعن بناء القوة المطلوبة لذلك. يجب على “الجيش الإسرائيلي” ويمكنه تسخير أدواته في مجالات أخرى – السايبر والوعي والقانون – لغرض تعزيز الحرب الاقتصادية. باستخدام الأدوات الإلكترونية من الممكن الوصول إلى “خلف كواليس” الانظمة المالية في البلدان المستهدفة. ومن خلال أدوات الوعي من الممكن تكثيف تأثير العمليات الاقتصادية على سلوك العامة وضد أنظمتهم. وباستخدام الأدوات القانونية من الممكن حرمان أعدائنا من الأصول المحفوظة خارج حدودهم.
كيف يمكن أن تبدو الحرب الاقتصادية ضد إيران وحلفائها؟
يمكن دراسة المعركة التي تشنها “إسرائيل” ضد حزب الله كمثال. اليوم تضع المعركة كل أملها على الحرب التقليدية والمعركة بين الحروب. نحن نستعد بموارد هائلة ليوم الحرب. حيث إن الهدف من المعركة بين الحروب هو تقليص قدر الإمكان القدرة التي تنقلها إيران إلى حزب الله وخلق الردع وبنك أهداف للمعركة. كما تعمل “إسرائيل” من خلال الوعي لتوضيح أن لبنان سينهار في الحرب القادمة. الآن لنفترض جدلاً أن “إسرائيل” تبني القدرة على شل النظام المالي لحزب الله بأكمله: بدءًا من شركات التغطية حول العالم والوحدات المالية والنظام المصرفي. المعنى الرئيسي لمثل هذا النشاط هو أن منظمة مثل حزب الله لن تكون قادرة على ادارة امورها وأن الأموال لن تذهب إلى النشطاء ولا إلى العمليات وأن القيادة تفقد قوتها. كما سيفقد حزب الله قوته في الشارع اللبناني لأنه سيجد صعوبة في تحويل الميزانيات إلى السكان الشيعة.
وبالمثل يمكن تصور معركة تستيقظ فيها قيادة إيران ذات صباح وتجد جميع أنظمتها المالية مشلولة وتنهار شركاتها التجارية ويخسر قادة الحرس الثوري جميع أصولهم أو تنتقل الأصول إلى أيادي أخرى (عمليات “روبن هود”). ألا يمكن لمثل هذا الحدث أن يؤثر أكثر من أي حملة عسكرية ونتائجها على عملية صنع القرار في إيران بخصوص استمرار المشروع النووي؟ ألا يستحق التفكير في مثل هذا التحرك بدل هجوم عسكري على المنظومات النووية مع كل ما يترتب على مثل هذا العمل؟.
ملخص
يمكن للحرب الاقتصادية أن تمنح “الجيش الإسرائيلي” وصناع القرار السياسي درجات أكبر من الحرية العملياتية مما لديهم حاليًا. تجسد الحرب الاقتصادية العديد من الفرص التي لم يتم استكشافها بعد ناهيك انها لم تستغل، وبدون الكثير من التكاليف الباهظة المرتبطة بخصائص القتال لدى “الجيش الإسرائيلي” اليوم. هذا لا يعني أننا وصلنا إلى “زمن المسيح” وبالتأكيد لم نصل إلى اليوم الذي يمكننا فيه مناقشة نزع سلاح الجيش. لا يزال يتعين على “الجيش الإسرائيلي” أن يكون بكامل قوته لمعارك الدفاع والحروب مثل تلك التي يتم شنها حاليًا ضد عمليات نقل المعدات العسكرية المتطورة بين إيران وحزب الله وفي غزة ضد حماس. في الوقت نفسه على مدى عقود لم تثبت القوة العسكرية البحتة والجهود السياسية نفسها حتى الآن. وأثمان أو تكاليف السياسة الأمنية الحالية آخذة في الارتفاع. سيكون من الصواب ل “إسرائيل” و”الجيش الإسرائيلي” بشكل خاص أن يشرعوا في تطوير ميدان الحرب الاقتصادية من أجل محاولة كسر الجمود الذي نتواجد فيه أمام عدونا.
هوامش:
[1] كانت هذه الأنواع من الأسئلة تشغل بال صانعي القرار في الولايات المتحدة على مدى العقود القليلة الماضية والتي اختارت استخدام العقوبات كأداة مركزية في “صندوق الأدوات” ضد منافسيها وداخل علاقاتها مع أصدقائها وشركائها.
[2] تكمن المشكلة الرئيسية للعقوبات في القدرة على إنشاء تحالف دولي على أوسع نطاق ممكن يتبنى هذه العقوبات والاهم أن يفرضها. أظهرت الدراسات أن العقوبات تواجه قيودًا كبيرة ويعتمد نجاحها أولاً وقبل كل شيء على القدرة على تكوين تحالف من الدول والقوى.
[3] الذي كان مسؤولاً وقتها عن الحرب على الإرهاب في الولايات المتحدة هو مكتب التحقيقات الفدرالي ولكن في ذلك الوقت لم يكن لديه أي تخصص في قضية تمويل الإرهاب. ومن ناحية أخرى في ذلك الوقت طالبت وزارة المالية الأمريكية العمل في الموضوع لكنها واجه عقبات بيروقراطية وأهمها عدم استعداد منظومة المخابرات الأمريكية لجعلها جهة ذات صلة في الحرب على الإرهاب استبعاد وزارة المالية الأمريكية على وجه التحديد هو من سمح لأعضاء مقر مكافحة الإرهاب ببناء علاقة وثيقة للغاية مع وزارة المالية الأمريكية والتي أصبحت فيما بعد الهيئة الرئيسية المسؤولة عن الحرب الاقتصادية في الولايات المتحدة (زاراتي 2013 ص التاسع).
[4] في هذا الإطار تقرر إنشاء وظيفة حكومية جديدة تابعة لوزارة المالية. وزارة الإرهاب والاستخبارات المالية (TFI) التي تنظم وظائف الاستخبارات والإنفاذ بهدف حماية النظام المالي من التهديدات ومن ناحية أخرى محاربة الدول المارقة الداعمة للإرهاب وأسلحة الدمار الشامل وغاسلي الأموال وأباطرة المخدرات والتهديدات الأخرى على الأمن القومي. يوجد مكتبين تابعين لوزارة الإرهاب والاستخبارات المالية: مكتب تمويل الإرهاب والجرائم المالية (TFFC) وهو المسؤول عن صياغة السياسات. ومكتب الاستخبارات والتحليل (OIA) مسؤول عن وظائف استخبارات TFI حول اندماج وزارة المالية في مجتمع المخابرات الأمريكية. الهيئات الأخرى التي تم إنشاؤها كجزء من الإصلاح الواسع في وزارة المالية الأمريكية هي مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) المسؤول عن فرض العقوبات الاقتصادية والتجارية. يدير مكتب مصادرة الأصول (TEOAF) صندوق مصادرة المالية (TFF) الذي يدعم جهود التحقيق التي تبذلها وكالات إنفاذ القانون ويعزز التعاون بين الوكالات والتعاون الدولي ضد الجرائم المالية المحلية والدولية (اعلان إدارة بوش 2004)
[5] عزز مكتب التحقيقات الفدرالي قدرته على مكافحة الإرهاب بشكل فعال من خلال إنشاء قسم عمليات تمويل الإرهاب (TFOS). كانت TFOS التي كان من المقرر أن تحدد جميع أنشطة تمويل الإرهاب وجمع الأموال والتحقيق فيها والمقاضاة وتعطيلها وتفكيكها تدريجياً. مع الاستفادة من التشريعات الأمريكية واختراق المؤسسات المالية وتعزيز التعاون والتنسيق بين سلطات إنفاذ القانون وأجهزة المخابرات المحلية والأجنبية. نظرًا لأن هذا نشاط استخباراتي عابر للحدود فقد عملت وكالة المخابرات المركزية كجزء من فريق عمل مكتب التحقيقات الفيدرالي. (سبتمبر 2003).
[6] يجب على دولة “إسرائيل” أن تتخذ قرارًا مبدئيًا بشأن استعدادها لدخول ساحة المعركة الاقتصادية بالكامل. هذا قرار حكومي لأن معركة اقتصادية مكثفة يمكن أن يكون لها تأثير واسع للغاية على الاقتصاد العالمي وبالطبع على اقتصاد “إسرائيل” (تأثير “اقتصاد جناح الفراشة”) المعرض بشدة للتقلبات في الاقتصاد العالمي.
[7] هناك إجابة محتملة أخرى على السؤال وهي أنه في أكثر النقاط أهمية في المعركة الاقتصادية ضد إيران انسحبت الولايات المتحدة من سياسة العقوبات وسمحت بالفعل لـطهران بالعودة وإعادة تأهيل نفسه بقوات محسنة مع تنفيذ عمليات التعلم والصمود في وجه الموجة التالية من العقوبات التي جاءت بعد عدة سنوات.
Facebook Comments