أخبارشؤون فلسطينيةمقالات إستراتيجية

روح المقاومة الفلسطينية هي من تشكل المعركة

ترجمة الهدهد

معهد أبحاث الأمن القومي/ دكتور كوبي ميخال 

الهجوم على شارع 90 في الأغوار يشكل فصلًا آخر في روح المقاومة الفلسطينية التي تتشكل بروح الجهاد الإسلامي وبالتعاون مع حماس وكتائب الأقصى التابعة لفتح وبتشجيع من إيران وحزب الله، إن إدارة “إسرائيل” للصراع والتي تشمل زيادة عدد المعتقلين والضحايا من الجانب الفلسطيني وصدى ذلك على الشبكات الاجتماعية، تعزز في الواقع روح المقاومة، تقترب “إسرائيل” من استنفاد استراتيجية “جز العشب” وما كان حتى اليوم يحب أن يتغير.

نمط العمل الحالي الذي تقوم به “إسرائيل” في مواجهة تصعيد العمليات في الضفة الغربية يشكل تربة خصبة لتعزيز روح المقاومة الفلسطينية، بالنسبة للنشطاء المسلحين الفلسطينيين فإن ثمن الاحتكاك العنيف مع قوات “الجيش الإسرائيلي” ليس باهظًا جدا.

رموز النضال الوطني يولدون كل يوم، ويستقر الشعور بالقدرة وإمكانية الكفاح المسلح في القلوب وفي الوعي الجماعي لدى جيل الشباب، ويغذي الدافعية لديهم للانضمام إلى النضال، ومع ذلك فإن إدارة “إسرائيل” للصراع بطريقة “جز العشب” على وشك النفاد وقد تكون مرهقة وتؤدي إلى تفشٍ واسع النطاق للعنف.

لم يكن الهجوم الذي وقع في 4 سبتمبر على شارع 90 مفاجئًا، لا لأنه عملية إطلاق نار، حتى لو كانت غير عادية من حيث التخطيط والنية لإشعال النار في الحافلة على ركابها، ولا في توقيتها ولا فيما يتعلق بمنفذيها. ردود الفعل المتعاطفة والغاضبة من حماس والجهاد الاسلامي وكتائب الاقصى، فضلًا عن عدم وجود رد فعل من السلطة الفلسطينية ليس مفاجئًا، كان هذا الهجوم محطة أخرى في مسلسل النضال الآخذ في الاتساع، وفصلًا آخر في روح المقاومة الفلسطينية التي تتبلور بروح الجهاد الإسلامي وبالتعاون مع حماس وكتائب الأقصى التابعة لفتح، وكل هذا بتشجيع من إيران وحزب الله.

وفي هذا الوقت من المهم فحص الأمور بأكملها، في الواقع الهجوم على الحافلة على الطريق 90 هو جزء من اتجاه ظهر منذ مارس 2022، والذي بدأ بهجمات داخل حدود “إسرائيل”، كانت منطقة جنين مركزاً لتصدير الهجمات، بعد فترة طويلة نجح فيها الجهاد الإسلامي بتمويل من إيران وحزب الله وبمساعدة نشطة منهم ليصبح أقوى وأهم منظمة في المنطقة، التنظيم الذي يعمل كحليف إيراني لا يتحمل أي التزام ومسؤولية تجاه السكان المحليين.

الغرض من وجوده هو التمسك بفكرة المقاومة المسلحة وهي وسيلة مهمة وملائمة بالنسبة لإيران لزعزعة استقرار المنطقة ومحاربة “إسرائيل”، وقد أنشأت المنظمة شبكات تعاون مع حماس ومجموعات فتح المسلحة وتقود جهودًا ممنهجة لتجنيد الشباب الذين لا ينتمون بالضرورة إلى أي من المنظمات، وكذلك تجنيد آخرين من ذوي الانتماءات التنظيمية للقيام بأعمال نضالية مقابل المال.

مسلسل النضال الذي يتم تشغيله من منطقة جنين بقيادة حركة الجهاد الإسلامي انتقل إلى منطقة نابلس بسبب الصعوبات التي راكمتها “قوات الأمن الإسرائيلية” التي عملت بشكل مكثف في المنطقة لكنها لم تنقرض بشكل كامل، والدليل وصل منفذو الهجوم على الحافلة من هناك.

كذلك أدى نشاط “قوات الأمن الإسرائيلية” في منطقة جنين إلى زيادة كبيرة في مستوى الاحتكاك مع السكان المدنيين، ومستوى العنف في المواجهة مع الجماعات الفلسطينية المسلحة.

“النشاط الإسرائيلي” الذي تركز على شكل عمليات محددة في شكل سري، يرد عليه النشطاء المسلحين في محاولة لعرقلته بالسعي للاشتباك والاحتكاك وإطلاق النار، وهؤلاء هم بضع مئات من النشطاء، الذين يركزون جهودهم ضد قوات “الجيش الإسرائيلي” مع توثيق الأحداث ونشرها على الفور على الشبكات الاجتماعية.

على الرغم من كثرة عدد المعتقلين والزيادة الملحوظة في عدد القتلى والجرحى الفلسطينيين، إلا أن روح المقاومة الفلسطينية قويت وانتشرت في أنحاء الضفة الغربية، بينما في المقابل توسعت عمليات الاعتقال وإحباط العمليات في هذه المناطق. وإلى جانب الجهود المستمرة لحركة الجهاد الإسلامي واصلت حماس جهودها العسكرية في المنطقة بقيادة صالح العاروري.

كتائب الأقصى الفتحاوية واصلت من جهتها تمييز نفسها عن السلطة الفلسطينية وانضمت إلى الكفاح المسلح سواء ضد قوات “الجيش الإسرائيلي” العاملة في الميدان أو في الجهد لتنفيذ هجمات نضالية، وعلى خلفية تقليد التعاون بين المنظمات في منطقة جنين تعمق التعاون المشترك بين المنظمات.

الضائقة الاقتصادية في حد ذاتها ليست عاملاً يفسر الظاهرة لكن الحديث يدور عن وعي نضالي يتوسع وتغذيه زيادة مستوى الاحتكاك العنيف مع قوات “الجيش الإسرائيلي” من خلال الشعور بالنجاح وخاصة الفراغ الحكومي الناتج عن ضعف السلطة الفلسطينية. لقد تضررت صورة السلطة الفلسطينية ومكانتها بشدة في نظر الجمهور الفلسطيني بسبب فشلها في الترويج للرؤية الوطنية وتقديم أفق سياسي، وكذلك ينعكس الفراغ الحكومي في تفضيل الأجهزة الأمنية تجنب اتخاذ إجراءات حاسمة ضد المجموعات المسلحة، هذا مع استبعاد – في حالات استثنائية – العمل ضد تنظيم حماس التي حسب فهم قيادة السلطة الفلسطينية تهدد استقرارها وبقاءها، وهذه هي الخلفية أيضًا لتورط نشطاء من الأجهزة الأمنية أو أبنائهم في الهجمات المسلحة، إن نطاق هذه الظاهرة حتى لو كانت لا تزال منخفضة نسبيًا أمر مثير للقلق ويشير إلى الصعوبة التي تواجهها الأجهزة الأمنية في العمل ضد هذه المنظمات.

وفي ظل الظروف الحالية لن يكون هناك تغيير في حالة ضعف السلطة الفلسطينية، إن استمرار “الجهود الأمنية الإسرائيلية” لإحباط البنية التحتية للنضال ستؤدي حتمًا إلى زيادة أخرى في الاحتكاك وفي عدد الضحايا الفلسطينيين، وتقترب “إسرائيل” بخطوات كبيرة أقرب إلى المعضلة الاستراتيجية وهي:

  1.  الاختيار بين جهد متجدد ومبادرة سياسية نحو الانفصال، حتى لو كان محدودًا بسبب غياب إمكانية للتسوية الدائمة في المستقبل المنظور، وتبقى تلمح للسلطة الفلسطينية على أنها شريك في عملية التسوية، وتحسن ظروف الحكم والاقتصاد في مناطق السلطة الفلسطينية، وكذلك تعززها كبديل لقادة المقاومة المسلحة.
  2. أو تقوم بتحرك عسكري واسع النطاق مثل عملية “السور الواقي” للقضاء على البنية التحتية للنضال التي تتطور في جميع أنحاء الضفة الغربية.

على أي حال على “إسرائيل” أن تبذل جهوداً أكثر منهجية وأهمية لإحباط تهريب الأموال والأسلحة بقيادة إيران وحزب الله بشكل أساسي التي تغذي البنية التحتية للنضال.

إن نمط العمل المزدوج الذي تتخذه “إسرائيل” في الساحة الفلسطينية، والذي يتضمن التسهيلات واللفتات الاقتصادية وفي الوقت نفسه الرد العسكري المحدود، ومن ناحية أخرى إجراءات حازمة ضد العمليات في الضفة الغربية، يشكل تربة خصبة لتعزيز روح المقاومة الفلسطينية، ويساهم عن غير قصد في إضعاف السلطة الفلسطينية، على هذه الخلفية يُنظر إلى الأجهزة الأمنية الفلسطينية على أنها متعاونة مع “إسرائيل” على حساب المصلحة الوطنية الفلسطينية. وبالنسبة للنشطاء الفلسطينيين المسلحين فإن ثمن الاحتكاك العنيف مع قوات “الجيش الإسرائيلي” ليس باهظًا لديهم.

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي