
ترجمة الهدهد
معهد أبحاث الأمن القومي
راز تسميت.. غاليا ليند شتراوس.. بات حين فيلدمان.. أركادي ميل مان
أتاحت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى طهران لأول مرة منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022 – فرصة لقادة الدول الثلاث لإثبات الشراكة بينهم في مواجهة الغرب ومناقشة التحديات التي يواجهونها على الساحات المحلية والإقليمية والدولية.
ورأت إيران في الاجتماع إمكانية لتوطيد علاقاتها الاستراتيجية مع الكرملين، كرد على فكرة إنشاء نظام دفاع إقليمي بقيادة واشنطن، ورأت روسيا أنها فرصة لتظهر للعالم وللرأي العام الداخلي أنها ليست منعزلة وأن هناك استعداداً في الساحة الدولية لإقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب لا تقوده الولايات المتحدة.
وفي السياق السوري عكست القمة اهتماماً إيرانياً روسياً لجعل تركيا تتراجع عن نيتها إطلاق عملية جديدة في شمال سوريا، الأمر الذي تعتبره أنقرة مصلحة أمنية حيوية، وعلى الرغم من القمة التي تعكس التقاء جزئي للمصالح بين الدول الثلاث، إلا أن العلاقة بينهم ما زالت تتسم بدرجة كبيرة من التنافس وتضارب المصالح والشك المتبادل، لذلك هناك شك كبير فيما يتعلق بقدرتهم على تنفيذ الاتفاقات الثنائية التي تم التوصل إليها خلال الاجتماع، والأكثر من ذلك تعزيز تعاونهم من أجل إقامة محور متماسك مناهض للغرب.
أتاحت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى طهران – لأول مرة منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022 – لقادة الدول الثلاث التي تخضع لعقوبات غربية بدرجات متفاوتة إظهار شراكتهم أمام الغرب ومناقشة التحديات التي يواجهونها على الساحتين المحلية والدولية.
حيث شارك رؤساء الدول الثلاث خلال الزيارة في اجتماع قمة في إطار “عملية أستانا” للتسوية في سوريا، بالإضافة إلى ذلك عقد رئيسا روسيا وتركيا اجتماعات ثنائية مع المرشد الأعلى لإيران، علي خامنئي، ومع الرئيس إبراهيم رئيسي، واعتبرت كل دولة أن الزيارة فرصة لتعزيز مصالحها سواء على المستوى الثنائي أو فيما يتعلق بالساحة السورية.
وعلى الصعيد الثنائي رأت طهران في زيارة الرئيس بوتين فرصة لتوسيع التعاون مع روسيا ضمن استراتيجية “التوجه شرقاً” التي تبنتها القيادة الإيرانية في السنوات الأخيرة في ظل عزلة طهران المتزايدة، وفي الأشهر الأخيرة أجرى البلدان سلسلة من المشاورات بشأن إمكانية التعاون في التعامل مع العقوبات الغربية بناءً على تجربة إيران في الالتفاف على العقوبات الاقتصادية.
وذكرت وسائل إعلام إيرانية خلال الزيارة أن شركة النفط الوطنية الإيرانية وقعت مع شركة النفط الحكومية الروسية غازبروم “اتفاقية تاريخية بقيمة نحو 40 مليار دولار” للاستثمار المشترك في مشاريع النفط والغاز، ومع ذلك من المشكوك فيه للغاية ما إذا كانت روسيا لديها القدرة على استثمار مثل هذه المبالغ الكبيرة في تطوير حقول النفط والغاز في إيران في الوقت الحاضر، علاوة على ذلك لا يزال البلدان متنافسين أكثر من كونهما شريكين في مجالات الطاقة.
منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا تعرض حجم صادرات النفط الخام الإيراني إلى الصين لضربة شديدة بسبب بيع النفط الروسي للصين بسعر مخفض، كما أن حجم التبادل التجاري بين إيران وروسيا ليس مرتفعاً أيضاً، وعلى الرغم من أنه سيرتفع في عام 2021 إلى 4 مليارات دولار، إلا أنه لا يزال يعتبر منخفضاً نسبياً ويعتمد بشكل أساسي على المنتجات الغذائية، وخاصة تصدير القمح من روسيا إلى إيران.
لا تستطيع إيران وروسيا إجراء معاملاتهما بالعملات الغربية بسبب العقوبات ومحاولات إجراء معاملات بالمقايضة تظل محدودة للغاية، لأن معظم منتجات كل منهما ليست جذابة للآخر.
كما توفر الأزمة في أوكرانيا لإيران فرصة لتعميق التعاون العسكري مع موسكو، ويبدو أن الجوانب العسكرية تمت مناقشتها أيضاً خلال الزيارة، حيث أحد أعضاء الوفد الروسي المرافق لبوتين كان رئيس جهاز الاستخبارات الروسي الرئيسي للجيش الروسي، وخلال الزيارة تم تبادل مسودة اتفاقية تعاون استراتيجي بين البلدين، تتضمن بنداً حول التعاون العسكري التقني.
ومن المفترض أن تحل هذه الاتفاقية محل الاتفاقية السابقة بينهما، والتي تم توقيعها لأول مرة في عام 2001 وتم تمديدها عدة مرات حتى انتهت في عام 2020، حتى الغزو الروسي لأوكرانيا قيدت روسيا التعاون العسكري بينها وبين إيران خوفاً من رد الفعل الغربي، لم يعد هذا القيد موجوداً وقد تقدم روسيا لإيران تقنيات عسكرية متطورة لم يتم تقدمها لها حتى الآن.
إن لطهران مصلحة واضحة في تعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع الكرملين، كرد على أفكار إنشاء نظام دفاع إقليمي في الشرق الأوسط بقيادة واشنطن، ويثير هذا الاحتمال قلقاً كبيراً لدى طهران، لا سيما في ظل استمرار الجمود في المحادثات النووية والخوف من مزيد من التصعيد بين إيران والغرب.
من جهتها ترى روسيا أن هذا النوع من النظام الدفاعي بقيادة واشنطن يشكل تهديداً لمصالحها الإقليمية، وفي هذا السياق لا تزال أنقرة تقف على الحياد، في حين أن عملية التطبيع مع الإمارات والسعودية و”إسرائيل” من ناحية تقربها من المحور الذي تقوده واشنطن، ومن ناحية أخرى الخلافات العميقة مع هؤلاء اللاعبين ومع لاعبين آخرين أيضاً تقربها من روسيا وإيران.
تمت زيارة الرئيس بوتين في ظل تقارير في الولايات المتحدة تفيد بأن إيران تعتزم تزويد روسيا بمئات من الطائرات بدون طيار لاستخدامها في الحرب في أوكرانيا، حتى إن البيت الأبيض نشر معلومات مدعومة بصور الأقمار الصناعية، وفقاً لها قام مسؤولون روس في الأسابيع الأخيرة بزيارة قاعدة عسكرية في وسط إيران مرتين على الأقل، من أجل فحص إمكانية تشغيل طائرات بدون طيار ذات قدرات هجومية في أوكرانيا.
صحيح أن إيران لم تؤكد النبأ، بل أن وزير الخارجية الإيراني نفاه في أذني نظيره الأوكراني، لكن قائد القوات البرية للجيش الإيراني كيموروت حيدري قال عشية زيارة الرئيس بوتين إن الجيش الإيراني أنتج طائرات بدون طيار متطورة للغاية ومستعد لتصدير المعدات العسكرية والأسلحة إلى الدول الصديقة.
على أي حال من المشكوك فيه ما إذا كانت إيران لديها القدرة على إنتاج مئات الطائرات بدون طيار المتقدمة في وقت قصير، وبالتالي حتى لو اشترت روسيا الطائرات بدون طيار من إيران، فلن يكون عددها كبيراً، إذا تم بالفعل تزويد روسيا بطائرات بدون طيار إيرانية فمن المحتمل أن تتطور ساحة قتالية في أوكرانيا من ناحية سيتم فيها دمج الطائرات بدون طيار تركية الصنع الموجودة في حوزة أوكرانيا، ومن ناحية أخرى سيتم دمج الطائرات بدون طيار الإيرانية الصنع تستخدمها روسيا.
في السياق السوري تعكس القمة الثلاثية في طهران اهتماماً إيرانياً روسياً بجعل تركيا تتراجع عن نيتها إطلاق عملية جديدة في شمال سوريا، حيث تشكل السيطرة الكردية وخاصة سيطرة الفرع السوري من الحركة السرية الكردية في مناطق شمال سوريا تهديداً أمنياً لأنقرة.
كما أن هناك إحباطا مستمرا في أنقرة من تجاوز الأكراد في نهاية عام 2015 “الخط الأحمر” الذي وضعته تركيا أمامهم لثنيهم ضمن الصراع مع تنظيم الدولة الإسلامية عن محاولة السيطرة على الأراضي الواقعة غرب نهر الفرات، باستثناء التهديد الأمني فإن وجود اللاجئين السوريين في الأراضي التركية هو أيضاً قضية داخلية مشتعلة تساهم في تراجع الدعم لأردوغان وحزبه، خاصة على خلفية التدهور المستمر في الوضع الاقتصادي في البلاد.
تخشى إيران من أن تؤدي عملية عسكرية تركية أخرى إلى تقويض سيطرة الرئيس الأسد في سوريا وتوسيع الوجود العسكري التركي في منطقة مدينة تل رفعت الواقعة في الضاحية الشمالية لمحافظة حلب والقريبة من بلدتي نوبول والزهراء الشيعيتين اللتين تعتبران منطقة نفوذ لإيران والميليشيات التي تدعمها.
وحذر خامنئي خلال لقائه مع الرئيس أردوغان من أن أي عملية عسكرية في شمال سوريا ستضر حتما بتركيا وسوريا والمنطقة بأسرها وستفيد الإرهابيين، من تصريحات الطرفين يبدو أن إيران وروسيا لم يتمكنا من إقناع الرئيس أردوغان بالتراجع عن نيته الشروع في عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا، مع أنهما قد يمنعان في الوقت الحالي الأتراك من توسيع أنشطتهم في شمال شرقي سوريا وتقليص أهداف العملية المزمعة على تل رفعت ومنبج غرب نهر الفرات.
كما توجد خلافات في الرأي حول الساحة السورية بين إيران وروسيا في سياق استمرار “النشاط الإسرائيلي” في سوريا، وفي الملخص الرسمي للاجتماع الثلاثي الذي نشره الكرملين لم يرد ذكر “لإسرائيل” أو “الهجمات الإسرائيلية” في سوريا، رغم أن القضية أثيرت في المحادثات من قبل إيران التي طالبت بوقف “العمليات الإسرائيلية”، ورغم الخلاف بين الدول الثلاث يبدو أنها تعترف بضرورة التوصل إلى نوع من الاتفاق من أجل الحفاظ على مصالحها في سوريا.
بالنسبة لروسيا فإن الاجتماع في طهران يوفر فرصة للرئيس بوتين ليبلغ العالم والرأي العام الداخلي أن روسيا ليست معزولة على الساحة الدولية وتستمر في الحفاظ على علاقات جيدة مع مختلف الدول بما في ذلك تركيا عضو الناتو.
هذا على الرغم من العقوبات والفتور الكبير في العلاقات بين موسكو والعديد من الدول، خاصة في العالم الغربي، علاوة على ذلك يعزز الاجتماع نهج روسيا بأن العديد من دول العالم تفضل عالماً متعدد الأقطاب بدلاً من عالم أحادي القطب بقيادة الولايات المتحدة.
من وجهة نظر تركيا عُقد الاجتماع على خلفية التوترات المتزايدة بين أنقرة وطهران، على خلفية التنافس على النفوذ في القوقاز والعراق، والخلافات على الموارد المائية والغضب في أنقرة بشأن التعدي على السيادة التركية بسبب عمليات التجسس ومحاولات اغتيال المنفيين الإيرانيين في أراضيها، وكذلك النوايا الهجومية الإيرانية ضد “أهداف إسرائيلية” في تركيا.
في إطار الاجتماع السابع للمجلس الاستراتيجي للتعاون بين إيران وتركيا، وقعت أنقرة وطهران اتفاقيات للاستثمارات المتبادلة والتعاون في مجالات الدبلوماسية والاتصالات والأعمال، بالإضافة إلى الالتزام بمضاعفة حجم التجارة بينهما ثلاثة أضعاف، بل أكثر لــ 30 مليار دولار.
ومع ذلك فإن الالتزام بزيادة حجم التجارة بينهما بشكل كبير قد تم التعهد به في عدة مناسبات في الماضي ولم يتحقق بعد، حيث يشير تركيز أردوغان على توسيع التعاون في مجال الصناعات الدفاعية أيضاً إلى الصعوبات في تطوير التجارة المدنية بين البلدين، كما أن توسيع التعاون في مجال الغاز أمر مشكوك فيه في ضوء التنويع الأكبر لمصادر الطاقة التركية في السنوات الأخيرة والاستياء في أنقرة من التعليق المؤقت لصادرات الغاز من إيران في يناير 2022.
وفي الختام عكست القمة التي عقدت في طهران، التقاء جزئيا للمصالح بين إيران وروسيا وتركيا، إلى جانب استمرار الخلافات وتضارب المصالح المصحوبة بشكوك متبادلة، من المشكوك فيه للغاية ما إذا كان قادة الدول الثلاث لديهم القدرة على تنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها خلال الاجتماع، والأكثر من ذلك تعزيز تعاونهم لتشكيل محور متماسك مناهض للغرب، يمكنه من التعامل بنجاح مع التحديات التي تواجهها على الساحات المحلية والإقليمية والدولية.
وينطبق هذا الشك بشكل خاص على تركيا، حيث ستتأثر درجة التعاون بينها وبين روسيا وإيران بالمكاسب التي ستحصل عليها من عمليات التطبيع بينها وبين دول في المنطقة، وكذلك بدرجة التجاوب من جانب الدول الغربية لمطالبها الأمنية.
Facebook Comments