استطلاع رأي حول المواقف في “إسرائيل” بعد عام على عملية “حارس الأسوار”
ترجمة الهدهد
معهد القدس للاستراتيجية والأمن/ د. فنينا شوكر
خبيرة في قضايا الأمن القومي والرأي العام والسياسة الخارجية.
أجرى معهد القدس للاستراتيجية والأمن (JISS) في بداية شهر يونيو استطلاعاً، يهدف إلى فحص مواقف الجمهور اليهودي في “إسرائيل” من منظور عام بعد أحداث “حارس الأسوار”، وعلى خلفية موجة العمليات الأخيرة التي شهدتها “إسرائيل” في شهريْ مارس ومايو، وتم إجراء الاستطلاع من خلال معهد الاستطلاعات “Brain Database“، حيث تمت مقابلة عينة من 501 مُستطلع، وتبلغ نسبة الخطأ في هذه العينة حوالي 4.4٪.
فحص الاستطلاع المواقف العامة حول ثلاث قضايا:
- الشعور بالأمن الشخصي، وكذلك الشعور بالأمن عند زيارة المدن المختلطة، بما في ذلك القدس.
- المواقف من استخدام القوة، والرضا عن السياسة التي اتخذت فيما يتعلق بموجة العمليات الأخيرة، والسياسة التي يجب اتباعها إذا ما تعرضنا لموجة أخرى من العمليات أو إطلاق الصواريخ من غزة.
- المواقف بالنسبة للقدس، خاصة على خلفية الخطاب العاصف حول “مسيرة الأعلام” قبل نحو ثلاثة أسابيع.
وجاءت نتائج الاستطلاع على النحو التالي:
النتائج المتعلقة بالشعور بالأمن:
- أشار الغالبية العظمى من المستطلعة آراؤهم 82٪ أن شعورهم بالأمن قد تضرر-بنسبة أكبر أو أقل- نتيجة الأحداث والمواجهات التي وقعت خلال عملية “حارس الأسوار”.
- لوحظ هنا زيادة كبيرة مقارنة بالنتائج من استطلاعات معهد أبحاث الأمن القومي السابقة، على سبيل المثال تلك التي أجريت في يونيو 2021 ويناير 2022: في يونيو 2021 أشار 53٪ من المستطلعة آراؤهم إلى أن شعورهم بالأمان قد تضرر في أعقاب عملية “حارس الأسوار”، وفي يناير 2022 شعر نفس الشيء تقريباً 55٪ من المستطلعة آراؤهم، ولم يتم العثور على فرق جوهري من حيث الجنس ومكان إقامة المُستطلعة آراؤهم.
- كما تبين أن هناك زيادة في نسبة أولئك الذين يخشون زيارة المدن المختلطة، حيث أشار أكثر من ثلث المستطلعة آراؤهم 43٪ أنهم لا يشعرون بالأمان اليوم أثناء إقامتهم أو زيارتهم للمدن المختلطة، هنا أيضاً لم يُلاحظ فرق كبير بين النساء والرجال أو بين مناطق السكن في البلاد، ولكن من حيث الموقف السياسي يبدو أن أصحاب الآراء اليسارية يشعرون بأنهم أكثر أماناً في الزيارة أو الإقامة في المدن المختلطة، أما من حيث التدين يتصدر المتدينون “الحريديم” بفارق كبير من حيث عدم الشعور بالأمان في زيارة المدن المختلطة.
- عند طرح هذا السؤال فيما يتعلق بالقدس على وجه التحديد، كانت النتائج متشابهة إلى حد ما، حيث أجاب 39٪ أنهم لا يشعرون بالأمان اليوم أثناء إقامتهم في القدس، على الرغم من أن هذا الشعور هنا يبدو أقل فيما يتعلق بسكان القدس، حيث أشار 48٪ من سكان القدس أنهم يشعرون بالأمان في العيش في مدينتهم.
- فيما قدر أكثر من نصف المستطلعة آراؤهم 52٪أنه في حال تجدد أعمال العنف بين اليهود والعرب، فستكون الأحداث أكثر صعوبة من ذي قبل، ويبدو أن قطاع المتدينين “الحريديم” يعتقد ذلك بمعدل أعلى مقارنة بالقطاعات الأخرى حوالي 80٪، ومن حيث الآراء أو المواقف السياسية يبدو أن هذا الرأي يهيمن إلى حد كبير بين أولئك الذين يعرّفون عن أنفسهم بأنهم يتبنون آراء اليمين.
- مقابل ذلك، قال حوالي ثلث المستطلعة آراؤهم 35٪ إنهم لا يثقون في أن قوات الأمن والشرطة ستتصرف بشكل فعال في المدن المختلطة إذا اندلعت أعمال عنف أخرى في المستقبل القريب، وعلى خلفية هذه النتيجة، فمن الممكن فهم القفزة الكبيرة في تقديم الطلبات إلى قسم الترخيص والإشراف على الأسلحة النارية للحصول على أسلحة: من بداية شهر مارس (أي بداية الموجة الأخيرة من العمليات) حتى بداية (مايو)، تم تقديم حوالي ثلاثين ألف طلب لترخيص سلاح، على الرغم من أن الزيادة في طلبات الحصول على رخصة حيازة الأسلحة النارية بدأت بعد أحداث “حارس الأسوار”، إلا أنها أصبحت أكثر حدة خلال وبعد الموجة الأخيرة من العمليات.
- يتجلى أدنى مستوى من الثقة في قدرة قوات الأمن على العمل بفعالية للقضاء على أعمال العنف بشكل أكثر وضوحاً بين الذين يتبنون المواقف اليمينية، وكذلك بين قطاع المتدينين “الحريديم”، يليه القطاع الديني القومي، ملخص النتائج المتعلقة بإحساس الجمهور بالأمن: على الرغم من أن موجة العمليات الأخيرة قد هدأت منذ فترة طويلة، إلا أنها قدمت مساهمتها التراكمية في أعقاب أحداث “حارس الأسوار” في زعزعة الشعور بالأمن، وتعميق مشاعر عدم الثقة في الوسط العربي، وتقويض النسيج الحساس للعلاقات اليهودية العربية.
النتائج المتعلقة باستخدام القوة:
- تبين أن غالبية المستطلعة آراؤهم 66٪ يعتقدون أن “الحكومة الإسرائيلية” تعاملت بشكل ضعيف مع موجة العمليات الأخيرة، وتتواءم هذه النتيجة مع نتائج استطلاع أجراه “المعهد الإسرائيلي” للديمقراطية قبل حوالي شهر، حيث تبين هناك في عينة أجريت بين الجمهور اليهودي أن 63٪ من المستطلعة آراؤهم غير راضين عن طريقة تعامل “الحكومة الإسرائيلية” في القضاء على أحداث موجة العمليات الأخيرة، هنا أيضاً يبرز بشكل واضح القطاع المتدين “الحريدي” وأصحاب المواقف اليمينية، بأنهم أكثر من خاب أملهم من تعامل الحكومة مع تلك الموجة من العمليات.
- بالإضافة إلى ذلك، يعتقد حوالي نصف المستطلعة آراؤهم 52٪ أنه في حال اندلعت موجة أخرى من العنف، فعلى “الحكومة الإسرائيلية” شن عملية عسكرية واسعة النطاق في الضفة الغربية على غرار عملية “السور الواقي”، ومرة أخرى، تسود هذا الموقف أو الفهم بين القطاع الديني “الحريدي” بكافة معسكراته وبين أصحاب المواقف اليمينية، وتشير هذه النتائج إلى أن هناك شرعية كبيرة لاستخدام قوة أكبر من تلك التي استخدمت في القضاء على الموجة الأخيرة من العمليات، الشرعية الواسعة نسبياً للخروج إذا لزم الأمر -ونأمل ألا نحتاج ذلك- إلى عملية واسعة النطاق في الضفة الغربية على غرار عملية “السور الواقي”، وتشير أيضاً إلى إرهاق الجمهور من “الإرهاب” الذي يتم تصديره من الضفة الغربية، والوعي العام بـ بإنجازات عملية “السور الواقي” والاستعداد للتضحية من أجلها.
- لكن فيما يتعلق بغزة، فإن الرأي العام أكثر اعتدالاً، فقط ما يقرب من نصف المستطلعة آراؤهم 45٪ يعتقدون أنه في حالة إطلاق الصواريخ من غزة، فينبغي على “الحكومة الإسرائيلية” أن تقوم بعمل عسكري واسع النطاق من الجو دون دخول القوات البرية، وفي رأيي، هناك عدة تفسيرات لهذا الاختلاف بين موقف الجمهور من استخدام القوة في الضفة الغربية وموقفه من استخدام القوة في غزة: أولاً وقبل كل شيء، بفضل نظام القبة الحديدية، يُنظر إلى تهديد إطلاق الصواريخ القادم من غزة على أنه أقل بكثير مقارنة بتهديد “العمليات الإرهابية” من الضفة الغربية، بالإضافة إلى ذلك، كان عام 2022 هو العام الأكثر هدوءاً في الجنوب منذ فك الارتباط في أغسطس 2005، حيث تم إطلاق 6 صواريخ فقط من قطاع غزة على “إسرائيل” منذ بداية العام، ولم تسبب أي إصابات جسدية أو خسائر في الأرواح، وهو ما يفسر كذلك النظر إلى أن التهديد القادم من غزة منخفض نسبياً، ويمكن الافتراض أيضاً أنه بالمقارنة مع غزة فإن التجربة الناجحة في “السور الواقي” عام 2002 تشكل أيضاً اعتباراً هاماً لدعم عملية مماثلة في الضفة الغربية، مقابل ذلك، يجب أن نتذكر أن “إسرائيل” امتنعت عن العمل في غزة ضمن عملية “السور الواقي”، على الرغم من أن هيئة الأركان صاغت خطة تسمى “درع الوطن” -وهي في الواقع النسخة المقابلة لـ “السور لواقي” لقطاع غزة- لكنهم قرروا عدم تنفيذها خشية أن يكون عدد الإصابات بين جنود “الجيش الإسرائيلي” في غزة أعلى مما هو عليه في الضفة الغربية، التقديرات أشارت حينها إلى أن عملية برية واسعة النطاق في قطاع غزة ستستغرق ما بين ستة وسبعة أشهر، وسيكون خلالها ما بين 200 و 300 قتيل بين قوات “الجيش الإسرائيلي”، والأهم هو أن معظم الهجمات كانت تخرج من الضفة الغربية، ومن حيث النتائج المتطابقة، يتقدم أصحاب المواقف اليسارية بنهجهم المعتدل فيما يتعلق بالرد المطلوب على إطلاق الصواريخ من غزة.
النتائج المتعلقة بالمواقف بالنسبة للقدس:
- لم يتم العثور على تغيير كبير في المواقف تجاه القدس مقارنة بنتائج استطلاع سابق أجراه المعهد في عام 2017، حتى بعد مرور خمس سنوات فلا يزال هناك دعم كبير حوالي (65٪ -70٪) لأهمية السيطرة على القدس الموحدة بالنسبة لأمن سكانها وأهمية “السيادة الإسرائيلية” على المسجد الأقصى حتى في أي اتفاق مستقبلي مع الفلسطينيين إن حدث ذلك، ويشير هذا إلى إجماع واسع إلى حد ما فيما يتعلق بوضع القدس وأهميتها الكبرى في نظر الجمهور اليهودي، ومن حيث النتائج المتطابقة نرى أن أصحاب المواقف اليسارية لا يؤيدون كثيراً القول بأن: “السيطرة الفعالة على القدس الموحدة هي مفتاح ضروري لأمن سكان القدس نفسها”، وينطبق الشيء نفسه على الحفاظ على “السيادة الإسرائيلية” على المسجد الأقصى.
ومن أجل تقديم صورة أوسع لمواقف الرأي العام حول القضايا التي طرحت هنا، وهو نوع من الطبقة التكميلية لنتائج الاستطلاع الذي تم إجراؤه في أيام الروتين، تم إجراء تحليل للخطاب على الشبكات الاجتماعية حول فترتين من التوتر الأمني، مع الاعتراف بأن الشبكات الاجتماعية هي في الحقيقة “ساحة المدينة الجديدة” -يقصد مثل ميدان تل أبيب الذي يتم فيه التعبير عن الاحتجاجات- وتحتل مكانة مركزية في الخطاب العام خاصة في أوقات التصعيد، الفترات التي تم اختيارها هي فترة الهجمات الشديدة في أواخر مارس وأوائل أبريل، وفترة “مسيرة الأعلام”، كما نتذكر كان هناك توتر كبير حول هذا الحدث، في ظل تهديدات حماس والجهاد الإسلامي حول جولة أخرى من القتال إذا مرت “مسيرة الأعلام” من الحي الإسلامي، وأسباب اختيار أوقات التوتر كحالات اختبار هي: أ. خلال فترات التوتر الأمني يزداد حجم الخطاب على الشبكات الاجتماعية بشكل كبير، ب. الاتجاهات والمواقف تزداد تطرفا، ج. والتأثير المحتمل للرأي العام على صناع القرار يزداد.
في الفترة الأولى التي تم فحصها، فترة الهجمات في “بني براك” ثم في “ديزنغوف”، كان هناك زيادة كبيرة في حجم الخطاب العام، ويبدو أن جزءاً كبيراً منه ركز على سياسة الحكومة وفلسطينيي الداخل، وعلى صعيد المنشورات التي حظيت بأكبر قدر من الاهتمام خلال فترة التحقيق تظهر صورة لخطاب سلبي مهيمن، وتعبيرات عنيفة وغضب وتشدد وإحباط وخيبة أمل من سياسة الحكومة، وضرر لحق بالشعور بالأمن والروح المعنوية الوطنية، وعدم الثقة فلسطينيي الداخل، أيضاً، من المنشورات الرئيسية والأكثر رواجاً في ذلك الوقت ظهر أن هناك دعم كبير لعملية واسعة النطاق في جنين، والتي خرج منها العديد من منفذي العمليات في ذلك الوقت.
وفي الفترة الثانية -الأيام التي سبقت “مسيرة الأعلام”- كان الخطاب على وسائل التواصل الاجتماعي أقل بشكل ملحوظ مقارنة بفترة الهجمات -في ذلك الوقت تراجعت موجة العمليات وربما هذا هو السبب-، لكن الحجم كان لا يزال مرتفعا مقارنة بفترات الروتين، وثلث الخطاب في ذلك الوقت تناول القدس وحوالي الربع تناول قضية الأعلام، سواء في سياق التلويح بالأعلام الفلسطينية في الجامعات أو على خلفية المناقشات حول “مسيرة الأعلام”، ودعت العديد من المنشورات والتعليقات إلى تنظيم “مسيرة الأعلام” رغم تهديدات حماس، وهنا أيضاً لوحظ خطاب سلبي لا بأس به من تعبيرات عن خيبة أمل، وإحباط من الحكومة على أنها درست تغيير مسار “مسيرة الأعلام” أو إلغاءها، والنفور-على أقل تقدير- من التلويح بالأعلام الفلسطينية في الجامعات، وعدم الثقة بالفلسطينيين في الداخل، ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أنه خلال هذه الفترة كانت هناك أيضاً زيادة معينة في الخطاب الإيجابي، حيث أثار “يوم القدس” أيضاً مشاعر إيجابية لدى المتصفحين، مثل الوطنية، والعزة، والوحدة، والطقوس، وتقارب القلوب، والتعبئة الوطنية.
لتلخيص نتائج دراسة الشبكات في تلك الفترات، نرى أن التصعيد الأمني يتسبب في زيادة كبيرة في الخطاب السلبي على وسائل التواصل الاجتماعي، ويتحول إلى خطاب قوي ويعزز الشعور بعدم الأمان لدى الجمهور، وفي الفترتين اللتين تم دراستهما أو تحليلهما، كانت المنشورات التي تدعو إلى تشديد العقوبة على منفذي العمليات، والشروع في عملية عسكرية، أو إلحاق الأذى بعائلات المهاجمين عالية بشكل خاص -مئات الآلاف من الإعجابات- مقارنة بتلك التي اقترحت حلولاً سياسية غير عنيفة، كما لقيت منشورات من هذا النوع ردود فعل لصالح استخدام القوة كتلك التي من شأنها خلق ردع ضد “المنظمات الإرهابية” واستعادة الشعور بالأمن الشخصي.
وفي ضوء ما سبق ذكره، هناك توافق بين نتائج تحليل الشبكات ونتائج الاستطلاع: تقويض أو زعزعة الشعور العام بالأمن، وانعدام الثقة بين اليهود والعرب، والرغبة في رد أقوى من قبل الحكومة في مواجهة من “الهجمات الإرهابية” أو “التهديدات الإرهابية” وأهمية القدس.
علاوة على ذلك، فإن أهمية مراقبة الخطاب العام على الشبكات الاجتماعية في فترات التوتر تنبع من حقيقة أنها تتحول في مثل هذه الأوقات إلى منصات رئيسية يمكن من خلالها مراقبة الحالة المزاجية والشعور العام للجمهور، وبالتالي تقديم إجابه له إذا لزم الأمر، وكذلك فإن مراقبة الخطاب تجعل من الممكن أيضاً التعرف مسبقاً على تنظيم الأحداث ذات الإمكانات العالية للانفجار التي قد تشعل المنطقة وتؤدي إلى تفاقم التوترات بين العرب واليهود، فعلى سبيل المثال تم استخدام شبكات التواصل الاجتماعي لتنظيم “حوادث عنف” ضد “الإسرائيليين” في المدن المختلطة خلال عملية “حارس الأسوار”.
Facebook Comments