أخبار رئيسيةمقالات إستراتيجية

بين أردوغان وميتسوتاكيس وبايدن

الديناميكيات الآخذة في التطور في مثلث أنقرة وأثينا وواشنطن

ترجمة الهدهد
معهد أبحاث الامن القومي

غيلا ليندنشتراوس كريستوف بكر رامي دانيال

إن إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 23 مايو أن رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس “لم يعد موجوداً بالنسبة له” يمثل انحطاطاً جديداً في العلاقة المشحونة بين تركيا واليونان، ويضاف هذا التصريح إلى المزيد من الانتهاكات للمجال الجوي اليوناني أكثر مما كان عليه في الماضي، وما بدا أنه تقارب متجدد بين البلدين تحطم في غضون أسابيع قليلة، فقد عاد التوتر المستمر المصاحب للصراع اليوناني التركي إلى الظهور بين عامي 2018 و2020.

وأظهرت مرة أخرى الزيادة في جاذبية شرق البحر الأبيض المتوسط بفضل إمكانات الطاقة فيه القضايا التي لا يوجد توافق في الآراء بشأنها بين الدول الخلاف حول قضية نزع السلاح من الجزر اليونانية في بحر إيجة، وقضية قبرص والمزاعم المتضاربة بخصوص الحدود البحرية – قضايا ترتبط ببعضها بعضا، أدت إلى تصعيد عسكري غير مسبوق منذ 1996.

في عام 2021 سُجلت نقطة تحول عندما اتفقت أنقرة التي وجدت نفسها معزولة على الصعيدين الإقليمي والدولي مع أثينا على استئناف محادثات الاستكشاف بين البلدين، ومع ذلك بعد أن التقى رئيس الوزراء “ميتسوتاكيس” وأردوغان في إسطنبول في آذار (مارس) 2022، وفي اجتماع بدا بنّاءً تم إرجاع عقارب الساعة إلى عام 2020: ورداً على استفزازات القوات الجوية التركية الصارخة في المجال الجوي اليوناني قررت الحكومة اليونانية منع مشاركة تركيا في مناورة حلف الناتو “لقاء النمر”ـ التي جرت في مايو في اليونان، واحتجت أنقرة مدعية أن الجانب اليوناني هو من سبق وانتهك المجال الجوي لتركيا، وفي ذلك الشهر اعتقل خفر السواحل اليوناني حوالي 600 مهاجر أثناء محاولتهم عبور بحر إيجه من تركيا، واتهمت اليونان أنقرة مرة أخرى بانتهاك اتفاقية اللاجئين لعام 2016 مع الاتحاد الأوروبي.

 وقد جاءت تصريحات أردوغان الفجة بشأن ميتسوتاكيس بعد زيارة استمرت ثلاثة أيام قام بها رئيس الوزراء اليوناني إلى الولايات المتحدة في منتصف مايو تتوجت بخطاب ألقاه قبل جلسة مشتركة لمجلسي الكونجرس (أول من فعل ذلك من بين رؤساء الوزراء اليونانيين على الإطلاق)، وأظهرت زيارة ميتسوتاكيس التحسن في العلاقات اليونانية الأمريكية والموقف اليوناني الأكثر إيجابية تجاه الناتو.

لفترة طويلة تميز التصور اليوناني بالتشكيك الأساسي بشأن الوجود الأمريكي في المنطقة، على الرغم من عضوية أثينا في حلف الناتو منذ عام 1952، فوجود يسار قوي في اليونان يظهر معارضة تجاه الولايات المتحدة ورفض نسيان الدعم الأمريكي للمجلس العسكري الذي حكم اليونان في 1967-1974.

بالإضافة إلى التدخل المحدود لواشنطن في كل سنوات الصراع بين أثينا وأنقرة (وكلاهما حليف في الناتو) شكل تحدياً كبيراً للعلاقات اليونانية الأمريكية على مدى فترة طويلة من الزمن، وفي الوقت نفسه يشترك اليونانيون في العلاقات الثقافية والاقتصادية مع روسيا، -خاصة في الجانب الديني – علاقات جرت حتى خلال الحرب الباردة.

إن توجه اليونان نحو واشنطن تاركةً خلفها موقفها طويل السنوات يعكس التطورات التي حدثت على الساحة الدولية.

أولاً: منذ عام 2018 تدهورت العلاقات الإيجابية مع موسكو بسرعة، حيث اتُهمت روسيا حينها بالتدخل في الساحة الداخلية اليونانية، في وقت كانت تجري فيه مفاوضات بشأن انضمام مقدونيا (شمال مقدونيا حالياً) إلى الناتو، بالإضافة إلى ذلك على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا وصلت العلاقات اليونانية الروسية إلى أدنى مستوياتها بعد مقتل 12 مدنياً ينتمون إلى الأقلية اليونانية نتيجة قصف روسي على ساحل البحر الأسود الأوكراني.

أدى الحادث إلى اندلاع الغضب العام في اليونان، والانعطاف الحاد من قبل أثينا تجاه واشنطن وحلف شمال الأطلسي، بما في ذلك الموقف الواضح لوزير الخارجية اليوناني نيكوس داندياس المرحب بانضمام السويد وفنلندا إلى أسرة الناتو، نظرت إليه موسكو بشكل سلبي.

علاوة على ذلك، يمكن القول إن العلاقات بين اليونان والولايات المتحدة هي مرآة تعكس العلاقات التركية الأمريكية: في حين أن العلاقات بين أثينا وواشنطن لم تكن أفضل عليه مما هو الآن، يبدو أن أنقرة وواشنطن غير قادرتين على التغلب على عدد من الخلافات – على الرغم من بعض التحسن في العلاقات بعد الحرب في أوكرانيا.

فيما تعد تحركات تركيا التي تجري عكس توقعات شركائها الغربيين ظاهرة متكررة، كما يتضح من معارضة تركيا لطلبات السويد وفنلندا للانضمام إلى الناتو، -وتستاء أنقرة من عدم وجود فهم كاف لاحتياجاتها الأمنية، خاصة فيما يتعلق بالتنظيم السري لحزب العمال الكردستاني الـــ -PKK وفرعه السوري.

لذلك يمكن القول إن العلاقات الثنائية بين واشنطن وأثينا وواشنطن وأنقرة تؤثر على بعضها بعضا، ويبدو أن جهود “ميتسوتاكيس” في الولايات المتحدة هي وسيلة لتحقيق التوازن مع تركيا، التي بذلت بدورها جهوداً دبلوماسية كبيرة في شرق البحر المتوسط ​​خلال العام الماضي، وتراقب اليونان عن كثب جهود أنقرة للتطبيع في الأشهر الأخيرة مع عدد من الدول الهامة من بينها “إسرائيل”.

في الوقت نفسه قصد رئيس الوزراء اليوناني أن تملأ زيارته (حدث مخطط له منذ عام 2020) الفراغ الناجم عن التوترات المستمرة بين تركيا والولايات المتحدة.

إعلان ميتسوتاكيس أن بلاده ستحاول الاندماج في برنامج طائرات الــ F-35، والإشارات التي أدلى بها في خطابه أمام جلسة الكونجرس بشأن الانتهاكات التركية للمجال الجوي اليوناني، ودعوته المشرعين الأمريكيين إلى توخي الحذر في “القرارات المتعلقة بالمشتريات الدفاعية فيما يتعلق بشرق البحر المتوسط ​​تم تفسيرها في تركيا على أنها تحركات مناهضة لتركيا، وهو ما قد يفسر تصريحات أردوغان القاسية الفجة ضد رئيس الوزراء اليوناني.

من الواضح أن الحاجة إلى إيجاد بديل ودعم لاحتياجات الولايات المتحدة في المنطقة والتي في السابق كانت تُلبى من قبل تركيا هي من بين الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تحسين واشنطن لعلاقاتها مع أثينا، إلا أن أنقرة مستاءة من محاولة اليونان النشطة لجذب الولايات المتحدة للثقة بأثينا أكثر.

تتعارض التوترات المتصاعدة بين تركيا واليونان مع “دبلوماسية الابتسامات” التركية تجاه دول أخرى لاعبة في النظام الإقليمي من بينهم الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية و”إسرائيل” ومصر.

إذن ما الذي يمكن أن يفسر هذا النهج المختلف؟

  • أولاً: هناك شعور في أنقرة بوجود “أدوات متشابكة” بين العلاقات اليونانية الأمريكية والعلاقات التركية الأمريكية، مثل عضوية الدولتين في الناتو، والشعور بالمنافسة على الامتيازات الأمريكية، والتاريخ المشترك المتوتر وغيرها من القضايا المهمة التي لم يتم حلها وانضمت إلى التوتر المستمر الذي لا وجود له في العلاقات الثنائية الأخرى لأنقرة.
  • ثانياً: على عكس دول الخليج، التي يوجد للتقارب معها بعداً اقتصادياً واضحاً، فإن احتمال أن تزود أو تفيد اليونان تركيا باستثمارات أجنبية مباشرة إضافية كبيرة أخرى لا يكاد يذكر، بالإضافة إلى ذلك تتناول نقاط الخلاف بين أنقرة وأثينا أيضاً قضايا ذات أهمية اقتصادية، مثل ترسيم حدود المياه الاقتصادية الحصرية.
  • وأخيراً: على المستوى الداخلي تؤثر الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية المقبلة المقرر إجراؤها في عام 2023 أيضاً على قرارات أردوغان، فليس هناك الكثير من القضايا التي لها التأثير الموحد أو الجامع لدى الجمهور التركي أكثر من الصراع اليوناني التركي والاستياء التركي تجاه مطالب اليونان (والقبارصة اليونانيين) بالمياه الاقتصادية الحصرية.

لقد أصبحت عقيدة “الوطن الأزرق”، التي طورتها الدوائر العسكرية والحكومية في أنقرة والتي تلخص مطالب تركيا المتطرفة في شرق البحر المتوسط​​، أداة لتعبئة الرأي العام التركي حول ما يُنظر إليه على أنه دفاع عن الحقوق المشروعة لتركيا وسيادتها.

بشكل عام نظراً للوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد، والذي ينتج عنه قدر كبير من الاستياء بين السكان الأتراك ضد الحكومة، فضلاً عن استطلاعات الرأي التي تشير إلى احتمال هزيمة أردوغان وائتلافه في عام 2023، فإن الحكومة التركية تستفيد بشكل أكبر من المشاعر القومية لتقوية موقفها.

ويمكن ملاحظة ذلك في تهديدات أنقرة بتكثيف أنشطتها ضد القوات الكردية في شمال سوريا وشمال العراق، وكذلك في تحركاتها في شرق البحر المتوسط، في قيامه بذلك يحاول أردوغان زيادة الدعم الشعبي له وللحزب القومي التركي الذي هو حليف ضروري للرئيس، والذي وفقاً لاستطلاعات الرأي قد يتراجع في الانتخابات البرلمانية لعام 2023.

تتصاعد التوترات بين تركيا واليونان في وقت تحاول فيه تركيا و”إسرائيل” تحسين العلاقات بينهما، وتضيف هذا الأحداث طبقة من الصعوبة على محاولة تل أبيب الموازنة بين علاقاتها مع قبرص واليونان، وعلاقاتها مع تركيا.

هذا الوضع يتطلب تكثيف جهود صناع السياسة الإسرائيليين للحفاظ على الصدق والشفافية مع أثينا ونيقوسيا في كل ما يتعلق بالتطورات الجديدة مع أنقرة، ويعتبر الخطاب التركي القاسي ضد اليونان إشارة تحذير على أن فتح صفحة جديدة في العلاقات الخارجية لتركيا يرافقه الكثير من التحفظات، وبالتالي على “إسرائيل” أن تكون حذرة.

كما يجب أن تخطط تل أبيب كيف سترد في حالة تصاعد التوترات بين اليونان وتركيا إلى مواجهة عنيفة في شرق البحر المتوسط ​​- وهي منطقة ذات أهمية استراتيجية “لإسرائيل”، على الرغم من أنه في الوضع الحالي ليس لدى “إسرائيل” الكثير لتفعله لتخفيف التوترات بين تركيا واليونان وبين تركيا وقبرص، إلا أنها لا تزال بحاجة إلى التفكير في السبل التي ستمكنها من دعم، بشكل مباشر أو غير مباشر، فالجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار في العلاقات بين الدول غير المنطقة.

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي