أخبارالملف الإيرانيشؤون دولية

الاتفاق مات والحرب مستمرة

ترجمة الهدهد

“إسرائيل” اليوم/ يوآف ليمور

الاستنتاج الرئيسي الذي ظهر من اجتماع مجلس محافظي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” هذا الأسبوع في “فيينا”، هو أن الاتفاقية النووية قد ماتت على الأقل مؤقتاً، ولكن لم يتم تحديد تاريخ الدفن بعد، لأنه لا يزال من الممكن إجراء إحيائها اصطناعياً، ولكن لكي يحدث هذا يجب استيفاء شرطين على الأقل، وهما يبدوان حالياً بعيدين جداً.

الشرط الأول هو إغلاق أربع قضايا مفتوحة ل”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، والحديث هنا عن اشتباه في أربعة انتهاكات مختلفة ارتكبها الإيرانيون، تتعلق بأنشطة نووية محظورة لم يتم تقديم أي تفسير لها، في القضية الأولى قضية (Turquoise Abad) تم العثور على مادة نووية غير معلن عنها في الموقع، في القضية الثانية قضية (اليورانيوم المعدني)، والحديث هنا يدور عن وجود قرص يورانيوم معدني في موقع “نتنز”، أما القضية الثالثة قضية (فرامين) وهي وجود مخلفات يورانيوم ونشاط تحويل، وفي القضية الرابعة قضية (ماريوان) وجود بقايا يورانيوم.

بعض هذه القضايا فُتحت بعد عمليات تفتيش من قبل “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، وبعضها بعد معلومات استخبارية من دول معنية، والإيرانيون بالطبع ينفونها جميعاً، لكنهم أخروا عمليات تفتيش في بعض المواقع حتى قاموا بتنظيفها، ومنعوا عمليات تفتيش في مواقع أخرى، ولم يقدموا تفسيرات مقنعة لما تم العثور عليه أبداً، مما دفع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” إلى إدانتهم هذا الأسبوع، ولكن ليس لإحالة النتائج إلى “مجلس الأمن” التابع للأمم المتحدة وبالتالي استبعاد إمكانية اتخاذ إجراءات عملية ضد إيران.

طالب الإيرانيون بإغلاق الملفات كشرط لعودتهم إلى الاتفاق النووي، وكان الشرط الثاني هو الإزالة الكاملة للعقوبات المفروضة عليهم، بما في ذلك العقوبات المفروضة على “الحرس الثوري”، لقد رفضت “إدارة بايدن” القيام بذلك، وقد أوضحت بالفعل أنها لن تتراجع عن قرارها، وبافتراض معقول أن الإيرانيين لن يغيروا موقفهم، وفي ظل عدم تشديد الموقف الأمريكي، تجد الأطراف نفسها في فترة انتقالية من المراوحة في المكان وعدم اليقين.

“بازار” مألوف ومهتر

حتى قبل إعلان الإدانة المتوقعة من “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، سارع الإيرانيون إلى التحدي كعادتهم، وقاموا بفصل اثنتين من كاميرات “منظمة الطاقة الدولية” التي تراقب أنشطة تخصيب اليورانيوم في أحد المواقع -دون تحديد أي من الموقعين، “باردو أو ناتانز”- من المرجح أن تتخذ إيران إجراءات أخرى تهدف الى زيادة الغموض المحيط بأنشطتها النووية.

إنه “بازار” مألوف ومهتر، ولا يشير إلى نية إيران حرق الأوراق بالكامل، على عكس كوريا الشمالية، التي تريد أن تظل دولة معزولة، فإن لإيران مصلحة في أن تكون جزءاً من العالم، أن تبيع وتشتري وتؤثر وتعيش، ولن تتمكن من القيام بكل هذا إذا اتخذت خطوة متطرفة، الأمر الذي لن يؤدي إلا إلى فرض المزيد من العقوبات والتهديدات عليها، لذلك تحاول السير على الحافة، بأن تقترب قدر الإمكان من النووي لدرجة الملامسة دون اجتياز الخطوط.

من المفترض أن يمنح هذا الوضع الأمريكيين فرصة للضغط والتهديد والتأثير، ليس من المؤكد أن إيران كانت ستتعرض للضغط والاستسلام، لكن الأمريكيين تخلوا عن المحاولة مقدماً، وأعلن “بايدن” أنه لن يكون هناك استخدام للقوة، ولن تكون هناك عقوبات أخرى أيضاً، ماذا سيكون؟ توطيد التعاون مع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة وعلى رأسهم “إسرائيل” – بدية من بناء القوة العسكرية إلى التعاون السياسي والعسكري والاستخباراتي.

الهدف الرئيسي للإدارة في الوقت الحالي هو المملكة العربية السعودية، بتعبير أدق: المملكة العربية السعودية و”إسرائيل”، تود واشنطن رؤية التطبيع الكامل بين الدولتين، لكن هذا ليس قريباً، ما هو نعم؟ كما ورد هذا الأسبوع في “إسرائيل اليوم”، موافقة “إسرائيلية” على السيادة السعودية على جزيرتي تيران وصنافير -وتغييرات مطلوبة تحت إشراف دولي-، مقابل تصريح سعودي لمرور الرحلات الجوية “الإسرائيلية” في سماء المملكة، “إسرائيل” مهتمة أيضاً بالسماح برحلات جوية مباشرة للحجاج إلى مكة، لكن المملكة العربية السعودية ليست متحمسة.

العلاقات بين “إسرائيل” والسعودية أفضل مما هو معروفا عنها، وأقل جودة مما هو ممكن، وكشفت قائمة “الإسرائيليين” الذين زاروا المملكة في السنوات الأخيرة، والتي تم الكشف عنها أيضاً في “إسرائيل اليوم”، كشفت القليل وأخفت الكثير، هذا الأسبوع أيضاً حدثت أشياء كثيرة جداً خلف الكواليس، في محاولة لتحقيق اختراق، “إسرائيل” مهتمة بالطبع، لكن السعوديين مترددون – وهي مسألة متوقعة بالنظر إلى الفجوة في العمر بين الملك سلمان والحرس المخضرم المحيط به وبين نجله ولي العهد محمد بن سلمان – ومن غير المرجح أن يوافقوا على قفزة كبيرة ولكن التقدم ببطء، بخطوات طفل صغير.

إذا نجحت الخطوة، فسيكون ذلك إنجازاً سياسياً ل”بايدن” عشية انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وإنجازاً سياسياً لرئيس الوزراء “بينيت”، الذي يناضل من أجل بقاء الحكومة، كل من ادعى هذا الأسبوع أن “بايدن” يفكر في تأجيل زيارته بسبب الوضع السياسي في “إسرائيل” تحدث من طيبة قلبه، الأمريكيون تحكمهم فقط المصالح الداخلية، وعلى رأسها رغبتهم في زيادة السعودية لإنتاج النفط والحد من سعره.

إذا تم التوصل إلى اتفاق فستكون هذه أخباراً رائعة ل”إسرائيل”، لا يقتصر الأمر على إحراز بعض التقدم في العلاقات مع الدولة الأهم والأكبر والأغنى في الخليج، بل توطيد وتعزيز التحالف الإقليمي العلني والسري بين دول المنطقة، مع إضافة داعم أمريكي كبير، لن يقول أحد بالطبع اسم “إيران” علناً، لكن بكل ما تعنيه الكلمة فإن الإيرانيين والتهديد الذي يشكلونه هم وأتباعهم في المنطقة، هم جزء أساسي من القضية الذي توحد الشركاء الجدد.

هذا لن يؤدي إلى تحالف عسكري ضد إيران على غرار التحالف الذي عمل ضد العراق أو ضد “داعش”، لكنه سيؤدي إلى قائمة من التنسيقات الاستراتيجية، بداية من التدريبات المشتركة، التي يجري بالفعل تنفيذ بعضها سراً وعلانية إلى تبادل المعلومات الاستخباراتية وصولاً إلى الحلول المشتركة للمشاكل، ومن الأمثلة على ذلك “نظام الإنذار الإقليمي” من الصواريخ والطائرات بدون طيار، والذي سيزيد من التنسيق ويزيد من قدرة جميع دول المنطقة على الدفاع ضد هذه التهديدات وغيرها، كشف يتطلب مناقشة.

على الجانب العسكري، في العمليات الهجومية ضد إيران ستترك “إسرائيل” وحدها في المستقبل، لا مصلحة للأميركيين والآخرون لا يملكون الشجاعة ولا القدرة ولا خيار أمام “إسرائيل”، وهذا ينذر باستمرار العمليات ضد مجموعة متنوعة من المشاريع والعناصر الإيرانية، والتي سيتم تنفيذها أيضاً في المستقبل بطرق متنوعة – من التفجيرات والاغتيالات إلى الهجمات الغامضة في الفضاء المادي والإلكتروني.

تصدرت بعض هذه العمليات عناوين الصحف في الأسابيع الأخيرة، إن مقتل ما لا يقل عن خمسة إيرانيين “متورطين” في المشروع النووي أو إنتاج أسلحة وأعضاء في جهاز العمليات في الحرس الثوري بشكل غامض، ولد انطباعاً بأننا في حملة مكثفة تنذر بتغيير الاتجاه، ويلمح “بينيت” إلى ذلك أكثر عندما يقول: “إن إسرائيل لا تهاجم أذرع الأخطبوط بل رأسه أيضاً”، وسلسلة من المنشورات في وسائل الإعلام الأجنبية أيضاً ألقت بالمسؤولية على “إسرائيل”.

ليس من المؤكد أن “إسرائيل” هي المسؤولة بالفعل عن كل هذه الأعمال، لكن الكشف عنها يتطلب مناقشة، وبعيداً عن المكاسب السياسية، يكون لهذا أحياناً قدر كبير من الفائدة في ردع العدو وفي بث الذعر بين صفوفه، في بعض الأحيان يكون هذا أمراً لا مفر منه أيضاً، عندما لا توجد طريقة أخرى لإفشال عمل مخطط له أو عندما تكون هناك رغبة في تجريم أو تشويه صورة بلد أو هيئة معينة.

من ناحية أخرى، فإن مثل هذه الإعلانات تنطوي أيضاً على قدر كبير من المخاطرة، ليس فقط من خلال فضح الأساليب وزيادة اليقظة لدى العدو، ولكن أيضاً زيادة فرصة الانتقام بشكل كبير من قبله، في منطقة يكون فيها “الشرف” و”القوة” كلمات مفتاحية وهامة، فإن غرس الإصبع مراراً وتكراراً في عيون الإيرانيين هو وصفة أكيدة للرد، بافتراض أن النشاط الهجومي ضدهم مستمر وقد يتكثف في المستقبل، يبدو من المناسب تطبيق شعار جهاز الأمن العام “الشاباك”: “المدافع لا يُرى ولا يُسمع”.

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي