الفرصة الموضوعية للمقاومة في الضفة الغربية

الهدهد/ عبدالله أمين
يُنقل عن أحد جنرالات الجيش الاسرائيلي ومع بداية تشكل تهديد الصواريخ في غزة أنه قال : إن هذه الصواريخ مع بقائها في غزة ؛ تشكل تهديداً استراتيجياً يمكن التعامل معه وإدارته مع بقاء سير الحياة اليومية لمواطنينا ومراكزنا وبنانا التحتية في حدودها المقبولة لاستمرار النشاطات والفعاليات ، لكن في حال انتقال هذا التهديد ــ الصواريخ ـــ إلى منطقة الضفة الغربية وبأقل بكثير مما هي عليه في غزة من حيث المديات والقدرة التدميرية ؛ فإننا سنكون أمام تحدي وجودي يفرض على كل مؤسسات الدولة ؛ المدنية والعسكرية أن تجند مواردها وقدراتها للتعامل معه والعمل على وقفه . إن هذا القياس وتلك المقانة التي قارنها ذاك الجنرال ، ترينا مدى رخاوة البطن الإسرائيلي في الضفة الغربية وإنطلاقاً منها ؛ ما لو احسن معه من عمل لمراكمة القدرات واستثمار الطاقات ؛من كافة القوى والمقاومات في تلك البقعة الجغرافية التي لا تتعدى مساحاتها 5860 كلم مربع والتي تزخر بالكثير من الفرص الموضوعية ــ سنأتي على ذكرها لاحقاً ــ لأمّن من خلال تلك القدرات تشكيل بؤر ضغط و إقلاق للعدو تستنزف قدراته وطاقاته . ولكن قبل الحديث عن بعض هذه الفرص ، نريد التطرق إلى موضوع له علاقة بأصل الهدف من عمل المقاومة ــ مطلق مقاومة ـ لأي محتل تنشأ هذه المقاومة لمقارعته والوقوف في وجهه ضمن معادلة قوة لا يمكن أن تكون في أي يوم من الأيام في صالح تشكيلات المقاومة ، الامر الذي يرتب عليها أن تحدد ما هي الاهداف التي تعمل من أجلها وكيف يمكن أن تسثمر قدراتها المحدودة ، بحيث تشكل على قلتها عامل إزعاج وتهديد للعدو إلى حين توفر الظروف الموضوعية والذاتية والتي تمكنها من تحرير أراضيها وطرد المحتل ، حيث تتمثل مهمة المقاومة في مواجهتها للمحتل بتحقيق الأهداف التالية :
- أيقاع أكبر كم من الخسائر المادية والبشرية في صفوفه : مما يرفع من كلفة الاحتلال ويجعله يفكر مليا في جدوى احتلاله ، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أكبر تهديد يواجه العدو الاسرائيلي هو ما يمكن أن يلحق به من خسائر بشرية ، وليس ما يمكن أن توقعه المقاومة من خسائر مادية فيه ؛ على أهميتها طبعاً ، فأصل مشروعه قائم على تأمين الرفاهية لــ ( مواطنيه ) والذين يعدون العمود الفقري له ولمشروعه ، وايستهدافهم يعني استهداف القلب من هذا المشروع.
- حرمان العدو من القدرة على الاستقرار : فإن توفير الاستقرار للمحتل في الأرض التي يحتلها ، يعني صرف جهد وموارد إضافيلة في تثبيت الوجود والتجذر في الأرض ، الأمر الذي يزيد من كلفة طرده وخلعه للمحتل مستقبلاً .
- إجبار العدو على البقاء في حالة من الاستنفار : وهذا يعني صرف موارد وطاقات معدة للاستثمار في أماكن أخرى من مشروع الاحتلال ، وبقاء حالة الاستنفار يعني رفع الاكلاف المادية والبشرية والنفسية على المحتل ، مما يجعله يعيد حساباته في كثير من رؤاه ومشاريعه المستقبلية .
- إيجاد حالة من توازن الرعب بين حركات المقاومة وقوات الاحتلال : والتي من شأنها إن تجعل العدو يفكر ملياً قبل قيامه بأي خطوات أمنية أو عسكرية للضغط على بيئة وحاضنة المقاومة .
- تحرير الأرض : وهو الهدف النهائي لأي مقاومة حقيقة تقوم أصلاً للرد على التناقضات التي يوجدها المحتل باحتلاله للأرض ، وما الأهداف الأربعة السابقة إلا عوامل تمهيد وتحضير للهدف الخامس ، ولا يجب أن يُفكر فيها أو أن تمارس في غياب هذا الهدف النهائي ، وإلا تحولت المقاومة إلى فعل عدمي أبدي تستنزف الطاقات والقدرات ، مع ملاحظة عدم استعجال الوصول إلى هذا الهدف قبل توفر متطلبات تحقيقه والمحافظة عليه .
وفي هذه الأهداف الخمسة تفصيلات كثيرة لا يتسع المقال لذكرها أو الاتينان عليها ، نتركها إلى القادم من الايام .
وبناء على ما تقدم ؛ فإن الضفة الغربية بما تمثله من جغرافيا مهمة للعدو الاسرائيلي تحوي كثير من عناصر بقائه وصموده ، وبما تمثله من خط دفاع أول عما يعتبره مركز ثقل مشروعه المادي والبشري في المناطق المحتلة عام 1948 ، فإنها في نفس الوقت تكتنز مجموعة من الفرص الموضوعيه التي تجعل من كلفة احتلالها وعمل العدو فيها كبيرة ، كما نعتقد أن تفعيل هذه الفرص ــ سنأتي على متطلبات وآليات التفعيل في مقال لاحق ـــ يمكن أن تجعل العدو يفكر جدياً بعمل ترتيبات أمنية وسياسية ، تجعل منها ــ الضفة ــ أشبه بالأرض المحررة منها بالمحتلة ، ومن أهم هذه الفرص : - الوضعية الطبوغرافية للضفة الغربية : فالناظر إلى هذه المنطقة وكيف تتغير فيها الطبيعة الطبغرافية من سهول إلى وديان إلى جبال ومرتفعات ، يرى منطقة عمل معقدة جداً لا يمكن لأي تشكيل عسكري أن يسيطر عليها وبيسط الأمن فيها بالسهولة التي نراها الآن ، خاصة إلا إذا ما احسن بناء تشكلات المقاومة والمناورة فيها بما يتوائم مع طبيعة هذه الطبوغرافية المتغيرة ومتطلباتها .
- الحاضنة الشعبية للمقاومة : فنحن أمام اثنتى عشرة مدينة كبيرة وآلاف القرى والخرب والعزب ، الأمر الذي يمكن مجاميع المقاومة وتشكيلاتها من الذوبان في هذه البيئة بشكل يجعل العدو عاجز عن كشف ومتابعة تلك المجاميع ، إننا باستثمار هذه البيئة الحاضنة بشكل صحيح ، نجعل العدو يقف أمام أعقد سؤال يواجه التشكيلات العسكرية النظامية عندما تعمل في مثل هذه البيئات ، حيث تتغير صيغية سؤاله بدل أن يكون أين العدو ؟ إلى صيغة ، من العدو ؟ وهو أعقد سؤال يواجهة أي قائد عسكري يعمل في بيئة مستثمرة نقاط قوتها بالشكل الصحيح من قبل المقاومة وتشكيلاتها.
- انشتار الأهداف وكثرتها : إن منطقة العمليات هذه تزخر بكم هائل من الأهداف ، يذكرنا بالمثل الشعبي القائل : “وين ما تضرب الأقرع بسيل دمه ” ، إن في الضفة الغربية مال لا يقل عن 200 مغتصبة أشبه بالمدن بما تملكه من بنى تحتية وأعداد بشرية ، وما لا يقل عن 136 موقع عشوائي يشكل نواة مستقبلية لمغتصبات تتضخم وتنتفخ على حساب أرضنا وشعبنا ، كما أن فيها ما لا يقل عن 64 حاجر عسكري عامل بشكل يومي ومؤهل بكل ما يمده بأسباب العمل والتضيق على أهلنا وناسنا ، وما لا يقل عن 76 حاجز يعمل بشكل متقطع ، ومئات الحواجز الظرفية والطيارية ، إن هذا الكم من الأهداف يشكل فرصة ما بعدها فرصة لمن يريد أن يعمل على تنغيص حياة المحتل ورفع كلفة احتلاله لمناطقنا في الضفة الغربية .
- الأدوات القتالية ؛كماً ونوعاً : فالضفة الغربية بما تحتضنه من مؤسسات عسكرية وأمنية تابعة لسلطة الحكم الذاتي ، وبما تملكه من طبيعية عشائرية لكثير من العائلات الفلسطينية ، جعل منها مخزناً متخوماً بالأسلحة والأدوات القتالية ، نراها في كل تشيع لشهيد أو عرس لعريس أو مشكلة بين عائلتين ، بل أكثر من ذلك فإنه بالامكان ، بل وحصل أن فتحت خطوط شراء وإمداد كانت وما زالت وستبقى فاعلة بين المناطق المحتلة عام 1948 ومناطق الضفة ، وهذا باب لا يمكن للعدو غلقه ، طبعاً دون أن نغفل أن بعض الناس في الضفة ومناطق الــ 48 يمتهنون التفتيش والبحث عن مخلفات ما ينساه الجنود الصهانية من أدوات قتال في مناطق التدريب والمناورات ، أما عن سرقة السلاح من مستودعات العدو وسلطة الحكم الذاتي وبيعها لمن يملك ثمنها ، فحدث ولا حرج .
- المجاورة الجغرافية للضفة الشرقة : وهي الساحة التي لم تعطى حقها ولم تستثمر بالشكل المطلوب والحقيقي ، لاعتبارات سياسية وأمنية يطول بحثها ، وليس هنا مكانه ، ولكننا نعتقد أن هذه الساحة تشكل الظهير الجغرافي الحاوي للمقدرات المادية والبشرية اللازمة لتحقيق مقاومة فاعلة في الضفة الغربية .
- الميزة الأخلاقية والقانونية : فالقتال والمقاومة تحصل في منطقة هي في كافة الأعراف والقوانين الدولية ، محتلة ينطبق عليها ما ينطبق على الأراضي المحتلة من قوانين ، ويسع أهلها ـــ الضفة الغربية ــــ من القوانين الالهية والوضعية ما يسع أهل المناطق المحتلة التي تدفعهم لمقاومة المحتل واستئصال شأفته ، هذا طبعاً لا يعني اعترافاً منا ؛ لا تصريحاً ولا تلميحاً بالاحتلال ، ففلسطين عندنا هي فلسطين التاريخيه من النهر شرقاً إلى البحر غرباً ومن رأس الناقورة شمالاً حتى أم الرشراش جنوباً.
هذا عن بعض الفرص الموضوعية التي تشكل عناصر فاعلة في استنهاض عمل المقاومة في الضفة الغربية ، ونترك الحديث عن آليات وطرق استثمار هذه الفرص وتفعيلها إلى مقال تالي ، آخذين بعين الاعتبار أن أحد نقاط قوة عدونا تكمن في ضعفنا عن حشد وتفعيل ما نقره من قرارات وما نملكه حقيقة من قدرات.
Facebook Comments