أٌُفول حكم “عباس”: أزمة في فتح وقيادة السلطة الفلسطينية
الهدهد/ مركز القدس للشؤون العامة وشؤون الدولة
لقد ضعفت مكانة حركة فتح بشكلٍ كبيرٍ في الشارع الفلسطيني، لكن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مشغولٌ ببقائه السياسي وتعيين مقربين في مناصب رئيسية في منظمة التحرير الفلسطينية.
ويستعد محمود عباس للتنحي عن المسرح السياسي، على أمل أن يؤمِّن من سيأتون بعده الامبراطورية الاقتصادية التي كونها لولديْه.
تشهد حركة فتح والقيادات العليا في السلطة الفلسطينية حالة من الاضطراب، بعد عدة أحداث في الأسبوع الماضي -تنذر بالتراجع البطيء لحكم رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن، وتصعيد معركة الخلافة على رأس السلطة الفلسطينية-:
1 – استقالة وزير المالية الفلسطيني شكري بشارة:
قدم وزير المالية استقالته إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، على خلفية الأزمة المالية في السلطة وعلى خلفية الخلافات الجدية بينه وبين رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية.
وفي الوقت نفسه، يواصل حسين الشيخ وماجد فرج المقربين من محمود عباس جهودهم للإطاحة برئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، وسط أدائه الفاشل في جلب أموال مساعدات الاتحاد الأوروبي للسلطة الفلسطينية، وإخفاقه في مجاليْ التعليم والصحة، وبحسب مصادر فتح، لقد أعطى رئيس السلطة الفلسطينية الضوء الأخضر من حيث المبدأ لإقالته، وينتظر الآن الوقت المناسب للقيام بهذه الخطوة.
فيما أفادت وكالة أنباء حماس (شهاب) في 30 مايو، أن قيادة السلطة الفلسطينية طالبت محمد اشتية بالاستقالة بسبب إخفاقه في وظيفته، وهزيمة حركة فتح في انتخابات المجالس الطلابية في جامعة بيرزيت.
2 – تفويض حسين الشيخ بتولي صلاحيات أمين عام اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بدلاً من صائب عريقات:
في نهاية الأسبوع الماضي منح رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خطاب تفويض إلى المقرب منه حسين الشيخ لتولي مهام أمين عام اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
هذا المنصب شغله الدكتور صائب عريقات المتوفَّى بمرض كورونا، وهو منصب مهم على رأس منظمة التحرير الفلسطينية، ونقطة انطلاق هامة لمنصب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وشغل محمود عباس بنفسه هذا المنصب قبل انتخابه رئيساً للسلطة الفلسطينية.
إن الثقة التي منحها محمود عباس لحسين الشيخ أثارت السخرية في الشارع الفلسطيني، وحسين الشيخ لا يحظى بشعبية على أقل تقدير في ضوء ما نُشر عنه بتورطه في أعمال فساد وتحرش جنسي.
ومما زاد من السخرية حقيقة أن حسين الشيخ غيّر لقبه -على حسابه في تويتر- وأعلن نفسه أميناً عاماً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
يتطلب تعيين أمين عام اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، إجراء انتخابات فلسطينية في اللجنة التنفيذية بموجب القانون الفلسطيني، وهو ما لم يحدث عملياً، حيث طلبت منظمة الجبهة الديمقراطية من رئيس السلطة إجراء مناقشة حول التعيين.
يعارض أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية تعيين حسين الشيخ في المنصب، ومنهم من يؤيد ترشيح أحد كبار قادة فتح عزام الأحمد المهتم جداً بالمنصب.
3- الهزيمة المدوية التي لحقت بحركة فتح في انتخابات مجلس طلاب جامعة بير زيت:
حركة فتح هي في الواقع الحزب الحاكم للسلطة الفلسطينية، وجامعة بيرزيت هي مقياس الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية.
لسنواتٍ عديدةٍ كانت تسيطر حركة فتح على معظم مقاعد مجلس الطلبة الــ 51، وفي الأسبوع الماضي حققت حماس عليها فوزاً انتخابياً كبيراً لأول مرة.
تعتبر جامعة بيرزيت “رمزاً وطنياً” للفلسطينيين، وتعتبر الجامعة الرائدة في الضفة الغربية، وهو أول فوزٍ كبيرٍ لحركة حماس في انتخابات المجالس الطلابية، ويعتبر “انتصاراً تاريخياً” بعد فوز حركة حماس في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية 2006.
تصاعد التوتر في مختلف المؤسسات في الأراضي الفلسطينية بين فتح وحماس في أعقاب الانقسام الكبير في المجتمع الفلسطيني، وتولي حماس قيادة قطاع غزة عام 2007.
ففي العام الماضي، ألغى رئيس السلطة الفلسطينية الانتخابات العامة، التي كانت مخططة لمجلس النواب الفلسطيني والرئاسة، بحجة أن “إسرائيل” لا تسمح بإجراء الانتخابات في القدس الشرقية وبالتالي لا يمكن إجراؤها.
فوز حركة حماس في انتخابات مجلس الطلبة في جامعة بيرزيت، هو نصرٌ هامٌ للغاية لها يمكن أن ينعكس أيضاً في الانتخابات في جامعات وفي مؤسسات أخرى في الضفة الغربية، وتخشى حركة فتح أن يؤدي ذلك إلى المزيد من الانتصارات السياسية لحماس في الضفة الغربية، يأتي هذا الانتصار بعد سيطرة حماس على المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، وهو استمرار لاتجاه يعزز مكانة حركة حماس في القدس والضفة الغربية منذ انتهاء عملية “حارس الأسوار”.
محمود عباس هو السبب
يزعم كبار مسؤولي فتح أن نتائج الانتخابات في جامعة بيرزيت، تعكس “تصويتاً عقابياً” ضد فتح والسلطة الفلسطينية، بسبب سلوكها السياسي والاقتصادي تجاه “إسرائيل”، وتنسيقها الأمني والفساد الذي تفشى في أجهزتها.
وتزعم مصادر في منظمات يسارية فلسطينية، أن خسارة حركة فتح في الانتخابات في جامعة بيرزيت نابعة من غضب جيل الشباب من حقيقة أن السلطة الفلسطينية تنتهك بشكل صارخ حقوق الإنسان للفلسطينيين، وأنها عاقبت سكان قطاع غزة بسلسلة من العقوبات التي فرضتها عليهم، كما أنها تضر بالديمقراطية، وتنتهك حقوق الإنسان فيما يتعلق بحرية التظاهر وحرية التعبير، وتعتقل المعارضين السياسيين في الضفة الغربية، بل وتستخدم العنف الشديد ضدهم وتعذبهم.
يشعر كبار أعضاء حركة فتح بحزنٍ عميقٍ بعد خسارة حركة فتح في انتخابات جامعة بير زيت، وقد أعلن العشرات من نشطاء فتح البارزين في الضفة الغربية استقالتهم من صفوف الحركة بعد فوز حماس في بيرزيت، ويتهم كبار أعضاء الحركة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بأنه سبب إخفاق حركة فتح في الانتخابات، ويقولون: “حان الوقت لكي يتنحى عباس عن قيادة الحركة، والسماح بتدفق دماء جديدة إلى القيادة التي ستقوي موقفها في الشارع الفلسطيني، وإلا ستستمر الحركة في الضعف وستستمر حماس في اكتساب المزيد من القوة، حتى تسيطر على جميع أراضي الضفة الغربية كما حدث في قطاع غزة”.
فيما تحدث أمين عام فتح جبريل الرجوب علناً ضد قيادة الحركة دون أن يحدد أسماء محددة، وقال الرجوب -في مقابلة مع التلفزيون الفلسطيني-: “إن حركة فتح تدفع ثمن أخطاء السلطة الفلسطينية، وأن الحركة ستستخلص الدروس اللازمة من نتائج الانتخابات في جامعة بيرزيت”.
الرجوب يستهدف بشكلٍ رئيسيٍّ خصميْه السياسييْن حسين الشيخ وماجد فرج، وتشتد معركة الخلافة على رأس السلطة الفلسطينية، وقد بدأ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس سلسلة من الخطوات لتعزيز مكانة حسين الشيخ وماجد فرج الذيْن يرى فيهما خلفاءه المحتملين، الأمر الذي أثار استياء غيرهم من مسؤولي فتح.
الشارع الفلسطيني الذي يتابع باهتمام ما يجري في قيادة السلطة، يعارض أيضاً هذا التحرك من قبل رئيس السلطة الفلسطينية، وينظر إلى حسين الشيخ وماجد فرج على أنهما المتحدثين باسم الأمريكيين و”الإسرائيليين” ويعتبران من رموز الفساد في السلطة الفلسطينية.
لم يعد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مهتماً، فهو يعلم أن حكومة “بايدن” والاتحاد الأوروبي يدعمونه، كما تحرص “إسرائيل” من خلال وجود قوات “الجيش الإسرائيلي” في الضفة الغربية على الحفاظ على حكمه من حماس، كما أن كثير من الدول العربية تدعمه، بل إنه لم يدعُ اللجنة المركزية لفتح إلى الاجتماع لمناقشة هزيمة الحركة في الانتخابات في جامعة بيرزيت.
المفاوضات مع “إسرائيل” عالقة، ورئيس السلطة الفلسطينية يبحث فقط عن سبل للبقاء وهو في نهاية طريقه السياسي، ويحاول التأثير على المستقبل من خلال تعيين المقربين منه في مناصب رئيسية في منظمة التحرير الفلسطينية، لحماية عائلته وضمان سلامتهم، وعدم الإضرار بالامبراطورية الاقتصادية الضخمة التي أسسها لابنيْه بمجرد تنحيه عن المسرح السياسي.
Facebook Comments