الفرص الاقتصادية في العلاقات “الإسرائيلية” المغربية
الهدهد/ مور لينك
إن احتياجات المغرب التنموية، جنباً إلى جنب مع تطلعات الشركات “الإسرائيلية” للعمل خارج السوق المحلية، تجعل التعاونَ بين البلديْن أمراً يمكن أن يفيد كليْهما اقتصادياً وسياسياً على حدٍ سواء، بل ويعزز مصالحها تجاه دول غرب ووسط إفريقيا.
في ختام “قمة النقب” نهاية شهر مارس، أعلنت الدول المشاركة -الإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والمغرب، و”إسرائيل”، والولايات المتحدة- عزمها على عقد اجتماعٍ مماثلٍ مرةً أو مرتين في السنة في المدن الصحراوية، كرمزٍ للمجالات التي تشغل دول المنطقة حالياً، ولكلٍّ منها أهمية اقتصادية: تحدي التعافي من أزمة كورونا، والتعامل مع أزمة المناخ ونقص المياه، وفي ظل الحرب في أوكرانيا -أزمة الغذاء وأزمة الطاقة-، وفي ختام القمة قال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة: “إن على البلدان إيجاد ديناميكيات جديدةٍ، واتخاذ خطواتٍ ملموسةٍ ستشعر بها شعوب المنطقة بأسرها”، وبالفعل فإن البعد الأمني للعلاقات “الإسرائيلية” المغربية له أهمية استراتيجية كما يتضح من اتفاقية التعاون الأمني الموقعة بين البلدين، بالإضافة إلى ذلك فإن تطوير العلاقات الاقتصادية هو مصلحةٌ مشتركةٌ واضحةٌ للبلدين، وهذه العلاقات لها أيضاً إمكانات سياسية لا بأس بها.
يصنف البنكُ الدولي المغربَ على أنه اقتصادٌ متوسطٌ إلى منخفض الدخل، وفقاً لبيانات (Trading Economics) -بيانات اقتصاديات التجارة- لعام 2020، فإنه يصدر بشكلٍ أساسي المعدات الكهربائية والإلكترونية والمركبات والأسمدة والفواكه والخضروات والمكسرات والملابس، فضلاً عن خدمات السياحة والنقل، ويستورد المغرب بشكلٍ أساسي الوقود والمعدات الصناعية والكهربائية والإلكترونية والمركبات والحبوب، بالإضافة إلى خدمات النقل، والخدمات الفنية، والخدمات التي تقدمها هيئات حكومية.
على الرغم من أن أوروبا تعتبر شريكاً تجارياً مهماً لكل من المغرب و”إسرائيل”، إلا أن وجهات التصدير والبضائع المصدرة من البلدين إلى أوروبا ليست هي نفسها، وفقاً لبيانات وزارة الاقتصاد والصناعة لعام 2020، بلغت صادرات البضائع من “إسرائيل” إلى أوروبا 13.8 مليار دولار (36٪ من الصادرات)، وجاءت بشكل أساسي إلى المملكة المتحدة وهولندا وألمانيا وفرنسا وبلجيكا، وكانت معظم البضائع المصدرة عبارة عن مواد كيميائية وآلات كهربائية وميكانيكية ومطاط وبلاستيك ومعدات طبية وبصرية، وبحسب بيانات (Trading Economics) -بيانات اقتصاديات التجارة- بلغت صادرات البضائع من المغرب إلى أوروبا 18.9 مليار دولار في 2020 (69٪ من الصادرات)، وكانت الوجهات الرئيسية هي إسبانيا وفرنسا، وكانت معظم البضائع المصدرة هي المعدات الكهربائية ومعدات النقل والمنتجات الغذائية والزراعية والملابس والمنسوجات.
نمت التجارة بين “إسرائيل” والمغرب منذ استئناف العلاقات بين البلدين في ديسمبر 2020 بشكل ملحوظ، وفقاً لبيانات (مكتب الإحصاء المركزي) ارتفعت الصادرات من “إسرائيل” إلى المغرب من حوالي 3.9 مليون دولار في عام 2019 إلى حوالي 30 مليون دولار في عام 2021، ومع ذلك على الرغم من أن معهد التصدير يقدر إمكانات التصدير السنوية من “إسرائيل” إلى المغرب بحوالي 250 مليون دولار، فإن هذا يعد جزء من نسبة مئوية مقارنة بإجمالي صادرات “إسرائيل”، والتي بلغت حوالي 143 مليار دولار في عام 2021، وفقاً لبيانات وزارة الاقتصاد والصناعة، مع دخول الشركات الأجنبية إلى البلاد توسعت صناعة السيارات في المغرب ووصلت صادرات السيارات 8.5 مليار دولار في عام 2020 بحسب بيانات وزارة الصناعة والتجارة المغربية، وفي نفس الوقت يستمر الطلب “الإسرائيلي” على المركبات في النمو، بين عامي 2020 و 2021 كانت هناك زيادة بنسبة 24.9 في المائة في واردات السيارات إلى “إسرائيل” وفقاً لبيانات (مكتب الاحصاء المركزي)، في المقابل فإن إمكانات الاستيراد الرئيسية للمغرب من “إسرائيل” هي السياحة والتقنيات المتقدمة، لا سيما في مجالات الزراعة والمياه والطاقة المتجددة.
بل إن التعاون الاقتصادي بين الدول قد يساهم في مصالحها مع الدول الأفريقية، يستثمر المغرب جهوده في تنمية علاقاته مع إفريقيا، كما يتضح من عشرات الزيارات التي قام بها الملك محمد السادس للقارة في السنوات العشرين الماضية وعودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي قبل نحو خمس سنوات، بعد استقالته منه عام 1984، هذه الجهود الدبلوماسية لها جانب اقتصادي، على الرغم من أن 7.7 في المائة فقط من الصادرات المغربية في عام 2020 وصلت إلى إفريقيا وفقاً لبيانات (اقتصاديات التجارة)، إلا أنها مهتمة بزيادتها وأن تصبح أباً اقتصادياً في القارة، ولهذه الغاية وقعت عشرات الاتفاقيات الاقتصادية مع دول في إفريقيا، إن إمكانات المغرب التجارية مع القارة كبيرة حتى لو لم تكن في المدى القريب، لا سيما في ضوء اتفاقية منطقة التجارة الحرة الأفريقية (AfCFTA)، ودخول الاتفاق حيز التنفيذ في يناير من العام الماضي، وقدرت “الأونكتاد” إمكانات التصدير المغربية ضمن الاتفاق بنحو 130 مليون دولار.
إن استيعاب التقنيات والعلوم “الإسرائيلية” لا سيما في مجالات الزراعة، يمكن أن يساعد المغرب من تقديمها لاحقاً إلى البلدان الأفريقية، وبالتالي مساعدته على لعب دور مهم في تنمية إفريقيا، وهو طموح واضح على سبيل المثال في خطط التنمية الوطنية والإقليمية في المغرب.
بالنسبة “لإسرائيل”، فإن تعزيز العلاقات الاقتصادية مع المغرب يمكن أن يشكل فتح باب إلى إفريقيا، وخاصةً للدول التي لا تربطها بها علاقات دبلوماسية، مع الاعتماد على الخبرة والبنية التحتية المغربية.
في السنوات الأخيرة طور المغرب بنيةً تحتيةً ماليةً وتجاريةً في إفريقيا التي جنوب الصحراء، لا سيما في البلدان “الفرنكوفونية” في غرب ووسط القارة، وهو ما يتجلى في نشاط البنوك المغربية في هذه البلدان وحركة المرور العالية للربط بينها وبين المغرب، وبالتالي بالتوازي مع الإمكانات الاقتصادية للصادرات إلى الأسواق التي لا تستطيع “إسرائيل” الوصول إليها حالياً، هناك أيضاً إمكانات سياسية تتمثل في تعزيز العلاقات مع الدول الأفريقية، والتي قد تفيد “إسرائيل” في المحافل الدولية وخاصة في التصويت في الجمعية العامة ومجلس الأمن التابعين للأمم المتحدة.
أُفق تعاون مشترك واعدة
وفقاً لمسؤولين رفيعي المستوى في قطاع الأعمال في البلدين، تشمل المجالات التي يحتمل التعاون فيها بين “إسرائيل” والمغرب السياحة، والصحة، والصناعة، والزراعة، والمياه، والطاقة المتجددة، مع وجود المجالات الثلاثة الأخيرة أكثر أهمية من أي وقت مضى في ظل وباء كورونا وحرب أوكرانيا وأزمة المناخ، وفي مؤتمر الأعمال الذي عُقد في تل أبيب في أواخر آذار (مارس) والذي حضره شخصيات بارزة من قطاعي الأعمال والصناعة في البلدين، لوحظ أن هذه المجالات تتمتع بإمكانيات عالية بشكل خاص.
يعتبر القطاع الزراعي هو الأكثر مركزية في الاقتصاد المغربي، وتنبع أهميته من كونه واحد من أكبر قطاعات العمل في البلاد (حوالي ثلث القوة العاملة تعمل في الزراعة) وفرع تصدير كبيرة (حوالي 20 في المائة من الصادرات وحوالي 12 في المائة من الناتج المحلي)، ومع ذلك، فإن القطاع الزراعي ضعيف للغاية أيضاً بسبب التعرض للظروف المناخية ويعاني من انخفاض في الإنتاج، وهو ما ينعكس في الفجوة بين حصة الزراعة في العمالة والناتج المحلي الإجمالي، تظل الكثير من الزراعة المغربية تقليدية وقد حددت البلاد لنفسها هدفاً جعل هذا الفرع صناعياً ومنتجاً، وتنعكس الإنتاجية المنخفضة في الزراعة في بيانات البنك الدولي لعام 2019، والتي تفيد بأن القيمة المضافة لكل عامل هي الأدنى مقارنة ببلدان المنطقة.
تتركز إمكانات التعاون في مجال الزراعة بشكل أساسي على تصدير واستيعاب المعرفة والتكنولوجيا من “إسرائيل”، في العقد الأخير نمت صناعة التكنولوجيا الزراعية في “إسرائيل” بشكل ملحوظ، وتحول تركيزها إلى الساحة الدولية، وزادت الصادرات في الصناعة (باستثناء الأسمدة والكيماويات) بشكل مطرد إلى 1.9 مليار دولار في عام 2019، ووفقاً لمعهد التصدير تتطور شركات التكنولوجيا الزراعية “الإسرائيلية” أيضاً بسرعة في السنوات الأخيرة وتقوم بتطوير تقنيات في مجموعة واسعة من المجالات، والتي تشمل وفقاً لبيانات ((Startup Nation Central، الري، ومعالجة المياه للزراعة، والدفيئات الزراعية، وصناعة الألبان، والزراعة المائية، إن طموح المغرب لتطوير القطاع الزراعي وكذلك لتوفير الأمن الغذائي لمواطنيه، يمكن أن يكون أساساً للتعاون المثمر بين الطرفين.
مجال آخر واعد للتعاون هو الطاقات المتجددة، وبحسب وزارة الطاقة المغربية، فإن المغرب يستورد نحو 90 بالمئة من احتياجاته من الطاقة، من أجل تقليل الاعتماد على الواردات يستثمر المغرب جهوده في زيادة إنتاج الطاقة المتجددة وهذه الجهود تؤتي ثمارها، اعتباراً من عام 2020، شكلت الطاقة المتجددة حوالي 37 في المائة من إجمالي الطاقة الإنتاجية، ويبدو أن البلاد في طريقها لتلبية الهدف الذي وضعته الحكومة وهو 52 في المئة من إجمالي الطاقة الإنتاجية.
وفقاً لـ ((Startup Nation Central، هناك أكثر من مائة شركة في “إسرائيل” في مجال تقنيات الطاقة لديها طموح للخروج من السوق المحلي، إن تطبيق التقنيات “الإسرائيلية” في جميع مراحل إنتاج الطاقة المتجددة يمكن أن يزيد التنافسية في هذا المجال في المغرب، ويقلل التكاليف ويزيد الإنتاج والاستهلاك والصادرات خاصة إلى أوروبا، وقد تم تسجيل أولى مبادرات التعاون في مارس الماضي عندما استحوذت شركة Merom Energy) ) “الإسرائيلية” على 30 في المائة من أسهم شركة الطاقة المتجددة المغربية Gaia Energy)) -التي تعمل في عدة دول في إفريقيا بالشراكة مع مؤسسة التمويل الدولية في مجموعة البنك الدولي- مقابل ما يقارب 70-80 مليون شيكل، وهكذا وضعت الشركة “الإسرائيلية” لها موطئ قدم في مجال الطاقات المتجددة في المغرب الذي يتمتع بإمكانات عالية بفضل المناطق الوفيرة والظروف المناخية المناسبة.
توصيات سياسية
إن احتياجات المغرب لتطوير وتحديث البنى التحتية الزراعية والمياه والطاقة، إلى جانب بيئة أعمال جيدة نسبياً وموقعها الجغرافي عند التقاطع بين إفريقيا وأوروبا، تجعل التعاون بين المغرب و”إسرائيل” جذاباً وله إمكانات اقتصادية وسياسية، كما يمكن أن يسهم هذا التعاون في مصالح البلدين في علاقاتهما الاقتصادية والسياسية مع دول غرب ووسط إفريقيا.
من أجل تعزيز التعاون، يجب على “إسرائيل” أن تتصرف بثلاث طرق:
أولاً: الاستمرار في توسيع البنية التحتية التنظيمية للعلاقات الاقتصادية، من الصعوبات التي تواجه ممارسة الأعمال التجارية في المغرب (النظام القانوني) في البلاد، الذي يعاني من ضعف ثقة رجال الأعمال والمستثمرين، والطريقة العملية للتعامل مع هذه القضية هي من خلال اتفاقية الاستثمار التي هي في مراحل التفاوض بين الدول، يجب التأكد من أن هذه الاتفاقية ستسمح للمستثمرين بالوصول إلى التحكيم الدولي في حالات المنازعات الاستثمارية، على غرار اتفاقية الاستثمار الموقعة مع الإمارات العربية المتحدة في عام 2021.
ثانياً، يجب إنشاء أطر لتعاونٍ ملموسٍ بين الحكومات، كجزء من (اتفاقية الإطار الاقتصادي)، تقرر إنشاء لجنة مشتركة بين وزارة الاقتصاد والصناعة “الإسرائيلية” ووزارة الصناعة والتجارة المغربية، يكون دورها فحص تنفيذها، وينبغي النظر في إنشاء لجان مماثلة من شأنها أن تربط وزارة الطاقة ووزارة الزراعة والتنمية الريفية ووزارة التعاون الجهوي مع نظيراتها في المغرب، ستكون هذه اللجان قادرةً على تحديد فرص التعاون وتقديم حلول للمشاكل وتوفير غطاء لمؤتمرات قطاع الأعمال.
أخيراً، يجب توسيع التعاون الاقتصادي ودراسة جدوى المشاريع المشتركة مع دول ثالثة، من ضمن الخيارات الاشتراك مع الإمارات العربية المتحدة، في السنوات الأخيرة، عزز المغرب والإمارات العربية المتحدة من العلاقات بينهما، وهو اتجاه انعكس في الدعم السياسي للقضايا الرئيسية وتوطيد العلاقات التجارية، العلاقات الطيبة التي تنشأ بين “إسرائيل” والإمارات العربية المتحدة وخاصة في المجال الاقتصادي، قد تسمح بتعاونٍ ثلاثيٍ يجمع بين التكنولوجيا والخبراء “الإسرائيليين” والقوى العاملة الماهرة من الدول الثلاث.
Facebook Comments