خلال 70 يوماً
كيف يتصور “الجيش الإسرائيلي” الحرب الروسية الأوكرانية
ترجمة الهدهد
هآرتس/ عاموس هرئيل
بعد حوالي 70 يوماً من اندلاع الحرب في أوكرانيا، يتابع “الجيش الإسرائيلي” الأحداث بفضول متزايد، لاسيما الفشل الذريع للجيش الروسي، فيما يلي بعض الاستنتاجات التي توصل إليها “الجيش الإسرائيلي”، والتي تعتمد في الغالب على التقارير الإعلامية وتبادل الآراء مع الجيش الأمريكي، لأن “إسرائيل” لا تجمع معلومات استخبارية بشكل منهجي عن روسيا.
كانت الشائعات حول نهاية عصر الحروب الكبرى سابقة لأوانها، ومن الأمثلة على ذلك تنبؤ الكاتب “فرانسيس فوكوياما” في كتابه “نهاية التاريخ” وادعاء الكاتب “توماس فريدمان” أنه لا توجد دولتان لديهما مطاعم ماكدونالدز ستخوضان حرباً.
تدور رحى حرب كبرى في أوروبا لأول مرة منذ الحرب التي أعقبت تفكك الاتحاد السوفييتي قبل حوالي 30 عاماً، يمكن أن يحدث ذلك وفي منطقتنا أيضاً، يجب على “إسرائيل” أن تأخذ هذا في الاعتبار.
تضمنت التوقعات الانتقال إلى استخدام “القوة الناعمة” واستخدام القوات والحرب النفسية والتهديدات، فقد استخدم الروس كل هذا، وعززوا نظام الأسد في سوريا، لكنهم استخدموا أيضاً قوة عسكرية وحشية هناك، ما قد يبدو وكأنه عملية عسكرية محدودة سرعان ما ينزلق إلى صراع كامل.
يقول “ضابط إسرائيلي كبير”: “لا توجد أداة خارقة تعمل مع عمليات التوعية وتجنيب الجانب الدموي من الحرب، فالحرب الإلكترونية من خلال الدعاية عبر الإنترنت، هي كل شيء هنا، لكنها ليست بديلاً”.
إن المفاجأة الافتتاحية المخططة للروس، هبوط قوات خاصة في مطار بالقرب من كييف واختطاف (وربما اغتيال) الرئيس فولوديمير زيلينسكي فشلت تماماً بفضل المعلومات الاستخباراتية التي قدمها الأمريكيون.
فيما ستندلع الحروب في عمق المناطق المدنية، ولن يستخدم الجانب الأضعف المدنيين كدروع بشرية فقط (كما يفعل حزب الله وحماس)، ولكن قد يظل بعض المدنيين في مناطق القتال باختيارهم، وقد اعتمدت العمليات السابقة “للجيش الإسرائيلي” في لبنان، بما في ذلك حرب لبنان الثانية عام 2006 على افتراض أن معظم المدنيين سوف يفرون شمالاً، وفي أوكرانيا كان الهروب من المناطق التي غزاها الروس جزئياً فقط، وبقي العديد من المدنيين وساعدوا في توفير جهد لوجستي قوي.
إن تدخل المجتمع الدولي أوسع وأقوى مما كان متوقعاً، فقد اتخذت إدارة بايدن موقفاً متشدداً، حيث قدمت المساعدة العسكرية الحيوية والمعلومات الاستخبارية للأوكرانيين، فيما خرج الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي من الموت، ويبدو أن الناتو على استعداد لاستقبال عضوين جديدين، وهما فنلندا والسويد.
وهكذا حققت خطوة فلاديمير بوتين عكس ما كان يأمله، لكن الرئيس الروسي لا يُظهر أي بوادر للتراجع، إنه يشن حرب استنزاف قاتلة قد تؤدي إلى خسائر فادحة في أوكرانيا، حتى لو كلفت روسيا العديد من القتلى ولم تحقق النصر الذي كان بوتين يتصوره، ربما نتطلع إلى حرب تستمر أشهر إن لم تكن سنوات، بدون حل حقيقي.
فشل الهجوم البري الروسي في الوقت الحالي، بينما أرسلت روسيا قوات كبيرة إلى أوكرانيا، ولم يتحركوا في تشكيلات كبيرة وفعالة، حيث تمت معظم التحركات في مجموعات صغيرة نسبياً، في حين انطلق طابور طويل من الدبابات وناقلات الجند المدرعة من الحدود إلى كييف، لتكافح من أجل التحرك في طقس الشتاء وسط لوجستيات مشينة، لذلك عَلِق الروس وعرضوا أنفسهم لضربات جوية ثقيلة، وخاصة الطائرات بدون طيار تركية الصنع التي اشترتها أوكرانيا.
لم تتلق القوافل اللوجيستية الحماية المناسبة وتعرضت لضربات من النيران المضادة للدبابات، فقد جمع الأوكرانيون بشكل فعال بين الطائرات بدون طيار والمدفعية والقوات المضادة للدبابات، مدعومين بالمراقبة من الطائرات بدون طيار، وفي هذا الصدد أثبتت الطائرات بدون طيار أنها رخيصة الثمن وسهلة التشغيل، بالتالي فهي تشكل تهديداً خطيراً.
إن أحد استنتاجات “الجيش الإسرائيلي” هو الحاجة إلى تسريع خططه لحماية المركبات المدرعة من الطائرات بدون طيار، فــ “إسرائيل” مثل الجيوش الغربية الأخرى، فوجئت أيضاً بعجز روسيا عن إنشاء جسر أولاً في شمال شرق أوكرانيا، وباستخدامها المحدود للجسور الرأسية، إنزال القوات في عمق خطوط العدو، بعد فشل عملية المطار.
على مدى العقدين الماضيين تعتبر المناطق الحضرية عبارة عن فخ دموي وذلك بسبب التوسع الحضري السريع في البلدان والأراضي المجاورة، فقد شدد “الجيش الإسرائيلي” بشكل كبير على حرب المدن، ما أدى إلى تأسيس “الجماعات الإرهابية” وحرب العصابات في المناطق المكتظة بالسكان إلى استنتاج مفاده أنه لا يمكن كسب الحملات خارج المدن.
لكن انسحاب الروس من منطقة كييف أظهر مدى تعقيد وتكلفة مثل هذه المهمة للقوات المهاجمة، حيث يمكن أن تتحول السيطرة على مدينة كبيرة إلى فخ، فكما تقول التجارب، يمكنك أن تعرف كيف تدخل مدينة مثل كييف (أو مدينة غزة أو صور في لبنان)، لكنك لا تعرف كيف ستخرج منها.
“الكفاءة التفاضلية” بين القوات، بسبب النقص في الميزانية والمعدات، فضلاً عن نقص الجنود في الخدمة الاحتياطية، تبنى “الجيش الإسرائيلي” رسمياً نهجاً جديداً على مدى العقد الماضي: “الكفاءة التفاضلية” بين القوات البرية، (تم اعتماد هذا النهج بشكل غير رسمي من قَبْل).
أدرك “الجيش الإسرائيلي” أنه من المستحيل تدريب وتجهيز جميع الفرق بالطريقة نفسها، لذلك أعطى الأولوية بينها وحتى داخلها، وبين الوحدات النظامية والاحتياطية، فيما ستحظى فرق الطليعة بالأولوية وسيتم تدريبها على القتال في جميع المسارح، وستعمل القوات الأخرى إلى حد كبير في مهام دفاعية أثناء الحرب وفي الجهود الأمنية المستمرة.
لكن الحرب في أوكرانيا توضح عدد القوات المطلوبة في المناورات البرية من قبل الجانب المهاجم، وبالتأكيد في المناطق الحضرية سيتعين على “الجيش الإسرائيلي” إعادة النظر في توزيع وكفاءة كل وحدة حتى لا تعلق الوحدات غير المستعدة فوق رؤوسهم، كما رأينا في روسيا.
هناك قدرة ضعيفة بشكل ملحوظ من قبل القوات الجوية والبحرية الروسية، ففي سوريا مع افتقار الثوار إلى المدافع المضادة للطائرات، فقصفت الطائرات الروسية هناك دون عوائق تقريباً، لكن في أوكرانيا فالأمر الذي أثار دهشة الخبراء، هو أن الروس لم ينسقوا المعلومات الاستخباراتية والقوة الجوية بشكل فعال، ناهيك عن العمل المنسق مع القوات البرية.
إن الأوكرانيين الذين اعتبرت طاقتهم محدودة، أسقطوا العديد من الطائرات والمروحيات، ما حدّ من دور القوات الجوية الروسية، أضف إلى ذلك غرق السفينة الرئيسة موسكفا في البحر الأسود وعلى متنها المئات، وهذا دليل على أن البحرية الروسية عملت هناك بإهمال مروع، وعرضت نفسها لأضرار قاتلة.
الأحذية على الأرض
هناك استنتاج واحد لم يستخلصه “الجيش الإسرائيلي” من فشل روسيا في أوكرانيا، لا يزال معظم كبار الجنرالات يدعون أن الهجوم البري أمر لا مفر منه في حرب تشمل إطلاق صواريخ مكثفة على “الجبهة الداخلية الإسرائيلية”، من وجهة نظرهم فقد ثبت أن الضربات الجوية لا يمكن أن تلحق خسائر فادحة بالعدو أو توقف قصف الجبهة الداخلية.
يعتقد الجنرالات أيضاً أن الخسائر البشرية الكبيرة في صفوف المدنيين ستضع ضغوطاً شديدة على القادة السياسيين والعسكريين لإرسال قوات إلى مناطق إطلاق الصواريخ، على الرغم من أن “الجيش الإسرائيلي” سيعاني من خسائر كبيرة، كل هذه الاستنتاجات لها صلة كبيرة بمداولات “الجيش الإسرائيلي”.
إن الاستنتاج الأهم ليس للجيش أن يتوصل إليه، ولكن للحكومة، فبعد الغزو الروسي لأوكرانيا دون استفزاز حقيقي، وهدمها المنهجي للمناطق المدنية والأدلة الهائلة على جرائم الحرب، كان من المقرر أن تتخذ “إسرائيل” موقفاً واضحاً ضد روسيا في الصراع منذ فترة طويلة.
هذا سؤال أخلاقي واضح، لكن له أيضاً أهمية عملية حيوية، بأن حجج “إسرائيل” لرفض الانضمام إلى المجتمع الدولي ضد موسكو غير مقنعة، وقد يضرون بعلاقاتها مع حليفتها المهمة وهي الولايات المتحدة.
من المثير للدهشة أن رئيس الوزراء “نفتالي بينت”، الذي أثار إعجاب العديد من المراقبين بأدائه الحزبي والرائع في الأسبوع الماضي المليء بالتوتر، لا يفهم هذا، ومن المدهش أكثر أن حكومته لا تسرع في اتخاذ أي قرار في هذا الشأن.
Facebook Comments