أخبار رئيسيةتقدير موقف

عملية “كاسر الأمواج” قراءة تحليلية

شبكة الهدهد

مقدمة

بدا كيان العدو في اليوم التالي لعملية تل أبيب، مصدوماً ومرتبكاً، يترقب المزيد من العمليات الفتاكة التي قضت مضاجعه وأظهرت هشاشة أمنه، ودبت الرعب في قلوب مواطنيه، فالتزموا بيوتهم، وعادت بهم الذاكرة إلى موجات العمليات الفدائية أواسط التسعينيات وذروة انتفاضة الأقصى 2002.

شيئاً فشيئاً يفقد الإسرائيليون شعورهم بالأمن والثقة بمن يديرون دفة القيادة، على المستويين الأمني والسياسي اللذين وجدا نفسيهما عاجزين عن إيجاد الحلول الجوهرية لاستعادة الاستقرار الأمني في أسرع وقت.

الأمر الذي دفع المؤسسة الأمنية إلى الزج بدرة جيشها، الوحدات الخاصة إلى قلب المدن لبث الشعور بالأمن بين المواطنين.

عملية “كاسر الأمواج”

التقديرات الأمنية أظهرت بأن شهر رمضان من هذا العام سيكون الأكثر تفجراً، فاستعدت دولة الاحتلال لمجموعة من السيناريوهات على مدار أشهر في سبيل الحفاظ على الأمن خلال هذا الشهر، حيث شملت الخطة استنفار عدد كبير من القوات للانتشار في مناطق الضفة الغربية والقدس ومنع أي احتكاك.

جاءت التحديات أكبر من التوقعات بأضعاف مضاعفة، ما دفع المنظومة إلى تحويل هذا الاستنفار إلى عملية عسكرية وأمنية تشمل انتشار أعداد كبيرة من القوات ضمن ثلاثة جهود رئيسة يصفها “غرشون هكوهين”: يتركز نشاط قوات الأمن في التصدي لتحديات الساعة في هذه المرحلة على ثلاثة جهود حيوية: الجهد الأول والأساسي هو جهد الحراسة في نطاق المدن، والجهد الثاني حراسة خط التماس والجدار “أمن جاري”، أما الجهد الثالث فهو عبارة عن  نشاط هجومي مبادر إليه، موجه استخباريا في عمق المنطقة، لإحباط “أعشاش الإرهاب” في المدن والقرى الفلسطينية، وفي الأساس ضمن نطاق مدينة جنين”.

بينما يرى تال ليف رام عملية كاسر الأمواج ليست عملية عسكرية موسعة بل سلسلة نشاطات عملياتية تجري على نطاقات أوسع مما كان قبل التصعيد الأخير.

أطلق الجيش اسم “كاسر الأمواج” على هذه العملية من منطلق تعامله السابق مع موجات من العمليات الفردية التي تنتقل بالعدوى والتقليد بين الشبان الفلسطينيين، ووجوب كسر هذه السلسلة، والنيل من الروح المعنوية المتصاعدة لدى الجمهور الفلسطيني بفعل هذه العمليات، علاوة على منح الإسرائيليين شعورا بالأمن من خلال نقل المعركة من قلب المدن الإسرائيلية إلى داخل أراضي الضفة الغربية.

العقبات أمام عملية “كاسر الأمواج”

على المستوى العملياتي: يرى المراقبون بأن الأنشطة التي ينفذها الجيش في الميدان بهذا الحجم من القوات تزيد من فرص الاحتكاك مع الفلسطينيين، ما قد يترتب عليه وقوع أحداث غير مرغوب فيها، تؤدي إلى زيادة مستوى اللهب وتأتي بنتائج عكسية، تتعارض مع رؤية الجيش بالحفاظ على وتيرة منخفضة من التصعيد، د. ميخائيل ميلشتاين، الذي خدم في الاستخبارات وفي مكتب منسق أعمال الحكومة في الضفة الغربية، يعتقد بأن “الكثير منوط بالقوات الموجودة في الميدان، وحين يدور الحديث عن تنفيذ مهام عسكرية في محيط مدني، فإن احتمال الأخطاء أعلى بكثير. حتى الآن، وتجاه تزايد النشاطات، يمكن أخذ الانطباع بأن كمية الأخطاء في اختبار النتيجة لم تكن عالية، لكن الاختبار مستمر، ويبدو أنه سيستغرق وقتاً إضافياً آخر إلى أن يكون ممكناً إنزال مستوى التأهب العالي وتعزيز القوات في الميدان”.

على المستوى الاقتصادي: اقترح عدد من المسؤولين الإسرائيليين فرض الطوق الشامل على الضفة الغربية، من بينهم جدعون ساعر، الأمر الذي تعارضه المنظومة الاقتصادية كونه يلحق أضراراً بـ “إسرائيل” لا تقل عن 500 مليون شيكل أسبوعياً.

عملية إغلاق الثغرات الموجودة في الجدار والتي ينفذها الجيش ضمن “كاسر الأمواج” ستؤثر على قطاع كبير من العمال الفلسطينيين وحركة تنقلهم من الأراضي المحتلة وإليها، الأمر الذي سينعكس سلباً على سوق العمل في إسرائيل وبالتحديد قطاع البناء، ما سيزيد من أسعار العقارات بشكل جنوني داخل “إسرائيل”.

طبيعة العمليات الأخيرة ومنفذوها: المراقب لتفاصيل العمليات الأخيرة يدرك بأن هناك تغيرا واضحا وتطورا في الأداء والفعل المقاوم على المستوى الفردي نجمله في النقاط التالية:

  • التخطيط المحكم لكل مراحل تنفيذ العملية الفدائية من قبل المنفذ.
  • أخذ أقصى درجات الحيطة والحذر وعدم الإفصاح عن النوايا، ما يصعب من مسألة الكشف عنه من قبل الجهات الأمنية وإحباط عمليته قبل تنفيذها.
  • التعلم من دروس الماضي والابتعاد عن تكرار الأخطاء التي وقع فيها منفذون سابقون.
  • التدريب الجيد على تنفيذ العملية، فمعظم من نفذوا العمليات الأخيرة أظهروا مهارة عالية في استخدام السلاح.
  • التأكد من إكمال المهمة على أتم وجه والإجهاز على العدو.

تواصل عملية “كاسر الأمواج” يستنزف قوات الجيش

تشير تقديرات المنظومة الأمنية إلى وجود أكثر من ألف ثغرة في الجدار الفاصل الممتد على مسافة تزيد على 764 كيلومترا، تتفاوت أحجام هذه الثغرات ما بين مترين وثلاثين متراً، الأمر الذي يرى فيه الجيش سبب رئيساً ومباشراً للعمليات بسبب تسلل الأعداد الكبيرة من فلسطينيي الضفة الغربية إلى عمق الأراضي المحتلة.

وقد أشار إلى ذلك رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي بالقول: “إن الهدف الرئيس الذي نعمل عليه الآن هو وقف العمليات “الإرهابية” حيث يركز الجيش في هذا الأمر بتعزيز خط التماس الذي هو جزء من هذه المهمة”.

استنفر الجيش منذ انطلاق هذه العملية نحو 25 كتيبة من القوات البرية للمساعدة في سد هذه الثغرات، أي ما يزيد على ضعف عدد الكتائب المنتشرة في مناطق الضفة الغربية خلال الوضع الروتيني، بالإضافة إلى استنفار الوحدات الخاصة التي تقوم بمهمات الاعتقال والتصدي لخلايا المقاومة، إذ بلغ عدد القوات المستنفرة نحو خمسة آلاف جندي من الجيش، فضلاً عن ثمانية آلاف من أفراد الشرطة. علاوة على الاستعانة بوحدة 8200 وسلاح الجو في مهام المراقبة والرصد، ناهيك عن كتيبة جمع المعلومات القتالية العاملة بشكل دائم في الضفة.

تؤثر حالة الاستنفار بشكلها الحالي على قوات الجيش الإسرائيلي في جوانب عدة:

  • الإخلال بجدول تدريبات قوات الجيش، الأمر الذي يمس بالخطط السنوية لتطوير القوات.
  • انكشاف الجيش أمام أعدائه بسبب تركيز الجهود والعدد الأكبر من الجنود على جبهة واحدة، ما يزيد من فرص استغلال حالة الضعف على الجبهات الأخرى.
  • تراجع الكفاءة القتالية للجنود بسبب اشتغالهم في حراسة الثغرات على طول خط التماس ما سينعكس على جهوزية القوات لأي مواجهة أو حرب مقبلة.
  • الحديث عن الحاجة لتجنيد الاحتياط بهدف المساعدة، يعكس حجم القصور والعجز في الموارد البشرية لدى الجيش.

تراجع الدور الأمني للسلطة يشكل معضلة لدى المنظومة الأمنية الإسرائيلية.

تحاول “إسرائيل” على الدوام تصدير سيناريو مساعي حركة حماس للسيطرة على الضفة، ما يجعل السلطة وعناصرها يعيشون حالة من الاستنفار والعداء الدائمين لحركة حماس وعناصرها وإصرارهم على مواصلة ضخ المعلومات لأجهزة الأمن الإسرائيلية حول تحركات أفراد الحركة ومؤيديها وأنشطتهم، ولهذه المساهمة دور فاعل في إحباط العمليات الفدائية وزيادة عمليات جز العشب التي ينفذها الجيش ضد خلايا المقاومة.

سادت مؤخراً حالة من القلق في الأوساط الإسرائيلية تجاه السلطة الفلسطينية وسلوك أجهزتها الأمنية، إذ يتهمون السلطة بالإهمال في بسط سيطرتها والوقوف خلف الوضع الاقتصادي المتردي، وعدم القدرة على تجديد شرعيتها، علاوة على السياسات القمعية التي تنتهجها ضد معارضيها والتي كان آخرها قتل المعارض نزار بنات.

وليس أدل على ذلك ما أشار إليه منسق أنشطة الحكومة السابق كميل أبو ركن: “إسرائيل هي الدرع الحامي للسلطة، وهي لا تزال قائمة بفضل عمليات جز العشب التي ننفذها ضد البنية التحتية للإرهاب”.

لذا يُعد فقدان أجهزة أمن السلطة سيطرتها على الأرض أمر كارثي بالنسبة للاحتلال، الذي اعتمد عليها لعقود في توفير كم هائل من المعلومات، ما يزيد من العبء على كاهل المنظومة الأمنية الإسرائيلية ويحرمها من أهم مصدر للمعلومات حول ما يجري داخل مناطق الضفة الغربية.

بين كاسر الأمواج والسور الواقي 2 الحاجة الإسرائيلية والوقائع على الأرض؟

صرح رئيس أركان الجيش “كوخافي” قبل عدة أشهر عن اضطرار قواته لتنفيذ عملية السور الواقي 2 في جنين، جاءت هذه التصريحات في أعقاب زيادة حالات إطلاق النار تجاه قوات الجيش المقتحمة للمخيم، فيما شكك مراقبون في الحاجة إلى تنفيذ هذه العملية.

لا تتوفر اليوم تلك الظروف التي دفعت المنظومة الأمنية باتجاه تنفيذ عملية السور الواقي ٢٠٠٢، إذ إن الحل الوحيد لوقف العمليات الفدائية من وجهة نظرهم آنذاك هو اجتياح الضفة الغربية بالكامل، وتدمير البنية التنظيمية للمقاومة وإفراغ المخيمات من السلاح.

“عاموس هرئيل” الباحث العسكري في صحيفة هآرتس يرى بأن: “معظم الأحداث ما زال المشاركون فيها أفراد، يعملون في ظل ظروف شخصية صعبة أو ضمن خلايا محلية صغيرة، ولكن التنظيمات الفلسطينية الآن تنتظر في الزاوية”.

يحجم الجيش خلال عملية “كاسر الأمواج” عن إغضاب الفلسطينيين وتجنب استخدام القوة رغم تزايد احتمال الإضرار بقواته العاملة على الأرض وذلك خلافاً لسلوكه أثناء حملة السور الواقي ويمكن ملاحظة ذلك في النقاط التالية:

  • يعتقد الجيش بأن الإفراط في استخدام القوة سيوقع أعداد كبيرة من الشهداء، الأمر الذي يزيد من تأجيج الجمهور وانتقال الحالة الثورية إلى باقي مدن الضفة الغربية وشرقي القدس والبلدات المختلطة، لذا يعتمد الجيش سياسة (تجنب الغضب والتعاطف بالشعبي).
  • يدفع الجيش بقوات النخبة لتنفيذ الاقتحامات وعمليات الاعتقال الليلية، وذلك بهدف تنفيذ المهمات بدقة متناهية، دون التسبب في إيقاع خسائر بشرية.
  • يبقي الجيش على التسهيلات الممنوحة للفلسطينيين المتعلقة بشهر رمضان أو بتصاريح العمل بهدف عزل الجمهور الفلسطيني الذي يسعى لكسب لقمة عيشه عن فكرة المقاومة وابتعادهم عن أفرادها. إلا أنه اضطر لكسر هذه السياسة في جنين وفرض طوق عليها ومنع الوصول للأقصى.

غياب القيادات السياسية والأمنية التي يمكنها الأخذ بزمام المبادرة وتحمل المسؤولية في اتخاذ قرارات بحجم عملية السور الواقي، وترك حسابات الربح والخسارة جانباً. لم يعد موجودا اليوم، كما أشار إلى ذلك “أودي لابل” في مقاله حول الحاجة للروح القتالية: “إن حملة “السور الواقي”، ما كانت لتحصل بتصميم لو لم يعرف المقاتلون بأن فوقهم أشخاصاً معهم حتى بعد عودتهم إلى قواعدهم، مهما تعرضوا للتنديد الجماهيري أو تنديد الدولة”.

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي