العمل على الخطوط الخارجية .. متطلبات النجاح والفاعلية

الهدهد/ عبد الله وافي
ذكرنا في المقال السباق تحت عنوان ” مقتل الدولة الصهيونية في العمل على الخطوط الداخلية ” في تاريخ 17 03 2020 أن مكمن خطر الكيان ؛ في فقدانه للعمق الاستراتيجي الحقيقي الذي من خلاله يستطيع أن حتوي الهجوم عليه من عدة جبهات في آن واحد ، حيث أنه يعمل وفق نظرية العمل على “الخطوط الداخلية” التي فرضتها عليه الطبيعة الجغرافية لفلسطين المحتلة ، وقد تطرقنا بشكل سريع إلى تعريف نظرية العمل على “الخطوط الداخلية” ، وبشكل أسرع إلى نظرية العمل على “الخطوط الخارجية” ، وقد قلنا أن مرتكز نجاح العمل وفق النظرية الأولى ــ الخطوط الداخلية ـــــ هو تحديد محور الجهد الرئيسي الذي يُشن عليه الهجوم ، ومن ثم ( تجميد ) كافة الجهود الأخرى إلى حين احتواء الهجوم الرئيسي وكسر زخمه ، ومن ثم التعامل مع باقي التهديدات على باقي المحاور الأخرى .
وهنا ولكي تكتمل الصورة ، لا بد لنا من التطرق وبما يسمح به المقام إلى نظرية العمل على “الخطوط الخارجية” ، والتي قلنا أنه في حال واجه العدو الاسرائيلي تهديداً ذو مصداقية يعمل وفق تلك النظرية ؛ فإنه سيكون أمام تهديد جدي يصعب كبحه ما لم يمدهم الله بحبل منه عنده وحبل من الناس . ولكن هل يكفي أن تركن الجهات التي تناصب هذا العدو العداء إلى أنها تعمل وفق نظرية العمل على “الخطوط الخارجية” الأمر الذي يجعلها تحوز نقاط قوة لا يمكن أن يسلبها العدو إيها ؟ أم أن لطريقة العمل تلك متطلبات ومستتبعات لابد من الاتفاق والتدرب والاستعداد بناء عليها قبل أن تدق ساعة الصفر وتعلن معركة التحرير ؟ وهنا لا بد لنا من الإشارة إلى أن جزء من نقاط قوة عدونا لا يكمن فيما يمتلكه من قدرات قتالية فقط ؛ بل فيما يعتري صفوف مناوئيه من تشرذم وفرقة .
وعليه … ما هي متطلبات العمل الواجبة التوفير ليتحول أي تهديد يواجه هذا العدو المحتل ، إلى تهديد ذو مصداقية ، تملك مفرداته ومكوناته ــ التهديد ــ الكفاءة والفاعلية ؟
وهنا نجيب على هذا السؤال بسرد سريع لمجموعة من النقاط التي يجب أن يتم التوافق والعمل بناءً عليها قبل التفكير في أي عمل ضد هذا العدو انطلاقاً من نظرية العمل “الخطوط الخارجية ” فنقول أن متطلبات الكفاءة والفاعلية للعمل على “الخطوط الخارجية” هي :
1. الاتفاق على العدو :
إن أول متطلب من متطلبات نجاح الجهات التي تريد أن تناور على “الخطوط الخارجية” باتجاه العدو ؛ هو الاتفاق على أن هذا هو فعلاً لا قولاً العدو الحقيق والذي يجب أن يتم التغاضي عن جميع التنقاضات البينية في سبيل تسخير جميع القدرات والطاقات لكبحه والوقوف في وجهه . وهنا لا بد من اعادة ترتيب أوليات عمل الجهات التي تريد الوقف ضد هذا العدو لتصبح أولى أولوياتهم ؛حشد الطاقات والقدرات لضرب ما لهذا العدو من عناصر قوة وإمكانيات .
2. الاتفاق على التهديد والمخاطر الناجمة عن هذا العدو :
ومن لوازم العمل أيضاً الاتفاق على ما يمثله هذا العدو من تهديد وما ينتج عن هذه التهديات من مخاطر ، وهل أن هذا التهديدات تولد نفس المستوى من المخاطر لدى جميع العاملين ؟
أم أن مخاطر هذا العدو محتملة التأجيل لدى طرف ، فورية الكبح لدى أطراف أخرى ؟
إنه ما لم يتم التوافق على نوع التهديدات والمخاطر وفوريتها لدى الجميع ، فإن ترتيب أوليات الأطراف المشاركة لن يشبه بعضه بعضاً ، الأمر الذي يوفر للعدو فرصة تجميد جبهة على حساب أخرى ، وهي ـ فرصة التجميد ــ لازمة نجاحه الرئيسية في العمل على “الخطوط الداخلية” .
3. الاتفاق على مناطق المسؤولية والأدوار القتالية :
وحيث أن العمل على الخطوط الخارجية يعني تقدم مجموعة من التشكيلات القتالية على عدة محاور قتال باتجاه مراكز ثقل العدو وأهدافه الأرضية ، كان لا بد من التوافق على مناطق المسؤولية لكافة التشكيلات القتالية الخارجية ، الأمر الذي يساعد في نجاح المناورات الأرضية وتحمل المسؤوليات العملياتية بناء على ما يمتلكه كل طرف من قدرات قتالية ومزايا جغرافية .
4. الاتفاق على مناطق الجهود القتالية :
وحتى يتحمل كل طرف مسؤولياته العملياتية بكفاءة وفاعلية ، بناء على ما يملكه من قدرات قتالية ، ويستعد لدوره القتالي بالتدريب والتأهيل وحشد الطاقات المادية والبشرية ، كان لا بد من التوافق بين شركاء القتال على محاور الجهود القتالية ، فأيها محور الجهد الرئيسي واجب الحشد والدفع بكل الطاقات باتجاهه وتخصيص القدرات له ، وأيها محور الجهد الثانوي الذي يؤخذ منه ويعطي لغيره ، ومن هي الجهة وأين ستقوم بالجهد الخداعي الذي يشتت قدرات العدو ويفرض عليه القتال على أكثر من جبهة ، ليسلبه ــ العدو ــ أهم متطلبات نجاحه في نظرية عمله على “الخطوط الداخلية” ــ تجميد جبهة على حساب تشغيل أخرى ـــ .
5. الاتفاق على منظومة القيادة والسيطرة C4I وآليات التنسيق :
وحيث أن أحد معاضل القتال على “الخطوط الداخلية” ، هي صعوبة القيادة والسيطرة ، كون خطوط القتال تتباعد عن بعضها البعض أثناء العمل ، فإن أحد أهم مرتكزات نجاح العمل على “الخطوط الخارجية” ــ بل نجاح كل عمل عسكري ــ هو التوافق على منظومة القيادة والسيطرة التي ستقوم بضبط وتوجيه القوات العاملة في مناطق مسؤوليات متجاورة ، تقترب نارها كلما اقتربت من أهدافها الأرضية ، وفي غير هذه الصورة ، فإننا قد نواجه بحالة من الهرج والمرج وفوضى نار على الأهداف ، قد يكون خطرها علينا أكبر بكثير من خطرها على أعدائنا . كما أن هذه المنظومة ومن خلالها يتم التحكم في زخم العمليات والمعارك المتفرقة ، وضبط مراحلها واندفاع التشكيلات المقاتلة فيها ، ليحقق كل منها أهدافه وفق الجداول الزمنية المتفق عليها لمراحل العمليات العسكرية .
6. الاتفاق على قواعد الاشتباك :
وحيث أننا لا نقاتل قتالاً عبثياً ، ولا نقاتل شهوة للقتال والقتل ؛ وإنما نقاتل لهدف سامي مرتبط بتحرير الأرض والإنسان ، فإن عمليات القتال وفتح النار وقطعها ؛ لا بد أن تخضع لمجموعة من الضوابط والسياسات أو ما يعرف باللغة العسكرية بقواعد الاشتباك ، بحيث تحقق القوات المقاتلة أهدافها المحددة لها بأسرع وقت وبأقل الخسائر . وحيث أن منطقة العمليات موضع البحث ــ فلسطين المحتلة ــ ومحاور القتال باتجاهها ؛ محاور مأهولة بالسكان المدنيين متعددي الطوائف والديانات والانتماءات ، كان لا بد من التفاهم على تلك القواعد والسياسات ، حتى لا تسفك دماء في غير محلها ، أو تبدد طاقة في غير مكانها .
7. الاتفاق على ساعة الصفر وبدء العمليات :
وبعد الاتفاق والتفاهم على ما سبق ، يأتي التوافق على بدء العمليات وساعة الصفر ( ي . س ) ، وهنا لا بد من التفاهم على توصيف البيئة المحلية والاقليمية والدولية التي تمكن الشركاء من بدء معركتهم ، فهل ما يصلح للجبهة الشمالية من بيئة عمل يصلح للشرقية أو الجنوبية ؟
أو العكس ، إن التوافق على مثل هذه التواريخ والأزمان ، يعني التوافق ضمناً على جداول زمنية لكل جبهة من الجبهات لابد أن تسير وفقاً لها بناء القوات وامتلاك الجاهزية .
كان هذا ما وسعه المقال من متطلبات العمل على “الخطوط الخارجية “التي تمنح طريقة العمل تلك المصداقية والكفاءة والفاعلية . إن ما ذكر في هذا المقال وإن كان في جزء منه يعد تنظيراً عسكرياً لا بد منه لتكوين القناعات وتغيير منظومة الأولويات ، إلا أن منه يستخلص أهل الفن والاختصاص برامج العمل التعبوية لبناء القوات وامتلاك الجاهزية .

Facebook Comments

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى