أخبار رئيسيةأصداء الشارع "الإسرائيلي"ترجمات

قبل شهر رمضان.. الخوف من التصعيد

 ترجمة الهدهد
يوحنان تسوريف  

تسارع الحديث في “إسرائيل” حول التصعيد في الساحة الإسرائيلية الفلسطينية قبل شهر رمضان المقبل وبعد الهجومين القاتلين الأول الذي حدث في مدينة بئر السبع والذي نفذه أحد سكان حورة، والثاني الذي حدث في الخضيرة والذي نفذه عنصران من أم الفحم، اللذين قتلا ضابطي شرطة من “حرس الحدود”.

وفي خلفية الخطاب أيضا التدهور  الأمني في الضفة الغربية، وخاصة ذكرى المواجهة التي دارت في أيار 2021 “حارس الأسوار”، والتي عززت مكانة حماس، يلاحظ تجاهل التغييرات التي حدثت على الساحة الفلسطينية منذ ذلك الحين.

وتشهد خطوات إعادة الإعمار في قطاع غزة زخما كبيرا، كما أن الحرب في أوكرانيا تفرض الصمت على كل المسؤولين الفلسطينيين.

حتى شهر رمضان يمكن ل “إسرائيل” من جانبها اتخاذ عدد من الخطوات لكي تجد حلا مسبقا للمشاكل، من بينها الاستفادة من العلاقات المتجددة مع الرئيس التركي أردوغان لمنع التحريض حول الأقصى، وتعزيز التنسيق مع الأردن والسلطة الفلسطينية بشأن ترتيبات  العبادة في الأقصى خلال الشهر، وتكثيف جهود ضبط النفس من قبل قطر ومصر اللتين تتكلفان هذه الأيام بالتنسيق مع “إسرائيل” في إعادة إعمار وتنمية اقتصاد قطاع غزة.

العمليات الخطيرة التي وقعت في بئر السبع في 22 آذار / مارس وفي الخضيرة في 27 آذار / مارس من قبل إسرائيليين من حورة وأم الفحم، تزيد من مخاوف التصعيد على الساحة “الإسرائيلية”- الفلسطينية ومن موجة من الهجمات في شهر رمضان.

إلى جانب المخاوف “الإسرائيلية” يعكس الخطاب في هذا السياق أيضًا من الناحية الفلسطينية تعقيد الأحداث، حيث لا علاقة لها بالجهود المبذولة لإحداث التصعيد من  قطاع غزة.

ورغم ترحيب الناطقين بلسان حماس بالعمليات وتأكيدهم على شرعيتها وتعبيرها عن الوحدة الجغرافية لجميع أنحاء فلسطين وقطاع غزة، وأنهم دعوا إلى استمرار هذا المسار، إلا أن منفذي الاعتداءات لا علاقة لهم بأي منظمة فلسطينية نشطة في الضفة الغربية أو قطاع غزة.

في الواقع  ظهر الحديث عن تصعيد محتمل خلال شهر رمضان في “إسرائيل” قبل العمليات التي جرت، حيث تركز هذا الحديث عن الخوف من التصعيد في القدس وأماكن أخرى قبل شهر رمضان الذي يتزامن جزء منه هذا العام مع “عيد الفصح اليهودي” وينتهي بالقرب من “يوم الاستقلال” والذكرى السنوية لعملية “حارس الأسوار”/ “سيف القدس”.

خلال هذه الفترة تجري العديد من الأحداث والمناسبات في القدس، وتجذب الصلاة في ليالي رمضان العديد من المصلين إلى المسجد الأقصى، كما تزداد فترة المكوث داخل المسجد خلال الشهر.

ويرافق “عيد الفصح” أيضًا توجه جماعي لليهود إلى المسجد الأقصى وإلى حائط البراق وإلى مدينة القدس بشكل عام.

في خلفية الحديث ذكريات قاسية من المواجهة بين “إسرائيل” وحماس- عملية “حارس الأسوار “في مايو 2021.

والتي تركزت عشية المواجهة في قضية الأقصى والقدس واحتجاجا على إلغاء انتخابات المجلس التشريعي من قبل أبو مازن، ونصبت حماس نفسها كحارس للأماكن المقدسة وتمكنت من حشد الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية والمواطنين الفلسطينيين في الداخل من التعاطف مع القدس.

وبدأت المواجهة التي بادرت إليها حماس بإطلاق صواريخ باتجاه القدس لكنها تركزت في قطاع غزة.

لكن الأجواء في الساحة “الإسرائيلية” الفلسطينية اليوم مختلفة جدا عما كانت سائدة عندما كانت الانتخابات في الساحة الفلسطينية على جدول الأعمال.

وحصلت حماس بعد ذلك على تضامن الجمهور، ولا تزال تتمتع بمكانة قوية تستند من بين أمور أخرى على النقد الذاتي الذي ظهر بعد ذلك بين الجمهور “الإسرائيلي” في أعقاب  المواجهة مع حماس، لكنها فقدت الزخم الذي ساعدها على تعبئة الجماهير للمواجهة مع “إسرائيل”.

بعد بضعة أشهر ازدادت بين صفوف حماس مشاعر الإحباط ونفاد الصبر أمام  عدم القدرة على الوفاء بالوعود الطنانة بإعادة الإعمار في قطاع غزة وتخفيف ظروف الحصار المفروض، والمعارضة “الإسرائيلية” لاستمرار إدخال الأموال القطرية إلى قطاع غزة بالشكل المألوف، والتأخير في خطوات إعادة  الأعمار التي تعهدت بها مصر والضائقة المدنية في قطاع غزة، وهذا كله يشكل عبئًا على قيادة حماس.

هذه التغييرات تنعكس في عدد من المعايير: 

1. إعادة الإعمار: بدأت أعمال إعادة الإعمار في قطاع غزة، ومنذ عدة أشهر مصر التي تقود أعمال إعادة الإعمار بتنسيق كبير مع إسرائيل، بعد تأخير طويل تعمل على توسيع النشاط الاقتصادي في قطاع غزة وخلق فرص عمل.

2. ضبط النفس: على عكس الماضي، تعمل قطر ومصر في قضايا قطاع غزة بالتنسيق، وآلية الأموال القطرية التي توقفت عن العمل من خلال الحقائب النقدية تعمل الآن من خلال دفع ثمن الوقود المستورد من مصر.

هذا السلوك لا يعكس تقارب المصالح بين الطرفين فحسب، بل يزيد من قوتهما كعناصر مقيدة أو لاجمة أمام حماس والفصائل الأخرى في قطاع غزة.

أعلن السفير القطري محمد العمادي  الذي وصل إلى قطاع غزة في 24 آذار/ مارس الموافقة على منحة قطرية بقيمة 360 مليون دولار لقطاع غزة تشمل وقود محطة الكهرباء، ومنحة بقيمة 100 مليون دولار للأسر المحتاجة.

وأضاف العمادي أنه تم الاتفاق على منح 30 ألف تصريح عمل في “إسرائيل” لعمال من  قطاع غزة.

3. العمل في “إسرائيل”: بدأ آلاف العمال بمغادرة قطاع غزة للعمل، وأعلنت “إسرائيل” من جانب واحد أنها ستصدر تصاريح عمل لأكثر من 10000 عامل، وأنها تعتزم زيادة الحصة إلى 20000 عامل، وبالتالي حرمان حماس من نسب الفضل في ذلك لها.

من منظور غزة، هذا الرقم يغير الواقع، فالعمل في “إسرائيل” هو ذروة طموح كل رب أسرة في قطاع غزة، ومجرد الإعلان عن توسيع الحصة يغير الأجواء في أسواق قطاع غزة.

4. تراجع الخصومة بين المنظمات: الغضب الكبير من قبل حماس والجمهور الفلسطيني على أبو مازن والسلطة الفلسطينية في الأيام التي سبقت عملية “حارس الأسوار” قد تلاشى في الواقع.

5. الحرب في أوكرانيا: يحظى الغزو الروسي لأوكرانيا باهتمام دولي، وقيادات حماس والسلطة الفلسطينية على حد سواء تدرك جيدا قوة الحدث، وتخشى اتخاذ موقف يمكن تفسيره على أنه انحياز إلى جانب أو آخر.

بل إن حماس وحدت تصريحات عناصرها وأعلنت حيادها، ومن المشكوك فيه بشدة أن يخدم التصعيد في هذا الوقت أي هدف فلسطيني لأنه لن يحظى بتغطية إعلامية، ولن يلفت انتباه المجتمع الدولي.

علاوة على ذلك، حماس أو أي تنظيم أو كيان فلسطيني يحاول إشعال المنطقة قد يثير ضده غضبا دوليا وعربيا.

وعليه، فإن الدعوة إلى الحفاظ على الحياد هي بمثابة الخيط الثاني في جميع البيانات الفلسطينية، حتى لو كان الميل نحو روسيا بارزًا في معظمها.

ومع ذلك، لا يمكن تجاهل الاحتكاك الذي ازداد بشكل كبير منذ عملية “حارس الأسوار” بين القوات “الإسرائيلية” والفلسطينيين في جميع أنحاء الضفة الغربية وفي القدس على وجه الخصوص.

وارتفع عدد الشهداء الفلسطينيين بشكل حاد خلال العام الماضي نتيجة الاشتباكات في القدس، وازدادت العمليات الفردية من قبل أشخاص فرادى عملوا على عاتق أنفسهم، وازداد دخول قوات الجيش للمنطقة (أ) و(ب) بشكل كبير، واشتد الاحتكاك مع المسلحين بما في ذلك نشطاء فتح.

إضافة إلى ذلك فإن ضعف الأجهزة الأمنية الفلسطينية أطلق العنان للغضب الذي في نفوس الجمهور الفلسطيني ليوجه ضد “إسرائيل”، وهذا لا يعني فقدان السيطرة، ولكن لوحظ هناك تراجع في قوة الردع لدى هذه الأجهزة.

التزام لدى حماس وبقية فصائل المقاومة  الفلسطينية بالحفاظ على روح المقاومة التي اتسمت بها فترة عملية “حارس الأسوار”.

حماس تدعو إلى العمل ضد “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية من القدس والضفة، وتحتج على القيود “الإسرائيلية” على الفلسطينيين في القدس، وكل هذه الأمور مع اقتراب شهر رمضان يمكن أن تخلق كتلة تتحول إلى تصعيد.

كلما كانت العمليات منظمة سادت أكثر اعتبارات التكلفة والعائد، فالعمليات الفردية كانت ولا تزال غير قابلة للتنبؤ بها، وفي معظم الحالات تكون أقل فتكًا من العمليات المنظمة.

فيما يتعلق ب “إسرائيل”، هناك عدد واسع من الإجراءات التي يمكن أن تتخذها لإيجاد علاج مبكر ومنع التصعيد وإضعافه إذا اندلع، ومن بينها: 

1- استخدام رافعات الضغط التي نشأت مؤخرًا كجزء من الاتصالات مع دول المنطقة بما في ذلك تركيا. 

ومن المعروف أن الرئيس أردوغان له تأثير على النشاط الإسلامي في المسجد الأقصى، فضلاً عن تأثيره على حماس، لذلك يجب بذل محاولات للاستفادة من هذا التأثير لكبح الدعوات للتصعيد.

2-  زيادة التنسيق مع الأردن والسلطة الفلسطينية، وكلاهما له تأثير على ما يجري في المسجد الأقصى وحوله. 

العاهل الأردني الملك عبد الله المنزعج من حديث التصعيد ومن أمور أخرى زار رام الله لإجراء تنسيق مع الأردن والسلطة الفلسطينية، ويضعان ضمنه قواعد لتنظيم حركة المصلين المسلمين من الضفة الغربية إلى القدس والمستوطنين خلال شهر رمضان، ما قد يساعد في منع التصعيد.

3- رافعة الضغط المصرية القطرية تعطي إشاراتها بالفعل في قطاع غزة. 

إن مصر وقطر ليستا معنيتين بجولة أخرى من المواجهة والدمار في قطاع غزة، وجهود ضبط النفس من جانبهما بالتنسيق مع “إسرائيل” التي تظهر بالفعل انفتاحًا في هذا الصدد، وستساعد على منع التصعيد.

4- إن تقليص تواجد الشرطة في مناطق الاحتكاك في القدس لا سيما عند باب العامود، الذي  كان عشية “حارس الأسوار”، هو بؤرة لتفجير الوضع في أماكن أخرى، وهذا قد يقلل من احتمالية الاشتعال اعتمادًا على المعلومات المتراكمة. 

5- بحث إمكان منح تصاريح لسكان قطاع غزة لزيارة المسجد الأقصى خلال شهر رمضان. 

“إسرائيل” واجهت في الماضي فترات توتر وخوف من التصعيد لا تقل صعوبة، والإفراط في الحديث عن التصعيد والتعبير عن القلق الشديد من عواقبه قد يتحول إلى نبوءة تتحقق من تلقاء نفسها، لأنها تزيد من بين أمور أخرى الدافع لدى الفصائل والمنفذين لمحاكاة وتنفيذ المزيد من الهجمات.

من ناحية أخرى، فإن الحديث المبكر مع أي شخص يمكنه تهدئة وتلطيف الأجواء في المنطقة قد أثبتت فعاليتها في الماضي، ويجب أيضًا مطالبة قوى الأمن الفلسطينية بمنع التصعيد طالما أنها غير مصحوبة بتصريحات تدل على نية “إسرائيل” للترويج لحل النزاع، تُفسَّر على أنها محاولة لتقويتها على مواجهة حماس وليس كمحاولة للنهوض بأهدافهم التي نشأوا من أجلها وتحقيقها، ما يقوض شرعية وجودهم وعملهم.

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي